هاني إبراهيم

التعذيب والإكراه المادي والمعنوي داخل مراكز الإحتجاز يمثل قضية محورية من قضايا حقوق الإنسان حيث مناهضة التعذيب بكافة أشكالة يعد أحد أهم أهداف تعزيز حالة حقوق الإنسان في أي بلد من بلدان العالم. فالأثار النفسية والمعنوية والجسدية التي يتركها التعذيب بكافة صورة لا يمحوها الزمن وتترك في النفس البشرية تشوهات تعصف بصاحبها أحيانا وبمجتمعها أحيانا أخر … الإنسان هو الخاسر الوحيد من وجود واستمرار هذه الجريمة، لذلك تعمل منظمات حقوق الإنسان سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية علي مناهضة هذا السلوك العدائي والحد منه من أجل تمتع الإنسان بحياة كريمة خالية من كافة أشكال الإكراه والتعذيب.
وعلي مدي التاريخ البشري لعب التطور العلمي دورا في الحد من الإنتهاكات الجسيمة ضد حقوق الإنسان ومع التطور البشري تم توظيف الكثير من الآليات التكنولوجية ونتائج البحوث العلمية للتحول من أدوات التحقيق التي ترتكز علي العنصر البشري (المتهم الأول في التعذيب والإكراه) إلي استخدام مخرجات التطور العلمي كالبصمة الوراثية DNA وتكنولوجيا التتبع والتعقب الإلكتروني والتعرف علي المجرمين والإرهابيين من خلال كاميرات المراقبة التي تعمل ليلا نهارا وتوظيف الأقمار الصناعية في رصد تحركات المجموعات الإجرامية والإرهابية العابرة للحدود والقوميات.
المجالات العلمية تنموا وتزدهر وتطبيقاتها تتكاثر من حولنا ويمكن أن تعطينا المزيد والمزيد من الحلول العملية لإنهاء كافة أشكال التعذيب أثناء التحقيق والإحتجاز وتكشف المتهم الحقيقي وتنقذ آلاف الأبرياء من السجون ومراكز الإحتجاز، وتعين أجهزة إنفاذ القانون في تحسين صورتها العامة كمتهم دائم في عمليات التعذيب والإكراه والتعدي علي حقوق الإنسان سواء أكان ذلك في سبيل الوصول إلي العدالة – وفق معتقداتهم الخاصة – أو بسبب سادية البعض من ضعاف النفوس.
تنطلق الورقة البحثية من وجود نظرية للتغيير theory of change يعتمدها الباحث وهي كلما تم الإعتماد علي الوسائل العلمية في التحقيق الجنائي كلما قل الإعتماد علي التعذيب داخل مراكز الإحتجاز كأداة من أدوات البحث والتقصي الجنائي!
من بصمة الأصبع إلي البصمة الوراثية والرقمية: استخدام البصمات في مجال إثبات الشخصية ، أحد أهم الموضوعات التي تدرس ضمن المجالات التي يغطيها علم الأدلة الجنائية ، تأسيساً على أن البصمات لها حجيتها الدامغة في الإسناد الجنائي ، من منظور ذاتيتها الانفرادية ، فالثابت علمياً عدم تماثل البصمات بين أفراد الإنسان ، وهذه الخاصية بالذات هي التي جعلت الاعتماد على البصمة في تحقيق الشخصية، على قمة وسائل إثبات التهمة وإسنادها للمتهم. والثابت قانوناً ، هو اختصاص الضبط الجنائي (القضائي) بتعقب الجرائم وجمع الأدلة وتقديم الجناة إلى العدالة. لقد تطور«علم البصمات الجنائي» إذ لم يعد مفهوم البصمة مقتصراً على« بصمات الأصابع »حيث دلت الكشوف العلمية والتكنولوجية الحديثة على صور أخرى للبصمات مثل بصمة الجينات والبصمة الرقمية .وحيث تؤكد أحدث البحوث والتقارير العلمية الموثقة استناد الأنظمة القضائية خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية إلى هذه الصور المستجدة في تعيير الأدلة الجنائية.
الأساليب العلمية الحديثة:عرفت الأساليب العلمية الحديثة بأنها الوسائل التي تعتمد على استخدام النظريات والحقائق العلمية في مجالات مكافحة الجريمة ، وذلك عن طريق إقامة دليل الإدانة على الجاني أو تبرئته، ويستخدم في ذلك الأجهزة العلمية الحديثة التي تعتمد في تطورها على العلوم والفنون، ومن أمثلتها التصوير الجنائي، وأجهزة قياس السرعة، وأجهزة مقارنة البصمات، والأسلحة النارية، والمقذوفات النارية
وتنقسم الوسائل العلمية إلى الوسائل العلمية المستخدمة في مسرح الحادث، والوسائل العلمية في المعمل الجنائي. ومن الوسائل العلمية المستخدمة في مسرح الحادث أجهزة الفحص بالأشعة فوق البنفسجية، وأجهزة التكبير، واستخدامات الاختبارات الكيميائية اللونية. أما الأساليب العلمية في المعمل الجنائي فمنها: الوسائل المستخدمة في قسم البصمات والانطباعات، والوسائل المستخدمة في قسم الكيمياء الجنائية، والوسائل المستخدمة في تحليل السموم، والوسائل المستخدمة في قسم الأسلحة النارية وآثار الآلات، والوسائل العلمية في قسم التصوير الجنائي.
كما عرفت الأساليب العلمية الحديثة بأنها: الأدلة التي قد أحدثت تغييرات جذرية في وسائل الإثبات الجنائي ولم تكن معروفة من قبل، اعتماداً على النظريات العلمية والممارسات العملية الميدانية التي ظهرت واستقرت أصولها لدى المراكز العلمية المتخصصة، كما أجمعت عليها المؤتمرات الجنائية الدولية بما لا يعطي مجالاً للجدل في حقيقتها أو الطعن في صحتها. والأساليب العلمية القاطعة الدلالة هي البصمات المتمثلة في: البصمة الوراثية، وبصمة المخ، وبصمة الصوت، بالإضافة إلى تحليل الدم، ومضاهاة الخطوط اليدوية، وتحليل الأحبار.
هو تطبيق المنهج العلمي ووسائله العملية في مجال التحقيقات الجنائية؛ يستفيد هذا العلم من علوم الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، مع التركيز على التعرف على الأدلة وتقييمها.
يتوزع علم الأدلة بين التخصصات التالية:علم السموم الجنائي، وعلم النفس الجنائي، والطب الشرعي، وطب الأسنان، وطب العظام الجنائي، وعلم الحشرات، والأنثروبولوجيا الجنائية، وعلم الأدلة الجنائية الرقمي، وتحليلات الـ DNA، والبصمات، والدماء، وفروع أخرى كثيرة.
نشأة علم الأدلة الجنائية:
١- إدموند لوكار: لم يظهر علم الأدلة الجنائية بشكل ملموس، إلا عندما أنشأ السيد إدموند لوكار، في أوائل القرن العشرين، أول معمل في التاريخ للتحقيقات في مواقع الجريمة، في مدينة ليون الفرنسية عام ١٩١٠. وكان لوكار متأثرًا بشخصية شارلوك هولمز، لدرجة أن أطلق عليه “شارلوك هولمز فرنسا”. وتمثلت أعظم مساهماته في مبدأ لوكارد، والذي ينص على أن “كل اتصال يترك أثرًا Every contact leaves a trace”.
٢- فرانسيس جلسنر لي: لم تستقر رسميًّا مبادئ تحليل موقع الجريمة إلا في عام ١٩٣١. وذلك عندما قامت السيدة فرانسيس جلسنر لي بتأسيس مدرسة هارڤارد للطب الشرعي legal medicine. وجهزت فيها معملًا للمجسّمات المصغرة لمواقع حوادث الوفاة والقتل التي لم يتم حلها، وذلك كأداة تعليمية لطلبة الطب.
الجريمة إن حدثت !
مسرح الجريمة: بمجرد أن تحيط الشرطة بموقع الجريمة، يحين دور محققي الأدلة الجنائية ليبدؤوا في الفحص المبدئي لموقع الجريمة. يلي ذلك جمع الأدلة المبدئية incentive evidences، وهي الأدلة الواضحة التي يمكن جمعها من موقع الجريمة، مثل: سلاح الجريمة، وبصمة اليد، وآثار الدماء. تتم هذه العملية بمهارة فائقة؛ بقفازات وأغطية للرأس وملابس خاصة؛ حافظًا على عدم تلوث موقع الجريمة.
التصوير و جمع الأدلة: يتم تصوير موقع الجريمة، من الأرض للسقف ومن ركن لركن، وتُجمع جميع الأدلة الممكنة، ويتم وضع الأدلة في أكياس صغيرة بلاصقات تدل على نوعها وتاريخ العثور عليها، ليتم الاحتفاظ بها، وعادة ما تقدم الأدلة أثناء المحاكمة إذا لزم الأمر.
مبدأ “العمل يبدأ من الخارج الى الداخل: إفترض أنك أشعلت إحدى الألعاب النارية في أية إحتفال، وخلّف انفجار هذه “المفرقَعة” قطعًا متناثرةً في كل مكان. بالطبع عليك تنظيف المكان من بقايا هذا الانفجار، وجمع كل القطع المتبقية. هَب أنك ستبدأ من موقع إشعال المفرقعة حيث تتوقع تراكم أكثر القطع. هذا بالضبط ما لن يفعله إخصائيو الطب الشرعي. ذلك لأنك عندما تبدأ عند المصدر، ستقفز إلى استنتاجات سريعة بناءً على عدد القطع التي ستجدها هناك، وستبني عندئذ عليها تصورًا كاملًا عن بقايا الانفجار وحجم مخلفاته، وهو الأمر الذي يجعلك تفقد الكثير من التفاصيل.
المبدأ الحاكم: يعد بدء العمل من الخارج، ثم التقدم ببطء نحو الداخل، أحد المبادئ الرئيسية في الطب الشرعي. وهو المبدأ الحاكم الذي يلتزم به المحققون في حوادث الحريق ومحللو آثار الدماء في جرائم القتل.
الأطباء الشرعيون Forensic Pathologists:: تبدأ أعمال تشريح الجثة من الخارج إلى الداخل، إذ يبدأ المحققون في جمع عينات بيولوجية من موقع الجريمة، مثل: الشعر، وقصاصات الأظافر، ثم يسجلون كل جرح أو علامة في الجثة. بعد ذلك يقومون بفتح الجثة على شكل Y لفحص الأعضاء، ويأخذون منها أجزاء ليتم فحصها بالمايكروسكوب، وفي النهاية تتم خياطة الجثة بعد الاطمئنان على وجود كل الأعضاء في الداخل، تحسبًا لإجراء تشريح آخر. وعقب قيام أطباء العظام والأعصاب بفحص الجثة وإعداد تقاريرهم، يقوم الطبيب الشرعي بإعداد التقرير النهائي، معتمدًا على التقارير الطبية المختلفة المتجمعة لديه.
تطبيقات علمية متناثرة تخدم العدالة: “نقطة دماء.. شعرة من جسده.. حيوانات منوية.. بصمة.. وحتى العرق” كلها أشياء تقود فرق البحث الجنائي لكشف هوية الجُناة في القضايا المختلفة، كما يذكر اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والخبير الأمني في مقابلة معه أجرتها مدي مصر عام 2014.
في الماضي كانت الشرطة عندما تشتبه بأحد الأشخاص، فإنها تقتاده إلى قسم الشرطة، ثم مديرية الأمن للبحث عما إذا كانت عليه أي قضايا من عدمه، أما الآن مع التطور التكنولوجي، فلا يستغرق الأمر سوى دقائق، يتم الكشف عنه من خلال بطاقته في سيارة النجدة، ليظهر ما إذا كان مطلوبًا في أحكام قضائية من عدمه.
“في الجرائم، ينتقل خبراء المعمل الجنائي بكل أقسامه، من بينهم قسمي الفحص البيولوجي والأسلحة والذخائر، ويفحص الأول أي آثار متواجدة بالمكان قد تقود إلى الجاني، فعلى سبيل المثال قضايا القتل، يتم البحث عن أي نقطة دماء، فقد لا تكون للمجني عليه، ربما تكون من الجاني، ويتم توقع حدوث مقاومة بين الجاني والمجني عليه قبل ارتكاب الجريمة، أدت لها، أو خصلة شعر، أو الأظافر.. كلها أشياء تقود إلى الجاني من خلال تحالي البصمة الوراثية DNA””
مجالات استخدام DNA وأهميتها : من التطبيقات العملية لـ DNA إنه في التجارب المعملية يمر بمراحل ابتداءً بطريقة عزل DNA من العينات الجنائية المختلفة مثلا :
• عزل DNA من الدم أو صبغة الدم
• عزل DNA من اللبان (العلكة)
• عزل DNA من أعقاب السجائر
تبّين ان استخدام تقنية البصمة الوراثية DNA هى الضربة القاضية للتشكيك في القضايا الجنائية ومن خلال استخداماته في المعامل الجنائية اعتمدت نتائجه بنسبة عالية جدا من الدقة قد تصل إلى 100 %. قد نعطي مثالا على هذا من الواقع العملى، ففى المعامل والمختبرات الجنائية سابقا كان يعتد ببصمة الأيدي كدليل قاطع على عدم التشابه في البصمة من شخص إلى آخر، إلا إنه قد تحدث بعض الأمور. مثلا في قضايا القتل والخاصة ( بجثة مفقودة) لمدة من الزمن ويتم العثور عليها سواء كانت محترقة أو قد دفنت في الأرض وبعد ان تحللت ولم يبقى منها سوى القليل من اللحم والعظم . قد نحتاج للتعامل مع هذه القضايا إلى أرشيف من الملفات الخاصة بالمواليد يتم فيه أخذ البصمة الوراثية لكل مولود حديث والاحتفاظ بها كذلك للرجوع إليها وقت الحاجة .وعند العثور على الجثة يمكن الحصول منها على عينات (للحامض النووي) عن طريق الخلايا الموجودة بالعظام مثلا، واستخلاص وتحليل هذه الخلايا بهذه التقنية والحصول على نتائج البصمة الوراثية ومقارنتها بالدليل الموجود لدينا من ملفات المواليد ، ومعرفة هوية الشخص صاحب الجثة . قد يكون هذا الامر بالغ الصعوبة لأعداد أرشيف المواليد حديثي الولادة والابتداء في تطبيق هذا المنهج على مستوى الدولة، وتحتاج للبدء بهذا منذ الإعداد لحظة العمل بهذه التقنية ويتطلب ذلك ان نتحصل على نتائج مرضية لمعرفة هذا النوع من الجرائم بعد مضي زمن من الوقت من هذا الإعداد
التكنولوجيا لمحاربة الاختطاف: في أحد السنوات القليلة الماضية، حدث أن أرسلت إحدى الإدارات المعنية بالجرائم في حق الطفولة، بوزارة الداخلية، خطابًا تُطالب فيه بضرورة إضافة بصمة قدم الطفل في شهادة ميلاه، حتى يُمكن العثور عليه إذا تم اختطافه وطالت مدة الاختطاف لفترة زمنية أدت إلى تغيير ملامحه، وكانت الفكرة في طريقها للتفعيل من خلال قطاع الأحوال المدنية، وكان من المُزمع إصدار شهادات الميلاد الجديدة، والتي تُضاهي المماثلة لها في دولة متقدمة، أبرزها أمريكا.
الذكاء الإصطناعي ورصد الجريمة والتنبوء بها: في تقرير منشور علي موقع France 24 : أفاد بأن الشرطة في ولاية ديلاوير الاميركية قامت بتزويد سيارات دورياتها بكاميرات “ذكية” لرصد آليات تنقل الفارين من العدالة او الأطفال المفقودين. يشير ذلك إلي أن الذكاء الاصطناعي سوف يسهم في تحليل تسجيلات الفيديو للتعرف إلى الآليات بلوحات التسجيل أو سمات أخرى، وسيزود عناصر الدورية “بعينين اضافيتين” وهو ما سوف يساعد الشرطيين في إبقاء تركيزهم على عملهم.
يندرج هذا البرنامج ضمن توجه متزايد لاستخدام الذكاء الاصطناعي البصري لمكافحة الجريمة وتحسين السلامة العامة، لكنه يثير مخاوف ناشطي الحقوق المدنية والمدافعين عن الخصوصية الذين يخشون من إتاحة هذه التكنولوجيا أنشطة “تنميط” سرية وسوء استغلال البيانات.
وتستخدم الآن الكثير من الشركات ومحلات البيع التكنولوجيا نفسها لمساعدة متاجر البيع بالتجزئة في رصد أي محاولة سطو بشكل آني عبر كشف وجود أسلحة او مهاجمين مقنعين. بل أن هناك مشاريع تجريبية لهذه التقنية إطلاق صفارات الانذار تلقائيا عند السطو او الحرائق او غيرها من المخاطر، وتوفر هذه التكنولوجيا مراقبة أكثر فعالية للمخاطر بكلفة أدنى من الحراس البشريين. واستندت التحليلات التنبؤية حتى فترة ليست ببعيدة، إلى إدخال أرقام وبيانات أخرى لتأويل التوجهات. لكن الابتكارات المنجزة على مستوى التعرف البصري باتت حاليا مستخدمة لرصد أسلحة نارية او آليات او افراد معينين لمساعدة قوى الامن والأمن الخاص.
توظيف هذا النوع من التكنولوجيا يتيح للمحققين العثور بسرعة على أهدافهم في تسجيلات مراقبة الفيديو، في نظام تستخدمه القوى الامنية في مئات المدن حول العالم ومنها باريس وبوسطن وشيكاغو.
إلا أن الاستعانة بانظمة الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية يتطلب تدقيقا صارما لضمان وجود الاجراءات الوقائية والشفافية القانونية والحقوق الاجرائية.
لماذا يجب التقليل من العامل البشري لصالح العامل التكنولوجي والعلمي في قضايا التعذيب والإكراه المادي والمعنوي أثناء التحقيقات الجنائية والإرهابية:
- لابد من الإعتراف بأن العامل البشري يتأثر بمحيطة الإجتماعي وجذوره العائلية وينعكس بشكل أو بأخر ذلك علي سلوكة تجاه المشتبه بهم ومن هم قيد الإحتجاز والتحقيق.
- المؤثرات البيئية المحيطة بالعامل البشري تدخل في اتجاهاته وسلوكياته فعلا سبيل المثال استنشاق المزيد من الرصاص الصادر في عادم السيارات في مدن شديدة الإذدحام يؤثر سلبا علي الجهاز العصبي ويجعل الإنسان شديد العصبية والحساسية تجاه كل فعل يؤدي إلي إغضابه … يمكن تصور ما سيكون عليه ظابط التحقيق بعد أن يجلس في سيارته ثلاث ساعات داخل شوارع المدينة المزدحمة ليتعامل بعدها مع أشخاص رهن التحقيق!
- نسبة الخطأ في العامل البشري أضعاف نسبة الخطأ في اليقين العلمي.
- التكنولوجيا والتطبيقات العلمية تمتاز بحيادتها فلا تتأثر بالإنتماء العرقي أو الأحكام المسبقة pre-judgement أو الإنتماء الطائفي …إلخ مثل تأثر العامل البشري بها.
- الإرتقاء بالأداء البشري وتركيزه علي تحليل الروابط بين الحواث وعلاقتها بإتجهات الجريمة والإرهاب أهم من ضياع الجهد البشري في سلسلة التحقيقات الروتينية والإنهاك البدني في قضايا التعذيب والإكراه المادي والمعنوي.
- أيضا تجنيب مسئولي التحقيق التأثيرات النفسية الضارة الناتجة عن الممارسة الخارجة عن القانون في حالات التعذيب والقهر حيث أثبتت العديد من الدراسات تعرض الكثير من أفراد العمل الشرطي لتأثيرات نفسية بالغة في مراحل مختلفة من أعمارهم عند اللجوء إلي ممارسة التعذيب في عملهم الأمني.
- البنية التحتية المعلوماتية والتكنولوجية: الإفتقار إلي التطبيقات العلمية ذاتها وأدواتها من برامج ومعدات (soft and hard wares) مما يصعب استخدامها وتوظيفها لخدمة أغراض التحقيق الجنائي والإستدلال علي مخالفي القانون فعليا.
- الموارد البشرية: الإفتقار إلي الموارد البشرية التي يمكنها تطبيق التكنولوجيا المتطورة.
- التكلفة العالية: حيث تحتكر بعض الدول إنتاج المعدات والمواد الكيميائية المطلوبة في معامل التحليل وتقوم ببيعها بتكاليف عالية جدا
- الوعي المجتمعي: الكثير من البلدان العربية تجد مقاومة شديدة في تطبيق المخرجات العلمية في معاملاتها البشرية ومنها تحليل ال DNA حيث تخشي العديد من المجتمعات العربية من كشف الأنساب الحقيقية لبعض الابناء مما يحدث لغطا عاما أو استخدام المعلومات من قبل الأجهزة الأمنية في غير أغراضها الأمنية وإبتزاز المواطنيين بهذه المعرفة أو التشدد التلقائي لمفاهيم الانساب والحفاظ علي وضعيتها داخل المجتمعات خاصة القبلية منها.
التوصيات
- مؤسسات المجتمع المدني:
علي مختلف مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية تطوير برامج توعوية وبناء قدرات مؤسسية معنية بكيفية رفع وعي الجمهور العام (المواطنيين) في تقبل التطبيقات العلمية خاصة التي تتعلق بالكشف عن هوياتهم مع المدافعة الكاملة في الحق العام في الخصوصية الشخصية ضد أية إنتهاكات. أيضا يجب عليها تطوير برامج لبناء الثقة بين مؤسسات العدالة وبين مكونات المجتمع حتي يمكن رأب الصدع المتمثل في الاتهامات المتبادلة فيما يخص حقوق الإنسان وأهمها الحق في وجود بيئة خالية من كافة أشكال التعذيب والإكراه.
- المؤسسات الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان:
يجب تطوير مزيد من البرامج والجهد المعني بتوفير الموارد المالية المخصصة للبلدان النامية التي تحتاج لتكنولوجيا التحقيق الجنائي ومكافحة الإرهاب ويجب المدافعة عن حق هذه الدول في الحصول علي تطبيقات العلوم المتقدمة بأسعار عادلة ومتفقة مع موازناتها العامة ووضعية مجتمعاتها ذات الموارد المالية المحدودة. أيضا يجب تطوير برامج دولية عن التعليم في كيفية نشر تطبيقات العلم في مناهضة التعذيب وتحسين أوضاع السجناء والمحتجزين بالإضافة إلي أعمالهم الدائمة في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكلها العالمي.
- المؤسسات الأمنية (أجهزة إنفاذ القانون):
زيادة التوجه نحو التطبيقات العلمية والتكنولوجية في التحقيقات وخدمة العدالة وإنفاذ القانون وتدريب أفرادها علي صون خصوصية المواطنين وضمان حماية إرثهم الشخصي وعدم إنتهاك حقوقهم االمادية والمعنوية بأي شكل من الاشكال وأن تكون هذه الحماية متواجدة في القانون والممارسات.
- المراكز العلمية في عالمنا العربي:
نحتاج إلي مزيد من بذل الوقت والجهد والموارد في سبيل تطوير منتجات علمية عربية قابلة للتوظيف في التحقيق الجنائي كما يحدث في دول الغرب وان يتم التعاون بين هذه المراكز وبين مؤسسات إنفاذ القانون.
- الإعلام وقيادات المجتمع:
تطوير برامج إعلامية ومجتمعية لمساندة التوجه نحو التطبيقات العلمية في وسائل الكشف عن الهوية والتتبع وبناء الملفات المعلوماتية عن المواطنيين بغرض توظيفها في الكشف عن مخالفي القانون خاصة من المجموعات الإجرامية والإرهابية والمهددين للأمن القومي للمجتمعات العربية.