أنس القصاص
باحث في الشؤون الاستراتيجية
وقضايا الأمن والسلام الدولي
نحت اليونانيون القدماء مصطلح الأراضي المجهولة Terra Incognita في القرن الثاني قبل الميلاد للتعبير عن تلك المناطق والأراضي والمواقع غير المعروفة لهم، وكذلك مصطلح البحار المجهولة Mare Incognita للدلالة على البحار التي لم يصل إليها علمهم. وفي عصر الاستكشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر، أعاد البرتغاليون والأسبان استخدام ذات المصطلح للدلالة على العالم الجديد القابع وراء البحار. لكنه ومع التشابك والتقارب وتعمق الاتصالات العالمية مع أواخر التاسع عشر، لم يعد ممكنا استخدام هذه المصطلحات إلا في أنطقة ضيقة جدا. لكنه مع انقضاء الحرب الباردة وبدايات عصر العولمة، بات ذلك النمط التشابكي هو ما يهدد معرفتنا بالعالم من جديد. فالعالم الذي نعتقد فهمه واستيعابه أبعد ما يكون عن حقيقته وهو ما تكشفه الوقائع والأحداث يوما بعد يوم. إن المتهم في هذا القصور في إدراك ذلك العالم هو نمط التفكير الميكانيكي الذي يحكم نظرة الكثير من البشر للعالم والتاريخ في آن واحد. فالتكنولوجيا التي كشفت لنا جوانب خفية في هذا العالم أصبحت هي ذاتها المتهم الأول في ذلك القصور في كشف ماورائيات ذلك العالم وحقيقة تفاعلاته والمتغيرات التي تنتج عن تعدد الفواعل ونقاطالاتصال.
ثورة الاتصالات… نقطة تحول كبرى في المنظومة الدولية
أحرزت ثورة الاتصالات تقدما كبيرا في حياة البشر على الكوكب لاسيما فيما يتعلق بالاتصالات البحرية واتساع طرق التجارة ومضاعفة التجارة الدولية سبع مرات في أقل من 30 سنة، لكن اتساع هذه التجارة المدفوعة بثورة الاتصالات كان له آثارا بعضها مرئي على هياكل النظام الدولي. فقد شكلت ثورة الاتصالات نقطة تحول كبرى (بمعناها الفيزيائي) للنظام الدولي من حالته الستاتيكية إلى حالة مفرطة في الديناميكية والسيولة التي تهدد وجود أي جهة سيطرة مركزية. وحتى نستطيع فهم قصة هذا التحول، يتعين علينا العودة للوراء لنهاية القرن العشرين. فالولايات المتحدة التي خرجت بأكاليل الغار من الحرب الباردة وسقوط غريمها في وحل أزماته قامت بهندسة النظام الدولي بشكل أحادي على نحو استدعى بعض المؤرخين لإعلان الاستثنائية الأمريكية ونهاية التاريخ. وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية هي قائدة العالم الرأسمالي، فقد كان منطقيا أن تدعو واشنطون لإزالة الحواجز وفتح الحدود وإعلان العولمة الاقتصادية والاجتماعية في أوسع تجلياتها.
غيرت هذه العولمة كثيرا في بنى النظام الدولي واقتصاده والعلاقات بين فاعليه ودشن لظهور فواعل جديدة من غير الدول بعضها يعد بتطورات غير مسبوقة في حياة البشر وبعضها الآخر يشكل تحديا كبيرا للوجود البشري على ظهر الكوكب. لكن الحقيقة الكبرى في النظام الدولي الحالي هو أن تعدد نقاط الاتصال داخل المنظومة الدولية وتعدد هؤلاء الفواعل من الدول وغير الدول يشكل تحديا ضخما في وجه الولايات المتحدة للسيطرة بأدواتها الناعمة والخشنة والحادة على النظام الدولي والبقاء على سدته. فالمتغيرات الكثيرة التي أحدثتها ثورة الاتصالات والثورة الصناعية الرابعة أصبحت عفريت القمقم الذي أطلقته الولايات المتحدة ولم يعد بإمكانها تحجيمه إلا بقلب المنظومة الدولية رأسها على عقب من جديد. أسهم تعدد نقاط الاتصال داخل المنظومة الدولية وتحولات الاقتصاد الدولي المندفعة بالثورة التكنولوجية إلى ظهور أنماط تواصل وتعاون وصراع جديدة من بينها ما يطلق عليها بالصراعات اللاتناظرية. هذا النمط من الصراعات استدعى إحداث تحولات تكيفية داخل بنية الدولة المعاصرة للتمكن من مواجهتها وعلى الأغلب لن تحسم هذه الصراعات بين عشية وضحاها بسبب تعقد حسابات القوى الدولية حيالها. أصبحت الصراعات اللاتناظرية إحدى العلامات البارزة في النظام الدولي الحالي وإحدى خواصره الرخوة في آن واحد. فالوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا مكّن أطرافا كثيرة على هامش المنظومة الدولية من حجز مواقع مميزة لها في وجدان المنظومة حتى وإن ظلت ماديا على هامشها. كل هذ التحولات أعادت الظلام وعدم اليقين للهياكل الهرمية والأفقية في المنظومة الدولية، وعاد ما يمكن اعتباره مناطق مجهولة Terra Incognita داخل المنظومة الدولية حتى وإن بدى الأمر عكس ذلك.
إيران والاستفادة من روح المنظومة العولمية
في القلب من هاتيك التحولات الهيكلية تبزغ المسألة الإيرانية كإحدى عوامل تقويض الاستقرار الإقليمي والدولي مستعينة في ذلك بما أتاحته ثورة المعلومات والمصادر المفتوحة والعولمة ومزيج من التحالفات والخبرات القديمة. وعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي هو أول من أبرز دور قوات العمليات الخاصة SOF والقوات البديلة surrogate forces في حسم المعارك واستعان بحروب الإنابة في الوصول لأهدافه مع نهايات الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة ودشن بداية مبكرة لما عرف بعد ذلك

في أدبيات الحرب بالحروب اللاتناظرية، إلا أن كثير من تطبيقات دول الهوامش كإيران وكوريا الشمالية تخطت بكثير التجربة الأمريكية وتفوقت عليها لأسباب لها علاقة بتصورات النظام السياسي ومواقع القوى الخشنة والحادة فيه وكذلك بعض الأسباب الاقتصادية كنقص الموارد وهيمنة الدولة على الاقتصاد والبحث العلمي. تطبق تلك الدول العديد من الاستراتيجيات لدى التعامل في مواجهات مباشرة مادية أو غير مادية مع القوى العظمى وخصوصا الولايات المتحدة، لعل من أهمها ما يعرف باستراتيجية الاحتشاد SWARMING. ومن بين ما جعل التطبيق الإيراني مثلا لاستراتيجية الاحتشاد أفضل بكثير من التطبيق الأمريكي أو الغربي لها هو الاستعانة بمخزون حضاري قديم للشعوب الأوراسية القديمة التي استخدمت استراتيجية مثيلة لدى مباغتة الجيوش الغازية مثل إطلاق السهام المكثف أو التفوق العددي وهي تكتيكات قديمة لهذه الاستراتيجية. ينفذ نظام الثورة الإيرانية هذه الاستراتيجية على أصعدة كثيرة في مواجهة الولايات المتحدة، من الدبلوماسية وحتى مناوشات المياه الدولية في الخليج وبحر عمان. وفي أحيان كثيرة تخرج إيران رابحة في حين تفكر الولايات المتحدة وبحريتها في الرد على ما حدث.
والسبب الأساسي وراء ذلك ليس أخطاء تكتيكية تقع فيها القيادات الميدانية أو دون الاستراتيجية بقدر ما يتعلق الأمر بشكل انتشار القوات الأمريكية حول العالم. فالجيش الأمريكي باعتباره صاحب أكبر عمليات خارجية في التاريخ يتمتع بهيكل تنظيمي معقد للغاية لاسيما بعد تفعيل قانون جولدووتر – نيكولز في عام 1986 الذي يعتبر أكبر تشريع محوري في مسيرة مؤسسات الجيش الأمريكي حتى وقتنا هذا. قسم هذا التشريع قيادة الجيش الأمريكي إلى قيادة استراتيجية تتمثل في هيئة الأركان المشتركة JCS وقيادة ميدانية تتمثل في القيادات القتالية الموحدة COCOMs / UCCsالتي تغطي كل الكرة الأرضية وتدير هذه القيادات سبع أساطيل بحرية موزعة حسب التوزيع الجغرافي لتلك القيادات. السيطرة البحرية لهذه الأساطيل يتم عن طريق ما يعرف بالمجموعات القتالية لحاملات الطائرات Carrier Strike Groups وهي مجموعات قتالية قد تصل إلى 70 قطعة بحرية ما بين مدمرات وغواصات وفرقاطات ترافق حاملات الطائرات في منطقة عمليات القيادة AOR من أجل السيطرة الاستراتيجية على المياه الدولية بالتنسيق مع الدول المشاطئة وحسب درجات التعاون معها يكون مستوى التنسيق. تقول الولايات المتحدة أن هذا التواجد البحري الأمريكي المكثف من أجل ضمان حرية الملاحة وسلامة وأمن خطوط التجارة، لكن هذه الأهداف المعلنة تخبئ ورائها وحشا كبيرا قابع على المسالك والممرات الاستراتيجية للنظام ويمسك بتلابيبه من الانزلاق خارج إرادة واشنطون وحلفائها، وفي هذا خلط كبير لإيجابيات وسلبيات على مستوى السلامة الدولية والإقليمية لا يخفى على أحد من المتابعين.
بنمط المجموعات القتالية لحاملات الطائرات تسيطر الولايات المتحدة (أو بالكاد هكذا تحاول) على مياه الخليج العربي بالتنسيق الكبير مع حلفاء الولايات المتحدة على ضفته الشرقية وهي مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة إيران التي تحاول مرارا وتكرارا المشاركة في حركة السير البحري في الخليج عن طريق نقطته الرخوة: مضيق هرمز. فعادة ما تشكل المضائق البحرية نقاط ضعف في منظومة الأمن البحري وهو ما يفسر التواجد العسكري الأمريكي المكثف حول مضائق العالم السبع الكبرى.
لكن السؤال هو: كيف لإيران وبحريتها المتواضعة ضعيفة التسليح أن تبارز أضخم قوة بحرية في التاريخ بهذه القدرات المحدودة؟ الإجابة هي استراتيجية الاحتشاد نفسها. ولفهم أفضل لما يحدث سنستعين بأحدث مواجهة في بحر عمان لتقريب المشهد.
حادثة بحر عمان (24 أكتوبر 2021)
في صباح الرابع من نوفمبر 2021، وفي اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي الذي يوافق ذكرى اقتحام السفارة الأمريكية في طهران 1979، أعلن التليفزيون الإيراني أنه في وقت سابق (يعتقد أنه يوم الرابع والعشرين من أكتوبر 2021 وفقا لتصريحات المتحدث باسم البنتاجون) قامت قطعة من الأسطول الخامس الأمريكي بضبط ومحاولة توجيه حاملة نفط في بحر عمان تبين أنها تحمل نفطا إيرانيا. لكن لانشات تابعة للحرس الثوري الإيراني باغتت عملية الضبط الأمريكية لتلك الناقلة التي تحمل علم فيتناموقامت قوات الحرس الثوري بإنزال هيلكوبتر فوق ظهر حاملة النفط وتولت قيادتها صوب

الساحل الإيراني وقامت بعمل مناورات بالقرب من القطعة البحرية الأمريكية حتى أجبرتها على التخلي عن صيدها الثمين، التي تدعي طهران أن البحرية الأمريكية كانت تسرقه من الناقلة وشحنه على ناقلة أخرى في عرض البحر ship-to-ship. لكن هذه النقطة لم تقم طهران عليها الدليل، بل وحتى الفيديو الذي بثته وكالة الأنباء الإيرانية لم يظهر أي نشاط من هذا النوع. بعد إعلان الواقعة بأحد عشر يوما، نشرت مجلة نيوزويك تصريحات على لسان أحد المسؤولين في البنتاجون أن واقعة بحر عمان حقيقية لكن الرواية الإيرانية ملفقة، فقد كانت المدمرة الأمريكية زا ساليفانز في الجوار لمراقبة نزول الحرس الثوري الإيراني على ظهر ناقلة النفط وليس العكس ولم تقم المدمرة الأمريكية باقتياد الناقلة أو حتى ضبطها. وقال المتحدث جون كيربي أن البنتاجون كلف قطعتين بحريتين في نظام الأسطول الخامس بالتوجه للخليج لمراقبة الوضع عن كثب. في سياق متصل، وبعد هذه الواقعة بأيام، قال المتحدث باسم البنتاجون إن طائرة مروحية تابعة للحرس الثوري الإيراني اقتربت لمسافة قاتلة (23 مترا) من المدمرة الأمريكية ايسيكس في الخليج العربي وصرح بأن هذه الحادث خطير لأنه ربما يؤدي إلى حسابات خاطئة.
دلالات المواجهات البحرية في الخليج وتأثيراتها على المنظومة الدولية
تحمل هذه الحادثة ومثيلاتها اعترافا ضمنيا بنجاح ونجاعة الاستراتيجية الإيرانية لضمان النفوذ في مياه الخليج. هذه الاستراتيجية الإيرانية تقوم على حشد مكثف للقوارب السريعة في مياه الخليج ومحاوطة القطع البحرية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها في مياه الخليج على نحو يجعل من حركة تلك القطع صعبا والفكاك منها مستحيلا إلا بتوجيه نيرانها لتلك القوارب والقضاء عليها. هذا السيناريو تحديدا تمت مناقشته مرارا وتكرارا من قبل دوائر الأمن القومي الأمريكي ووضع كسيناريو طوارئ contingency plan من قبل مجلس الأمن القومي الأمريكي كأحد مسببات قيام حرب شاملة في الخليج وقد تطول لظاها مناطق أخرى مع إمكانية التحول لحرب عالمية بسبب الارتباط الوثيق بين منطقة الخليج ومناطق عديدة حول العالم والجيوبوليتيكا المؤثرة للخليج العربي في المنظومة الدولية. لذلك لا تقوم القوات الأمريكية، رغم استطاعتها المؤكدة، بأي محاولة خشنة تجاه تلك القوارب، وهو ما تستغله طهران في إحكام الخناق أكثر فأكثر حول قوات الأسطول الخامس.
هذه الاستراتيجية الإيرانية أدت إلى الإضرار بشكل بالغ بالوجود الأمريكي في مياه الخليج العربي ولأحيان ليست بالقليلة يكون الخليج العربي بدون حاملات الطائرات ومجموعاتها القتالية إلا في أنطقة محدودة. هذه الاستراتيجية الإيرانية التي كبدت الولايات المتحدة الكثير دعتها إلى إعادة التفكير في شكل قوتها البحرية والنظر في نقاط ضعف تلك المنظومة. فالقوات البحرية الأمريكية على مدار العقود الماضية اهتمت بالسلاح الاستراتيجي لضمان الهيمنة الدولية وهو ما حققت فيه طفرات ضخمة مكنتها من هذا الموقع الاستثنائي في النظام الدولي عبر تلك العقود. لكنها في المقابل أهملت الأسلحة متوسطة المدى كالكورفيتات والزوارق السريعة وما إلى ذلك. وهو ما يميز الاختلاف بينها وبين البحرية الصينية على سبيل المثال. فالبحرية الصينية تتمتع بقدر كبير من القطع المتوسطة مما جعلها الأكبر دوليا من حيث عدد القطع البحرية، لكنها من الناحية الاستراتيجية تفتقر إلى السلاح طويل المدى الحاملات الطائرات التي تمتلك منها اثنتين فقط والمدمرات التي تمتلك منها عدد محدودا. لذلك، فإن البحرية الأمريكية تقودالآن خطة تحديث تعتمد على سد هذه الفجوة مستعينة في ذلك بالشركات الأمريكية التي تقوم بتصنيع زوارق قوات القيادة الشماليةNORTHCOMM وحرس الحدود الأمريكي. وهي الخطة التي تواجه انتقادات داخلية أمريكية بسبب أن التركيز في الإنفاق على إنتاج هذا النوع من السلاح سيستدعي خسارة معركة بحر الصين الجنوبي لصالح الصين التي تقوم بالعكس وتسعي ليل نهار لبناء قوة استراتيجية تمكنها من السيطرة على بحارها الإقليمية ومن ثم الخروج إلى المياه الزرقاء في المحيط الهادئ والهيمنة عليها، وهو ما سيكون التحول الأبرز في مسيرة النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك فإن البحرية الأمريكية بين خيارين تكسوهما المرارة: الإنفاق على السلاح التكتيكي متوسط المدى أو الاستمرار في خطة الإنفاق على السلاح الاستراتيجي وإنتاج المزيد من حاملات الطائرات. وهو في طيه صراع على أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بين نقاط الانتشار ذات الأولوية: مواجهة النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي الذي تعبره سنويا خمس تجارة العالم، أم مواجهة اليفوع الإيراني في الخليج العربي وبحر عمان الذي يعبره سنويا قرابة ربع الإنتاج العالمي من النفط ومنتجات الطاقة.
إن تضاؤل القدرة الأمريكية على سبر أغوار المنظومة الدولية الحالية وقياس أولوياتها وفقا لواقع النظام الدولي يذكرنا ببريطانيا العظمى في منتصف الثلاثينيات بعد وفاة الملك جورج الخامس. فقد كانت إمبراطورية لندن في مقتبل خيارات صعبة كمثل التي ناقشناها أعلاه في هذه الورقة ولم تتمكن الإمبراطورية من الفكاك من هذه الأزمة التي كانت أزمة نظام دولي بأكمله متجه بأقصى سرعة نحو خيارات حادة أثرت في مسيرة الوجود البشري على وجه الكوكب حتى هذه اللحظة. وحيث أن قدرة جورج الخامس الاستثنائية على إحكام الأمور وفقا لفلسفة والدته الملكة فيكتوريا استمرار للعصر الفيكتوري في القرن العشرين، إلا أنه كان أقرب ما يكون لبوتقة معملية غير حقيقية ما لبث بموته أن تبدلت الأحوال وظهرت الأمور على أحجامها الحقيقية. لا يمكننا الجزم بوجود مثيل لجورج الخامس في الولايات المتحدة، لكن تحولات ما بعد جورج الخامس مماثلة لحد كبير بتحولات الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر والتي تلقي بظلالها حتى اليوم على السياسة والمجتمع الأمريكي. ليس بالضرورة أن العالم الآن سيتحول عبر حرب عالمية، لكن الحقيقة التي لا يمكن بتاتا المجادلة بشأنها أن الولايات المتحدة في معضلة هيمنة كبرى قد تشق طريقها في عشية وضحاها لكسر الاستثنائية الأمريكية المتصورة التي قاربت قرنا من الزمان.
هذه هي صيرورة النظام الدولي وطبيعته الميالة للفوضى وانعدام المركز من حين لآخر.
