أهمية الكتاب:
يعد كتاب كوبا: تاريخ أمريكي، قراءة معمقة وجديدة فى العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة الامريكية وكوبا، تسرد الكاتبه قصص وتفاصيل قد سمعتها عن فيدل كاسترو، وتاريخ عائلتها حينما غادرو كوبا في الستينيات، أعقاب الثورة، متجهين إلى ميامي، تروى الكاتبة تاريخ كوبا والولايات المتحدة منذ عام 1492 بمجئ كريستوفر كولومبوس ، حيث تعتقد الكاتبة أن تاريخ الولايات المتحدة مع كوبا بدأ بوصول كولومبوس للشاطئ الشمالى لكوبا ومنذ هذه اللحظة تشكل تاريخ الولايات المتحدة مع كوبا.
يعتمد الكتاب على أكثر من ثلاثين عامًا من البحث فى كوبا وأسبانيا والولايات المتحدة ويمد تاريخ الكاتبة من سفر ودراسة رصيد قوى من المعرفة والمعلومات، يوثق تاريخ العلاقات ما بين الجيدة والمضطربة بين الدولتين مما يعطى القارئ رؤية جديدة حول العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة الامريكية ، يغوص الكتاب بين تفاصيل الغزو والاستعمار والعبودية والحرية والثورات المتتالية وفرحة الاستقلال وعقباته.
تحدث الكتاب عن فترة الحرب الباردة وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا عام 1961، واستمرار العلاقات باستقرارها وتوترها خلال فترة حكم عشرة رؤساء أمريكيين وخلال حكم فيدل كاسترو، وبعد وفاته وتقاعد شقيقه وخليفته رؤول كاسترو يدفعنا التاريخ لطرح عديد التساؤلات حول مستوى العلاقات وطبيعتها بعد تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الامريكية.
المؤلف :
آدا فيرير هي مؤلفة كتاب “كوبا: تاريخ أمريكي”، ولدت فيرير فى كوبا عام 1962 وفى السنة التالية اخذتها والدتها للعيش فى نيويورك ليقيموا مع والدها، وتعمل فيرير أستاذة فى التاريخ ودراسات منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي فى جامعة نيويورك، وسبق وان فازت بجائزة فرييدريك دوغلاس للكتاب، وعملت على انتاج عديد الابحاث فى كوبا منذ 1990، وهو ما ساعدها للحصول على عديد الجوائز من الرابطة التاريخية الامريكية .

استعراض محتويات الكتاب:
يحوي الكتاب تفاصيل وأحداث من قبل وصول كريستوفر كولومبوس وحتى وفاة فيدل كاسترو وما بعده وحتى الآن، فهو كتاب مميز جدًا ليجمع بين كل هذه العصور والحقب الزمنية الغنية، تتحدث الكاتبة فى مقدمتها عن تاريخ عائلتها فى هافانا وانتقالهم للولايات المتحدة، وتعمقت بالحديث حول مواقف بعينها قد تكون مؤثرة فى مسار عائلتها، وبالرغم من أن هذا السرد يبدو عائلى بالدرجة الاولى ولكن الهدف منه كان أعمق بكثير ليرسخ ما قد تناولتة الكاتبة فيما بعد بين طيات كتابها.
بدأ الكتاب بُمقدمة تحت عنوان “هنا وهناك”، ثم توالت فصول الكتاب أولها برقيات من أمريكا الأولي تفرع منها عدد من الموضوعات بعنوان الجنة والجحيم ثم مفتاح جزر الهند وكان الفصل الثاني يتحدث عن الرحلة من هافانا لفلوريدا إلى الدولة الأكثر رعاية ثم ينتقل إلى ثورة السكر والحديث عن العنصرية والعبودية فى الفصل الثالث ومؤامرات التعذيب ورحلات الحرب الاهلية، أما رابعًا جاء ليتفرع إلى محورين فرعيين بعنوان عبد- جندي- مواطن، ثم ثورة من أجل العالم، خامسًا بعنوان خلو العرش الامريكي والحرب الذى أعيدت تسميتها، ثم ينتقل إلى الجزيرة المحتلة، وسادسًا يسرد تفاصيل امبراطورية السكر بعد أن شهد الاقتصاد الكوبى تحولا كبيرة نتيجة انهيار انتاج السكر فى سانت دومينج ، ثم ينتقل إلي مدينة الأحلام ، ومنها إلى قتل الاشقاء حيث ارتبط السكر والعبودية بكوبا والولايات المتحدة نتيجة للاحداث التى شهدتها ككجزء من تاريخ الرأسمالية الامريكية، وسابعًا يتحدث عن الميثاق الجديد والمواطنين الأصليين . وتتوالى الفصول حتى يضع الكتاب اثنتى عشر فصلاً ويتكون من 33 موضوعًا فرعيًا بواقع 543 صفحة ويعد هذا الكتاب ضمن قائمة أفضل كتب لعام 2021 فى قائمة مجلة ايكونوميست .
فترة الاحتلال الأسباني والبريطاني لكوبا. تناول الكتاب الفترة التي شهدت حكم الأسبان لهافانا ، ثم الاحتلال البريطانى لها، والذى دام 13 شهرًا منذ يونيو 1762، إلى أن تخلت بريطانيا عن هافانا عام 1763 بموجب معاهده باريس، بينما تنازلت إسبانيا عن فلوريدا وهو الأمر التي تشابكت فيه الدولتين من حيث المصير. كما يروي الكتاب تفاصيل حول إزدهار التجارة بين كوبا وأمريكا الشمالية، ثم ينتقل إلى الحديث عن دعم إسبانيا للمتمردين المناهضين للنظام الملكي خلال الثورة الامريكية، وقد تعمق الكتاب للحديث عن معارك شهيرة من بينها معركة يوركتاون عام 1781 وانتصار الامريكين فيها. وقد أشار الكتاب لكفاح الكوبيون 10 سنوات للحصول على الاستقلال من إسبانيا، لكنهم نجحو فقط حينها فى التخلص من العبودية عام 1886 واستمر الاستعمار.
بدايات الاشتباك بين كوبا والولايات المتحدة. يسرد الكتاب محاولات الولايات المتحدة للتأمر بضم كوبا إلى جنوبها، حيث حاولت الحكومات الأمريكية عدد من المرات شراء كوبا ، خاصة بعد أن اتخذت الولايات المتحدة دور الامبراطورية التى خلفت اسبانيا عام 1898، حيث زالت العبودية بعد التغيرات الاقتصادية التى حدثت، لكن الحرب الأهلية الأمريكية أفشلت مخططتهم لتنفيذ هذه المؤامرات.
فترة خوسيه مارتي والحرب من أجل الاستقلال. حارب خوسية مارتي من أجل الاستقلال ، وقد حذر منذ سنوات عن قلقة حيال إنتهاء الاحتلال الإسباني وتحول الولايات المتحدة بعد حصول كوبا على استقلالها عن اسبانيا عام 1898 بدعم أو بسبب القوات الامريكية فى كوبا، وهو ما دفع خوسية مارتي للتنبأ بأن العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة سوف تذهب للتعقيد فيما بعد بعد توقيع معاهدة “بلات” عام 1901 التى تسمح للولايات المتحدة بالتدخل العسكرى فى كوبا كلما رأت الولايات المتحدة مصلحة فى التدخل، وهو ما يعد استعماراً صريحاً من قبل الكوبيون.
فترة ماتشادو. يتتناول الكتاب في جزء منه العنف الذى انتشر فى عشرينيات القرن الماضي بعد تولي تولي ماتشادو ( أحد المحاربين من أجل الاستقلال) وعرفت فترة حكمة بالترهيب والرشوة والفساد، وهو ما دفع لقيام احجاجات مناهضة له من الطلاب وهددت الولايات المتحدة بالتدخل العسكري بعد هرب الرئيس على متن طاهرة تحمل عدد من الحقائق المليئة بالذهب.
فترة إدوارد شيبس. ينتقل الكتاب للحديث عن فترة أخرى فى تاريخ كوبا وهي ترشح أدواردو شيبس الاذاعي الشاب الذي أطلق حزبًا سياسيًا فى محاولة لتخليص الدولة من الفساد وتميز شيبس حينها بأنه من أكثر المرشحين الرئاسيين شهرة فى تاريخ كوبا ، وانتهت قصة شيبس بشكل مؤثر جداً، حيث انتحر قبل عام من سيطرة باتيستا على الحكومة الكوبية .
العلاقات الأمريكية الكوبية في فترة كاسترو. ينتقل الكتاب إلى لحظة صعود كاسترو إلى السلطة والقتال ضد قوات باتيستا ، ويبدو أن الكاتبة كانت ترمي إلى إلقاء الضوء على دور الولايات المتحدة فى تلك الفترة، ومعاقبتها لكوبا بإرسال مشاة البحرية لاخماد الثورة الكوبية، بالإضافة إلى الاغتيالات السرية التى كان يدعمها المُشرعيين الامريكين، وهو ما دفع إلى ترسيخ فكرة معارضة الولايات المتحدة للثورة الكوبية، وبالتالى أصبح هناك فصيل كبير من الكوبيين يقتنعون بهذا وهو ما دفعهم لدعم الحكومة الجديدة. وقد حافظ كاسترو على تسليط الضوء بالنقد والشجب والإدانة للعنصرية الامريكية ، حيث سلط الكتاب الضوء على مسألة العنصرية الأمريكية ضد الشعب الكوبي واضطهاد وقتل الكوببين المنحدرين من أصل أفريقي ، وقتل ما يصل إلى 6 ألاف كوبى من أصل أفريقي فى حمله شنت عام 1912 .
التعليق على الكتاب.
من الواضح أن هذا الكتاب قد سلط الضوء بقوة على تشابكات العلاقات الأمريكية مع كوبا، عبر حقب زمنية مختلفة، كما سلط الضوء على تاريخ الدولة الكوبية، وفسر لنا أسباب العداء أو التوتر المستمر في علاقات البلدين، رغم بعض المحاولات القليلة لطرح مقاربات جديدة لإداراتها بشكل مختلف.
كما قدم هذا الكتاب منظور مختلف لشكل وواقع ومستقبل العلاقات بين كوبا والوىلايات المتحدة، معتبر أن أي محاولات للتقارب الأمريكي مع كوبا ليست جادة، وإنما كلها مجرد خديعة ، حيث شبه الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما لكوبا في 2006 بأنها “الزيارة الخادعة” والتى كانت أول زيارة لرئيس أمريكى منذ كالفين كوليدج ( رئيس الولايات المتحدة خلال الفترة من 1923-1929).
