اتجاهات ملف حقوق الإنسان في السياسة الأوروبية تجاه مصر
اتخذت مصر بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، عدة خطوات كبيرة ومهمة في مجال الاستجابة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، وفق الرؤية المصرية الوطنية لهذا الملف، والتي تعتمد على المقاربة الشاملة، الخاصة بتوفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطنين، وعدم إجتزاء قضايا حقوق الإنسان في نطاقات ضيقة. كان منها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإعلان عام 2022 عام المجتمع المدني، واتخاذ خطوات كبيرة في مجال إنهاء قضايا مثل أماكن الاحتجاز وعدم مؤامتها للمعايير الدولية. وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في القطاع الشرطي والأمني ، علاوة على عدد كبير من المبادرات التي تقوم بها الدولة لتوفير حياة أفضل للمواطنين ومنها مبادرة حياة كريمة ( التي تكلف ميزانية الدولة المصرية 40 مليار دولار حسب ما أعلن الرئيس السيسي عن هذا الرقم مشاركة سيادته في فعاليات افتتاح مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول “إيجبس 2022) وتكافل وكرامة وغيرها من المشروعات التي يستفيد منها 60 مليون مواطن مصري. وهي بلا شك أرقام كبيرة، وجهود حثيثة للوصول للمواطن الفقير، وتلبية احتياجاته الإنسانية والاستجابة لحقوقه الإساسية، واولها الحق في حياة كريمة بالفعل، دون إهمال الحقوق السياسية، كما تم الإشارة له من قبل في عدة خطوات قانونية ومؤسسية وتنفيذية لافتة.
مع ذلك، ورغم كل هذه الخطوات التي تستحق الدعم والإشادة، ظل ملف حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات السابقة أحد الملفات الخلافية بين مصر ودول الإتحاد الأوروبي، ترتفع وتيرته تارة، وتخفت تارة أخرى، ارتباطاً بسياقات سياسية معينة، إلا أنه من الملاحظ أن هذا الملف لا يزال نشطاً، بل أنه شهد تصعيدداً واضحاً خلال الفترة الماضية، فشاهدنا قيام 175 سياسيًا من 13 دولة أوروبية أعضاءًا بالبرلمان الأوروبي بإرسال رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يطالبون فيها بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل أكبر خلال هذا الشهر (فبراير 2022 ) مما يكشف عن تصعيد واضح في هذا المسار التى تتبعة الدول الأوروبية تجاه مصر، من خلال الحديث عن إخضاع مصر لآلية رقابة أممية. وقد سبق هذا التحرك إجراء فى مارس 2021، سلمت من خلاله 32 دولة بيانًا مشتركًا للأمم المتحدة للتعبير عن قلقهم تجاه أوضاع حقوق الانسان فى مصر، ويتوقع في مارس المقبل 2022 عقد جلسة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لمناقشة الرسالة الأخيرة في فبراير الجاري، التى وجها هؤلاء السياسيين لرصد أوضاع حقوق الانسان والإبلاغ عنها فى مصر، وهذه التحركات تزيد من الضغط الدولي على مصر بشكل كبير، ويتم حاليًا عمل مراجعة دورية شاملة من قبل مجلس حقوق الانسان لجميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، ويتوقع أن تكون مصر هى محور الحديث هذا العام فى هذه الجلسة المقلبة.
وفي هذا السياق، نحتاج للوقوف على أسباب هذا الموقف المتصاعد من بعض المكونات الأوروبية ، سواء أحزاب أو جماعات ضغط، أو حتى بعض المؤسسات غير الحكومية وكذلك بعض الحكومات في بعض البلدان الأوروبية؟ كما نحتاج لعمل رؤية مستقبلية لإتجاهات ملف حقوق الإنسان في العلاقات المصرية الأوروبية خلال الفترة المقبلة.
ماهية الآلية الأممية والاستعراض الدوري الشامل (المراجعة الدورية الشاملة):
- الآليات الأممية لحقوق الانسان
هى مجموعة من الأجهزة والهيئات التى أنشأت لتنفيذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والقوانين الدولية بما في ذلك الإتفاقيات والمعاهدات والمواثيق التى ترتبط بحقوق الانسان، وفق آليات اعتمدتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الانسان والحريات الاساسية كأحد أولويات الأمم المتحدة وهو ما دفعها للإنشاء مجموعة من الآليات والأجهزة الرقابية بما يخدم الارتقاء بحقوق الانسان والحريات الاساسية . هناك مجموعة من الصلاحيات الخاصة بالأجهزة الأممية فى مجال حقوق الانسان وهى كالآتى:
- حفظ السلم والأمن الدوليين بالإضافة إلى ما تراه مناسبا من تدابير وإجراءات.
- تنمية العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضى بالمساواة فى الحقوق بين الشعوب بما فى ذلك حق تقرير المصير.
- تحقيق التعاون الدولي فى حل المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية وتعزيز إحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للافراد بدون التمييز بسبب الدين أو اللغة أو الجنس أو النوع.
ب_الاستعراض الدوري الشامل
الاستعراض الدوري الشامل هو عملية استعراض لسجلات حقوق الإنسان لدى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويحرك هذا الاستعراض دول برعاية مجلس حقوق الإنسان، وتوفر لجميع الدول الفرصة لكي تعلن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها ومدي التزامها بميثاق حقوق الإنسان.
كما يعد هذا الاستعراض أحد المعالم الرئيسية لمجلس حقوق الانسان لضمان معاملة كل بلد على قدم المساواة مع غيره، عند تقييم أوضاع حقوق الإنسان في البلدان. والهدف من هذه الآلية هو تحسين وضع حقوق الإنسان في جميع البلدان والتصدي لإنتهاكات حقوق الإنسان. وفى سياق متصل، وبعد توضيح ماهية الآلية الأممية التى يتبعها مجلس حقوق الانسان نتطرق إلى دور الهيئات والمنظمات الدولية والبرلمان الاوروبى فى القرارات المتخذه حول ملف حقوق الانسان فى مصر.
متغيرات الداخل الأوروبي وملف حقوق الإنسان:
تشهد أوروبا على المستوى الداخلي بعض المتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية بصعود بعض الأحزاب اليمينية إلى الحكم في بعض الدول، كذلك صعود أحزاب تملك أجندات سياسية مختلفة تتعلق مثلاً بالبيئة والتغير المناخي أو بملفات حقوق الإنسان، ولا شك أن وصول هذه الأحزاب للسلطة في بعض دول القارة الأوروبية قد يؤثر على مستوى العلاقات والمواقف الأوروبية مع مصر فى عدد من الملفات. وبالتالى يأتى هذا التقرير ليرصد إنعكاسات هذه المتغيرات على مصر .
من الواضح أن ملف حقوق الإنسان سيشهد تصاعد وتركيز أكبر خلال الفترة القادمة في مسار العلاقات الأوروبية مع مصر، ارتباطًا بصعود أحزاب تحمل هذه الأجندة ، وتضعها على رأس أولوياتها، منها أحزاب الخضر، التي صعدت للمشاركة بقوة في الإئتلاف الحكومى الحالي في ألمانيا ، على الرغم من أن الملف الحقوقي ليس جديدًا في نقاط الخلاف الأوروبية مع مصر.
هناك تطورات ملحوظة بالنسبة لوضع البرلمان الاوروبي منذ انتخابات 2019 التى صعد من خلالها الأحزاب الشعبوية واليمين المتطرف وحزب الخضر، وهو ما يؤثر بالتبعية على كافة قرارات البرلمان الأوروبي وتوجهاته فى مختلف القضايا، نظرًا لقوة هذا البرلمان كهيئة لصنع القرارات وصياغة قوانين الإتحاد الاوروبى، بالإضافة إلى مسؤلياته المتعددة من انتخابات رئيس للمفوضة الأوروبية وقدرته على ممارسة السلطة المالية وتحديد الإنفاق العام والإشراف على أعمال مجلس الإتحاد الأوروبي، وحقه فى سحب الثقة من مجلس الإتحاد. وفي إطار صعود أحزاب الخضر فى انتخابات البرلمان الأوروبي وتحقيقها لمكاسب متنوعة على مستوى أوروبا نظرًا لزيادة الوعي بالتغير المناخي واهتمام الشباب به، وتحقيقه لنتائج إيجابية بزيادة نسبة المشاركين فى انتخابات البرلمان الأوروبي بنسبة هي الأعلى منذ 20 عامًا، قد حصلت هذه الاحزاب على 75 مقعدًا بنسبة 10% من إجمالى مقاعد البرلمان الأوروبي فى انتخابات 2014 .
وبالرغم من أن نسبة تمثيل الخضر ليست ضخمة، ولكن تأثيرها على أرض الواقع أشد وأقوى من مجرد مقاعد داخل البرلمان، لعدد من الأسباب أهمها وصول حزب الخضر لفئات المجتمع وخاصة الشباب ونشاطهم الواسع فى تعزيز مفهوم الوعي لديهم.
تميزت إيرلندا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بالحصول على أعلى نتائج انتخابيه بتفوق حزب الخضر. وبالتالي تتجه قرارات البرلمان الأوروبي نحو قضايا البيئة وحقوق الانسان، بعد هذا التفوق الذي إحدث طفره فى انتخابات البرلمان الأوروبي. وبالتالي يتوقع أن يكون هناك مزيد من التوسع للخضر فى المراحل القادمة لإعتمادة على رفع الوعي للمواطن الاوروبي، والوصول له، ووضع حلول ومقاربات للتحديات التى يمر بها خصوصًا بعد موجه الإحتجاجات التى توالت فى أوروبا من السترات الصفراء وغيرها، مما عزز من مفهوم الديمقراطية وحقوق الانسان والقضايا البيئية والتغيير المناخي، خصوصًا بعد تراجع وإخفاق أحزاب اليمين الوسط ويسار الوسط نظرًا لرفض الناخبين للايدولوجيات المتبعة من قبل البرلمان فى الفترات الماضية.
قراءة في الاتجاهات المستقبلية:
- أداء الحكومة الألمانية تحت تأثير حزب الخضر:
يتولى حزب الخضر عدد من المناصب داخل الحكومة الألمانية حيث تولت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك هي أول سيدة تتولى وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية والتى كانت المرشحة الأولى لحزب الخضرو نائب المستشار روبرت هابيك يتولى يتولى وزارة جديدة تحمل منصب وزارة الاقتصاد وحماية المناخ، وهو السياسي في حزب الخضر منذ 2012، كما سيطر الحزب على وزارة شئون الاسرة والمسنين والمرأة والشباب، بالإضافة إلى وزارة البيئة وحماية الطبيعة إلى جانب وزراة الزراعة والتغذية.
وينعكس سيطرة هذا الحزب على عدد من الوزارات الحيوية فى ألمانيا على العلاقات مع مصر وتشابكها فى عدد من الملفات وتنحصر الخلافات الألمانية المصرية على ملف حقوق الانسان بعد مجئ الحكومة الألمانية الجديدة ومحاولتها للتدخل فى الشؤن المصرية ببعض البيانات التى رفضتها مصر وبالتالي إذا ما أصرت الحكومة الجديدة على التحدث فى هذا الملف قد ينسحب هذا التوتر على العلاقات بين الدولتين بشكل عام وليس فقط فى هذا الملف وهو ما قد يضر المصالح الألمانية . إلحاقًا لتأثير هذا الملف ونهج الحكومة الالمانية الجديدة قد تتعرقل بعض صفقات بيع السلاح التي أقرتها حكومة ميركل السابقة مع مصر، وهو ما قد يضعف من مساحة التقارب المصري الألماني فى الفترة القادمة.
ونظرًا لاهتمام ألمانيا بملف المناخ وفى إطار الزيارة التى أجرتها وزيرة الخارجية الالمانية الى مصر مؤخرا وتأكيدها على تعزيز مشاركة المجتمع المدني فى العمليات السياسية والاجتماعية بالاضافة إلى اقتراحها بإن تشاركها مصر رئاسة حوار بيترسبرج بشأن المناخ الذي ستسضيفه ألمانيا فى يوليو المقبل، وهو ما يؤكد على سيطرة حزب الخضر وأجندته فى الملفات ذات الاهتمام مع مصر سواء حقوق الانسان أو المناخ.
- إنتخابات ابريل 2022 في فرنسا:
بصعود الاحزاب اليمينة المتطرفه على الساحة الفرنسية الآن، وما تظهره مؤشرات الانتخابات الرئاسية القادمة فى إبريل القادم 2022 التى تنذر بفتح ملف المهاجرين مره أخرى نظرا لأهميته بالنسبة لهذه الأحزاب وسعيها نحو إعلاء المشاعر القومية، وهو ما قد يؤثر على عدد من الدول العربية على وجه الخصوص من بينها الجزائر والمغرب ومصر حيث يبلغ عدد المهاجرين المصريين فى فرنسا 365 ألف مهاجر إذ تعد ثانى أكبر دولة فى عدد المهاجرين المصريين بعد إيطاليا.
ونظرًا لرفض هؤلاء الأحزاب للعرب والمسلمين والمهاجرين بشكل عام ، فإن هذا التوجه يثير بعض القلق إزاء مستوى العلاقات بين الدولتين فى حال صعد حزب اليمين المتطرف إلى الحكم. إذ يبلغ عدد المسلمين فى فرنسا ما يتجاوز 10 ملايين مواطن، وبالتالي هناك تخوفات بشأن هذا الملف، وتشير التوقعات إلى أن ملف حقوق الإنسان سيكون على أجندة التشابك المصري الفرنسي خلال الفترة المقبلة، وقد ظهرت بعض المؤشرات خلال الفترة الماضية تؤكد ذلك منها ما قام به مجموعة من أعضاء المجالس الفرنسية المنتخبة، والذين عبروا عن قلقهم بشأن سجناء الرأى فى مصر وعلى رأسهم الناشط المتزوج من فرنسية، ولكن وبعد أن أفرجت السلطات المصرية عنه، تم إغلاق هذا الملف بشكل خاص، نظرًا لرفض مصر القاطع بالتدخل فى شئونها الداخلية من جهات أجنبية، وهو ما ظهر فى بيانات وزارة الخارجية المصرية ورفضها لأي إيماءات أو إتهامات لمصر فى ملف حقوق الانسان.
- الخريطة السياسية في إيطاليا بحلول 2023:
تتصارع قوى اليمين لتسيطر على الأجواء الانتخابية فى أوروبا، وهو ما أتضح فى انتخابات إيطاليا المحلية، بحصول اليمين المتطرف على عدد من المقاعد فى المجلس وفى ممثلين الأقاليم على مدى 5 جوالات تصويتية، وحسب إستطلاعات الرأى التي تجرى فى إيطاليا يظهر تقدم إخوان إيطاليا بنسبة 21% ويليه حزب الرابطة الشمالية وكلايهما أحزاب يمينية أكدو أنهم سيخضون انتخابات 2023 بالتضامن مع حزب يمين الوسط فروتسا إيطاليا، وبالتالي تأتي المؤشرات للتأكيد على الصعود اليميني فى هذه الدولة أيضًا.
الخاتمة
لا شك أن مصر ستتعرض لبعض الضغوط من جانب بعض القوى الأوروبية ، سواء بشكل رسمي أو عبر جماعات الضغط المختلفة المؤثرة على قرارات البرلمان الأوروبي، وقرارات البرلمانات داخل كل دولة أوروبية على حدة، كما أن تغيرات الخريطة الداخلية في بعض البلدان الأوربية المهمة مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها، من شأنه تعزيز حضور بعض الأحزاب التي تضع مسألة حقوق الإنسان والمناخ والهجرة على رأس أولوياتها.
تحتاج مصر خلال الفترة المقبلة للتركيز على مساحات التعاون مع الدول الأوروبية المختلفة ، ومتابعة ما يطرأ على الساحة من متغيرات قد تؤثر فى بعض الملفات المتعلقة بحقوق الانسان على مستوى أوروبا بشكل عام بعد صعود أحزاب الخضر، واحتمالات صعود اليمين المتطرف الذى يرفض وجود مهاجرين ويعزز من العنصرية فى التعامل معهم. مع ضرورة تعزيز التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية، لنقل الصورة الصحيحة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وما طرأ عليها من متغيرات إيجابية كثيرة، خاصة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومنها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإعلان عام 2022 عام المجتمع المدني، واتخاذ خطوات كبيرة في مجال إنهاء قضايا مثل أماكن الاحتجاز وعدم مؤامتها للمعايير الدولية. وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في القطاع الشرطي والأمني بشكل عام… وغيرها من السياسات، التي تحتاج بالفعل لتسليط الضوء عليها، ونقل الصورة الصحيحة عنها للخارج.