الصراع الروسي الأمريكي علي أوربا
بقلم / هاني إبراهيم
عندما نتحدث عن حروب عالمية فنحن نتحدث عن الحروب الكبرى التي يكون مسرحها الرئيسي أوروبا. فمهما كانت الحروب الأخرى في المناطق الجغرافيا الأخري قوية ومساحتها الحغرافية شاسعة تبقي حروب إقليمية. وعليه أي إنزلاق بين القوى الكبرى لحرب أكبر علي الاراضي الأوربية سيكون إشارة البدء لحرب عالمية جديدة … وهنا المعضلة التي سيراعيها الجميع في مواجتهم علي الأراضي الأوكرانية … (نقطة لصالح روسيا)
موقع أوكرانيا الجيوسياسي وضعها في المواجهة ما بين الدب الروسي وما بين الهيمنة الأمريكية. الموقع الجغرافي ليها صار لعنة ونقمة عليها.
لا يوجد نظام دولي ينشأ بدون “مواجهة عسكرية دامية” …في عام 1949 ظهر النظام ثنائي القطبين بين الإتحاد السوفيتي “روسيا حاليا” و”الولايات المتحدة الأمريكية” بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية التي حصدت ملايين الأرواح. وفي العام 1989 بدء إنهيار الإتحاد السوفيتي وانهار معه في 1991 حلف وارسو (المكون أساسا من دول أوربا الشرقية الخاضعة لنفوذ الإتحاد الروسي). هذا الانهيار لم يكن بريئا ولم يكن بدون ثمن مكلف ومؤلم علي روسيا.
كان انهيار الاتحاد السوفيتي انهيارا مذلا للقومية الروسية وعانى الشعب الروسي الجوع والبرد من بعده … الدول الغربية صاحبة العلوم العريقة في السياسة والاقتصاد تغافلت عن أحد أهم العلوم المفسرة والمكونة لنشأة الشعوب والدول “علم الانثربولوجيا” … الذي يفسر لنا لماذا يمكن للشعوب أن تنتحر في حرب ضروس دفاعا عن كرامتها وعن كبريائها!
عندما جاء بوتين الي الحكم في روسيا … قام بإعادة بناء القوة العسكرية الروسية وأدخل تحسينات جوهرية علي الوضع الاقتصادي والمستوي المعيشي. يستند بوتن علي ميراث قوي من الرغبة الروسية الشعبية في إستعادة كرامتهم الي تم الاستهانة بها بعد إنهيار دولتهم العملاقة “الإتحاد السوفيتي”.
من النقاط الخمس السابقة يمكن فهم لماذا يستعد الروس لدخول حرب شرسة في أوكرانيا رغم فداحة الخسائر التي ستطال كل الأطراف ورغم قسوة التهديدات الغربية لروسيا:
– نريد إعادة رسم علاقات القوى الدولية وإيجاد عالم متعدد الاقطاب، فلن نقبل بعد اليوم هذا التهديد المستمر بفرض عقوبات اقتصادية علينا. ولن نقبل بالهيمنة المستمرة لأمريكا علي مقدرات العالم … لا مانع من أن نبدء نحن المواجهة ونفرض واقع جديد بدعم من الصين التي ستفوز هي الاخرى بمقعد في النظام الدولي الجديد!
– لن نقبل بوعود كاذبة فقد وعد الغرب في 1991بعدم ضم دول حلف وارسو القديم إلي حلف الناتو لكنه خلف وعده، ووعد الغرب بعدم التدخل العسكري في ليبيا بدن موافقة واضحة وأممية، إلا أنه فعل، فلا أمان للغرب في وعود معهم.
– ترتكز روسيا في تحركها العسكري علي معطيات أن أوربا وأمريكا لن تستطيع الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معها.
– روسيا تمتلك احتياطات نقدية تقدر ب 640 مليار دولار وعندها نفاذ للأسواق الصينية والايرانية وغيرهم. يمكن لهذا خلخلة الضغوط الاقتصادية التي تهدد بها أمريكا.
– أوربا ليست موحدة ولا متفقة بشكل كامل علي سيناريوهات التعامل مع التهديد الروسي … يمكن لروسيا تعميق هذا الخلاف بين الحلفاء بالإستماع لبعض القوى الأوربية وتجاهل البعض الأخر وإعطاء ميزات دبلوماسية للبعض وإحتقار البعض.
وعليه أعتقد إننا في حلقة جديدة من حلقات الضغوط الدولية التي تمارسها الدول الكبرى لرسم نظام دولي جديد تظل فيه أمريكا قوى كبرى لكنها ليست الوحيدة المهيمنة علي صناعة القرار الدولي … وقد نشهد تطورا مماثلا في جنوب شرق أسيا في القريب العاجل … فالصين وروسيا تريدان التواجد علي الساحة الدولية كقوة موازية للولايات المتحدة الامريكية رغم الهوة الكبيرة بين الدول الثلاث من حيث الاقتصاد والتكنولوجيا وحتي القوى العسكرية وكلها لصالح الولايات المتحدة، أما القارة العجوز “أوروبا” فقد أصبحت خارج حلبة السباق الدولي بسبب عوامل الضعف التي إعترتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.