تقديم
تمثل منظمات المجتمع المدني ركيزة أساسية من ركائز تنمية واستقرار المجتمعات المعاصرة وهي أحد أدوات الدول في حشد وتعبئة المواطنين في عمليات التغيير الاجتماعي والتصدي للتحديات السكانية والمناخية وفي العقود الخمس الاخيرة صارت أيضا أداة من أدوات التغيير في الأنظمة السياسية وجسرا للعبور من أنماط الحكم الفردي إلي أنماط الحكم التشاركي، ولأهمية المجتمع المدني وما يمثله في عملية بناء المجتمع المصري، وأهمية تحديد الفجوات التي يعاني منها الفاعلين فيه وكيفية سد هذه الفجوات، وبناءا علي ما تفضل به سيادة رئيس الجمهورية من إطلاق عام 2022 عاما للمجتمع المدني المصري … يُسعدنا في مركز جسور للدراسات الاستراتيجية أن نطرح رؤية جماعية حول كيفية الاحتفاء بعام 2022 كعاما للمجتمع المدني وننتهز الفرصة الفريدة من نوعها في تعميق وتأصيل عمل منظمات المجتمع المدني، وعليه فإننا نطرح مجموعة من التوصيات التي يمكن العمل عليها ليكون عام المجتمع المدني عاما فارقا في علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني وهي علاقة نتمناها مبنية علي الثقة والعمل المشترك وأن يكون الهدف الاسمي هو تعزيز استقرار المجتمع المصري وتطوره وضمان حقوق وحريات مواطنيه وفق مبادئ الدستور والقانون.
منهجية الإعداد:
تم تطوير خطة العمل وفق نهج تشاركي بين فريق عمل مركز جسور وثلاث مجموعات من خبراء المجتمع المدني، بهدف استشراف رؤيتهم لعام المجتمع المدني وتحديد الفجوات المؤسسية والمجتمعية والقانونية التي يعاني منها الفاعلين في المجتمع المدني وطرح حلول مهنية وعملية يمكن لها سد هذه الفجوات. بالإضافة إلي وضع خريطة لأهم الأحداث والفاعليات التي يجب القيام بها من قبل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني حتي نتمكن من تعظيم العائد من تخصيص عام 2022 عاما للمجتمع المدني فننتهي به إلي وجود مجتمع مدني فاعل ومؤثر تأثيرا حقيقيا داخل المجتمع.
بالإضافة إلي الجلسات، تم مراجعة بعض الدراسات والأوراق المنشورة حول المجتمع المدني المصري ومساهمات بعض قادة الفكر المعنيين بمستقبل العمل المدني في مصر وتم الرجوع إلي مساهمات الاستاذ/ نجاد البرعي التي كتبها بخصوص كيف يمكن الاحتفاء بعام المجتمع المدني في رسالته المنشورة علي صفحة الفيسبوك والتي اختص بها رئيس مركز جسور.
مع إعلان الدولة المصرية عن إطلاق إستراتيجيتها الوطنية (الأولي) لحقوق الإنسان (2021 ـ 2026) والتي أتت كخطوة غير مسبوقة وبالغة الدلالة علي متغيرات هيكلية في المنهجية الوطنية للتعامل مع ملف حقوق الإنسان وما يرتبط به من ضرورات نشأة وتفاعل مؤسسات فاعلة في تعزيز بيئة تلك الحقوق وتيسير سبل إتاحتها تضمنت الكلمة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي تصريحه باعتبار أن عام )2022) هو عام المجتمع المدني، حيث ذكر نصا (ويطيب لي قبل أن أختتم خطابي إليكم أن أعلن 2022 عاماً للمجتمع المدني … والذي أدعوه إلى مواصلة العمل بجد واجتهاد جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة في كافة المجالات ونشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان مساهمةً في تحقيق آمال وطموحات الشعب المصري العظيم)والحقيقة أن ذلك القرار أو الموقف الرئاسي يأتي بمثابة تقدير من جانب الدولة ممثلة في قيادتها السياسية للمجتمع المدني ودرءا للشبهات التي أحاطت بالمصطلح منذ ظهوره في مطلع تسعينيات القرن العشرين كما كان من اللافت أن يأتي ذلك في يوم إطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان التي أعلنتها الدولة المصرية وكأننا بصدد استيعاب وطني لمفهومين طالما ثار حولهما الجدل هما (حقوق الإنسان والمجتمع المدني) بالإضافة لكونها إشارة سياسية مهمة أن الدولة تعزز كلاهما ولم يعد ينظر إليهما على أنهما أداة تدخل خارجي أو هيمنة غربية وفقا لخطاب إعلامي ونخبوي ساد لفترات زمنية سابقة. وقد ربط الرئيس في كلمته بين المصطلحين بقوله (ويأتي المجتمع المدني كشريك أساسي مهم في عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونشر الوعي بحقوق الإنسان في المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي والإسهام في جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم مجتمعنا المصرى) ويشير هذا الاقتباس من خطاب الرئيس إلى أن حركة المجتمع المدني يُراد بها تعزيز جميع مجالات العمل الحقوقي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بالطبع يحتاج استيعاب حقوق الإنسان والمجتمع المدني في نسيج المؤسسات المصرية، والثقافة العامة والممارسة اليومية إلى فترة زمنية، تطول أو تقصر حسب الجهد المبذول. وبالنظر إلي التحديات التي تواجه المجتمع المدني المصري نجد أنها تتدرج بدءاً من الصراع حول المصطلحات والمفاهيم وانتهاء بالتفاصيل الصغيرة المرتبطة بالعمل اليومي المفعم بالمشكلات متعددة الأشكال وتتراكم هذه المشكلات صغيرها وكبيرها لتشكل جداراً سميكاً يحول دون نمو مؤسسات المجتمع المدني المصري بالمستوى والدرجة اللتين يحتاجهما الواقع المصري. فالواقع إن مصطلح (المجتمع المدني) لا يزال يواجه مشكلة استيعابه ضمن منظومة المفاهيم التي تحكم رؤى قطاعات عريضة من النخبة والجماهير على حد سواء فأتباع عدد من التيارات السياسية المتشددة يرون فيه مصطلحاً وافداً مستورداً مشبوهاً كما أن بعض دوائر السلطة والقوميين واليساريين ينظرون بعين الريبة إلى المجتمع المدني بوصفه يشكل رأس حربة لمشروعات استعمارية غربية مستترة من خلال تبنيه برامج عمل اجتماعية وسياسية بعضها لا يلائم واقعنا وبعضها لا يشكل مطالب ملحّة للجماهير الغفيرة والآخر يتعارض مع قيمنا ومعتقداتنا. ويتكئ هؤلاء في اتهامهم هذا على حجج عديدة منها همزات الوصل بين بعض المؤسسات الرسمية الغربية وبين منظمات المجتمع المدني المصرية ومحتوى الأجندة التي تتبناها هذه المنظمات وتفشي ثقافة الاسترزاق عند بعض القائمين عليها الأمر الذي يجعلهم في نظر منتقديهم أقرب إلى العملاء أو مخالب القطط منهم إلى المناضلين الاجتماعيين أو أصحاب الرسالات الثقافية والاجتماعية الباحثين عن مجتمع أرقى وأفضل. كما يعاني المجتمع المدني المصري من جمود وتخلف كثير من الأطر القانونية التي تحكم عمله على رغم الضغوط التي يمارسها على دوائر التشريع من أجل تحديث البنية القانونية والتشريعية بما يعزز دور المجتمع المدني في التنمية الاجتماعية والبشرية . ولا تنجم تحديات المجتمع المدني من السياقات التي تحيط به فقط بل إن بعضها يعود أيضاً إلى طريقة أداء المنظمات غير الحكومية ذاتها وتصورها لطبيعة أدوارها ومدى إخلاص القائمين عليها لمقاصدها وغاياتها فبعض هؤلاء يتعاملون مع هذه المنظمات على أنها مجرد وسيلة للارتزاق تتيح لأصحابها الحصول على جزء من الأموال التي تخصصها المؤسسات والحكومات الأجنبية لتشجيع التطور السياسي والاجتماعي في بعض البلدان أو لخلق نخبة مرتبطة بمصالح الغرب حسب بعض الأدبيات العربية التي تنتقد أداء وأدوار المنظمات غير الحكومية وبعض القائمين على تلك المنظمات يتعاملون مع مواقعهم على أنها طريقة للحصول على الوجاهة والمكانة الاجتماعية والبقاء في دائرة الضوء عبر مختلف وسائل الإعلام . وتعاني بعض هذه المنظمات من أزمة مصداقية نتيجة ثلاثة أسباب رئيسية: 1- هو وجود قدر لا يستهان به من الفساد وافتقاد الشفافية يصِم المجتمع المدني المصري ويطاول في درجته الفساد الذي قد يصيب الحياة السياسية والإدارية العامة والذي يناط بالمنظمات الأهلية والحقوقية أن تفضحه وتحاربه، 2- غياب الديمقراطية الداخلية في المجتمع المدني فكثير من منظماته ومؤسساته تعاني من استبداد شخص أو قلة بالرأي والقرار وتلف بعضها حالة من الغموض ويعاني بعض العاملين فيها من هدر حقوقهم شأنهم شأن بعض الموظفين الحكوميين، 3- ضعف الدور الاجتماعي لهذه المنظمات وهي مسألة واضحة للعيان فقد مر المجتمع المصري بالعديد من الكوارث الاجتماعية والطبيعية ولم تكن منظمات المجتمع المدني الحديثة موجودة بين المنكوبين بالحضور المطلوب على العكس من المؤسسات التقليدية للمجتمع الأهلي التي يرتبط أغلبها بالدين سواء الإسلامي أو المسيحي . لذا يعد الاحتفاء بعام المجتمع المدني (2022) وقدرة المنظمات علي رسم خطة وطنية تشاركية بين كافة الأطراف والدوائر للاحتفاء به واستغلاله لإعادة رسم الصورة العامة لدور المنظمات وإسهاماتها في تطوير بنية الحقوق والعمل كشريك وطني في تنفيذ برامج وخطط التنمية التي أعُلن عنها في إطار الجمهورية الجديدة والرقابة علي مدي التزامها بالمعايير الحقوقية فرصة بالغة الأهمية يعزز من فرص نجاحها ما يرتبط بها من أطر وسياسات عامة علي المستوي الوطني والإقليمي وهو ما نطرحه في هذه الدراسة |
الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسانيمكن القول بأن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنت عنها الدولة خلال سبتمبر الماضي ولمدة خمس سنوات قادمة تمثل مدخلا بالغ الأهمية للاحتفاء بعام المجتمع المدني بما تضمنته من أبعاد ومسارات للعمل تستوجب تفعيل آليات الحوار الوطني وتعزيز وبناء قدرات المؤسسات الوطنية بما يسهم في قدرتها علي كفالة وإتاحة الحقوق وصياغة المنهجيات والتشريعات التي تضمن القدرة علي الوفاء بها وتنفيذها بشكل ناجز وهو ما يمكن رصده عبر استقراء نصوص الإستراتيجية التي تحدثت عن دور واضح لمنظمات المجتمع المدني في التنفيذ المرتبط بالمحاور العامة خاصة ما يتعلق بالتثقيف وبناء القدرات لدي قطاعات إنفاذ القانون أو لصالح المستفيدين من تلك الحقوق خاصة وأن البعد الأهم والأخطر فيما يرتبط بالإستراتيجية يتمثل في ممكنات تنفيذها وقدرة الدولة علي تنفيذ الالتزامات الواردة بها (226 نتيجة) وفق مخططات زمنية محددة ومؤشرات قياس منضبطة فما أكثر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي توافق المجتمع الدولي علي إصدارها وضمنها تفصيلات الحقوق لصالح الفئات بل وحدد مراحلها الانتقالية ـ وصلت لعشرة سنوات في العهدين الدوليين ـ للبدء في دخولها حيز النفاذ إلا أنه عجز رغم كل ذلك في الالتزام بما ورد ضمنها أو تحقيق مستهدفاتها . |
تقرير منتصف المدة (الاستعراض الدوري لحقوق الإنسان):تستعد الدولة المصرية خلال عام 2022 لتقديم تقريرها الطوعي عن منتصف المدة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان حول ما تم تنفيذه أو ما اتخذته الدولة من خطوات نحو تعزيز بيئة حقوق الإنسان أو الاستجابة لما قدم لها من توصيات أو مطالب خلال دورة استعراض الملف المصري (2019) والتي تلقت الدولة المصرية خلالها (372) توصية أعلنت القبول لعدد (325) توصية منها بما يستدعي ضرورة بيان مدي الانجاز والتقدم الذي تحقق فيهم خلال الفترة الماضية سواء علي مستوي الوفاء بالمطلوب أو التقدم في احتواء مثالبه وكلاهما أمر يستدعي تواجد وفعالية للمنظمات وتحسين لبيئة التواصل المجتمعي معها وعلي نحو خاص تطوير بيئة التشريع ووقف ملاحقات النشطاء والمدافعين وفقا لما قدمته توصيات الدول وما استجابت له الدولة المصرية بإصدارها لتشريع وطني (جديد) لتنظيم العمل الأهلي واتخاذ عدد من الخطوات الجادة لإغلاق القضية (173) المثيرة للجدل الأمر الذي يسهم في تحسين صورة الدولة ويجعل من تقديم تقرير منتصف المدة خلال احتفاء الدولة بالمجتمع المدني فرصة هائلة لتسويق رؤية مغايرة لنمط تعامل الدولة مع المنظمات وإظهار مدي إيمانها والتزامها بمعايير حقوق الإنسان ودعمها للفئات الأولي بالدعم والرعاية وفقا لما هو مطلوب وممكن من توصيات . |
الخطوات الجادة لإغلاق قضية التمويل الأجنبي:
لسنوات تجاوزت العقد الزمني ظلت أحد أهم مسببات الانتقاد والهجوم علي الحالة المصرية يرتبط بقضايا ملاحقة النشطاء والمدافعين وما ارتبط بها من إغلاق لمقار العديد من منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية وهجرتها إلي دول مجاورة مع كثافة ما يصدر عنها من تقارير تنتقد بيئة حقوق الإنسان أوعمل المنظمات الوطنية متخذة من القضية (173) وما صدر عنها من أحكام مسوغ لإثبات نظرتها الناقدة بشدة للأوضاع المصرية .
لذا فقد كان من المطمئن والايجابي النظر إلي المسار الجيد الذي وجهت إليه سلطة التحقيق والرسائل المطمئنة المصاحبة له والتي تظهر توجه مركزي لحسم القضية وإنهاء التحقيقات المرتبطة بالعديد من النشطاء الذين كانوا رهن للتحقيقات التي تسببت في منعهم من السفر أو تجميد أرصدتهم البنكية حيث اتبعت الدولة خلال العام الماضي سلسلة من القرارات الايجابية بإنهاء التحقيقات المرتبطة بعدد (71) منظمة وكيانا حقوقيا يتجاوز عدد النشطاء الملاحقين عبرها (200) ناشط حقوقي وهو ما يمكن لنا توثيقه وقائعيا فبتاريخ 5 ديسمبر 2020 أصدر قاضي التحقيق أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدد 6 لعدم الجريمة ولعدد 14 آخرين لعدم كفاية الأدلة وتبعه في 30 مارس 2021 بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدد 5 منهم لعدم الجريمة وعدد 15 آخرين لعدم كفاية الأدلة و بتاريخ 6 مايو 2021 أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدد 15 لعدم الجريمة وعدد 3 آخرين لعدم كفاية الأدلة، ثم أعقبه في 20 يونيو 2021 أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدد 5 لعدم كفاية الدليل وتبعه في 30 أغسطس 2021 أمرًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدد 4 جمعيات وكيانات أخرى لعدم كفاية الأدلة وأخيرا في 20 سبتمبر 2021 أمرًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة لعدد 4 جمعيات وكيانات آخرين .وهو يراه كثيرون بأنه مؤشر قوي على وجود اتجاه مؤسسي لتفكيك هذه القضية المثيرة للجدل كما أكد قاضي التحقيق أن التنمية المستدامة وترسيخ مفاهيم التكافل الاجتماعي وحقوق الإنسان هي مفاهيم لها متطلباتها التي لا تستقيم دونها فالمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص والحق في التعليم والصحة وحماية البيئة والقضاء على الفقر وغيرها من الحقوق لا يمكن أن توضع موضع التنفيذ دون أن تضطلع عليها وتحميها مؤسسات بالدولة ومجتمع مدني يتسمان بالشفافية والنزاهة وعلى قدر من الكفاءة.
استضافة قمة المناخ (COP 27):
استطاعت مصر أن تعزز من فرص تواجدها الدولي وتصدير صورتها كطرف رئيسي في صناعة القرار الأممي والتأثير في رسم سياساته كجزء من فلسفتها وإستراتيجيتها في التعامل مع الأحداث الدولية حيث تم اعتماد استضافتها لقمة المناخ العالمية (COP 27) في مدينة شرم الشيخ خلال نوفمبر 2022 الأمر الذي جعل وزيرة البيئة تتعهد خلال كلمتها بأن مصر ملتزمة (بحمل الشعلة والبناء على النجاحات التي حققتها الرئاسة الحالية حيث ستبدأ مصر في أقرب وقت في التنسيق لضمان الانتقال السلس لعملية التفاوض ومسار المبادرات والتعهدات الموازية(.
والواقع أنه قد تم التعامل مع قمة جلاسكو (2021) باعتبارها محطة مفصلية للراغبين في وضع حد للتغير المناخي وتتمثل أهدافها في حث الدول على الضغط على بعضها البعض للحد من الانبعاثات الناجمة عن حرق الفحم والغاز والنفط والالتزام بالدعم المالي للبلدان منخفضة الدخل للتعامل مع آثار التغير المناخي وتشديد بعض القواعد التي تم إقرارها في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 خاصة مع ازدياد درجة حرارة سطح الأرض بشكل أسرع منذ (1970) مقارنة بأي فترة مدتها (50) عامًا على مدى الألفي سنة الماضية على الأقل وتشير التقارير إلى أنه على سبيل المثال تجاوزت درجات الحرارة خلال العقد الأخير (2011 ـ 2020) تلك التي امتدت لقرون متعددة في الفترة الدافئة منذ نحو (6,500) عام وفي الوقت نفسه ارتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بشكل أسرع منذ عام (1900) مقارنة بأي قرن سابق في الأعوام الثلاثة آلاف الماضية على الأقل إلا أن غياب العديد من رؤساء الدول الهامة وتقاعس عدد أخر من الدول في تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالأمر زاد من ثقل المهمة في قمة شرم الشيخ خاصة بالنظر لكون القمة التالية لها ستعقد بالإمارات (2023) والتي ستسعي لإثبات جدارتها باستضافة القمة عن طريق توفير أكبر قدر من الاهتمام بإنجاحها.
وبالنظر لمدي أهمية استضافة مصر لتلك القمة العالمية الأكبر خلال السنوات العشر الأخيرة وما تستهدفه مصر من استغلالها لتحسين صورتها علي المستوي الدولي وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية لا يستهان بها بما يتطلب حشد كافة أشكال الاهتمام والعمل من أجل ضمان مشاركة كافة زعماء العالم خلالها الأمر الذي يصعب ضمان الوصول إليه في ظل وجود انتقادات أو ملاحظات علي ملف حقوق الإنسان أو بيئة العمل الأهلي والتي تعد قضايا رئيسية في السياسة العالمية تحكم الكثير من السياسات المعلنة للدول الكبري وهو ما يتطلب إستراتيجية نوعية تمزج ما بين الاحتفاء بعام المجتمع المدني وبين استضافة مصر للقمة الأممية بالصورة التي تشجع زعماء الدول الكبري علي المشاركة ومساندة المسارات التي تنحاز لها الدولة المصرية.
إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان:
رغم تأخرها لسنوات فقد مثلت خطوة إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان خلال أكتوبر 2021 رسالة مهمة حول الرؤية التي تنتهجها الدولة في إدارة الملف واتساع أفقها لتتضمن محاولة صياغة خطاب أكثر تواصلا مع المجتمع الدولي وأدق فهما لدور وطبيعة الآليات الوطنية وفق ما تبدي من تشكيلة المجلس والتي حوت تنوعا في الخبرات ودفع بجيل جديد للتفاعل والتأثير في السياسات العامة وإدارة الملفات المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان لاسيما مع إصدار الدولة للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بما تضمنته من مستهدفات ونتائج يفترض تحقيقها خلال السنوات الخمس القادمة إضافة لقياس مدي الالتزام والتحرك المجتمعي والرسمي نحو الوفاء بالتزامات مصر الواردة بدورة الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان وهي في مجملها موضوعات وقضايا يفترض في المجلس بتركيبته الجديدة وتنوع عناصره أن تسهم بجهد ملموس في الوصول لنتائج ايجابية ومؤثرة تجاهها .
قانون تنظيم العمل الأهلي
مثلت عملية إصدار قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم (149) لسنة 2019 نموذجا متميزا لقدرة منظمات المجتمع المدني علي الضغط واقتراح البدائل وتطوير السياسات للخلاص من القانون رقم (70) لسنة 2017 بما تضمنه من نصوص وما رسخه من قواعد فرغت العمل الأهلي من مضمونه وقننت لوجود عقوبات سالبة للحرية عن أنشطة تطوعية وهو ما أثار عواصف من النقد والاعتراض امتدت لمطالبات إقليمية ودولية في العديد من المحافل أثمرت عن تكليف رئيس الجمهورية للحكومة بالعمل علي تطوير التشريع وخلق بيئة عمل أمنة وهو ما تحقق عبر القانون (149) لسنة 2019 والذي صدرت لائحته التنفيذية خلال يناير 2020 لتتيح للمنظمات توفيق أوضاعها خلال مهلة مدتها عام من تاريخ صدور اللائحة .والحقيقة أن القانون المستحدث رغم وجود بعض الملاحظات والمشكلات المتعلقة بتطبيق أحكامه إلا أنه مثل رؤية متقدمة فيما يتعلق بتغير رؤية الدولة للمنظمات والاعتراف بقيمة وتأثير العمل الأهلي وصولا لإلغاء كافة المواد السالبة للحرية من نصوص القانون ووضع آلية جديدة تتيح إنشاء المنظمات بالإخطار وحقها في العمل وتلقي التمويلات دون قيود تتعلق بالإطار الزمني الذي تتيحه لموافقة الجهة الإدارية وعدم حل المنظمات أو وقف ممارستها للنشاط إلا بحكم قضائي وهي في مجملها رسالة بقيمة وتأثير منظمات المجتمع المدني في تطبيق رؤى التنمية والارتقاء بمستوي الخدمات المقدمة للمواطنين .
1. السعي لمصالحة حقيقية مع المنظمات والنشطاء
دون تجاهل الرسائل والخطوات الايجابية التي اعتمدتها الدولة تجاه النشطاء سواء وقف الملاحقات أو إغلاق القضايا أو إلغاء قرارات المنع من السفر وتجميد الأرصدة البنكية فان طبيعة العلاقة بين الدولة وبين تلك المنظمات ونشطاها ما زال فيها الكثير من المرارة والتوجس خصوصا بعد عقد من التشويه والنقد اللاذع واتهامات العمالة والخيانة وتفتيت وحدة التراب الوطني بما يستدعي ضرورة لإتباع سياسات الحوار والاستجابة لطلب التطمينات للتأكيد علي الأفق والمنهجية الجديدة للتعامل مع تلك الدوائر الحقوقية مع دعوة النشطاء والمدافعين الذين نقلوا إقامتهم ونشاطهم للخارج خوفا من الملاحقة أو الانتقام للعودة مرة ثانية لمصر والعمل الجدي والمهني من داخل البلاد خصوصا للعناصر التي لم تتورط في أي أنشطة داعمة للإرهاب أو إرتكبت جريمة بالفعل
2. غلق وتصفية القضية 173 وما يرتبط بها من قضايا فرعية
رغم الخطوات الايجابية التي قدمتها الدولة خلال العام الماضي في الاستجابة لكافة المناشدات المحلية والدولية لإغلاق القضية 173 ورفع كافة التقييدات المرتبطة بقادة وعناصر المنظمات الموجودة بها والتي نتج عنها 6 قرارات من قبل قاضي التحقيق بأنه لا وجه لإقامة الدعوي تجاه 71 منظمة تضم داخلها ما يقرب من 200 من النشطاء والمدافعين، وأيضا قرارات العفو وإلغاء الحظر علي السفر أو تجميد الأرصدة البنكية ما زالت ـ رغم ايجابيتها وأهميتها ـ أقل من المستهدف أو المأمول خصوصا وأن استمرار القضية مفتوحة يعني إمكانية عودة البعض إليها مرة ثانية أو إدخال عناصر جديدة لدائرة الملاحقة عبرها وهو أمر يستلزم سرعة الفصل فيما هو متبقي من اتهامات عبرها وإعلان إغلاقها بصورة رسمية ونهائية كرسالة شديدة الوضوح علي النهج الجديد الذي تتبعه السلطة في التعامل مع النشطاء أو مع المنظمات المحلية والدولية.
3. النظر في إدخال عدد من التعديلات علي القانون 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية
رغم التقدم والانجاز الكبير الذي تحقق عبر القانون الجديد لتنظيم ممارسة العمل الأهلي (149) لسنة 2019 ولائحته التنفيذية إلا أن هناك عدد من الفجوات التي يتحتم النظر في مدي إمكانية تعديلها لضبط نصوص القانون وتطوير أدوات استخدامه. فيتوجب إعادة النظر في المواد المتعلقة بالمقر الخاص بإشهار الجمعية والتقييدات الموجودة في تحديد طبيعة المكان ومحتوياته الأساسية والتي تصعب من فرص التوسع وإنشاء المنظمات بل وتتناقض مع طبيعة التحول الرقمي والاعتماد المباشر علي التكنولوجيا في إنهاء الأعمال ومتابعتها بما يقتضيه الأمر من إعادة صياغة للمواد التي تنظم العلاقة بين وزارة التضامن وبين المنظمات.
4. الدعوة لحوار وطني مع المنظمات
تحتاج العلاقة بين الدولة بمختلف أجهزتها وسلطاتها وبين المنظمات لفتح قنوات دائمة ومتصلة للحوار وتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بالرؤية الحاكمة لعمل المنظمات أو تقليل مساحات الخلاف وتباين وجهات النظر حول القضايا المختلفة لاسيما بعد فترات من الخلاف وتباين المواقف والقناعات لدي العديد من الدوائر بين مختلف الأطراف بما قد يساهم بشكل كبير في إعادة رسم العلاقة التفاعلية والتوافق علي أجندات للعمل حول مختلف القضايا وتطوير للسياسات أو التناول المنهجي لما يتم تنفيذه من برامج وخطط .والواقع أن محاولة القياس والاستفادة من تجارب المنتديات الشبابية ـ بتنويعاتها المختلفة ـ والزخم الذي تحققه وتعاطي المجتمع الدولي مع فعالياتها يجعل من الضرورة بمكان العمل علي انعقاد منتدي حواري للمنظمات الوطنية برعاية مباشرة من مؤسسة الرئاسة وبحضور تنفيذي وحكومي علي أعلي المستويات في ظل التأثيرات شديدة الايجابية والرسائل واضحة الإقناع لكافة الأطراف والشركاء للتدليل علي النهج الجديد الذي تتبعه الدولة في التعامل مع الحقوقيين والنشطاء والمدافعين وعن مدي التطور في النهج الحقوقي للتعامل مع المنظمات وتعزيز بيئة عملها اتساقا مع القواعد والمواثيق الأممية المعنية بهذا المجال التي وقعت وصادقت عليها الدولة المصرية.
5. بحث سبل دعم ومساندة عودة مصر كمركز إقليمي لمقرات المنظمات الدولية
ظلت مصر لفترة زمنية طويلة هي المكان المفضل لدي العديد من الهيئات والجهات الدولية لإقامة مراكز إقليمية لتنفيذ وإدارة أنشطتها في المنطقة بما حمله ذلك من دلالات علي القوة الإقليمية للدولة المصرية واعترافا بتأثيراتها علي مستوي محيطها العربي والإفريقي والأوسطي وهو ما نفتقده بشدة في الفترة الأخيرة التي شهدت تضييقات وملاحقات لأفرع ومقرات العديد من تلك المنظمات بل وتقديم العديد من العاملين بها للمحاكمات الأمر الذي دفعها لمغادرة مصر لدول مجاورة وافتقاد مصر للكثير من ممكنات التأثير والتواصل مع تلك المنظمات، لذا يعد الاحتفاء بعام المجتمع المدني فرصة بالغة القيمة في إعادة طرح قضية عودة المقرات الإقليمية لمصر مرة ثانية وتقديم التسهيلات والمساهمات التي تعزز من فرص قبول تلك العودة بما تحمله من قدرة علي التأثير في القرار الدولي بالإضافة لدلالتها الهامة حول الفلسفة الايجابية الحاكمة لعلاقة مصر مع شركائها الدوليين .
6. تبني عقد سلسلة من المؤتمرات الدولية المتصلة بملفات حقوق الإنسان
سعت مصر منذ فترة لاستضافة أحد أهم المؤتمرات الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة حول قضية التعذيب وهو ما أحبطته الكثير من الحملات الدفاعية لبعض منظمات حقوق الانسان الدولية ورغم نجاحها في الغاء المؤتمر فأنها خسرت معها ما يمكن أن يكون جسرا للتأثير علي السياسة المصرية في القضايا الحقوقية. وعليه فان أحد أهم المحاور التي يجب أن تسعي لها الدولة المصرية وتستخدم فكرة الاحتفاء بعام المجتمع المدني هو العمل علي استضافة مصر لعدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية المرتبطة بملفات وقضايا حقوق الإنسان وتعزيز بيئات عملها .وبالنظر لطبيعة وعدد التوصيات التي تلقتها الدولة خلال الاستعراض الدوري الشامل UPR حول طبيعة العلاقة مع الآليات الدولية والتواصل مع المقررين الخواص فإن فكرة استضافة مصر لملتقيات إقليمية ودولية حول الملفات والقضايا الحقوقية ستلقي الكثير من ردود الفعل الايجابية وستسهم بشكل كبير في تحسين العلاقة مع المقررين وستكون رسالة إيجابية حول طبيعة الخطوات والاستجابات التي تبديها الدولة حول ما تلقته من توصيات وما اتبعته من سياسات لتنفيذها .
7. تطوير الخطاب الإعلامي تجاه المنظمات
ظل الخطاب الإعلامي ـ ولفترة طويلة ـ أحد أهم المثالب المرتبطة بملف المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني وإشاعة مناخ من العداء والكراهية لقادتها والناشطين فيها مما أدي لتشويه بالغ في الرؤية المزاجية لدي قطاع واسع من الجماهير حول قيمتها أو ضرورات وجودها وعملها خصوصا مع الخلط المنهجي والمتعمد بين طبيعة أجندات العمل وبين وقائع التكسب المالي. لذا يحتاج الاحتفاء بعام المجتمع المدني وسياسات المصالحة والتقارب لمنهجية إعلامية مكثفة تعيد التعريف بالمنظمات وتصحح المفاهيم المغلوطة لدي القطاعات الجماهيرية وتسلط الضوء علي طبيعة نشاط المجتمع المدني وحاجة المجتمعات له انطلاقا من التنسيق والتعاون في صياغة السياسات أو تنفيذ البرامج بين أجهزة الدولة وبين المنظمات الفاعلة والشريكة داخل البلاد
8. إصدار مدونة سلوك وطنية لعمل المنظمات
رغم أن هناك الكثير الذي يمكن أن يقال حول طبيعة عمل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والتضييقات التي تسبب فيها القانون رقم (70) لسنة 2017 أو أشاعتها التحقيقات المرتبطة بالقضية (173) إلا أن الضرورة والإنصاف تستدعي أن نعترف بأن عمل المنظمات قد شابه الكثير من اللغط وغياب المهنية سواء فيما يتعلق بغياب معايير العدالة والنزاهة في صياغة التقرير أو تغليب للشللية أو خلط بين العمل الحقوقي والأجندات السياسية لقادتها نهاية بوقائع الفساد المالي والتربح والتلاعب بالموازنات.
الأمر الذي يستدعي ضرورات استغلال الفرصة والاستفادة من متغيرات التوجه الرسمي للحوار والتوافق حول إصدار مدونة سلوك وطنية تنظم عمل المنظمات وتصبح جزء من سياساتها المعتمدة فيما يتعلق بالممارسات التنفيذية أو تحديد التوجهات ومنهجيات العمل المعتمدة علي أن تكون تلك المدونة نابعة ـ بالأساس ـ من الحوار الحقوقي / الحقوقي وليست مفروضة عليها من جهة أعلي لتصبح لها القوة الأخلاقية والإلزام المؤسسي فيما يتعلق بسبل التقييم والمراجعة وكجزء من سياسات الحوكمة والإصلاح داخل القطاع الأهلي والمدني .
10. إنشاء مصر لصندوق وطني للتمويل
تمثل قضية التمويل أحد أهم معوقات التي تواجهه المنظمات سواء في ممكنات عملها أو استمراريتها بصورة أدت في الكثير من الأحيان لتبني مواقف قادرة علي اجتذاب التمويل حتي لو خالفت الواقع أو بدلت من طبيعة الحقائق خاصة في ظل غياب الرؤية الوطنية لتوفير مظلات للتمويل الوطني أو ربط البرامج والمنح المحلية ببرامج التنمية وانحسارها عن برامج الحقوق أو توظيفها سياسيا لخدمة أفكار أو أفراد يعتمدون علي تلك المنظمات لصالح أنفسهم بل وسمحت تلك المنهجية المختلة بغياب وضعف قدرات المنظمات المهنية علي العمل والتأثير في صياغة صورة الدولة علي مستوي المنظمات والآليات الدولية قياسا بالمنظمات ذات الأجندات المختلة التي تلقت أشكال غير محدودة من الدعم وفرص الوصول والتأثير علي المستوي الدولي بشكل أضر بصورة الدولة ومكانتها .
والحقيقة أن الفترة القصيرة السابقة قد كشفت بوضوح مدي أهمية أن تمتلك مصر صندوقا وطنيا لدعم وتمويل البرامج والسياسات التنموية التي تتسق مع الرؤية الوطنية وتسهم في إيضاح تفصيلاتها أو توصيل مقاصدها لكافة الأطراف خاصة فيما يتعلق بالعديد من الخطط التي تتبناها الدولة وتحقق تطور وتقدما ملموسا فيها علي مستوي حقوق المواطنين وتعزيز فرصهم الا أنها لا تصل بصورة دقيقة ومحايدة لكافة الشركاء نتيجة غياب من يتبناها أو يراقب عمليات تنفيذها .
10. إعلان مشروع وطني لتقييم تحفظات مصر واعتراضاتها علي الاتفاقيات الدولية التي لم تصدق عليها
يمثل عام المجتمع المدني فرصة حقيقية لتبني الدولة المصرية لسياسات المراجعة الشاملة لموقفها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية سواء تلك التي وقعت عليها ولم تتخذ سياسات مباشرة لدمجها في قاعدة التشريع الوطني أو تلك الاتفاقيات التي تحفظت الدولة علي بعض نصوصها أو لم توقع عليها من الأساس نتيجة اختلافات في الرؤى والتوجهات المرتبطة بمستهدفاتها أو بأدوات وآليات تطبيقها . والحقيقة أنه في وحالات متعددة اتخذت الدولة المصرية موقفا مغايرا لرؤيتها الأولية تجاه بعض الاتفاقيات والمعاهدات وسحبت تحفظاتها واعتراضاتها علي بعض النصوص المتضمنة بداخلها وذلك مع تقدم رؤية الدولة ومستوي إتاحة الخدمات للفئات والقطاعات المعنية بتلك المواثيق علي غرار اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) التي سبق وتحفظت الدولة علي نصوصها التي تمنح الجنسية لأبناء الأم المصرية التي تتزوج من أجنبي قبل أن تسحب هذا التحفظ وتتيح عبر تشريعاتها الوطنية لهم هذا الحق وأيضا توفير مظلة تشريعية ضامنة لتمثيل النساء بنسب محددة في المجالس التشريعية وهو ما أصبح جزء من الدستور الوطني اليوم . لذا تعد مراجعة الموقف الوطني من الاتفاقيات والعودة للحوار الوطني بين مختلف الأجهزة والمنظمات المعنية حول ما يستحق منها تعديلا في التعامل والتصديق علي البنود هو خطوة شديدة الايجابية والتأثير فيما يتعلق بطبيعة العام أو مستهدفات الاحتفاء به محليا ودوليا .
11. إصدار قانون حرية إتاحة وتداول المعلومات
يمثل وجود قانون وطني لتنظيم حرية إتاحة وتداول المعلومات أحد التحديات الكبري التي تواجه العمل العام في مصر رغم وجود العديد من المسودات التي عملت عليها الدولة (مباشرة) أو تلك التي أتت نتيجة حوارات وطنية بين العديد من المنظمات والنقابات غير أن جميعها ظل حبيس الأدراج غير قابل للتنفيذ دون سبب مباشر رغم الحاجة البالغة لضرورات إتاحة المعلومات وتأثيرها في تحديد مساحات الاحتياج أو تحليل مدي كفاءة وكفاية الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف قطاعات الدولة .
لذا يستحق العمل علي إعداد مشروع متكامل ينظم آليات جمع المعلومات وتحليلها ويتيح لكافة الأطراف الوطنية الوصول لها واستخدامها في برامج ومخططات التنمية أحد أهم المنجزات التي ينبغي الخروج بها من عام المجتمع المدني في ظل ارتباطه بالعديد من التوصيات التي تلقتها مصر خلال الاستعراض أو تضمينه بين بنود الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أو تأثيره علي مخططات تقييم وتنفيذ السياسات الحكومية وبيان مناطق ومساحات الاحتياج التي ينبغي لمنظمات المجتمع المدني العمل علي تلبيتها .
12. تطوير خريطة تفاعلية للأنشطة والبرامج التنموية التي تنفذها الدولة ويمكن للمنظمات التفاعل معها
علي الرغم من وجود العديد من البرامج والأنشطة المشتركة التي تنفذها الدولة بالتنسيق والتكليف المباشر لمنظمات المجتمع المدني والتي تأتي في مقدمتها برامج الحماية المجتمعية وخطط تنمية ورفع كفاءة الخدمات لصالح القري والفئات الأكثر فقرا أو الأولي بالرعاية مثل برامج تكافل وكرامة أو الغارمات أو حياة كريمة أو الرعاية الصحية وريادة الأعمال إلا أن السمة الغالبة عليها هي كونها انتقائية وغير دائمة .
فرغم العدد الهائل من الجمعيات والمنظمات التي تنتشر في شتي أنحاء وربوع البلاد إلا أن المنظمات التي تمتلك قنوات وعلاقات تسمح لها بالمشاركة في تبني وتنفيذ البرامج التنموية ما زالت محدودة وغير متنوعة ربما نتيجة افتقاد المهارات والخبرات وكفاءة التنفيذ إلا أن الأغلب يرجع لعدم معرفتها بطبيعة تلك البرامج أو إمكانية المساهمة في تحقيق مستهدفاتها وهو ما يقودنا لضرورة العمل علي إنشاء وإدارة خريطة تفاعلية لمختلف البرامج والخطط التي تستهدفها الدولة بالتنفيذ والقطاعات الجغرافية التي تضمها بما يسمح للمنظمات المعنية بالتقارب وعرض مساهمتها في الانجاز إضافة لكون تلك الخريطة التفاعلية تمثل أداة مهمة لتعرف أجهزة الدولة علي مناطق تواجد وعمل المنظمات الأهلية جغرافيا وطبيعة القضايا والرؤى التي تتبناها والتي تتناسب مع البرامج المنفذة بما يعزز فرص التواصل والتعاون .
13. تفعيل الإدارات القائمة على حقوق الإنسان في الوزارات المختلفة
مع التوسع الكبير الذي شهدته مخططات الدولة للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان وتعزيز بيئتها والتي كان أحد أبرز مظاهرها إنشاء العديد من الإدارات المعنية بملف حقوق الإنسان داخل الوزارات والمحافظات المختلفة بل ومنحها العديد من الصلاحيات والأدوات للتفاعل مع الوقائع أو الأحداث التي ترتبط بالملف أو تمثل انتهاكا له مع ربط العديد منها بالآليات الوطنية المعنية وفي مقدمتها المجالس والآليات الوطنية لحقوق الإنسان والمرأة والأمومة والطفولة أو تعزيز فرص تواصلها مع المنظمات المجتمعية المهتمة بالشأن العام .
إلا أن تحليل أداءات تلك الوحدات علي مستوي الممارسة الفعلية يظهر كلاسيكية في العمل وافتقاد للمهارات اللازمة للتغيير الممنهج لدي كثير من العاملين في مقراتها مما كان سببا في اهتمام الإستراتيجية الوطنية بدمج محور خاص بالتثقيف وبناء القدرات بين عناصرها بما يمثله ذلك من فرص وممكنات لتفعيل أداء تلك الإدارات وتطويرها لسياسات تقديم الخدمة أو تيسير سبل وصول المواطنين لها .
خاتمة
في ضوء تلك الأطروحات والقضايا السابقة وما يرتبط بها من مطالبات فان عملية الاحتفاء بعام المجتمع المدني ورسم مخطط لرؤية وطنية تنفيذية تسمح بمجموعة من الإجراءات والخطوات التي تحلحل الكثير من الفجوات والأزمات وتسهم في إعادة رسم صورة مغايرة لأسلوب عمل المنظمات وتناول قضايا الحقوق خاصة لو أتت الدفعة والمساندة لتلك المقترحات من دوائر صناعة واتخاذ القرار الرسمي والتي يمكن حال تبنيها للرؤية والمطالب المتضمنة في الورقة البحثية أن تقلل مساحات الاختلاف وفجوات الثقة بين المدافعين والنشطاء من جهة وبين دوائر الحكم وتنفيذ السياسات العامة من جهة أخري إضافة لخلق بيئة عمل أمنة للمنظمات وتيسير أدوات نفاذها ومشاركتها في تنمية المجتمعات المحلية وتحديد أوجه القصور والخلل في الخدمات المقدمة والاعتماد علي بيانات ومعلومات موثقة ومحدثة في بناء تلك التدخلات أو برامج التنمية وتوسيع دوائر الوعي بالحقوق ومساحات الأمان والتمتع بمعطياتها المنصوص عليها في التشريعات الوطنية وفي المواثيق والمعاهدات الدولية نهاية بالقدرة علي تحسين صورة الدولة وخلق انطباعات جديدة حول أسلوب ومنهجية تعاطيها مع قضايا حقوق الإنسان وبالتالي نظرة أكثر ايجابية لما يتم علي الأرض وما يتحقق من استجابات وتطويرات في رؤية المجتمع الدولي ومؤسسات وأطر الأمم المتحدة .
الإعداد والمراجعة

تقى رجب
مسؤولة تطوير وتنمية الأعمال بمركز جسور

اليان بطرس
باحثة في العلاقات الدولية
بمركز جسور

هاني إبراهيم
رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية
عضو المجلس القومي لحقوق الانسان
