نورهان نبيل
باحثة في العلاقات الدولية
تحظى قضية اللاجئين بأهمية كبيرة نظرًا لما يتعرض له هؤلاء من معاناة وظروف قاسية، فضًلا عن استغلالهم بأشكال مختلفة لتحقيق أهداف سياسية بين الدول بل أن بعض الدول تبتز دول اللجوء ماليا وسياسيا مقابل وقف مجموعات اللاجئين ومنع عبورهم. وفي خضم الصراع تظهر وتنتشر شبكات المصالح علي حدود الدول التي تستغل معاناة اللاجئين في تحقيق مكاسب مالية عبر ابتزازهم إما لتوفير مقومات الحياة أو فتح ثغرات لهم بين الحدود. ومن الجدير بالذكر بلغ عدد اللاجئين حتى منتصف 2020 رقمًا قياسيًّا متخطيًا ( 82 ) مليونًا حول العالم، وبزيادة تقدر بأكثر من ( 10 ) ملايين عن آخر تعداد رسمى أعلنته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فى 2019.
إذًا فمن هم اللاجئين ، ولماذا غادروا أوطانهم وما هي القوانين المتعلقة بهم وكيف يتم استغلالهم وما هي الدول التي وظفت قضية اللجوء خدمة لمصالحها أو ابتزازا لجيرانها:
–اللاجئ : هو الشخص الذي أجبر على مغادرة بلده ولا يمكنه العودة إليها لعدم شعوره بالأمان، وقد يكون ذلك بسبب الحرب أو لأنه تعرض للأذى أو المعاملة السيئة من قبل آخرين ، وللاجئ الحق في التمتع بالحماية الدولية .
– طالب اللجوء : هو الشخص الذي غادر بلده سعيًا وراء الحصول على الحماية، ولكن لم يتم بعد الاعتراف به كلاجئ رسميًا، وينتظر البت بشأن طلبه للجوء، وطلب اللجوء حق إنساني، وهذا يعني أنه ينبغي السماح لكل شخص بدخول بلد آخر لالتماس اللجوء .
القوانين المتعلقة بالأجئين:
تحظى حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء بالحماية من قبل القانون الدولي، بغض النظر عن طريقة وصول هؤلاء إلى بلد ما، أو سبب ذلك، ولهؤلاء اللاجئين الحقوق نفسها التي للآخرين، إضافة إلى أشكال خاصة ومحددة من التدابير الحمائية الخاصة بهم، وفي مقدمتها :

– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المادة 14 ) : التي تنص على أنه لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد.
– اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين المبرمة في 1951 ( والبروتوكول الملحق بها لسنة 1967 ) : اللذان يوفران الحماية للاجئين من أن يعادوا إلى بلدان يمكن أن يتعرضوا فيها لخطر الاضطهاد.
– المعايير القانونية الإقليمية الخاصة باللاجئين ( بما فيها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لسنة 1969، وإعلان كارتاخينا لسنة 1984، والنظام الأوروبي العام للجوء).
ـ اللاجئون بين الضغط السياسي والابتزاز المالي والعنصرية:
تحولت قصية اللاجئين من قضية إنسانية إلى قضية سياسية، وأصبحت ورقة ضغط توظفها بعض الدول في إطار سياساتها المحلية أو في سياق تفاعلاتها مع القوى والأطراف الدولية، وفي حقيقة الأمر أن هذا الاستغلال ليس بجديد، حيث:
أ. استخدم الرئيس الكوبي السابق “فيديل كاسترو” الهجرة كسلاح ضد الولايات المتحدة عدة مرات اشهرها هروب ماريل الجماعي عام 1980.
– هروب ماريل الجماعي: هو هجرة جماعية غير شرعية لمواطنين كوبيين حدثت ما بين 15 إبريل و 31 أكتوبر عام 1980، وكان سبب الهجرة هو الانخفاض الحاد الذي شهده اقتصاد كوبا في ذلك الوقت الذي أدى إلى توترات داخلية داخل الجزيرة مما حدا ب ( عشرة آلاف ) كوبي بطلب حق اللجوء في سفارة البيرو في هافانا في 6/4/1980، وفي اليوم التالي منحت الحكومة الكوبية الإذن بالهجرة للكوبيين الذين لجأوا إلى سفارة البيرو، ثم بدأت الهجرة الجماعية من ميناء ماريل البحري بعد وقت قصير، ونظم الهروب بالتوافق مع أمريكيين ـ كوبيين والرئيس الكوبي “فيدل كاسترو”.
– قامت الحكومة الكوبية بعد ذلك بإغلاق ميناء ماريل، وقدر عدد المهاجرين إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة بحوالي 125.000 في 1700 قارب منهم 27 متوفي، وضع بعضهم في مخيمات للاجئين، والبعض الآخر وضع في سجون فيدرالية انتظارًا لجلسات الاستماع في انتظار النطق بالحكم بالترحيل.
ب. طرد الرئيس اليوغسلافي “سلودوبان ميلوسوفيتش” خلال حرب كوسوفو عام 1999، مئات الألوف من اللاجئين في محاولة لردع الناتو عن قصف قواته.
ج. توعد الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي” بجعل “أوروبا سوداء” في أكثر من مناسبة، مهددًا بذلك الاتحاد الأوروبي في حال عدم استجابته لمطالبه برفع العقوبات عن ليبيا، كما استعمل التهديد نفسه ليطالب بأيقاف دعم أوروبا للمحتجين في الأيام الاولى فيما يعرف باسم “الانتفاضة الليبية” عام 2011.
– يُذكر أن “القذافي” أمر في 29/11/2010، بوقف فوري لجهود ليبيا في الحد من الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى دول الاتحاد الاوروبي إذا لم يدعمه الاتحاد في ذلك ماليًا وتقنيًا، مؤكدًا أنه في تلك الحالة ستصبح “أوروبا البيضاء” “سوداء”، وشدد “القذافي” أن ليبيا تريد من الاتحاد 5 مليارات يورو على أن تقوم ليبيا في المقابل بوقف قوارب تهريب البشر التي تنطلق من السواحل الليبية إلى أوروبا.
حاليًا.. كيف تستغل الدول اللاجئين.. (تركيا وبيلاروسيا نموذجًا)
أ. تركيا: في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة، وشهدها العالم، والشرق الأوسط تحديدًا، بعد أحداث 2011، وجدت تركيا نفسها أمام خيارات استراتيجية عده، إما عزلة وابتعاد عن عالم عربي إسلامي ترتبط به جغرافيًا وتاريخيًا، أو اندماج مع تعنت ورفض أوروبي لا يقبل بها أو بمشاركتها، فاتجهت للاندماج في قضايا الوطن العربي واستعادة دورها المحوري في صراعات المنطقة، والانتقال الى مركز الاحداث بحيث تكون لاعبًا اساسيًا لا يمكن تجاهله.

كانت الأزمة السورية خير مدخل لتركيا لاستعادة دورها المفقود فأخذت قضية اللاجئين ذريعة للتدخل، وكانت تركيا من أوائل الدول التي أثارت مسألة ظهور مشكلة اللاجئين السوريين، وذلك قبل أن تطأ قدم نازح واحد داخل الأراضي التركية أو أراضي أية دولة أخر، حيث بادرت حكومة الرئيس “رجب طيب أردوغان”، بإقامة بيوت جاهزة على الحدود مع سوريا في منطقة الاسكندرون، تحسبًا لتدفق اللاجئين.
عرفت تركيا كيف تستغل لاجئيها، فبعد أن صوت البرلمان الأوروبي بتجميد أنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بدأت تركيا بالضغط على دول الاتحاد من خلال تسهيل مرور اللاجئين لدول الاتحاد حيث انتقل قرابة مليون شخص من تركيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، برًا وبحرًا بعد عامين فقط من بدء الأزمة السورية، وتحت هذا الضغط ، بدأ عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عام 2015 بالتفاوض مع تركيا بشأن التوصل إلى اتفاق لضبط الهجرة، وفي مارس 2016 تُوِّجت تلك المفاوضات في ما عرف باسم “اتفاق الاتحاد الأوروبي – تركيا”.
استفادت الدول الأوروبية أول الأمر من الاتفاق لأن أعداد المتدفقين عليها قلت بشكل ملحوظ، لكنها لاحقًا اكتشفت أنها وقعت في فخ تركيا، فاللاجئون هم ورقة الضغط الرابحة في يد “أردوغان” يلوح بها للأوروبيين كلما تحدثوا عن الوجود التركي في سوريا، وصرّح “أردوغان” أكثر من مرة مؤكدًا أنه في حال قامت أوروبا بالاعتراض على ما تفعله تركيا في سوريا خاصةً فإن بوابات اللاجئين سوف تُفتح إلى أوروبا، وعام 2020 أعلنت تركيا فتح المعبر الحدودي مع اليونان، ما أدى على الفور إلى ازدحام هائل لآلاف اللاجئين على الحدود البرية والبحرية التركية اليونانية، وواجهت تلك الحشود ردعًا قويًا من قبل القوى الأوروبية، ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والمعاناة المأساوية.
لذا فقد ينجح “أردوغان” في الحصول على مزيد من التنازلات من قبل الأوروبيين، ولا سيما أن قضية الهجرة واللجوء على درجة عالية من الحساسية للاتحاد الأوروبي بالنظر إلى ما أحدثته الموجة الأولى من تدفق اللاجئين من تركيا إلى أوروبا في 2015-2016 من تغيرات عاصفة بالمشهد الأوروبي، بعد أن غذت تيارات يمينية شعبوية معادية للمهاجرين وصعدت بشعبية أحزاب يمينية متطرفة، وكانت أحد العوامل التي عززت توجه البريطانيين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي للأبد، كما أن الأوروبيين لا يريدون الظهور بمظهر القامع للاجئين المتدفقين على حدوده. يُذكر أن تركيا قد حصلت على أكثر من ( 8 ) مليارات يورو من أوروبا مقابل استقبال اللاجئين، كما أنها طلبت المزيد من المال.
وفضًلا عن استخدام “أردوغان” اللاجئين للضغط على الأوروبين، فان اللاجئين في تركيا يتعرضون لاستغلال مركب، حيث:
- تم توظيف قضاياهم من قبل الحزب الحاكم لدعم شرعيته في تركيا، ومُنح البعض منهم الجنسية لكي يضطلع بأدوار سياسية في دعم الحزب في الانتخابات البلدية عام 2019، ومع وصول المعارضة إلى إدارة الحكم في بعض البلديات والمدن الرئيسية اتجهت الحكومة التركية إلى ترحيل مئات الآلاف وإبعادهم عن آراضيها.
- استفادت تركيا بنحو 3 مليارات دولار تمثلت في مدخرات حملها اللاجئون السوريون معهم إلى أنقرة وتم ضخها في الاقتصاد التركي عبر مشروعات اقتصادية وتجارية أفادت الاقتصاد التركي، كما تم توظيفهم بمرتبات أقل مقارنة بنظرائهم الأتراك.
- تم تجنيد الكثير منهم للقتال إلى جانب الميليشيات المسلحة المدعومة من تركيا على الساحتين السورية أو الليبية.
- السعي لتحقيق مكاسب عسكرية عبر توظيف قضية اللاجئين، سواء فيما يخص مطالبها بشأن نشر منظومة باتريوت الصاروخية التابعة لحلف الناتو على أراضيها، أو فيما يتعلق بدعم خططها العسكرية في سوريا.
لم يتوقف “أردوغان” عند استخدام اللاجئين الموجودين في تركيا لتحقيق أهدافه باستعادة الخلافة العثمانية، والضغط على الأوروبيين، بل اتجه لاستخدام المهاجرين واللاجئين في غير الأراضي التركية، حيث أوضحت مصادر أن تركيا عقدت صفقة مع المليشيات التي تسيطر على معسكرات المهاجرين غير الشرعيين في غرب ليبيا، تكون أنقرة بمقتضاها المسيطر الأول على هذه المعسكرات والمشرف على احتجاز المهاجرين، وذلك لفتح جبهة جديدة على أوروبا تستخدمها أنقرة كورقة ضغط للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية.
يمكن أيضا أيضاح أن موقف “أردوغان” من اللاجئين قد يتغير على أثر الانتخابات المقرر عقدها في 2023، حيث أن أحزاب المعارضة تلعب بهذه الورقة لكسب تأييد الشعب المشحون من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، محملين اللاجئين سببها.
يُشار إلى أن تركيا تستضيف عددًا من اللاجئين يفوق الأعداد التي تستضيفها غيرها من الدول، وذلك جراء اشتعال حرب أهلية في سوريا المجاورة منذ 2011، كما أن هناك أعدادا كبرى تقصد تركيا قادمة من أفغانستان البعيدة.
ب. بيلاروسيا: تتصدر بيلاروسيا المشهد حاليًا في احدث صورة لاستغلال اللاجئين، فعلى خلفية العقوبات التي أعلنتها أوروبا بحق بيلاروسيا، بسبب إجبارها طائرة مدنية على الهبوط في مينسك لاعتقال صحفي معارض كان على متنها، أعلنت بيلاروسيا تعليق العمل باتفاقات مكافحة الهجرة غير الشرعية مع الاتحاد الأوروبي، وذلك للضغط على أوروبا للرجوع في العقوبات، حيث أن القضية، كما سبق الذكر، على درجة عالية من الحساسية للدول الأوروبية.

وعليه فقد احتشد اللاجئون على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، مما دفع بولندا لنشر 15 ألف جندي على حدودها لوقف هذا التدفق. كما تتهم دول الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي”ألكسندر لوكاشينكو”، بإغراء المهاجرين للقدوم صوب الحدود مع بولندا، انتقامًا من العقوبات المفروضة على بلاده، وكانت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلت عن سفير بيلاروسي انشق عن حكومة “لوكاشينكو” قوله إن القوات الخاصة للأخيرة درّبت مهاجرين من أفغانستان والعراق من أجل اختراق الحدود، لكن بيلاروسيا تنفي ضلوعها في الأمر.
من جانب آخر، تتهم بيلاروس ليتوانيا وبولندا أنهم يتخذان أزمة اللاجئين الحدودية كأداة لكسب المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي، حيث أكد المندوب البيلاروسي الدائم لدى الأمم المتحدة “فالنتاين ريباكوف” إن ليتوانيا وبولندا تستغلان أزمة اللاجئين لمصلحتهما وتتخذانها ذريعة للحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي إضافة إلى تبرير سياستهما المناهضة للاجئين وانتهاكاتهما الكثيرة لالتزاماتهما الدولية، وتسعيان كذلك إلى تعزيز أهميتهما ودورهما في السياسات الأوروبية والدولية. بذلك تحول آلاف اللاجئين العالقين، وغالبيتهم من العراقيين، لورقة ابتزاز وتصفية حسابات بين بيلاروسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، لا سيما ليتوانيا وبولندا المجاورتين لها، وذلك على أثر صراعات نفوذ ذات أبعاد تاريخية وجيوسياسية معقدة، على غرار الصراع التقليدي المعروف بين الناتو وروسيا، لا سيما في مناطق التماس الجغرافية الحساسة والرخوة بين الطرفين، مثل المنطقة التي علق فيها هؤلاء اللاجئين. يُشار إلى أن أرقام الوكالة الأوروبية تظهر أن أكثر المهاجرين العالقين هناك قادمون من دول: العراق وأفغانستان وسوريا والكونغو وروسيا.
والواقع أن استغلال ملف اللاجئين لتبرير مواقف سياسية معينة أو لتحقيق مكاسب بين أطراف متنازعة لا يقتصر حصرًا على الأمثلة السابقة، فهناك دول أخرى تعمل على استغلالهم ضمن حراكاتها الداخلية أو لتبرير سياساتها، كالسلطات اللبنانية التي اعتبرت أن الأسباب الرئيسية وراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها البلد اليوم من ضمنها المهاجرين والنازحين واللاجئين، كما أن اليمين المتطرف الأوربي يستخدمهم في لعبته السياسية، حيث:
- قامت الأحزاب السياسية المتناحرة في الدول الغربية، بتحويل قضية اللاجئين إلى لعبة سياسية يستخدمها المعارضون اليمينيون على وجه الخصوص لجني مكاسب سياسية، وغالبية اليمين الأوروبي ينتقد الحكومات لاستقبالها للاجئين، وقاموا بتبني كل مطلب أو شعار يكسبهم المزيد من أصوات المعاديين للإسلام واللاجئين، للانتصار على الأحزاب الحاكمة.
- كان الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” قد أثار خلال حملته الانتخابية الجدل حول الهجرة للترويج لأجندته السياسية، وانتقد توافد اللاجئين السوريين على أوروبا، مشيرًا إلى تسلل عناصر من تنظيم “داعش” إلى أوروبا في صفوفهم معتبرًا أن أجهزة الهجرة الأمريكية تجهل كل شيء عن ماضي اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة، كما قام “ترامب” بعد توليه منصبه بحظر دخول مواطني ( 6 ) دول ذات غالبية مسلمة للولايات المتحدة.
كما أن استغلال الاجئين لم يقتصر على الدول فقط، فقد حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن يؤدي تسرب ( 63 % ) من اللاجئين الوافدين إلى شرق السودان، إلى تعرضهم لعمليات استغلال من قبل المهربين وتجار البشر، جراء تسربهم من معسكرات اللجوء، وعلى جانب آخر، أشارت كثير من التقديرات الدولية إلى أن ميليشيات الحوثي عمدت إلى تدعيم صفوفها بمقاتلين أفارقة من اللاجئين تحت الضغط والإجبار، خصوصًا بعد الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدتها في مختلف ميادين المواجهات، وعينت المليشيات الحوثية، مشرفين على عمليات التجنيد ممن لديهم خبرات باللاجئين الأفارقة، بهدف إتمام مهمة الحشد والتعبئة للاجئين وفرز وتصنيف المجندين وفق خبراتهم في حمل السلاح.
لكن على غير هذا النمط الاستغلالي الذي يتعرض له اللاجئين، يأتي التعامل المصري معهم على وتيرة مغايرة، فمصر تحتضن ما يزيد على خمسة ملايين لاجئ، ولكنها لا تتعامل معهم على أنهم لاجئون بل يلقون نفس المعاملة التى يلقاها المواطن، حيث:
– تُعد مصر من أوائل الدول فى دعم ومساندة حقوق اللاجئين، وتوفير سبل الأمان الاجتماعى الاقتصادي، وأنها منذ نشأتها سياسيًا ضمنت كافة حقوق المواطنة للاجئين باستثناء الحقوق الانتخابية التي وضعت لها اطارا تنظيميا خاصا ، طبقا لكافة الدساتير الوطنية التى مرت عليها، وفى كافة تلك المواثيق الدستورية هناك حقوق ثابتة للاجئين، أبرزها توفير الضمانات السياسية لهم وعدم إجبارهم على العودة لموطنهم الأصلى أو تغيير معتقداتهم الدينية أو الثقافية، هذا الاحتضان للاجئين يعكس مفهوم “أخلاق الدولة” الذى يغيب عن الكثير من الدول فى هذا الملف تحديدًا.

– ترفض مصر إيداع اللاجئين فى معسكرات أو مراكز تجمع وعزلهم عن المجتمع بل تحرص على دمجهم داخل المجتمع بشكل كامل وتقدم لهم كافة الخدمات التى توفرها الدولة بجميع المحافظات وأهمها التعليم والرعاية الصحية رغم ما يرتبه ذلك من زيادة في الأعباء الاقتصادية عليها .
يتضح من النموذج المصري للتعامل مع اللاجئين أن الجميع لا يتعامل بالمبدأ الميكافيلي “الغاية تبرر الوسيلة”، حيث أن معاناة الإنسان لا يجوز التجارة بها مهما كانت الغاية، وإذا أردت الدول أن تحقق مصالح من وراءهم فعلى أقل تقدير يمكن أن توفر لهم حياة بعيدة عن المعاناة ثم تستخدمهم في صراعاتها، فعلى سبيل المثال تركيا التي تضغط بهم سياسيًا على أوروبا وتبتزها بهم ماليًا، يمكن لها في الوقت نفسه أن توفر لهم حياة بعيدة عن العنصرية وأن تدمجهم داخل المجتمع.
في كل الأحوال نحن أمام أزمة إنسانية، تستغلها دول من أجل تحقيق أهدافها، وتدفع دول أخرى أموال من أجل أن تتفادي المهاجرين، وبذلك يجد اللاجئون أنفسهم بين العنصرية التي تمارس ضدهم والابتزاز المالي والضغط السياسي، ولا يمكن أن تحل مشكلة هؤلاء إلا بحل مشكلة أوطانهم، حتى تتاح لهم العودة، وتنقضي قضية إستغلالهم.
