شهدت الأيام والساعات القليلة الماضية تحركات فرنسية مكثفة للبحث عن مخرج لحالة التصعيد المتبادل بين روسيا من جانب والغرب وأوكرانيا من جانب أخر، بدات بالأتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره الأمريكي يوم الأثنين الماضي 7 فبراير، تبعها الزيارة التي قام بها الرئيس ماكرون لروسيا، والتي لحقها بزيارة للعاصمة الأوكرانية ” كييف” يوم الثلاثاء 8 فبراير، أعقبها عقد لقاء قمة فرنسي ألماني بالعاصمة برلين، ثم عشاء عمل بين الرئيس الفرنسي ونظيره البولندي مساء الثلاثاء أيضاً.
وعلى ما يبدو من كثافة وسرعة هذه التحركات الفرنسية، أن باريس قد أخذت على عاتقها مهمة القيام بجهود وساطة جادة بين الروس والغرب. ومع أن ملامح هذه التحركات لم تتبلور بشكل مكتمل بعد، إلا أن السياقات والتصريحات التي صدرت من العواصم المعنية بالأزمة، تؤكد أن هناك مبادرة فرنسية مطروحة، وقد تأخذ مسارات جادة خلال الفترة المقبلة.
من هنا، فإن هذا التحليل يسعى لإستقراء الموقف الراهن في ضوء هذه التحركات الفرنسية، ومحاولة التعرف على ملامح هذه المبادرة، وفرص نجاحها في تبريد حدة التوتر، وربما في حلحلة الأزمة المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا والناتو.
ملامح المبادرة الفرنسية:
تلعب فرنسا دوراً تاريخياً مُهماً في مسألة الوساطة في تسوية النزاعات الأوروبية، وهو ما أكسب الدبلوماسية الفرنسية خبرة في كيفية التعاطي مع القضايا المُعقدة، ومنها الأزمة الراهنة في أوكرانيا، وعلى الرغم من أن ملامح هذه المبادرة لم تتبلور بشكل كامل بعد، إلا أنه ومن سياق الزيارة التي قام بها الرئيس ماكرون لموسكو، والتصريحات التي خرجت بعدها، نستطيع استقراء بعض الملامح لهذه المبادرة،
وهي على النحو التالي:
-
ضمانات خفض التصعيد. ضمان التزام روسيا وأوكرانيا بشكل متزامن بعدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية جديدة، من شأنها انهيار الموقف لمسارات صعبة.
-
التمسك بالحلول الدبلوماسية للأزمة. التأكيد من الطرفين الروسي والأوكراني على الالتزام المشترك باللجوء للمسار الدبلوماسي عبر ألية النورماندي.
-
فصل المسارات. بمعني فصل مسار الحل للأزمة الروسية مع اوكرانيا ، عن مسار الحل للتوتر الراهن بين روسيا والغرب.
-
ألية الضمانات. ضرورة وجود ألية للضمانات ، تضمن من خلالها كل الأطراف عدم الإخلال بأي اتفاقات او التزامات قد يتم التوصل إليها خلال الفترة المقبلة.
-
الحوار الجماعي حول الأمن في شرق أوروبا. حيث تؤكد فرنسا أن روسيا جزء من أوروبا، ولابد أن تكون منخرطة في ترتيبات الأمن الجماعي في شرق أوروبا، والذي يشكل بالنسبة لروسيا أهمية استراتيجية بالغة، وضمن منظور استراتيجي أبعد بخصوص أهمية إبعاد روسيا عن المحور الصيني، بل تسخير القدرات الروسية في عملية منع الصين من تحقيق طموحاتها الإقليمية، ومزاحمة موقع القيادة الأمريكية/ الغربية للنظام الدولي.
-
الوضع الجيوسياسي لأوكرانيا. طرح فكرة النقاش حول أن تـكـون أوكـرانـيـا فـي حـالـة جيوسياسية تشبه حالة فنلندا، كمنطقة عازلة ، أو كدولة محايدة في شرق أوروبا، ومحاولة أقناع الحلفاء بالناتو بهذه الصيغة، لتحقيق تهدئة مستدامة في شرق أوروبا.
السياقات الاستراتيجية المحيطة بالمبادرة الفرنسية:
لا يزال الموقف الاستراتيجي فيما يتعلق بالتصعيد الروسي الأوكراني على نفس مستوياته التي وصل إليها خلال الشهرين الماضيين، سواء فيما يخص مسارات التصعيد، أو ما يتعلق بمسارات التهدئة والدبلوماسية، وفي هذا السياق نشير إلى أن الفترة من أول فبراير وحتى العاشر من فبراير 2022، قد شهدت تبلور ملامح المواجهة بشقيها السياسي والعسكري على النحو التالي:
أولاً: الموقف السياسي:
-
الموقف السياسي للولايات المتحدة ودول الناتو.
لغة التصريحات . لا تزال التصريحات المتبادلة من كل الأطراف تحمل لهجة حادة ومُتشنجة، مع استمرار لغة التهديد المباشر تارةً، والمُبطن تارة أخرى، فمن جهة الناتو لا تزال مجمل التصريحات تدور حول مفاهيم العقوبات القاسية، ورد الفعل الحازم على روسيا في حال غزت اوكرانيا، أو في حال فكرت في تغيير الوضع السياسي في كييف لصالحها( تنصيب رئيس موالي لها حسب التحذيرات البريطانية بهذا الخصوص) . مع وجود تصريحات داعية للحوار وضرورة بناء الثقة خاصة من جانب فرنسا وبعض المسئولين في الاتحاد الأوروبي.
التحركات السياسية لدول الناتو. هناك تحركات من جانب دول الناتو، في إطار استطلاع الموقف الروسي والأوكراني، ومحاولة بناء موقف جماعي لدول الحلف، تحسباً لسيناريو غزو اوكرانيا، وضمن هذا السياق شاهدنا خلال الفترة الماضية عدة زيارات لمسئولين من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا على مستوى وزراء الخارجية، كما شاهدنا عدة اتصالات هاتفية بين الزعماء الأوروبين وكذلك مع الرئيس الأمريكي، ضمن جهود التنسيق المشترك، وعقد لقاءات قمة مهمة كان أبرزها القمة البريطانية الأوكرانية التي عقدت بداية شهر فبراير الجاري ( لقاء بوريس جونسون ووزييرة الخارجية البريطانية مع الرئيس الأوكراني) والتي سبقها اتصال هاتفي بين جونسون والرئيس الروسي في 31 يناير الماضي.
-
الموقف السياسي الروسي.
التصريحات الروسية حول الأزمة لا تزال عالية المستوى، خاصة فيما يتعلق بالرد الأمريكي والأوروبي على قائمة المطالب والضمانات التي أرسلتها موسكو للناتو، علاوة على رفض كافة التحركات الداعية لتسليح أوكرانيا، أو تلك المتعلقة بتحريك معدات عسكرية وقوات من دول تابعة للناتو لمناطق شرق أوروبا( رومانيا وبلغاريا وغيرها).
التمسك بنفي أي مزاعم عن نيتها تنفيذ عملية عسكرية ضد اوكرانيا، والحديث المتكرر عن أن كافة الإجراءات والتحركات العسكرية التي تقوم بها إنما هي حق سيادي لها ، طالما تمت داخل إطار الحدود الروسية، أو ضمن اتفاقيات التعاون مع الدول الحليفة.
ج. الإهتمام بتوجيه جزء من الخطاب السياسي نحو الداخل الأوكراني، لتحميل الحكومة الأوكرانية الحالية مسئولية هذا التصعيد، و التأكيد والتحذير المستمر من خطورة الاستمرار في سياسات التقارب مع الناتو والغرب.
-
الموقف السياسي الأوكراني.
حرصت الدبلوماسية الأوكرانية خلال الفترة الماضية على إصدار تصريحات حذرة، تجنبت من خلالها الإنسياق وراء لغة التصعيد الدبلوماسي، بل أنها قللت أكثر من مرة من حدة المخاوف التي تثيرها الولايات المتحدة وبعض حلفائها في الناتو حول أوكرانيا والغزو الوشيك لها من جانب روسيا، واعتبرت أن مثل هذه المبالغات تضر بالموقف أكثر. وكان من ضمنها التحفظ الأوكراني على الخطوة الأمريكية والبريطانية بخصوص سحب عائلات الدبلوماسيين من اوكرانيا، وطلب المغادرة من الطواقم غير الأساسية بسفارتهما بكييف.
حرصت الدبلوماسية الاوكرانية على إظهار حرصها على المسار الدبلوماسي لحل الأزمة، حيث استقبلت العاصمة كييف عدد كبير من المسئولين الغربيين، ومسئولين من دول مهتمة بالوضع في أوكرانيا مثل تركيا، وركزت في معظم هذه اللقاءات على توضيح وجهة النظر الأوكرانية ازاء الموقف الراهن، وإعلان رغبتها في منع التصعيد، والرغبة في الحوار مع روسيا، وفق الإطر القانونية السابقة ومنها اتفاقية منيسك التي تم توقيعها في 2015.
ثانياً: الموقف العسكري :
-
الجبهة الروسية. روسيا لا تزال مستمرة في عملية إظهار الضغط العسكري على حدود اوكرانيا الشرقية والشمالية عبر بيلاروسيا، وتجلى ذلك من من خلال ما يلي:
تحريك قطع عسكرية لمناطق الحدود المشتركة مع كييف، ونقل بعض القطع العسكرية ” الاستراتيجية ” لحليفتها بيلاروسيا. حيث كشفت وزارة الدفاع الروسية نهاية الشهر الماضي أنها أتمت عملية نقل أولية لمعدات عسكرية إلى بيلاروسيا المجاورة، وشملت هذه القطع أنظمة صواريخ “بانتسير-إس” المضادة للطائرات قصيرة المدى و طائرات مقاتلة من طراز سوخوى – 35، ونظام الدفاع الجوى (إس 400) .
الإعلان عن عقد مناورات عسكرية مشتركة مع بيلاروسيا مقرر إجراؤها خلال الفترة من ( 10-20 فبراير الجاري) ، وتاتي هذه المناورات بعد سلسلة من المناورات التي أجرتها القوات الروسية ( نهاية الشهر الماضي) في شبه جزيرة القرم، شارك فيها ستة آلاف عنصر وطائرات مقاتلة وقاذفات، ضمن عملية «مشتركة، شملت سلاح الجوّ ومضادات الطائرات وسفن أسطولَي البحر الأسود وبحر قزوين. بالإضافة للمناورات البحرية التي اعلنت روسيا نيتها تنفيذها خلال الشهر الجاري، تشمل مسرح العمليات البحري من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، في استعراض واضح للقوة ، حيث تحركت ست سفن حربية روسية قادمة من البحر المتوسط إلى البحر الأسود للمشاركة في هذه المناورات.
-
الجبهة الأوكرانية/ جبهة شرق أوروبا: تشهد الجبهة الأوكرانية والجبهة الشرقية لحلف الناتو مواصلة لعملية تعزيز الدفاعات المختلفة، وفق استراتجية “الردع” واستعادة بعض استراتيجيات التعامل مع الروس في فترة الحرب الباردة وأشهرها ” “سياسة حافة الهاوية”، وفي هذا الإطار شهدنا عدة تحركات منها:
إعلان اوكرانيا تنفيذ مناورات عسكرية بداية من 10 فبراير وحتى 20 فبراير الجاري، رداً على المناورات العسكرية الروسية في بيلاروسيا بالقرب من حدود أوكرانيا الشمالية، سيتم من خلالها حسب ما أعلن وزير الدفاع الأوكراني تنفيذ مناورات باستخدام طائرات مسيرة من طراز بيرقدار وصواريخ من طراز “جافلين: و ” إن.إل.إيه.دبليو” المضادة للطائرات المقدمة من شركائهم الأجانب.
استمرار الناتو في عملية تعزيز الدفاعات في شرق أوروبا – خارج الأراضي الأوكرانية- على اعتبار أن اوكرانيا ليست عضوا في الناتو ، وإنما شريك عالي الأهمية وربما كان تصريح الأمين العام للحلف حول مسألة نشر قوات للحلف داخل أوكرانيا حاسماً لهذه النقطة بشكل قاطع، إذ أكد ” أن هناك فرق بين أن تكون عضوا في الناتو وأن تكون شريكاً، مذكراً بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تنص على الدفاع الجماعي عن الدول الأعضاء فقط”.
حرصت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية على إظهار موقف تجاه روسيا، واستمرت معظم التصريحات الأمريكية، سواء من الخارجية أو من البنتاجون تدور في فلك التضخيم من مسألة الحشود الروسية على حدود اوكرانيا، والحديث بشكل متكرر ومتواتر عن غزو وشيك محتمل.
على المستوى العسكري اتخذت الولايات المتحدة عدة خطوات تنسجم مع سياسة حافة الهاوية وتفعيل قدرات الردع،
كان أبرزها ما يلي:
(1) إبلاغ وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) نهاية الشهر الماضي عدداً من الوحدات العسكرية داخل الولايات المتحدة ( تقدر 8500 جندي) بأن عليها البقاء في حالة استعداد لإعادة الانتشار في أوروبا إذا ما طلب حلف شمال الأطلسي ” ناتو ” ذلك ، كجزء من قوات الرد السريع التابعة للحلف الغربي حال إعادة تفعيل هذه القوات. وقد يتم نشرها بصورة منفردة بهدف تعزيز دول الجناح الشرقي من الناتو إذا ما تدهور الوضع الأمني في شرق أوروبا.
(2) وصول مجموعة متقدمة من القوات الأمريكية لبولندا، ضمن خطط لنقل نحو 2500 عسكرى أمريكى إلى بولندا قريبا، حسب ما أعلن رئيس مكتب الأمن القومى البولندى، بافل سولوخ، ونشير لتواجد 5500 جندي أمريكي قبل الأزمة في الأراضي البولندية .
(3) نقل الولايات المتحدة قوة من سرب “سترايكر” قوامها نحو ألف جندي من فيلسيك بألمانيا إلى رومانيا، والإعلان عن وصول الدفعة الأولى وقوامها 100 جندي، لتقديم الخدمات اللوجستية ولترتيب الأوضاع لباقي المجموعة المقرر الدفع بها على الأراضي الرومانية.
(4) إعلان بريطانيا وضع 1000 عسكري إضافي في حالة تأهب في حال نشوء “أزمة إنسانية” في شرق أوروبا، وقيامها بالفعل بنشر 350 عسكريا من عناصر الكتيبة 45 للمهام الخاصة في بولندا لتعزيز القوة البريطانية الموجودة هناك ضمن قوات الناتو، واظفعلان عن قرب ارسال قوات بريطانية اخرى لأستونيا.
(5) إعلان الدنمارك عن إرسال فرقاطة إلى بحر البلطيق ونشر أربع طائرات مقاتلة من طراز F-16 في ليتوانيا لدعم مهمة الشرطة الجوية طويلة الأمد لحلف شمال الأطلسي في المنطقة.
(6) إرسال إسبانيا سفنا للانضمام إلى القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي.
(7) إبداء فرنسا استعدادها لإرسال قوات إلى رومانيا تحت قيادة الناتو .
(8) إعلان هولندا خططها لإرسال طائرتين مقاتلتين من طراز F-35 إلى بلغاريا اعتبارًا من أبريل المقبل لدعم أنشطة الشرطة الجوية للناتو في المنطقة.
المبادرة الفرنسية وفرص النجاح والفشل:
يعول الكثيرون على نجاح فرنسا في إيجاد مخرج مناسب لحلحلة هذه الأزمة، ولا شك أن نجاح باريس في هذا الدور، يتوقف على عدة عوامل أهمها ما يلي:
-
حقيقة النوايا الروسية تجاه أوكرانيا، ومدى التزام روسيا الفعلي بأي تعهدات لمنع تدهور الموقف أكثر مما هو عليه الآن.
-
جدية الطرف اللأوكراني في الاستجابة المرنة للمخاوف الأمنية الروسية حيال علاقة اوكرانيا بالناتو، علاوة على جديتها في التوصل لحلول للموقف المتوتر في الدونباس منذ 2014.
-
تحركات الأطراف الأخرى المنخرطة في هذه الأزمة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، والتزامهما بعدم اتخاذ اي خطوات استفزازية كبيرة، من شأنها دفع الرئيس الروسي لمزيد من التصعيد، وربما للدخول في خيار المواجهة المباشرة، والإبتعاد عن المسار الدبلوماسي الراهن بقيادة فرنسا.
-
قدرة الناتو على احتواء المخاوف الروسية، ليس فقط في أوكرانيا، لكن إزاء تحركات الحلف في شرق أوروبا ، وإدارة حوار بناء وشفاف حول القضايا الأمنية والعسكرية.
-
قدرة فرنسا على ترجيح سيناريو الدبلوماسية والضغط بهذا الاتجاه ، عبر تحركات اخرى تستهدف إقناع كافة الدول المنخرطة في الأزمة بالمساهمة الجادة في دفع الطرفين الروسي والأوكراني لمائدة المفاوضات، من خلال أية النورماندي ( تضم فرنسا وألمانيا وروسيا واوكرانيا وكان أخر اجتماع لها في 2019).
-
مدى نجاح الدبلوماسية الفرنسية في إقناع الجانب الروسي بتفكيك الأزمة الحالية لمسارين منفصلين وهما:
المسار الأول. ويتعلق بإدارة الأزمة الثنائية بين روسيا وأوكرانيا، عبر ألية النورماندي، ومحاولة التوصل لتسويات من خلالها للنزاع في الدونباس، وحسم مسألة السيادة على شبه جزيرة القرم وكافة القضايا العالقة بين البلدين والمسببة للتوتر، من خلال تعهدات مكتوبة وبضمانات واضحة.
المسار الثاني. ويتعلق بإدارة الحوار بين روسيا والناتو، على أساس أن المسار الأول يحتاج لمعالجات على المدى القريب، والعاجل ، لمنع تدهور الموقف، بينما يتطلب المسار الثاني مزيداً من الوقت، نظراً لطبيعة القضايا المطروحة على مائدة المفاوضات، فمعظمها تتعلق بقضايا استراتيجية وعسكرية وأمنية معقدة، تحتاج لتفاهمات وترتيبات بين القوى الكبرى، وربما تمتد أصدائها خارج النطاق الأوروبي، لساحات أخرى في العالم، قد يكون من بينها الشرق الأوسط ومنطقة الباسفيك.
وفي التقدير أن فرص نجاح فرنسا في هذه الوساطة تبدو كبيرة حتى الآن- وفي ضوء ثبات العوامل التي سبق الإشارة إليها- فحتى وقت كتابة هذا التقدير توضح تصريحات الدبلوماسية الفرنسية أن ماكرون حصل على أكثر من تعهد من بوتين ، أهمها التعهد بعدم تدهور الموقف، والتعهد بسحب قواته من بـيـلاروسـيـا المــجــاورة بـعـد انـتـهـاء المناورات العسكرية التي ستقوم بها مع القوات البيلاروسية ، والتعهد بــالامــتــنــاع عــن قــيــام قــواتــه بــأي مناورات عسكرية جديدة قريبا من الحدود الأوكرانية قد تعيق التوصل إلـــى تــهــدئــة بــين الــطــرفــين.
مع ذلك لا نستبعد احتمالات فشل هذه المبادرة، فربما ترفض أطراف أخرى في الناتو بعض ما جاء فيها من أفكار، وربما تسعى بعض الأطراف من داخل الناتو لإفشال المبادرة وإفراغها من مضمونها، رغبة منها في تحقيق أجندات أخرى، خاصة وأن هناك دول من داخل الناتو تدفع باتجاه التصعيد مثل بريطانيا، وربما يكون للولايات المتحدة تصور أخر للأهداف الاستراتيجية من عملية استفزاز روسيا ودفعها نحو غزو اوكرانيا بالفعل.
المبادرة الفرنسية تمثل نقطة ضوء في طريق البحث عن انفراجة لأخطر أزمة تهدد شرق أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، وقد تكون بداية حقيقة لإعادة هندسة قواعد الأمن الأوروبي والدولي على أساس سلمي، ربما لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية، والتي كانت الحروب دائما هي مفتاح التغيير والانتقال من عصر إلى عصر أخر من التوازنات وقواعد الهيمنة ومناطق النفوذ الاستراتيجيبة وغيرها. مع ذلك فإن كل الاحتمالات تظل واردة، وفق النوايا الحقيقة للأطراف المهتمة والمنخرطة بالنزاع الراهن حول أوكرانيا.

إعداد وتحرير
د/ أكرم حسام
مدير وحدة الدراسات الدولية
مركز جسور