بينما تتسارع وتيرة الأحداث في السودان، بين احتجاجات مستمرة، تتسع رقعتها كل يوم، ومبارات متعددة للوساطة( داخلية وخارجية) للبحث عن حلول توافقية، يمكن من خلال تجاوز حالة الإنسداد أو التعتيم في الأفق السياسي، يتطلع الكثيرون لمعرفة حقيقة الموقف المصري من هذه التطورات، وما يمكن أن تقدمه القاهرة من فرص للخروج من هذه الأزمة ، بحكم الثقل الاستراتيجي للقاهرة، عربياً وأفريقياً ودولياً، وما تملكه من علاقات ممتدة وراسخة مع السودان ( حكومةً وشعباً)، خاصة وأن العلاقات المشتركة المصرية السودانية قد شهدت نقلات مهمة واستراتيجية بعد سقوط نظام الإنقاذ، الذي احتفظ بمسافة حذرة من القاهرة في بعض توجهاته الاقليمية، وفق الخط الايدلوجي المعروف له، وهو ما ساعد على أن تكون القاهرة حاضرة بقوة في كافة محطات الإنتقال السياسي التي شهدها السودان منذ أبريل 2019 ، وقدمت الكثير من الدعم للأشقاء في السودان، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني وغيرها.

تقييم الموقف العام:
ولا شك أن القراءة الدقيقة لمجمل المشهد السوداني الراهن، بشقه السياسي والاقتصادي والأمني ، وكذلك من خلال محاولة الربط بين بعض المؤشرات المتناثرة، ستساعد على فهم الموقف وتفكيك بعض عناصره المتشابكة، بما يُمكن من رسم توقعات مستقبلية مفيدة لصناع السياسات ومتخذي القرار.
الصراع السياسي .
لم تهدأ الأوضاع الداخلية في السودان حتى الآن، فحتى يوم أمس الموافق 30 يناير 2022 تشير كل المعلومات الواردة من الخرطوم، إلى أن الموقف السياسي العام على الأرض لا يزال مشتعلاً، وفي أعلى مستويات الإحتقان والتوتر. ويعتبر الغموض وعدم اليقين وانعدام الثقة المتبادلة من أبرز ملامح المشهد السياسي العام وذلك في ظل ما يلي:
2. خروج مظاهرات رافضة للمبادرة الأممية، وطالبت برحيل البعثة من السودان، وكان لافتا أن هذه التظاهرة تم السماح بها من المكون العسكري، وربما تعطي مؤشر على موقف مجلس السيادة من المبادرة، خاصة مع ظهور تصريحات سودانية رسمية تشكك في بعض التحركات التي تقوم بها بعض سفارات الدول الأجنبية في الخرطوم، وتعتبر تحركاتها في إطار التحريض على الفوضى.
1. تعدد المبادرات المطروحة للوساطة ، دون وضوح لنتائج ملموسة لها حتى الآن، على صعيد حلحلة الموقف المتأزم، وجاءت هذه التحركات سواء من أطراف محلية ( مبادرة حزب الأمة/ مبادرة اساتذة الجامعات السودانية، شخصيات سودانية بارزة) ، أو من أطراف إقليمية( مبادرة لإيجاد/ وساطة دولة جنوب السودان/ الحديث عن مبادرات من دول خليجية)، او مبادرات دولية ( المبادرة الأممية/ جهود المبعوث الأمريكي/ مجموعة أصدقاء السودان).
الإنقسام الواضح على مستوى قوى الشارع السوداني، وعدم اتفاقها على أجندة واحدة، بدليل المواقف المتباينة لها من بعض المبادرات المطروحة للوساطة، فبعضها قوى الحرية والتغيير) أعلن استعداده لإنخراط في المبادرة الأممية وفق بعض الشروط ” الصعبة” وبعضها ( تجمع المهنيين) رفض بشكل تام مشاركة المكون العسكري في الحكومة الانتقالية الجديدة التي يفترض أن تتمخض عن المبادرة الأممية”.
التباعد المتصاعد في المواقف بين المكون العسكري من ناحية، وما يمكن تسميته بالمكونات السياسية ( التقليدية ممثلة في الأحزاب السودانية والجديدة ممثلة في تجمع قوى الحرية والتغيير) من ناحية أخرى ، والذي وصل لمستوى رفض ومحاولة إقصاء الأخر، وعدم الاستجابة لقواعد التفاوض المعروفة، التي تتطلب الجلوس على طاولة واحدة، خاصة من جانب بعض القوى الموجودة في الشارع ممثلة في قوى الحرية والتغيير، التي تشترط إبعاد المكون العسكري عن المشهد السياسي، ورفض اشتراكه في أية ترتيبات سياسية مستقبلية.
استمرار اتساع التظاهرات والاحتجاجات في الشارع السوداني، فهناك إغلاق شبه كامل لشوارع كثيرة في الخرطوم وحواضرها القريبة، وهناك حديث عن خروج منطقة الجزيرة أبا عن سيطرة الحكومة، حيث تم إغلاق كافة الطرق المؤدية إليها من جانب المحتجين.
عدم وضوح موقف الفصائل المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا من تطورات الموقف الداخلي في السودان، فبعضها يمارس سياسة الحذر، وبعضها استغل الموقف لتحقيق مصالح ضيقة ( كما ظهر في احداث شمال دارفور وغيرها). ويخشى من مزيد من التعقيدات على هذا المستوى، حال استمر الموقف على نفس القدر من التأزم والتعقيد والتدهور.
الإنقسام الواضح على مستوى قوى الشارع السوداني، وعدم اتفاقها على أجندة واحدة، بدليل المواقف المتباينة لها من بعض المبادرات المطروحة للوساطة، فبعضها قوى الحرية والتغيير) أعلن استعداده لإنخراط في المبادرة الأممية وفق بعض الشروط ” الصعبة” وبعضها ( تجمع المهنيين) رفض بشكل تام مشاركة المكون العسكري في الحكومة الانتقالية الجديدة التي يفترض أن تتمخض عن المبادرة الأممية”.

تبلور بعض المطالب الفئوية والمناطقية، التي تحمل صيغ مُقلقة لتماسك ووحدة الدولة السودانية، منها على سبيل المثال موقف تجمع مزارعي الولاية الشمالية بمدينة دنقلا الذي قام بتقديم مصفوفة مطالب عبر والي الولاية لمجلس السيادة، تضمنت تهديداً صريحاً باللجوء لمطلب الحكم الذاتي للولاية وقفل الولاية قفل كامل إلى حين تنفيذ المطالب، والتي شملت تقنين دخول الشاحنات المصرية والتعامل بالمثل في عملية دخول السائقين لكلا البلدين، وتحديد نصيب الولاية من عائدات التعدين ونسبة 5% من كهرباء سد مروي وإقامة ترعتي السد بالولاية.
الأوضاع المعيشية للمواطنين.
تأثر الموقف المعيشي بصورة حادة في السودان خلال الشهرين الماضيين، انعكاساً لهذه الحالة المضطربة ( أمنياً وسياسياً)، حيث تسببت المظاهرات والاعتصامات في تعطيل الحياة العامة، وإيقاف بعض الخدمات الحكومية، علاوة على محاولات تعطيل بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ذات الارتباط المباشر باستقرار السوق وضبط حركة الأسعار. حيث ارتفاعت أسعار الشحن بعد تصاعد الاحتجاجات في مناطق شرق السودان، وبالتالي ارتفعت أسعار كثير من السلع الواردة من هذه المناطق وغيرها، وتشير بعض الأرقام إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطن السوداني بمقدار 50% خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بفترة الاستقرار النسبي ( قبل 25 اكتوبر 2021).

الموقف الاقتصادي.
على الرغم من إقرار موازنة 2022 في مطلع العام الحالي، والتي استمدت مرجعيتها من الوثيقة الدستورية الانتقالية والبرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية الاقتصادية (2021-2023)، فضلاً على مخرجات سلام جوبا والبرامج المتفق عليها مع مؤسسات التمويل الدولية وأهداف التنمية المُستدامة ومخرجات المؤتمر الاقتصادي والورقة الاستراتيجية لمكافحة الفقر والخطة التنفيذية لأولويات الفترة الانتقالية. وما تضمنته من تركيز على زياة الانفاق على الصحة والتعليم وقطاع الخدمات وغيرها. واستهداف تحقيق نسبة نمو بمقدار 1.4 % وتقليل التضخم بواقع 202% ، إلا أن انسداد الأفق السياسي الراهن، وعدم وجود حكومة مستقرة قادرة على تنفيذ بنود الموازنة، سيضع الاقتصاد السوداني في دائرة الخطر مجدداً، خاصة في ظل تجمد قنوات المساعدات الخارجية( التي كان يعول عليها بقوة لدفع النمو في السودان خاصة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين).
الأوضاع الأمنية.
يسيطر التوتر عالي المستوى على المشهد الأمني في السودان، وتتعدد مظاهر هذا التوتر، سواء في شكل مظاهرات مستمرة، إغلاق للشوارع بالمتاريث، فوضى وسيولة أمنية واضحة في بعض المناطق المتاخمة للخرطوم ( الخرطوم بحري ، مدني، الجزيرة أبا ) بالإضافة للتوترات التي تشهدها مناطق الشرق ، والتي امتدت لنطاق الولاية الشمالية، والتي تسببت في تعطيل “مُتعمد” لحركة التجارة عبر المنفذ البري بين مصر والسودان، مما تسبب في تراكم وإزدحام الشاحنات عبر المنفذ من الجهتين. بالإضافة لاستمرار سقوط بعض المتظاهرين ( وصلت بعض التقديرات المحلية للجان الأطباء السودانية لعدد 75 حالة وفاة وأكثر من ألف إصابة) نتيجة الصدامات المستمرة مع القوات الأمنية، في محيط القصر الرئاسي ومقر القيادة العامة للجيش وفي مناطق أخرى. الأمر الذي دفع مجلس الأمن والدفاع في السودان بقيادة الفريق البرهان إلى إصدار عدة قرارات مهمة على المستوى الأمني منها تشكيل قوة خاصة لمكافحة الإرهاب بغرض حماية العاصمة الخرطوم من المهددات الأمنية خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات، إلى جانب مراقبة إخراج قوات الحركات المسلحة من العاصمة.، من خلال تجميع كل قوات الحركات المسلحة خارج الخرطوم وأيضا خارج المدن الرئيسة لتجنب تكرار سيناريو الفوضى والعنف الذي حدث في الفاشر (مركز ولاية شمال دارفور غربي السودان)، والذي كان يقوده جنود الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان، في العاصمة أو أي مدينة سودانية أخرى، حيث تسربت أنباء عن مشاركة عدد من جنود الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان في أعمال عنف ونهب متعددة في الخرطوم والولايات

ولذلك يأتي تكوين قوة خاصة لمحاربة الإرهاب للتعامل مع التهديدات الأمنية التي يمثلها الجنود المتفلتين التابعين لتلك الحركات المسلحة وهو ما يمكن تلك القوة من التعامل بحزم مع أي جنود لا ينفذون قرار الخروج إلى معسكرات خارج الخرطوم والمدن الرئيسة . ويُخشى من أن يقود هذا القرار الأخير إلى تحولات في مواقف بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقات السلام ومنها حركة العدل والمساواة، التي أصدرت بياناً لافتاً في 17 يناير الماضي أدانت فيه السلطات السودانية بالإشارة تحديداً للمكون العسكري وتحميله مسئولية قتل المتظاهرين.
الشواغل المصرية وتطورات الموقف الراهن في السودان
لا شك أن مُجمل المؤشرات السابق ذكرها، بأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية، تمثل مصدر قلق وترقُب حذر من جانب القاهرة، وذلك بحكم الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة لمصر، والجوار الجغرافي المباشر، والمصالح المشتركة والتداخل الحضاري والديمغرافي بين الشعبين، والتطلعات المصرية لوضع مستقر في السودان، يمكن من خلاله ليس فقط تعظيم المصالح المشتركة، بل مجابهة التحديات المشتركة سواء على مستواء الأمن الإقليمي، فيما يتعلق بالتعاون المشترك لتحقيق الاستقرار في دول الجوار وعلى رأسها ليبيا، وصيغ التعاون المطروحة في قضايا استراتيجية أخرى تهم البلدين منها قضايا مكافحة الإرهاب ونشاط الجماعات المسلحة وعمليات التهريب عبر الحدود، وصيغ التعاون لتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي والبحر الأحمر…… وغيرها، هذا بالإضافة إلى تأثير هذه الحالة غير المستقرة على ملف سد النهضة، فغياب التوافق الداخلي، والإنشغال بترتيبات الداخل بصورة أساسية لا شك سيكون لها صدى على حيوية الحركة السودانية المشتركة مع مصر، والتي تبلورت بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية( قبل 25 اكتوبر الماضي) ، ووصلت لأعلى مستوياتها خلال التحرك المصري السوداني المشترك في جلسة مجلس الأمن التي عُقدت للنظر في ملف سد النهضة في شهر يونيو الماضي 2021.
كما أن ضعف الموقف الداخلي في السودان، وانشغال القوات المسلحة السودانية بحماية الجبهة الداخلية، قد يكون له تأثير سلبي على الموقف السوداني من مسألة النزاع الحدودي مع إثيوبيا في منطقة الفشقة، ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الرحمن دقلو ” حميدتي” لإثيوبيا كانت تعبيراً عن رغبة سودانية في تهدئة هذا الملف خلال المرحلة الراهنة، ويُخشى أن ينعكس أو ينسحب هذا التحرك على الموقف السوداني من ملف المفاوضات مع اثيوبيا والجاري محاولة تحريكه خلال الفترة القادمة.
كما وضح خلال التطورات الأخيرة خاصة في الولاية الشمالية ( قطع الطريق البري وتعطيل حركة التجارة والشحن عبر المنافذ مع مصر) أن هناك محاولات من جانب بعض المتظاهرين لإضعاف موقف مجلس السيادة، من خلال عرقلة عملية دخول وخروج السلع من وإلى السودان عبر المنافذ المصرية، وهو مما ساهم في تكدس الشاحنات عبر المنفذ أرقين البري، وفي ظل امتداد هذا الطريق لمسافة 900 كم من المنفذ إلى الخرطوم، يصعب تأمين هذا الطريق بالكامل، في حال قرر المتظاهرون( خاصة في الولاية الشمالية) أن يكون تعطيل هذا المنفذ وحركة التجارة مع مصر ضمن أدوات الضغط القادمة على الحكومة السودانية.

حدود الاستجابة والدعم المصري لمعادلة الاستقرار في السودان:
رغم ما تمثله التطورات الأخيرة في السودان بمستوياتها السياسية والاقتصادية والأمنية من مصدر للقلق، إلا أن الدولة المصرية تنتهج سياسة واضحة تجاه السودان الشقيق، تحكمها محددات معروفة، لم تحيد عنها ليس فقط خلال مرحلة ما بعد الإنقاذ، لكنها ظلت مستمرة كثوابت للسياسة الخارجية المصرية بشكل عام، وتجاه السودان بشكل خاص، خلال حقب تاريخية وسياسية سابقة، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم هناك وتوجهاته الخارجية.
جوهر ومحور هذه المحددات هي ما يلي:
- الالتزام بعدم التدخل في الشأن الداخلي للسودان، واحترام إرداة الشعب السوداني وخياراته المختلفة.
- الدعم المصري المطلق لتحقيق الاستقرار في السودان، والمساهمة -متي طُلب منها ذلك – بتقديم الدعم والخبرة المطلوبة.
- التحركات المُبادِّرة أحياناً لطرح مبادرات للوساطة أو التوفيق أو بذل المساعي الحميدة، لحلحلة بعض الأزمات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المبادرة التي كانت طرحتها مصر لحل النزاع بين السودان وجنوب السودان قبل 2011، وتحركات عديدة بعدها ضمن هذا السياق.
- الإسناد السياسي للموقف السوداني في المحافل الدولية والإقليمية، وهو ما وضح وتكرر في معظم وربما كل القرارات الدولية والفاعليات والمؤتمرات التي عُقدت بخصوص الشأن السوداني خلال السنوات السابقة، منها مؤتمرات دعم السودان وإعادة الإعمار، المساهمة في دعم الموقف السوداني الخاص برفع أسمه من قائمة الإرهاب الأمريكية، الدعم المصري للموقف السوداني في الاتحاد الأفريقي، والذي تجلى في مرحلة حساسة من عمر الدولة السودانية ( مرحلة ما بعد سقوط نظام جبهة الإنقاذ)، حيث دعمت مصر خلال رئاستها للإتحاد الإفريقي الموقف السوداني بقوة، وساهمت في حشد المواقف الأفريقية لتأييد أجندة الإنتقال السياسي المطروحة.
ولعل تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أدلى به على هامش مشاركة وتشريف سيادته لفاعليات النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم في مدينة شرم الشيخ ( الفترة من 10 – 13 يناير الماضي) كان خير تعبير عن هذه المحددات، حيث دعا الرئيس السيسي الأفرقاء السودانيين إلى الحوار من أجل تحقيق التوافق السياسي، وصولاً إلى خريطة طريق تُفضي إلى انتخابات تمكن الشعب من اختيار قياداته.
ورداً على سؤال من أحد الصحفيين للرئيس السيسي عن موقف مصر من التطورات في السودان، أجاب: «مصر تنتهج سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية»، لافتاً إلى أن «السودان يعد أمناً قومياً لمصر». واعتبر أن «حل الأزمة السياسية هناك يجب أن تكون بالتوافق، مؤكداً أن الحوار هو السبيل الأمثل للخروج من الأزمة.
فرص الحركة المتاحة:
لا شك أن هناك تعويل كبير من المجتمع الدولي على قيام مصر بدور ما خلال الفترة القادمة، بحكم ثقلها السياسي والاستراتيجي المعروف، علاوة على قربها من الملف السوداني من الناحية الجيوسياسية، وما تملكه من فرص، قد لا تكون متاحة لغيرها من القوى الإقليمية، وأهمها أن القاهرة ظلت محافظة على ثوابتها، والوقوف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، وهو ما يؤهلها بالفعل للعب دور متقدم في سبيل البحث عن حلحلة للموقف الراهن.
مع ذلك وفي ظل بعض المحددات السابق ذكرها،والتي تحكم أي تحرك مصري تجاه الملف السوداني، ومع مراعاة بعض الحساسيات المعروفة، والتي قد تتعمد بعض الأطراف إثارتها في هذا التوقيت، نعتقد أن مصر لديها مساحة للحركة يمكن بلورتها على النحو التالي:
- دعم المبادرة الأممية للوساطة، كذلك دعم مبادراة الإيجاد، في سبيل البحث عن توافق داخلي، واستعادة التوافق حول خارطة طريق، يتفق عليها الفرقاء السودانيين. وقد يكون الدفع باتجاه دمج وتوحيد هذه المبادرات في مسار واحد هو الأفضل خلال الفترة القادمة، لضمان توحيد الجهود وحشد الدعم المطلوب.
- دعم الموقف السوداني في الاتحاد الأفريقي، من خلال رئاسة مصر للجنة الخاصة بأجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية ( سيسا)، وما يمكن أن تقدمه للجانب السوداني من دعم معلوماتي في ضوء صلاحيات هذه اللجنة وحدود عملها الأفريقي ( بالفعل كانت هناك زيارة من وفد منظمة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية للسودان الشهر الماضي، وقابلت المسئولين السودانيين وعلى رأسهم الفريق البرهان، وتم إطلاع اللجنة على مجمل الأوضاع بالسودان.
- محاولة تأمين موقف عربي داعم للسودان في هذه المرحلة الحرجة، سواء من خلال الجامعة العربية أو بالتعاون مع بعض الشركاء من دول الخليج، مع التركيز على ضرورة دفع المسار السياسي، والمساهمة في تشجيع مختلف الأطراف على إعلاء مصلحة السودان فوق أي اعتبار، مع مراعاة تأمين البعد الاقتصادي والمعيشي في السودان، والذي قد يتأثر بشدة، في حال استغرقت عملية التفاوض على خريطة الطريق الجديدة وقت أطول، وهو المتوقع.
وفي التقدير، أن مصر قادرة على لعب دور مهم في دعم معادلة الاستقرار في السودان، وفق محددات وثوابت السياسة المصرية، وبالإستناد لفرص الحركة المتاحة سواء على المستوي الإقليمي أو الدولي، فالسودان عمق استراتيجي لمصر، وليس من مصلحة مصر ولا من مصلحة السودانيين أنفسهم أن تطول فترة عدم الاستقرار الحالية أكثر من هذا الحد، ، مع ارتفاع فاتورة الدم، وتضاعف فاتورة الاقتصاد، وإذدياد مساحات عدم الثقة بين الأطراف المختلفة، لذلك فإن البحث عن توافق منقوص سيُعقد الازمة أكثر، ويصب مزيد من الزيت عليها، كما أن مسارات البحث عن توافق يشمل كل الفرقاء في مرحلة واحدة صعب للغاية اذا لم يكن مستحيل، لذلك من الضرورة بمكان انتهاج سياسة إدارة الازمة عبر خارطة طريق جديدة، تراعي إدماج تطلعات الشارع وهموم الجماهير في الوثيقة والهياكل السياسية والدستورية والإهتمام بقضايا المواطن المتمثلة في العدالة الاجتماعية والامن والاستقرار والحالة الاقتصادية والمعيشية، وإجـراء توافقات داخل الكتل الرئيسية في الشارع وهي (المجلس المركزي الميثاق الوطني لجان المقاومة وتجمع المهنيين والشيوعي والمجموعات النقابية والمطلبية والنسوية والشبابية)، والاستماع لرؤيتها السياسية. دون ذلك ستستمر دائرة الفراغ، وتتسع مساحات العنف، ويصبح مصير السودان على المحك، وهو ما لا نتمنى أن نراه لدولة شقيقة عزيزة على قلب كل مصري.

إعداد / د. اكرم حسام