الإتزان الصعب: كيف ستدير تركيا علاقاتها المستقبلية مع دول الخليج
بعد زيارة أردوغان الأخيرة إلى الإمارات
ورقة تقييم استراتيجي
اعداد وتحرير:
د/ أكرم حسام المستشار الأكاديمي لمركز جسور
اليان بطرس الباحثة بوحدة العلاقات الدولية
مقدمه
قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة مهمة للإمارات، يومي 14 و15 من الشهر الجاري، تم خلالها توقيع عدداً من الإتفاقيات بين البلدين، وبدأ من أجواء الزيارة الإيجابية والودية، وتصريحات مسئولي البلدين بعدها، أن هناك رغبة مشتركة لطي صفحة التوتر والقطيعة التي سيطرت على علاقات البلدين خلال الخمس سنوات الأخيرة. حيث تعد هذه الزيارة هي الأولى منذ عشر سنوات تقريبا، بينما سبقها زيارات من الجانب الإماراتي لأنقرة خلال العام الماضي، منها زيارة لمستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وزيارة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. بينما زار الإمارات من الجانب التركي وزير الخارجية جاويش اوغلو في ديسمبر 2021.
إن محاولة فهم أبعاد هذه الزيارة في سياق ثنائي فقط، قد لا تعطينا الصورة الكاملة للمشهد، فخطوة التقارب التركي الإماراتي، أو الإماراتي التركي، جاءت مصحوبة بعدة تحركات من البلدين خلال السنة الماضية ولا تزال مستمرة حتى اليوم، لإستعادة تموضعهما الإقليمي، وإعادة تعريف أدوارهم في بعض الملفات في المنطقة، ومن هنا فإن هذه الورقة ستحاول طرح بعض الأسئلة المهمة: فما هي مساحات الإلتقاء المحتملة بين هذه التحركات، وهل تقود بالفعل لتقارب على صعيد العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والصحية والتجارية والاستثمارية وحتى الدفاعية ، كما تكشف عنها نوعية الإتفاقيات التي تم التوقيع عليها، وما هي ساحات التقاطع المحتملة بين أبو ظبي وأنقره في الساحة الإقليمية، وأخيراً كيف ستدير تركيا علاقاتها الخليجية بعد هذا التحول الافت ، والذي ينقصه فقط خطوة التقارب التركي مع السعودية، ليكتمل بذلك رحلة استعادة التوازن الاستراتيجي مرة أخرى للموقف التركي في الخليج؟
سياقات الزيارة ودوافعها:
لم تكن هذه الزيارة الخطوة الأولى فى مسار إصلاح وتطوير العلاقات التركية الاماراتية ، بل يمكن القول أنها محصلة عدة تحركات من الجانبين، تبلورت تدريجياً خلال النصف الثاني من العام الماضي، وجاءت على وقع بعض التغيرات التي جرت في البيئة الاستراتيجية الخليجية منذ يناير 2021 بتوقيع اتفاق العلا، الذي أنهى أكبر أزمة سياسية في منظومة مجلس التعاون منذ تأسيسه. سبق هذه الزيارة توقيع إتفاقية إستثمارية تم توقيعها فى أنقره من قبل ولي عهد أبو ظبي فى نوفمبر 2021 وخطوة مهمة قبلها، قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، بزيارته لأنقره في اغسطس 2021 ، ثم خطوة مقابلة من الجانب التركي بزيارة لوزير خارجيتها لأبوظبي نهاية العام الماضي أيضاً. وبالتالي يمكن القول أن هذه الزيارة هي تتمة لعدة تحركات سابقة، كانت تمهد نحو عودة العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة إلى المستوي الطبيعي، بعد التوترات العنيفة التى حدثت بينهم على مدار أربعة سنوات تقريباً، كما تأتي هذه الزيارة ضمن تحركات تركية، قامت بها خلال العام الماضي أيضا، تجاه مصر وتجاه الإمارات والسعودية، وكذلك مع اليونان، لتخفيف عزلتها داخل المنطقة، ومحاولة تفكيك بعض التكتلات الإقليمية المضادة لها في المنطقة، والتي مثلت إزعاج كبير لتركيا، ولعل أهمها التعاون المصري الإماراتي في ليبيا، والذي منع تركيا فعلياً من التمدد شرقاً والسيطرة على مناطق شرق ليبيا الغنية بالنفط ، والتأييد السعودي لموقف مصر بشكل خاص في ليبيا وفي قضايا إقليمية أخرى، علاوة على الإنزعاج التركي الشديد من نجاح مصر في إدخال السعودية والإمارات ضمن المعادلة الاستراتيجية المضادة لتركيا في شرق المتوسط( مناورات عسكرية تشارك فيها قوات سعودية وإماراتية مع اليونان/ تعاون عسكري مع اليونان/ زيارات متبادلة مع اليونان وقبرص، بحث ضم السعودية والإمارات لمنظمة غاز شرق المتوسط).
هناك مصلحة تركية في تطوير المسار الاقتصادي والتجاري مع الإمارات، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، خصوصاً أن أردوغان وتحالفه الحاكم مُقبل على انتخابات العام القادم، ويحتاج لمعالجة الوضع الاقتصادي وانعاشه، لكسب أصوات الداخل التركي، الذي بدأ في تحميل حزب أردوغان المسئولية عن الوضع الراهن( استطلاعات الرأى في تركيا تؤكد تراجع شعبية تحالف الشعب ممثلاً في حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية)، لذلك سنلحظ تركيزاً كبيراً في الزيارة على توقيع عدد كبير من الإتفاقيات الاقتصادية والتجارية، حيث أعلنت دولة الامارات عن صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار فى تركيا نظرًا لمعاناتها من إرتفاع مستوى التضخم فى أعلى مستوى له منذ 20 عامًا بما يقارب 50%. وخلال الزيارة الاخيرة تم توقيع عدد من الاتفاقيات فيما يخص التجارة والصناعة والصحة والعلوم والنقل البري والبحري والتغير المناخي بالاضافة إلى الاتفاقيات الدفاعية. بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين 13.7 مليار دولار في عام 2021 ، بزيادة 54٪ عن 2020 و 86٪ عن 2019 ، بحسب وزارة الاقتصاد الإماراتية. وتتوقع الامارات أن حجم التجارة الثنائية غير النفطية ستتجاوز 30 مليار دولار في غضون خمس سنوات. ومن الجانب الإماراتي هنالك أيضاً مصالح مشتركة دفعت العلاقات إلى هذا التطور ومن بين تلك الاسباب أن هناك حوالى 400 شركة إماراتية تعمل فى تركيا وهناك عدد من الاستثمارات القوية بين البلدين.
انعكاسات الزيارة على الموقف الاستراتيجي التركي في الخليج :
أولاً : استعادة التوازن السياسي مع كل دول مجلس التعاون الخليجي :
حققت تركيا في الفترة التي سبقت الأزمة الخليجية اختراقات مهمة على مستوى علاقاتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون، ووصلت هذه العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية مع قطر والسعودية تحديداً، ومستويات مرتفعة مع الكويت والإمارات أيضاً، وبشكل عام كانت النظرة لتركيا ايجابية بصورة كبيرة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، ونُظر للدور التركي في هذه الفترة على أنه ركن مهم في استراتيجية مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة. بيد أن الأزمة الخليجية التي أندلعت في يونيه 2017 ، وما استتبعها من مواقف تركية تجاه الأزمة، قد ساهمت في تغيير النظرة لتركيا على أنها تهديد محتمل لكلاً من السعودية والإمارات والبحرين، التي لم تكن راضية في تلك الفترة عن دور أنقرة في الأزمة، واعتبرته دوراً منحازاً إلى جانب قطر، بل أنه دور مشجع لها على مزيد من التحدي لقواعد العمل الخليجي المشترك.
كما كان لقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول دوراً كبيراً في توتير العلاقات السياسية مع كل من السعودية والإمارات، وتسببت القضية وتفاصيلها الكثيرة في هجوم إعلامي متبادل، وشجعت كلاً من السعودية والإمارات على تبني سياسات مضادة لتركيا اقتصاديا وسياسياً وتشكيل محور مضاد لتركيا في المنطقة بالتعاون مع دول أخرى.
تراهن تركيا بصورة كبيرة، وخاصة منذ يناير 2021 وتوقيع اتفاق العلا على إمكانية إصلاح الشرخ الذي حدث في جدار مجلس التعاون الخليجي، بما يساعدها على إعادة تصويب موقفها السياسي تجاه كل دول المجلس ، دون أن تبدو أنها طرف شريك في أزمات الخليج الداخلية، حيث مُنيت تركيا بخسائر كبيرة على المستوى السياسي والاستراتيجي والاقتصادي، جراء موقفها المنحاز لقطر في الأزمة الخليجية، لذلك تراهن الدوائر التركية على أن تساهم الزيارة التي قام بها الرئيس أردوغان في طي هذه الصفحة، وفتح صفحة جدية من التعاون مع الإمارات ( أكثر دول الخليج تحدياً لتركيا خلال الفترة الماضية)، وعلى أمل أن تفتح هذه الزيارة الباب لخطوة قريبة مع السعودية، وبها تكون تركيا عادت لسابق وضعها في الخليج قبل 2017، على الأقل من الناحية النظرية.
ثانيا: كيفية تأمين الوجود العسكري التركي في الخليج وتوسيع نطاق انتشاره.
لا شك أن وجود تركيا عسكرياً في الخليج يحقق لها أهداف كثيرة ، ربما لا ترتبط بشكل مباشر بمسألة تأمين حليف استراتيجي لها وهي “دولة قطر” ، فلتركيا أهداف استراتيجية من هذا الوجود بعضها يتعلق بإيران( الخصم التاريخي لها)،وبعضها يتعلق بالرؤية لكيفية الخروج خارج الحدود نحو المحيط الهندي وأفريقيا ، لذلك حقق وجود القوات التركية في قطر جزء من استراتيجية الخروج خارج النطاق .
نظرت السعودية والإمارات تحديداً بقلق كبير للوجود العسكري التركي في قطر -والذي تم تعزيزه خلال الأزمة الخليجية ليصبح قاعدتين عسكريتين، ووجود عسكري محدود على الأرض، تأسيس مركز قيادة وعمليات مشترك، وتوسع في مجالات التعاون العسكري ، وتشمل التعليم والتدريب والمناورات المشتركة والتصنيع المشترك لبعض الأسلحة، وتمويل بعض الصناعات الدفاعية التركية .
ترغب تركيا في توسيع قاعدة الانتشار لتشمل دول أخرى في الخليج ( الكويت، وسلطنة عمان)، حيث شهدت العلاقات مع كلاً من الكويت وسلطنة عمان تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية ( بعد 2017) على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري، وانعكس ذلك في مستوى وعدد الزيارات المتبادلة، فعلى سبيل المثال شهد عام 2020 زيارات متبادلة بين مسئولين أتراك ومسئولين من الكويت وسلطنة عمان، طرح خلالها توقيع اتفاقات اقتصادية وأخرى استراتيجية للتعاون المشترك، كان اهمها الزيارة التي قام بها الرئيس التركي لكل من الكويت وقطر في شهر اكتوبر 2020. كما استكملت شركة تركية للصناعات الدفاعية تسليم مدرعات “بارس” محلية الصنع إلى سلطنة عُمان، في إطار عقد أبرم في 20 سبتمبر 2015. وافتتحت شركة “هافلسان”، في العام 2018، مقراً دائماً لها في السلطنة، بعد أن كانت قد قدّمت خدمات دفاعية للبلاد؛ من بينها بيع أنظمة قيادة وتحكّم ومعلومات لتطوير الأداء العسكري للقوات العُمانية، وتدريب عدد من الكوادر العُمانية المتخصصة لاستخدام هذه الأنظمة وإجراء عمليات الصيانة المطلوبة. وفي في مايو 2020، أعلنت سلطنة عُمان استلامها زوارق سريعة من نوع “هرقل” مصنعة في تركيا؛ ضمن اتفاقية موقعة معها، مشيرة إلى أنها تأتي ضمن اتفاقية لتصنيع 14 زورقاً. كما تقرر إنشاء شراكة عُمانية مع “هاولسان” بنسبة 70٪ لتركيا و30٪ لعُمان، وجرى افتتاح المقر الجديد في مارس 2020.
مع ذلك فإن الطموح التركي بالحصول على موافقة بتوسيع وجودها العسكري في الخليج خارج قطر، لم يتحقق حتى الآن، ربما بسبب تحسب الكويت وسلطنة عمان لهذه الخطوة، التي قد تثير قلق كبير لدى بعض الشركاء في الخليج ( السعودية والإمارات) وبعض الشركاء الإقليميين( إيران) وكذلك الشركاء الدوليين( خاصة الولايات المتحدة التي سبق أن عبرت عن عدم رضاها عن الوجود العسكري التركي في قطر) .
وقد لاحظنا في الزيارة الأخيرة لأردوغان لدولة الإمارات توقيع الجانبين على خطاب نوايا بشأن التعازن الدفاعي، وهي بلا شك مرحلة مبكرة للغاية لدخول الطرفين في تعاون عسكري حقيقي، وربما سيكون هذا المسار مرهون بمدى التقدم في المسار السياسي، ومدى قدرة البلدين على إدارة الملفات الخلافية بينهما، خاصة في الساحة الإقليمية ( ليبيا نموذجاً). وربما نشهد خلال الفترة القادمة زيارات من المسئوليين العسكريين في البلدين، لرسم ملامح التعاون العسكري المطروح، والذي نعتقد أنه سيدور بشكل أولي حول تبادل الخبرات في مجال تصنيع المسيرات، ونقل الخبرة في مجالات التعليم والتدريب العسكري.
كما ترغب تركيا في استمالة السعودية نحو سوق السلاح التركي، فالسعودية أكبر مشتري للسلاح في العالم، وقد سبق أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان المملكة العربية السعودية قد قدمت طلبا لشراء الطائرات بدون طيار التركية، بينما لم يتام تأكيد أو نفي هذا الخبر من الجانب السعودي حتى الآن . لكن هناك بعض المؤشرات على وجود بعض القنوات المفتوحة بين الجانبين في هذا المسار منها ما اعلنت عنه السعودية مطلع يناير 2021 البدء بتصنيع الطائرة المسيرة “هابوب”، التي تصنّعها عبر نقل تكنولوجيا الطائرة “فيستل كارايل” المملوكة لشركة “فيستل” التركية.
ثالثاً: كيفية استعادة العلاقات الاقتصادية التركية الخليجية لسابق عهدها قبل 2017
تعاني تركيا منذ 2017 من تراجع في حضورها الاقتصادي في الخليج ، كذلك تراجع مستويات الحضور الخليجي داخل تركيا، فسبب موقفها السياسي من الزمة مع قطر توقفت شركاتها المختلفة التي كانت تعمل في السعودية والإمارات والبحرين عن العمل هناك، وتراجع حجم التجارة الخارجية بين تركيا والدول الثلاث السابقة( وهي أسواق واسعة بلا شك للمنتجات التركية التي كانت تحظى بأفضلية تسويقية فيها قبل 2017) ، فقبل الأزمة الخليجية كانت تعتبر أنقرة وجهة استثمارية تقليدية مفضلة لدى المستثمرين الخليجيين، حيث قدرت قيمة استثمارات الخليجيين في تركيا بنحو 19 مليار دولار في عام 2017، وتعتبر دول الخليج ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا. كشفت أرقام وزارة الاقتصاد التركية عن وجود 1973 شركة خليجية عملت في تركيا عام 2017، حيث تصدر المستثمرون السعوديون نظائرهم في دول الخليج من حيث حجم الاستثمارات الموجهة لتركيا خلال 2017، حيث بلغ عدد الشركات الجديدة في عام 2017 نحو 2000 شركة، من بينها 1036 سعودية، وفي المرتبة الثانية جاء المستثمرون الإماراتيون بنحو 445 شركة، فالكويت بـ 291 شركة، وقطر 117 شركة، والبحرين 63 شركة، فيما كان نصيب المستثمرين العمانيين 21 شركة. بينما بلغت حصة ما بحوزة سعوديين في سوق الأوراق المالية التركية، حتى عام 2016، ما نسبته 2.4%، في حين تتراوح الحصة الكلية لدول مجلس التعاون الخليجي في سوق الأوراق المالية التركية بين 5% و7%. وبحسب الأرقام الرسمية لهيئة الإحصاء التركية فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا في 2016، نحو 15.9 مليار دولار. الإمارات جاءت على رأس دول الخليج في حجم التبادل التجاري بنحو 9.107 مليار دولار، تلتها السعودية 5.010 مليار دولار، قطر 710 ملايين دولار، الكويت 542 مليون دولار، البحرين 321 مليون دولار، وسلطنة عمان 293 مليون دولار. الأرقام تكشف أيضا أن السعودية جاءت في قائمة أكبر 20 دولة استقبلت صادرات تركية في 2017، واحتلت المرتبة رقم 18 في قائمة المستوردين من تركيا بقيمة إجمالية 2.73 مليار دولار. وتعتبر الإمارات أكبر دولة عربية تصدر لتركيا بقيمة بلغت 5.5 مليار دولار خلال 2017، وبنمو 50% عن مثيلتها في 2016.
كما استحوذت الشركات التركية على مشاريع إنشائية في دول الخليج بقيمة 40 مليار دولار، وفيما يتعلق بسوق العقارات التركية كان مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي من بين الأكثر نشاطًا في سوق العقارات في تركيا، واحتل المستثمرون السعوديون والكويتيون المرتبة الثانية والثالثة على التوالي في شراء المنازل التي تباع للأجانب في تركيا خلال عامي 2016 و2017.
بلا شك فإن الدوائر الاقتصادية التركية تترقب نتائج زيارة أردوغان للإمارات ، على أمل استعادة الأرقام السابقة مرة أخرى، حيث جرى التوقيع على عدد من الإتفاقيات الاقتصادية المهمة ( 13 اتفاقية في مجال الاستثمار والتجارة والصناعة ووالتقنيات المتقدمة والنقل والصحة والزراعة) كما وقع البلدان على بيان مشترك بشان بدء مفاوضات اتفاقية للشراكة الاقتصادية) . فعلى الرغم من الدعم السخي غير المشروط الذي تقدمه قطر للإقتصاد التركي، سواء دعم للعملة التركية أو دعم مباشر أو استثمارات مشتركة أو فتح مجال للشركات التركية للعمل داخل قطر، إلا أن قطر سوق محدود، وتركيا تحتاج لتوسيع قاعدة وجودها الاقتصادي في الخليج، خاصة في السوق السعودي والإماراتي.
خلاصة التقييم الاستراتيجي للزيارة:
نخلص من هذه الورقة إلى أن هناك تحديات ماثلة أمام هذه الخطوة ” التكتيكية”، ولكي نتحدث عن تغيرات على المستوى الاستراتيجي، فيما يتعلق بإعادة تموضع تركيا في الخليج، أو خطوط جديدة للعلاقات بين الإمارات وتركيا، قد يكون من المفيد الإشارة لما يلي:
- إن تحقيق توازن في علاقات سياسية لقوة إقليمية كبيرة مثل تركيا مع أطراف داخل منظومة سياسية وأمنية واحدة يُعد مسألة حساسة، علاوة على استمرار وجود تباينات – رغم المصالحة- بين بعض الأطراف في الخليج حول رؤية كلاً منها لمصادر التهديد، وترتيب الأولويات، وخريطة التحالفات لكلاً منها، علاوة على اختلاف الرؤى الخليجية إزاء بعض الملفات الإقليمية.
- أن استعادة التوزان السياسي لتركيا في منظومة مجلس التعاون ليست سهلة، وستحتاج لمزيد من الوقت، وربما تتعرض لإنتكاسات قريبة، حيث لا تزال تركيا مُصرة على ممارسة سياسة تدخلية في دوائر وملفات عربية مهمة منها سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وهذه السياسة تتقاطع بصورة أو بأخرى مع مصالح بعض دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية، إلا إذا كانت هناك تفاصيل غير مكشوف عنها حتى الآن، حول شروط هذا التقارب، وما إذا كان يتضمن تنازلات معينة، أو مراجعة لبعض المواقف. ونخشى أن يكون من بين الملفات التي قد تشهد تغيراً في الموقف الخليجي منها: ملف شرق المتوسط وملف ليبيا، وكلها ملفات حيوية للأمن القومي المصري.
-
هناك سياقات جديدة في المنطقة قد تساعد تركيا على إعادة تعريف دورها بالنسبة لمعادلة الأمن الخليجي أهمها :
-
تراجع الولايات المتحدة الاستراتيجي عن الإلتزام الصارم بحماية دول الخليج من أي تهديدات خارجية( تعرض السعودية والإمارات لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة من الحوثيين وخلفهم إيران ، دون رد مناسب من واشنطن) .
-
قرب توقيع اتفاق مع إيران، قد يساعدها على حرية الحركة بصورة أكبر في المنطقة، بعد حصولها على الأموال المجمدة لها في الخارج، والتي ستشكل بلا شك عنصر داعم لإقتصادها ودورها الخارجي الداعم للميليشيات والمكونات السياسية والعسكرية التابعة لها سواء في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن وربما تمتد لبعض دول الخليج ( البحرين مرشحة لذلك، وقد شاهدنا استضافة حزب الله الاسبوع الماضي لمؤتمر للمعارضة البحرينية رغم رفض السلطات اللبنانية عقد المؤتمر، وتم نقله لمناطق نفوذ الحزب، في أكبر دليل على أن البحرين لا تزال مستهدفة من إيران).
-
تزايد مساحة الحركة الإسرائيلية كلاعب مباشر في المنظومة الخليجية، وربما هذا الأمر يحرك تركيا للتواجد واستعادة دورها في كل الخليج، خاصة وأن هناك مؤشرات على تقارب تركي إسرائيلي يلوح في الأفق( هناك زيارة مرتقبة للرئيس الإسرائيلي لأنقرة)، وربما نشهد الفترة القادمة اتفاق إسرائيلي تركي على بعض المفاهيم الخاصة بأمن الخليج.
- لا شك أن البعد الاقتصادي يأتي على رأس الأهداف المتحققة، والتي يمكن تلمس نتائجها من هذه الزيارة على المدى القريب، بينما ستظل الأهداف الاستراتيجية لها مؤجلة أو ربما تكون غير واضحة، انتظاراً لإستكمال عملية التقارب التركي مع السعودية، وتحقيق تقدم في مسار التقارب مع مصر أيضاً، دون ذلك ستظل نتائج هذه الزيارة قاصرة على السياق الثنائي فقط، دون تغيرات جوهرية في طبيعة الوجود والحركة التركية في الخليج .
أخيراً نقول : أن الزيارة التي قام بها أردوغان للإمارات ستؤسس لمرحلة مهمة ليس فقط في مسار العلاقات التركية الإماراتية، بل في مسار العلاقات التركية الخليجية بشكل عام، خاصة إذا كان لهذه الزيارة تأثير إيجابي على خطوة التقارب التركي مع السعودية ، وعلينا أن ندرك أن الدوائر الاستراتيجية في تركيا تولي اهتماماً كبيراً وتعطي وزن أكبر بثلاث دول في الخليج وهي قطر والسعودية والإمارات، وهي بالقطع الدول التي تملك مصادر ثروة كبيرة سواء في البترول أو الغاز، علاوة على أدوراها في التفاعلات الإقليمية التي تقع ضمن نطاق الاهتمام التركي، وفي هذا الإطار تريد تركيا أن تحافظ على علاقاتها مع قطر وفي نفس الوقت تعيد الزخم لعلاقاتها مع السعودية والإمارات، وهي معادلة صعبة وسبق تجريبها في السابق وفشلت ، فهل تنجح المعادلة هذه المرة؟ هذا هو السؤال المهم، والذي يحتاج لمتابعة للموقف خلال الفترة القادمة.