إعداد/ د. مروة محمد
المشرف على برنامج الأمن الإقليمي
تحرير ومراجعة: د.أكرم حسام
مستشار مركزجسور للدراسات الإستراتيجية
رغم مراهنة البعض على أن الإنتخابات العراقية التي أجريت في شهر اكتوبر الماضي، ستضع حداً لحالة السيولة السياسية التي عاشها العراق خلال السنتين الماضيتين، إلا أن هذه الإنتخابات بما أفرزته من نتائج غير متوقعة، قد أصبحت جزءً من تعقيدات المشهد الراهن وليست جزءً من الحل كما كان مأمولاً .
من هنا يتطرق هذا التحليل للبحث في مسارات الخروج من الأزمة السياسية الراهنة بعد الأنتخابات، والنظر في شكل التحالفات السياسية المتوقعة خلال الفترة القادمة، وما لها من انعكاسات علي تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
ملامح الموقف الراهن وتعقيداته:
تشهد الساحة السياسية العراقية خلال هذه الفترة درجات متفاوتة من التعقيد والتأزم خاصة عقب إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة الاخيرة في العاشر من اكتوبر الماضي، تبرز أهم ملامحها فيما يلي:
ترقب لقرار المحكمة العليا بشأن نتائج الإنتخابات: تترقب الأوساط العراقية قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن سلامة نتائج الأنتخابات الاخيرة ، وفق للطعن المُقدم من تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، والذي يصر على رفض نتائج الإنتخابات ووصفها بالمزورة، بعد حلوله في مراتب متأخرة في قوائم الكتل السياسية في الانتخابات. من المتوقع أن يدور قرار المحكمة الاتحادية، حول رفض الطعن والذهاب إلى المصادقة على النتائج لتكون نافذة دستورياً، أو إرجاء الشكوى إلى وقت أخر، إلا أنه يمكن القول في هذا الخصوص بأن التوجه العام السياسي سواء كان في الداخل العراقي أو علي المستوي الخارجي يميل نحو خيار رفض إلغاء نتائج الانتخابات العراقية، بل وكذلك قبول الاستحقاق الانتخابي الأخير من دون تغيير.
جهود تحقيق التوافق بشأن شكل الحكومة الجديدة: شهدت الفترة الماضية وعلي مدار الشهرين الماضيين سيولة في المبادرات والمقترحات المقدمة من بعض القوي السياسة العراقية في محاولة منهم لايجاد مسارات الخروج من النفق السياسي الاخير، وكان من بينها اجتماع زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر مع “الاطار التنسيقي” وهو تجمع جديد يضم القوى السياسية المعترضة على نتائج الإنتخابات، حيث تم عقد اجتماع في منزل زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، بحضور زعماء كتل الإطار التنسيقي، ومشاركة زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر، وكان من أبرز الحضور بالإضافة لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، كل من رئيس تحالف “قوى الدولة الوطنية” عمار الحكيم، ورئيس “المجلس القيادي للتحالف حيدر العبادي، وزعيم فصيل “عصائب الحق” قيس الخزعلي، ورئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض، ورئيس “المجلس الأعلى الإسلامي” همام حمودي، وذلك لمناقشة ملف الانتخابات وتشكيل الحكومة المقبلة. وبجانب هذا الاجتماع طرحت مبادرات أخرى من بعض القوى السياسية ربما كان أبرزها المبادرة التي تقدم بها تيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم وكشف عنه القيادي في التيار رحيم العبودي عن وجود فكرة لتشكيل حكومة توافقية لا تكمل أربع سنوات، تتولى مهمة الإعداد لانتخابات مبكرة جديدة، بهدف الخروج من الأزمة السياسية الحالية، وعلي الرغم من أهمية هذه المقترحات، إلا أنه لا يمكن أن تكون قابلة للتحقيق، ما لم تقتنع بها الأطراف الفائزة، وفي مقدمتها “الكتلة الصدرية” التي تصدرت النتائج بـ73 مقعداً.
قضايا الخلاف الجانبية: اتضح من اجتماع الصدر مع الإطار التنسيقي أن هناك قضايا جانبية سيتم جلبها لطاولة النقاش الخاصة بتشكيل الحكومة، ومنها محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وإيقاف الهدر بالمال العام، فضلا عن التأكيد على خروج القوات الأجنبية وفق الجدول الزمني المعلن ووضع آليات كفيلة بحصر السلاح بيد الدولة، وكذلك حماية الحشد الشعبي ودعمه وتنظيمه بما يعزز دوره في حفظ الأمن في العراق، علاوة علي تجريم التطبيع وكل ما يتعلق به، واخيرا العمل على رفع المستوى الاقتصادي للمناطق المحرومة وإبعاد التنافس السياسي عن كل المشاريع الخدمية ورفع المحرومية عن هذه المناطق.
لعبة المساومات التقليدية: في اطار استمرار تمسك القوي الرافضة لنتائج الانتخابات خاصة تحالف الفتح، وبدء التجهيز والتحضير لعدد من الخطوات الاستباقية في هذا الخصوص، حيث أعلنت بعض القوي في الاطار التنسيقي عن رفضها التجديد للرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة)، كورقة في أي مفاوضات مرتقبة مع الكتل السياسية الأخرى، خاصة اختيار رئاسة الحكومة، على اعتبار أنها نصيب المكون السياسي الشيعي، بسبب وجود مواقف خلافية حادة بينه وبين بعض القوي السياسية خاصة الشيعية.
تداعيات ما بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي: حيث لا تزال النتائج النهائية للتحقيقات غير مكتملة، من جهة تحديد المسئول عن هذه العملية ومن يقف خلفها ، خاصة وأن توقيت عملية استهداف رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي لا تقتصر فحسب علي مسارات العملية السياسية في العراق، وإنما يمكن ربطها كذلك باقتراب موعد انسحاب القوات القتالية الامريكية، لاسيما أن مثل هذا النوع من المستجدات يحمل في طياته عدد من الرسائل للمجتمع الخارجي مفادها أن العراق مازال دولة غير مستقرة، وقد يعجز عن إدارة شئونه الأمنية عقب الانسحاب الامريكي، مما قد يتطلب إعادة النظر في هذه النقطة اذا استدعت الضرورة.
عودة نشاط تنظيم داعش في عدة مدن عراقية: وذلك في ضوء ما أشار إليه عدد من المسؤولين الأمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب، بأن تنظيم داعش مازال يحتفظ بما لا يقل عن 14 ألف مقاتل في العراق وسوريا ، ومع متابعه تطور الأحداث في الداخل العراقي، يمكن الاشارة إلى تزايد نشاط التنظيم في مناطق حيوية ومهمة في العراق، كمحافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين خلال الفترة الأخيرة الماضية، بعودة التنظيم إلى اتباع استراتيجية حرب العصابات من خلال استغلال النقاط الاكثر ضعفا وهشاشة، واختراق الحدود المشتركة بين القوات العراقية وحرس حدود إقليم كردستان، وكذلك المناطق ذات المسؤولية المشتركة بين الحشد الشعبي والجيش والشرطة.
مسارات تشكيل الحكومة : رؤية مستقبلية
مسار التصعيد والتعطيل: مع مواصلة الأحزاب الخاسرة في الانتخابات التهديد بمواصلة التصعيد سواء الميداني باستمرار الاحتجاجات والاعتصامات، وذلك بالتزامن مع قرب إعلان المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات، الأمر الذي دفع باتجاه تشديد الإجراءات الأمنية، وهو ما سبقه اعلان تحالف “الفتح”، بزعامة هادي العامري، عن اجراء لقاءات منفردة مع رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ورئيس “ائتلاف الوطنية” إياد علاوي، لبحث ملف “تزوير الانتخابات”، وهو ما ياتي في إطار سعي الاطار التنسيقي لحشد مواقف سياسية موحدة ضد نتائج الانتخابات.
المسار التوافقي. والقائم على سيناريو الحل مقابل الاشتراك في الحكومة المقبلة: وهو ما يعد من أهم المستجدات علي الساحة السياسية، خاصة مع إعلان المسؤول الأمني باسم كتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، حل تشكيل سرايا الدفاع الشعبي وإيقاف جميع أنشطتها وإغلاق مقرتها، حيث جاء هذا الاعلان عقب إعلان زعيم التيار الصدي مقتدى الصدر، حل تشكيل لواء “لواء اليوم الموعود”، وغلق مقراتهم، بينما رفضت “الهيئة التنسيقية للمقاومة الاسلامية العراقية” والتي تضم عدداً من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل، ويمكن الاشارة في هذا الخصوص إلى أن محاولة زعيم التيار الصدري جاءت من أجل ممارسة أقصي ضغوط ممكنة علي الفصائل السياسية الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات لإيجاد حلول ممكنة للخروج من الأزمة السياسية الحالية، وذلك بدعوة باقي الفصائل لنزع سلاحها من أجل الانخراط في الحكومة المقبلة من خلال أحزاب مدنية خالية من السلاح.
مسار التأخير في عملية تشكيل الحكومة: من المحتمل أن تعمل بعض الفصائل السياسية داخل الاطار التنيسقي على البحث عن أطر سياسية للخروج من الأزمة الحالية خاصة تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، كالاعلان عن تشكيل تكتل شيعي للخروج بتشكيلة حكومية مرضية لجميع الأطراف الشيعية، وهو أمر قد يتسبب في تعطيل تشكيل الحكومة لفترة من الوقت، وفي المقابل، تمسك التيار الصدري بمبدأ تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وهو ما تتحفظ عليه القوي الرافضة لنتائج الانتخابات، وهو ما يعني تكرار سيناريو الصراع بين إياد علاوي ونوري المالكي في انتخابات 2010، بالتالي إن مسألة تشكيل الحكومة، وإكمال الاستحقاقات الدستورية لما بعد الانتخابات ستأخذ عدة أشهر.
وفي التقدير أن أي سيناريوهات تتعلق بالتصعيد في الموقف الراهن، يتم طرحها من قبل قوي الإطار التنسيقي، ستكون بغرض تحقيق هدف معين، يتعلق بالتفاوض علي تشكيل الحكومة وليس المقصود التصعيد بحد ذاته، ولذلك فمن المرجح أن تقبل القوي الرافضة خلال الفترة القادمة بتسوية سياسية معينة، تضمن لها الحصول علي حصص وزارية مُحددة في الحكومة القادمة، فضلا عن إمكانية التوصل الي اتفاق بأن يكون رئيس الحكومة شخصية توافقية، وقد يكون من بينها غعادة تسمية مصطفى الكاظمي مرة أخرى، كما أنه من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة في العراق العديد من التطورات المرتبطة بمختلف فصائل الحشد الشعبي، ولعل من أهمها سعي تلك الفصائل إلى إعادة تموضعها في الساحة السياسية العراقية لتأمين كافة مكتسباتها، وهو ما ظهرت بوادره مع إقدام فصيل “كتائب سيد الشهداء” على فتح باب التطوع لضم مقاتلين جدد ، وهو أمر لا يخلو من رسائل سياسية، حيث تخشى معظم فصائل الحشد أن تجد نفسها خارج المعادلة السياسية، مما قد يسهل محاصرتها وتحجيم نفوذها، خصوصا وأن التيار الصدري صاحب العدد الاكبر من المقاعد البرلمانية لن يقبل بخيار حكومة توافقية مع تصميم الأخير علي تشكيل حكومة أغلبية.