إعداد
مروة أحمد سالم
باحث متخصصة في العلاقات الدولية
زميل كلية الدفاع الوطنى
استمرارً للنشاط والحضور المصري المكثف في قضايا وتفاعلات القارة الأفريقية، والتي انعكست في اهتمام الرئيس السيسي ببلورة سياسة أفريقية نشطة ومنخرطة في كافة قضايا القارة، التنموية منها والسياسية والإقتصادية ، وكان أخرها استضافة قمة تجمع الكوميسا، ورئاسة مصر للتجمع ووضع استراتيجية مصرية لتطوير التجمع حتى عام 2025 ، تأتي الاستضافة المصرية لإجتماع أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية تتويجاً واستكمالاً لهذه الجهود الكبيرة، حيث تولت مصر رئاسة لجنة الاستخبارات الأفريقية CISSA، باعتبارها أحدى اللجان التابعة للإتحاد الأفريقي.
وفي هذا السياق، يسلط هذا التحليل الضوء على أهمية هذا الحدث ودلالاته، وما يحمله من فرص لمصر على مستوى الحركة الأفريقية، وكذلك أبرز التحديات الأمنية في القارة، والتي يتوقع أن تعمل الرئاسة المصرية للجنة الاستخبارات على مواجهتها خلال الفترة القادمة.
البنية التنظيمية للجنة الاستخبارات الأفريقية:
تم إنشاء CISSA من قبل رؤساء أجهزة المخابرات والأمن الأفريقية في أغسطس 2004في أبوجا، نيجيريا، وتم التصديق عليه في قمة الاتحاد الأفريقي في يناير عام 2005، ونص قرار الجمعية نفسه أن عليهمالتواصل مع الاتحاد الأفريقي من خلال لجنة المخابرات والأمن بمفوضية الاتحاد الأفريقي.وفي أغسطس 2015، وقع رؤساء مفوضية الاتحاد الأفريقي و CISSAمذكرة تفاهم لتعزيز العلاقة بين الاثنين، وتشمل اللجنة ثلاث هيئات دائم وهي كالآتي:
- المؤتمر، ويتألف من رؤساء المخابرات والأجهزة الأمنية التي تجتمع سنويًا تحت رئاسة فريق الخبراء المكون منممثلين من كل دولة عضو في CISSA .
- الأمانة العامة، ومقرها أديس أبابا، ويعمل بها على أساس مبدأ “الإنصاف في التمثيل الإقليمي” الضباط المعينين من المخابرات والأمن من الدول الأعضاء في اللجنة.
- السكرتاريةالتنفيذية:تنتخباللجنة السكرتير التنفيذيلمدة خمس سنوات.
- يبلغ عدد الدول الأعضاء في اللجنة 52 دولة أفريقية.
مهام اللجنة في المجال الأمني:
تعتبر لجنة الاستخبارات من اللجان المهمة في الاتحاد الأفريقي، وتخدم بشكل كبير مجلس السلم والأمن الأفريقي، وتلعب دوراً محورياً في تحقيق استقرار الأمن الأفريقي، فهي عبارة عن لجنة منبثقة عن مجلس الأمن والسلم الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي وتهتم بالتحليل الاستخباري الاستراتيجي حول مهددات السلم والأمن في القارة الإفريقية، وتشمل أهدافها الرئيسية هدفين وهما كالآتي:
- التعاون متعدد الأطراف في مجال الاستخبارات والأمن،والغرض الرئيسي منه هو مساعدة الإتحاد الأفريقي ومؤسساته على معالجة الأمن بشكل فعال، لمواجهةالتحديات التي تواجه أفريقيا.
- تسهيل الحوار والتحليل وتبادل المعلومات والتنسيق لاعتماد استراتيجيات مشتركة بينأجهزة المخابرات والأمن في أفريقيا.
واتساقاً مع هذه المهام، وضعت اللجنة فى عام 2017 استراتيجية لحل النزاعات في افريقيا وتحقيق الأمن بحلول عام 2020، من خلال مراقبة أنشطة تنظيم داعش في إفريقيا، ومهددات الأمن والسلم بها وتقيّيم المعلومات التي حصلت عليها لتقدمها إلى مفوضية الأمن والسلم التابعة للاتحاد الإفريقي، واستطاعت لجنة الاستخبارات أن تبادل المعلومات الخاصة بالإرهاب، ورصد الاتصالات ومراقبة النشاط الإرهابي، وكيفية تمويل الإرهاب وتحليلها وتقديمها لمفوضية الأمن والسلم التابعة للاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى ذلك تقوم بالعمل من خلال آلية الإنذار المبكّر وتتوقع الأنشطة الإرهابية.
ولا يقف دور اللجنة عند الإرهاب وحسب،بل تهتم بالبحث في مسببات النزاعات الحدودية والتهديدات الإقليمية الأخرىكالهجرة غير الشريعة، القرصنة، البطالة، والأمن السيبراني،والنازحين واللاجئين بالقارة الإفريقية، لما لهذه الملفات من تداعيات على استقرار وتنمية القارة، وهو ما تستقبله مصر من ملفات في رئاستها للجنة.
مؤهلات الرئاسة المصرية للجنة الاستخبارات
تعتبر الرئاسة المصرية للجنة، نقطة قوة جديدة وفرصة متاحة نحو مزيد من التوطيد للعلاقات المصرية الأفريقية، ولها العديد من الدلالات أهمها يصب في الثقة الكبيرة في الأجهزة الأمنية المصرية وقدراتها في التعامل مع التهديدات الأمنية والعسكرية، وتعكس مساراً موازياً للمسار التنموي الذي تبنته مصر مؤخراً تجاه دول القارة، خاصة منذ تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، فقد ساهمت مصر فى جهود زياد الاستثمار فى القارة الأفريقية من خلال استضافة مصر مؤتمر الاستثمار فى أفريقيا، والعمل على الخروج بحلول جذرية لحل مشكلات القارة الأفريقية فى الاستثمار، إلى جانب وضع تصور للاتحاد

الأفريقى من خلال تبنى كافة الأفكار لوضع حلول لتطوير البنية التحتية فى القارة. وتدرك مصر أن الجانب الأمني ممثلاً في الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار وانتشار الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش وغيرها يشكل عقبة أساسية أمام جهود التنمية بالقارة، لذلك اهتمت مصر مبكراً بإطلاق مجموعة من المبادرات الأمنية، على رأسها مبادرة إسكات البنادق، ، التي حظيت بتأييد واسع من دول القارة ومن المجتمع الدولي بشكل عام، كما ساعدت مصر فى محاولة وضع حلول عاجلة لقضايا مكافحة الإرهاب فى القارة في منطقة الساحل والصحراء، إلى جانب المساهمة فى التشاور من أجل حل كافة المشكلات العالقة فى القارة دون تدخل خارجى، وخصوصاً فى القضية الليبية والخلاف بين الصومال وكينيا، حيث لعبت مصر دور الوسيط فى إعادة الثقة بين الصومال وكينيا، وربما يعتبر هذا الدور من الأدوار المحورية التي أهلتها لرئاسة لجنة الاستخبارات CISSA. وتأتي رئاسة مصر للجنة بعد إعلانها عن تفعيل دور مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء ، واستضافة قيادات ووزراء من الاقليم، بالإضافة لخطّة تدريب دول الساحل والصحراء على مكافحة الإرهاب، وهذا ما جعل مصر تمتلك الخبرة والكفاءة في مجالي الأمن والمخابرات بدول القارة، وأصبح أحد الاستدلالات الرئيسية على استحقاقها رئاسة اللجنة.
رؤية مستقبلية
إن تولى مصر رئاسة اللجنة يؤشر إلى مزيد من الثقة في مصر وقدرتها على المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في القارة، خاصة لما لمصر من تاريخ مُتقدم في محاربة الإرهاب على المستوى الداخلي والإقليمي، فملف الارهاب يبرز في القارة الافريقية بشكل كبير، ومعدل انتشاره من أعلى المعدلات مقارنة بمناطق أخرى من العالم، فهناك بعض الدراسات تتحدث عن أن أفريقيا قد تكون الساحة المقبلة للإرهاب الدولي، بحكم الهشاشة الأمنية وزيادة مساحات التدخلات الخارجية، وضعف فرص التنمية ، ومن هنا تنعقد الأمال على أن تلعب مصر دوراً مهما لتحقيق ما يلي:
- تدعيم القدرات العسكرية والأمنية في مكافحة الارهاب، والمساعدة على التنسيق والتكامل في إدارة الملف على المستوى الداخلي والاقليمي بشكل جيد.
- الدفع نحو تبني الأساليب الردعية الاستباقيةفي مكافحة الارهاب وهو ما تحتاج إلية القارة الافريقية، حيث تستطيع الأجهزة الأمنية المصرية بقدراتها المعروفة في تبادل وإدارة حركة المعلومات الأمنية مع رؤساء الأجهزة الأفريقية الأعضاء في اللجنة.
- المساعدة المصرية في بناء قاعدة بيانات أفريقية حول الإرهاب مثل تفاصيل الولاية ، وأسلوب تداول المعلومات، وأسلوب الدفع والتأمين المالي،وموردها، وآليات التعاون في مجال التسليح ونقاط الضعف والقوة وهو سيصب في تيكيتكات والاستراتيجيات المتبعة في مكافحة الارهاب.
- نقل الخبرة المصرية في مجال الهجرة غير الشرعية وأدوات مواجتها،حيث حققت التجربة المصرية في هذا المجال نجاح لافت، لاقى استحسان وإشادة أوروبية ودولية واسعة، وبالتالي فإن تبادل المعلومات حول العناصر الداعمة لهذا النوع من الهجرة يساعد الأجهزة الأمنية على درءها.
- تقديم المساعدة والخبرة المصرية في إدارة وحل صراعات الحدود وقضايا الأمن السيبراني والجريمة المنظمة.
- التقليل من مساحة التدخلات الدولية في شئون القارة، بحجة تحقيق تحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب، والتي تستغل من بعض الدول لأغراض بعيدة عن هذا الهدف.
نخلص إلى أن تولي مصر رئاسة هذه الآلية القارية المهمة، سيساعد في دعم التنسيق الاستخباراتي الوثيق بين الدول الإفريقية الشقيقة، وسيساهم في إرساء منظومة متكاملة لمكافحة مختلف تحديات القارة من خلال تبادل الخبرات والتجارب، بما يساعد على حفظ السلم والأمن الإقليميين، ويصب في مكانه مصر الاقليمية، وهو ما أكده الرئيس السيسي في الكلمة التي ألقاها أثناء رئاسته مؤتمر اللجنة بأن “نجاح منظومة العمل الأمني متعدد الأطراف تحت مظلة “سيسا” سيساعد بشكل مباشر على خدمة أهداف الأمن الإقليمي والدولي، مما يستدعي استمرار الجهد لتطوير أدوات التكامل الإفريقي بشكل يستجيب للتحديات العديدة الناشئة وغير التقليدية”، في اشارة واضحة إلى التحديات التي ستواجه اللجنة، ومنها بروز ظاهرة تعرف بالدولة الفاشلة، وحالات الانفلات الأمني، وعدم القدرة على تنظيم المعلومات والأدوار الدولية والاقليمية المؤججه للصراعات، وغيرها من التحديات، التي لن يتسنى مواجهتها من دون التكامل الاستخباراتي وتبادل المعلومات بين الأجهزة المخابرتية والأمنية على مستوىالقارة الأفريقية.