
اليان بطرس
باحثة فى العلاقات الدولية
في خضم التغيرات الاقتصادية الهائلة التي يتعرض لها العالم من جراء التحولات العالمية في مختلف النواحي السياسية الاجتماعية والتي يؤثر كلا منها على الأخر، يجدر بنا الإشارة إلى دور نادى باريس وإلقاء الضوء على بعض المعلومات التي من شأنها أن توضح ماهية عمل النادي واختصاصاته المختلفة.
ما هو نادى باريس؟
هو مجموعة غير رسمية من الدائنين التي يتمثل دورهم في إيجاد حلول لمشاكل السداد في مختلف الدول، حيث يمنح النادي إعفاءات من الديون لتمكينهم من تحسين وإصلاح أوضاعهم المالية. ويقوم نادى باريس بتحقيق تلك الإعفاءات عن طريق إعادة الجدولة وتطبيق بعض المعالجات مع تخفيض التزامات خدمات الدين لفترات محددة.
وفى ضوء المسار التي يتبعه النادي لإيجاد الحلول تبرم الدول الأعضاء اتفاق حول تغيير أساليب سداد الديون المستحقة لهم ، ومن ثم يقوم النادي بالاجتماع مع الدول المدينة التي تحتاج وتطلب دين عاجل، وذلك بعد التزامها بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين وضعهم الاقتصادي، مما يعنى أنه على الدولة المدينة أن يكون لديها برنامج محدد مع صندوق النقد الدولي عن طريق بعض الاتفاقات المشروطة نظرًا لان النادي غير رسمي وليس لديه قوانين تشريعية تحكمه وإنما لديه بعض القواعد والمبادئ التي سوف نتطرق لها فيما بعد، وهو ما يؤهل الدول الدائنة للعمل بشكل مرن في حل المشاكل ذات الطبيعة الخاصة لكل دولة حسب احتياجاتها وظروفها الاقتصادية التي تختلف من دولة إلى أخرى.
تاريخ النادي ونشأته
ترجع نشأة نادى باريس إلى عام 1956، وبعد خروج العالم من آثار الحرب العالمية الثانية، وحينما وافقت دولة الارجنتين على الاجتماع مع دائنيها في باريس لمنع التخلف عن السداد، بدأ حينها النادي بإبرام 477 اتفاقية مع 101 دولة مثقلة بالديون. وخلال ذلك العام بلغت الديون التي تعامل معها النادي حوالي 612 مليار دولار.
تبلور عام 1981 كنقطة تحول في نشاط النادي وارتفعت الاتفاقات المبرمة في هذا الوقت تزامنا مع أزمة الديون، نتيجة تخلف المكسيك عن سداد ديونها السيادية في عام 1982، ثم اتجه النادي نحو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية، ومنها إلى آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
بدأ النادي التعامل مع الدول والبلدان الفقيرة المثقلة بالديون وفي التسعينات قام النادي بمنح امتيازات بشكل أكبر للدولة التي تعاني من الديون وفى طريقها للانهيار، وأتبع حينها سياسات منح السندات المالية واللجوء للدائنين الغير الحكوميين مع البلاد الأخرى.. وبانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1992، انضمت روسيا إلى قائمة الدول التي أبرمت اتفاقية مع نادي باريس وأصبح هناك نشاط ضخم للنادي.
وتوالت إنجازات النادي في سد الديون وحل المشاكل الاقتصادية في كثير من الدول، من بينها دولة العراق ففي عام 2004 قام النادي بشطب ديون دولة العراق، بالإضافة الى إعطاء تسهيلات للدول المتضررة من زلزال المحيط الهندي. وفى ظل أزمة كورونا ازدادت ديون العالم لنادى باريس بنسبة 10% في عام 2020 لتبلغ حوالي 332 وتصل إلى 349.58مليار دولار بدون الفوائد المتأخرة، بعد أن سجلت 317.25مليار دول عام 2019. وفقًا لبيانات العربية نت.
المبادئ الحاكمة
اتجه النادي لتحديد مجموعة من المبادئ والقواعد الإجرائية في عام 1970 لتصبح كالاتي:
- التضامن، على الأعضاء التوافق في العمل كمجموعة بحرص ودقة تجاه تأثير إدارة مطالباتهم الخاصة على مطالبات الأعضاء الآخرين.
- الإجماع، يتخذ النادي قراراته بالإجماع بين الدول الدائنة المشاركة.
- تبادل المعلومات، يقوم أعضاء النادي بتبادل الآراء مع بعضهم حول وضع الدول المدينة بشكل سري.
- قضايا متوالية، حيث يتخذ النادي قراراته في كل قضية على حدة.
- الشرطية، يتم التفاوض على إعادة هيكلية الديون مع البلدان المدينة التي تحتاج الى تخفيف أعباء الديون، مع التزام تلك الدول بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، على أن يكون لديها سجل ملئ بالإصلاحات مع صندوق النقد الدولي.
- امكانية المقارنة، على الدولة المدينة ألا تقبل من دائنيها التجاريين والثنائيين من خارج نادي باريس شروط معاملة ديونها الأقل تفضيلًا للمدين من تلك المتفق عليها مع نادي باريس.
مقومات نادى باريس
يعمل النادي على تقديم الدعم عن طريق التمويل وإعادة هيكلة الدين بالإضافة الى إمكانية سداده وإلغاء الدين لبعض الدول المستدينة ودائينيهم. وسعيًا لتحقيق هذه الخدمات وتنفيذها يقوم صندوق النقد الدولي بتحديد أسماء تلك الدول بعد فشل حلولهم البديلة.
ويعتمد نادي باريس على فئتين من الديون وهم: المساعدة الإنمائية الرسمية التي يتم منحها بأقل سعر من أسعار الفائدة السوقية لتشجيع السوق، والفئة الثانية هي الديون التجارية الغير تنموية التي ينظر فيها وحدها لتخفيف الأعباء، إذ يقتصر تخفيض الديون من قبل نادى باريس على الدول الافقر والبلاد الأكثر مديونية والتي تعاني من مشاكل في السداد.
آلية عمل نادي باريس
يعتبر نادى باريس وكيل لاسترداد الديون التي تدار من قبل وزارة المالية حتى يتثنى له استرداد أكبر قدر ممكن من الديون، لذا يطلب دفع فورى لأعلى مبلغ ممكن، ثم تتم إعادة جدولة المبالغ المتبقية بحيث يتم تحديد الميزانية المستقبلية لتقليل فرص التخلف عن السداد وضمان وجود طلبات متجددة للنادي. وعليه، يعقد النادي جلسة يحضرها وفد من الدولة المدينة ووفد آخر من الدول الدائنة. ويكون رئيس وفد الدول المدينة عادة هو وزير المالية وهو المسؤول الرئيسي عن الخزانة الفرنسية.
من يجوز لهم الحضور هم
أولاً مجموعة من الأطراف المراقبة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيره إذ يجوز لهم حضور الجلسات التفاوضية الخاصة ولكن لا يمكنهم المشاركة.
ثانيًا: ممثلو الأعضاء الدائمين في نادي باريس الذين لا يتعارضوا مع مصالح المدينين أو مع دائني البلد المدين.
ثالثًا: ممثلو البلدان غير الأعضاء في نادي باريس التي لديها مطالبات على البلد المدين، ولكنها ليست في وضع يسمح لها بالتوقيع على اتفاقية نادي باريس كمشاركين مؤقتين، شريطة موافقة الأعضاء الدائمين والبلد المدين على حضورهم.
خطوات العمل بالجلسة هي الآتي:
-
- يتولى الرئيس الترحيب بالحضور بالترتيب الأبجدي.
- يبدأ الاجتماع الرسمي ببيان من وزير الدولة المقترضة، يعرض خلاله المشاكل والأزمات التي تمر بها دولته والديون المطلوب سدادها.
- بيان من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وممثلي المؤسسات الدولية الأخرى.
- قد يطلب ممثلو الدول الدائنة بعد ذلك معلومات أو توضيحات إضافية عن وضع الدولة المالي.
- يتم الرد على الاسئلة ويغادر وفد البلد المقترض الغرفة الرئيسية ويبقى في غرفة أخرى خلال الجلسة.
- يناقش الدائنون فيما بينهم معالجة مقترحة للديون، وإذا تم الاتفاق على طريقة المعالجة يقدم رئيس الاجتماع بعد ذلك هذه المعالجة المقترحة إلى وفد البلد المقترض. إذا لم يوافق البلد المقترض وطلب إجراء تعديلات على اقتراح الدائنين، يقوم الرئيس بعد ذلك بنقل هذا الطلب إلى الدائنين الذين يناقشونه وينظرون في اقتراح جديد. ويستمر هذا النقاش حتى يتم التوصل إلى اتفاق مشترك بين الدائنين والدولة المقترضة.
- بعد التوصل لاتفاق تصدر وثيقة بما تم الاتفاق عليه لإضفاء الطابع الرسمي على الاتفاقية كتابة باللغتين الفرنسية والإنجليزية. ويتم صياغة هذه الاتفاقية من قبل أمانة نادي باريس ثم يتم اعتمادها من قبل الدائنين والبلد المقترض.
- يعود وفد الدولة المقترضة إلى الغرفة الرئيسية ويتم التوقيع على المحضر المتفق عليه من قبل رئيس مجلس الإدارة ووزير الدولة المقترضة ورئيس وفد كل دولة دائنة مشاركة.
- يتم إصدار بيان صحفي متفق عليه بشكل متبادل بين الدائنين وممثلي الدولة المقترضة للنشر عند الانتهاء من جلسة المفاوضات.
من هم الدول الأعضاء؟
يتكون نادى باريس من 22 عضوا وهم: أستراليا، النمسا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، إسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، فنلندا، فرنسا، أيرلندا، إسرائيل، إيطاليا، اليابان، كوريا، النرويج، هولندا، المملكة المتحدة، روسيا، السويد وسويسرا.
وهناك مجموعة من المراقبون يتمثلون في صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالإضافة الى الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والبنك الدولي وبنك التنمية الأوروبي والافريقي والاسيوي والبنك الأوروبي لإعادة الاعمار وبنك التنمية عبر الامريكيتين.
الجهاز التنظيمي
تعقد جلسات نادي باريس شهريًا باستثناء شهري فبراير وأغسطس في وزارة المالية (الخزانة) الفرنسية، ويعد رئيس نادي باريس هو مسؤول عن الخزانة الفرنسية، ويليه مساعد وزير الشؤون المتعددة الأطراف في إدارة سياسات التجارة والتنمية، ثم النائب المسؤول عن الشؤون المالية والتنمية المتعددة الأطراف. ويدير النادي الأمين العام، بالإضافة إلى فريقًا يتكون من عشرة أشخاص من مسؤولي الخزانة الفرنسيين.
كيف يقدم نادي باريس الاعفاءات: السودان نموذجًا
قام نادي باريس بإعفاء السودان من 14 مليار دولار مستحق على السودان، مع إعادة هيكلة ما يتبقى من 23 مليار دولار مستحق لتصبح 9.4 مليار دولار، بعد ان أعلنت الخزانة الامريكية ان السودان استطاع تسديد متأخرات طويلة الأمد لصندوق النقد الدولي، وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ أعوام ان يتم النجاح في تسوية الديون بهذا الشكل حيث كانت السودان آخر دولة تسدد متأخرات طويلة الأمد لصندوق النقد الدولي، والآن لا يواجه متأخرات سداد من أعضائه للمرة الأولى منذ أوائل عام 1975.
نبذة عن حجم الديون التي يكلفها العالم لنادى باريس
تعد دولة اليونان من أكبر دول العالم المدينة لنادى باريس بـ 62.173 مليار دولار بنهاية 2020، مقارنة بـ 57.732 مليار دولار في 2019، وبنسبة زيادة قدرها 7.7%، ويتبعها دولة الهند بديون بـ 30.8 مليار دولار مرتفعة بـ 12%، تليها إندونيسيا بـ 21.6 مليار دولار بنسبة زيادة 15%، والصين لديها ديون بنحو 15.2 مليار دولار بنهاية العام الماضي متراجعة بنسبة 1.5%.
وأما بالحديث عن ديون الدول العربية نجد ان عدد الدول العربية التي تلتزم بديون لنادى باريس هم 18 دولة بما يمثل 7% من إجمالي ديون دول نادي باريس.
تشير الاحصائيات إلى ارتفاع ديون الدول العربية للنادي بنسبة 14.8% لتصبح أكثر من 50 مليار دولار بنهاية 2020، وبالمقارنة بسنة 2019 كانت الديون تقع بنحو 43.772 مليار دولار. وتأتى العراق في المرتبة الأولى ثم مصر 8.94 مليار دولار بنسبة زيادة قدرها 5.7%، مقارنة بـ 8.46 مليار دولار في 2019. وتليها المغرب في المرتبة الثالثة، ثم ليبيا التي بلغت ديونها 4.546 مليار دولار بنهاية 2020.