بقلم د.جهاد عوده
1-
عندما تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام حشد من الساسة المحليين في أنقرة عام 2016 عن معاهدة لوزان، كان أول زعيم تركي ينتقد علانية المعاهدة الدولية التي تم بموجبها ترسيم الحدود الفاصلة للأراضي التركية عن اليونان، ومنذ ذلك الحين داوم على إطلاق التعليقات التي تشكك في عدالة هذه الحدود والمعاهدة ككل. في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 خلال زيارة هي الأولى لرئيس تركي إلى أثينا منذ 65 عاماً، قال أردوغان إن المعاهدة التي تم عقدها عام 1923، وحسمت حدود تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لم يتم تطبيقها بشكل عادل. واتهم اليونان، وقتئذ، بعدم الالتزام بالمعاهدة في ما يتعلق بمعاملة الأقلية المسلمة قائلاً، “إن أثينا لم تسمح لهم باختيار مفتيهم الديني”، وشكا من أن بعض نقاط المعاهدة تحتاج إلى توضيح. وفي السابق، كان أردوغان أعلن أن لوزان لم تكن نصراً عظيماً، لأن تركيا اضطرت للتخلي عن بعض الجزر (اليونانية حالياً). بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918 وانهيار الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تتوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرقي أوروبا خلال القرنين الـ15 والـ16، أبرمت الدول المنتصرة “فرنسا وبريطانيا وإيطاليا” مع ممثلي الدولة العثمانية المهزومة “معاهدة سيفر” للسلام في 19 أغسطس (آب) عام 1920، وبموجبها أرغمت تركيا على التخلي عن سلطتها على الأراضي العربية، وحصلت بعض القوميات على استقلالها مثل الأرمن الذين استطاعوا الاستقلال بدولتهم وخُصصت مناطق للأكراد، فيما حازت اليونان السيادة على عدد من جزر بحر إيجة وأصبحت سوريا (بما في ذلك لبنان) تحت الانتداب الفرنسي، وقبلت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وشرق الأردن.سرعان ما رفض النظام القومي التركي الجديد بزعامة مصطفى كمال أتاتورك هذه المعاهدة وخاض معركة ضد القوى الأوروبية، انتهت بمعاهدة سلام جديدة تم عقدها في مدينة لوزان بسويسرا في 24 يوليو عام 1923، تتضمن شروطاً جديدة وترسم الحدود التركية التي نعرفها اليوم. وفي مقابل استعادة تركيا السيطرة على بعض المناطق، بما في ذلك بعض جزر بحر إيجة وشريط طويل على الحدود السورية ومنطقة المضائق الدولية (البوسفور والدردنيل)، التي بقيت خاضعة لاتفاقية دولية، تخلى أتاتورك عن جميع مطالبات بلاده على الأراضي السابقة خارج الحدود الجديدة وتعهد بضمان حقوق الأقليات.
وبينما حلت ذكرى مرور 98 عاماً على توقيع معاهدة لوزان للسلام، مطلع الأسبوع الحالي، احتفى الرئيس التركي بالمعاهدة كنتيجة لانتصار الأمة التركية من أجل الاستقلال، وبعث برسالة ضمنية مفادها بأن تركيا لن تواصل القبول بما تم الاتفاق عليه قبل قرن تقريباً، قائلاً، وفقاً لوسائل إعلام تركية، إن “أنقرة ستواصل الدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي، من دون أي إذعان لتهديد وترهيب وابتزاز بعض الدوائر”. وأضاف، “عازمون على دخول عام 2023 الذي سنُحيِي فيه مئوية جمهوريتنا كدولة قوية ومستقلة تنعم بالرفاه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً”.واحتفي أردوغان بتدخلاته في الدول العربية وتجاوزاته ضد مياه تخضع لسيادة اليونان وقبرص في شرق المتوسط، باعتباره نجاحاً، قائلاً، “النجاحات الحاسمة التي حققناها في مختلف الساحات، بدءاً من سوريا وليبيا، مروراً بشرق البحر المتوسط وصولاً إلى مكافحة الإرهاب، هي أوضح مؤشر على إرادتنا حماية حقوق بلادنا ومصالحها”.على مدار السنوات القليلة الماضية، لفت أردوغان انتباه المراقبين الدوليين لأجندته التوسعية أو ما يوصف بـ”العثمانية الجديدة”، التي تقف وراء انتقاداته المتكررة لاتفاقية لوزان. وتقول مجلة “وورد بوليتيكس ريفيو”، “إن تركيا تتخذ الآن خطوة كبيرة لإنهاء الوضع الإقليمي الراهن الذي أسسته معاهدة لوزان إلى حد كبير، وبوتقة هذا التحدي هي مياه شرق البحر المتوسط”.
وكان إقدام الرئيس التركي على تحويل متحف آيا صوفيا، الذي بناه البيزنطيون ككاتدرائية في القرن السادس الميلادي إلى مسجد واحداً من الخطوات الرمزية في سبيل استعادة قوة بلاده، بحسب اعتقاده. إذ قال أردوغان في خطاب متلفز في 2 يوليو (تموز) 2020، “إن إعادة فتح آيا صوفيا يذكرنا بقوتنا، إنه رمز لقيامتنا وكسر الأغلال الموضوعة على أقدامنا. سنواصل المسيرة ولن نتوقف حتى نصل إلى وجهتنا”.بالنسبة للعديد من جيران تركيا والحلفاء الحاليين في أوروبا، فإن لهذه المساعي بالفعل عواقب خطيرة، ليس أقلها شحن النعرة القومية على الصعيد الداخلي، وإثارة المشكلات مع الجيران بشكل مستمر، لا سيما اليونان التي يصر على تحدي سيادتها على جزر بحر إيجة. فأمام تجمع لممثلي الأحياء التركية عام 2016، ذهب أردوغان للقول “حاول البعض جعلنا نحتسب لوزان كنصر. ونتيجة لوزان، تنازلنا عن الجزر القريبة جداً. ما زلنا نكافح بشأن ما سيكون عليه الجرف القاري، وما سيكون في الهواء وعلى الأرض”.
ووصف نائب حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي، مانوليس كيفالوغيانيس، تصريحات أردوغان بأنها “استفزازية” وتمثل تحدياً مباشراً للقانون الدولي وتؤدي بشكل فعال إلى زعزعة استقرار المنطقة ككل. وكتب النائب في خطاب تضمن أسئلة للمفوضية الأوروبية التي كانت تنظر في طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، بعنوان “مساع دؤوبة من أردوغان لمنازعة معاهدة لوزان”، قائلاً “أطلق الرئيس التركي تصريحات استفزازية على نحو متزايد، بلغت ذروتها في التدفق الوحدوي العثماني الجديد أخيراً”. وأشار إلى تصريحات أخرى له قال فيها، “سنعمل على تحقيق شيء أفضل. ما زالوا يحاولون حبسنا في معاهدة لوزان. سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق أهدافنا لعام 2023. نحن مصممون على قيادة تركيا إلى الأمام”.عززت اكتشافات غاز شرق المتوسط، دوافع أردوغان للمطالبة بمزيد من السيادة على المناطق البحرية المقابلة لسواحل تركيا، التي تقع فيها جزر يونانية، فبموجب لوزان تم حصر الحدود البحرية لتركيا في 3 أميال فقط ومنحت معظم الجزر لليونان. وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982، تستحوذ الجزر على مناطق اقتصادية خالصة وجرفاً قارياً خاصاً بها مستقلاً عن البر الرئيس، مما يعني توسيع المياه اليونانية لتلتف حول الساحل الجنوبي لتركيا قبالة جزيرة كاستيلوريزو اليونانية. وفي تصريحات صحافية سابقة، قال الأستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة إيجي في إزمير، ألتوغ جونال، “إن تركيا محاصرة في منطقة بحرية صغيرة جداً وغير عادلة”.وترتبط تلك المطالب أيضاً بوقوف تركيا وراء انقسام قبرص بين الثلث الشمالي من الجزيرة، الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك، والجنوب المعترف به دولياً كدولة قبرص وهو الذي يسيطر عليه القبارصة اليونانيون منذ الغزو التركي عام 1974. وعلى الرغم من المساعي الدولية لتوحيد الجزيرة طيلة نحو خمسة عقود، لكن التدخل التركي يحول دون ذلك.
ويمكن القول، إن اكتشافات الغاز لعبت أيضاً دوراً بارزاً في ذلك، إذ يمثل الاحتلال التركي للشطر الشمالي من قبرص، ثغرة لمساعي أنقرة اقتناص حصة من غاز شرق المتوسط. ففي مايو (أيار) 2019، زعم الرئيس التركي أن سفن بلاده التي قامت بأعمال تنقيب “غير قانونية” عن الغاز في المياه القبرصية كانت تقوم بهذه الأعمال من أجل ما وصفه “حقوق أشقائهم في جمهورية قبرص التركية”، في إشارة إلى الشمال المُحتل.ولطالما نددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بمحاولات أنقرة التنقيب عن الغاز في المياه الواقعة ضمن سيادة قبرص واليونان شرق المتوسط. ومثلما هي الحال للجزر اليونانية، تصر تركيا، التي امتنعت عن التوقع على الاتفاقية الأممية لقانون البحار، أن قبرص يحق لها الحصول على 12 ميلاً بحرياً من المنطقة الاقتصادية الخالصة فقط. وترى أن المياه الممتدة جنوباً من الجزيرة منطقة تركية، إلى أن تُصبح مصرية.كما أن التدخل التركي في سوريا وليبيا، عبر جماعات المرتزقة المسلحة، وحتى في منطقة آسيا الوسطي، واعتبار أردوغان هذا التدخل المعادي لسيادة الدول “نجاحاً”، يعكس إصراره على العودة إلى ما قبل لوزان وبطبيعة الحال سيفر.
في هذا الصدد، تروج وسائل إعلام تركية منذ سنوات إلى أن معاهدة لوزان ترتبط بصلاحية تنتهي بعد 100 عام من توقيعها، أي بحلول يوليو 2023، وهو ما يعني استرداد تركيا الأراضي التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، على الرغم من أن الحديث ينحصر عن استعادة سيطرتها على حقوق النفط والغاز في البحر. لكن المراقبين والسياسيين يصفون الأمر بـ”البروباغندا السياسية”، نظراً لعدم وجود تاريخ صلاحية للاتفاقية. ففي تعليقات سابقة لـ”اندبندنت عربية” أوضح السفير المصري السابق لدى أنقرة عبد الرحمن صلاح الدين، أن اتفاقية لوزان ليست لها مدة صلاحية ولا يمكن تعديلها سوى بموافقة جميع الأطراف الموقعة عليها. ويقول الباحث السياسي التركي لدي جامعة توروك في فنلندا، عبدالله سنسر جوزوبينلي، على موقع “ريسيرش جيت”، المتخصص في الدراسات والأبحاث الأكاديمية، “إن الأمر لا يتعدى واحدة من الأساطير الممتعة ونظريات المؤامرة التي يطلقها الساسة الأتراك على المعاهدات التي تم توقيعها قديماً”.
قبل 100 عام من الآن وبالتحديد في العاشر من أغسطس 1920 وقّع المنتصرون في الحرب العالمية الأولى وهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا مع ممثلي الدولة العثمانية المهزومة معاهدة سيفر التي تم بمقتضاها تفكيك الدولة العثمانية بعد خسارتها الحرب مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية -المجرية. لكن هذه المعاهدة التي وضعت أساس الشرق الأوسط الجديد وأنهت عملياً الخلافة العثمانية التي كانت في الواقع حبراً على ورق بعد عقود طويلة من ضعف رجل أوروبا المريض، مثلت بالنسبة إلى أردوغان وأمثاله الحالمين بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، جرحاً غائراً ما زال يشكل أبرز دوافع سياساته في المنطقة العربية حالياً في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.منحت معاهدة سيفر لكل من بريطانيا وفرنسا مناطق منفصلة مثلت نفوذهما الاستعماري في الشرق الأوسط والذي رسمته بوضوح في ما بعد عبر اتفاقية سايكس – بيكو، بينما حازت اليونان وإيطاليا ممتلكات في غرب تركيا الحالية وجنوبها، بما في ذلك السيطرة على عدد من جزر بحر إيجة والمضايق الإستراتيجية التي تقع على جانبي مدينة إسطنبول، كما فاز الأرمن بدولة أرمينيا وحددت المعاهدة للأكراد مناطق خاصة بهم، في حين تُرك العثمانيون داخل دولة مُهينة في مناطق محددة داخل شبه جزيرة الأناضول، وهو ما دفع عدد من القيادات العسكرية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك إلى قتال الفرنسيين والإيطاليين واليونانيين الذين احتلوا جنوب الأناضول لينتهي الأمر بشروط جديدة أقرتها معاهدة لوزان عام 1923، والتي حددت حدود تركيا التي نعرفها اليوم.ويقول المؤرخ نيكولاس دانفورث المتخصص في تاريخ تركيا الحديثة في مقابلة قبل سنوات مع مجلة فورين بوليسي الأميركية، إن المعاهدة ساعدت في تغذية شكل من أشكال جنون العظمة القومي الذي أطلق عليه بعض العلماء “متلازمة سيفر” على اعتبار أن المعاهدة لعبت دوراً في تأجيج حساسية تركيا تجاه الحركات الانفصالية الكردية، وزيادة الاعتقاد بأن الإبادة العثمانية الجماعية للأرمن كانت دائماً مؤامرة معادية لتركيا وليست بسبب كونها حقيقة تاريخية، كما تركت المعاهدة بصماتها على نظرة التيار القومي التركي المعادية للغرب وبخاصة ضد بريطانيا، ثم ضد الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، والآن بشكل متكرّر ضد الولايات المتحدة وفرنسا.
على الرغم من أن هذه المعاهدة تبدو منسية نسبياً في كتب التاريخ نظراً لأن معاهدة لوزان التي تلتها بثلاث سنوات هي التي رسمت حدود تركيا الحالية، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يخفِ أثرها النفسي فيه حينما اختار أحد قصور سلاطين الدولة العثمانية في إسطنبول ليوقّع داخله اتفاقية أمنية اقتصادية مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، ويؤكد علانية بعدها أن هذه الاتفاقية ألغت معاهدة سيفر، مشيراً إلى استعداد بلاده لاستعراض القوة مرة أخرى في البحر المتوسط، وهو ما يؤكد أطماع أردوغان الواهية في منطقة المتوسط وأحلامه لاستعادة السيطرة على بعض مما أضاعته هذه المعاهدة التي تطارد المخيلة السياسية لأردوغان حتى الآن.وبسبب الاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية، أثار أردوغان ما يصفها بحقوق تركيا في التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، الأمر الذي وضع تركيا في صراع جديد مع دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك اليونان ومصر وقبرص وفرنسا. وباستثناء حكومة الوفاق الليبية، لا يوجد لتركيا حلفاء في البحر المتوسط، حيث تأسس منتدى غاز شرق المتوسط وهي أول منظمة إقليمية للتعاون في مجال الطاقة في المنطقة وتضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا، كما تقدمت فرنسا بطلب الانضمام إلى المنتدى وهي التي تعارض بشدة المطامع التركية، وواجهت إحدى فرقاطاتها البحرية ثلاث سفن تركية في يونيو (حزيران) الماضي أمام السواحل الليبية.
وبغض النظر عن شراكتهما كحلفاء في حلف شمال الأطلسي الناتو، انخرط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حرب كلامية مع أردوغان بسبب خلافاتهما الجيوسياسية، بينما يتحدث المسؤولون في اليونان، وهي حليف آخر في الناتو، بصراحة عن احتمالات اندلاع صراع عسكري حقيقي مع تركيا.بينما تدغدغ أحلام الماضي المطامع الاستعمارية لتركيا، انخرطت أنقرة في أعمال عسكرية داخل كل من سوريا والعراق، وتوتّرت علاقاتها مع جيرانها العرب على الحدود وبعيداً منها أيضاً، فيما وجد ماكرون بين الجمهور الغاضب في لبنان ترحيباً بالقوة الناعمة الفرنسية وبوعوده بتقديم مساعدات عقب انفجار المرفأ، وهو ما يراه البعض بمثابة تذكير بالدور الفرنسي في واحدة من مناطق نفوذها السابقة. ويرى مراقبون أن أردوغان ينتقم من معاهدة سيفر من خلال اتّباع سياسة متطرفة، حيث تقول صحيفة لوموند الفرنسية في تحليل ليوهانان بنهايم إن سلوك أردوغان يعكس مواقف دول أخرى في نظام دولي متغيّر مثل موقف إسرائيل التي تسعى إلى ضمّ الضفة الغربية، وموقف روسيا التي ضمّت شبه جزيرة القرم.
وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، لا خلاف على أن تركيا أصبحت سبباً قوياً لعدم الاستقرار في شرق البحر المتوسط، فعلى الرغم من عدم توافر أدلة دامغة على أن تركيا أصبحت راعياً مباشراً للإرهاب على نطاق عالمي، إلا إنها تحتل أجزاء من ثلاث دول هي قبرص وسوريا والعراق، ولاتزال ترغب في تحقيق المزيد في وقت يشكك فيه أردوغان صراحة في معاهدة لوزان التي حددت حدود تركيا عام 1923.ويقول مايكل روبن الباحث في معهد أميركان إنتربرايز، إنه بينما يدرك البنتاغون والغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي فضلاً عن وزارة الخزانة ومجتمع الاستخبارات، حقيقة تحوّل تركيا في ظلّ حكم أردوغان، تواصل مجموعة أساسية من الدبلوماسيين الأميركيين في وزارة الخارجية الاعتذار عن السلوك التركي وتبريره وتخفيفه بدلاً من محاسبة أردوغان.وتنقل صحيفة واشنطن إكسامينر عن مسؤولين أميركيين وموظفي وزارة الخارجية، أن المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري، أثار الدهشة على الدوام بسبب دفاعه عن مواقف تركيا وأردوغان، وإنكاره الأدلة حول المخالفات الإقليمية لتركيا، ما أدى إلى الإضرار بصدقية الولايات المتحدة بين دول أخرى في المنطقة لصالح كل من تركيا، وروسيا وسوريا.أكثر من ذلك، إن القانون المتعلق بشراكة الأمن والطاقة لشرق المتوسط، الذي تم توقيعه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان يتطلب من وزارة الخارجية الأميركية تقديم ثلاثة تقارير إلى الكونغرس لتسلط الضوء على الانتهاكات التركية في بحر إيجة، والتوغّلات في المياه القبرصية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وغيرها من التأثيرات الخطيرة في المنطقة، إلا أن الموعد المحدد لهذه التقارير انقضى، فيما تقول الصحيفة إنه يمثل انتهاكاً للقانون الأميركي.وتحذّر الصحيفة الأميركية من أن الانصياع لمطالب أردوغان أو خذلان الأكراد الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة لهزيمة مقاتلي داعش، لن يجعل تركيا تواجه نفوذ روسيا في سوريا، لأن ذلك يعدّ هدية ليس فقط لأردوغان ولكن أيضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويعتبر مايكل روبن أن تصرفات وزارة الخارجية قوّضت الأمن في شرق البحر المتوسط بدلاً من أن تعزّزه، وأنه حان الوقت للخارجية الأميركية أن تعمل ضمن إستراتيجية وطنية أميركية متماسكة، وبما يتوافق مع مصالها، ومن دون ذلك سوف يظلّ الأمن القومي للولايات المتحدة يعاني.ويشير باحثون في واشنطن إلى أن أردوغان والقوميين الأتراك يعتمدون على التناقضات الدولية ولعبة المصالح والاستفادة من نظام دولي جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية حول العالم خلال سنوات أو عقود بما قد يمنح تركيا فرصة ذهبية لاستعادة ما يمكن من معاهدة سيفر، إلا أن ذلك لن يكون بالمهمة اليسيرة بالنظر لكثرة اللاعبين الدوليين وقوتهم في البحر المتوسط، فضلاً عن أن تركيا لا تمتلك من عناصر القوة أو الشرعية الدولية ما يؤهلها لتحقيق أحلام أردوغان.
2-
لولا جائحة كوفيد -19، لكانت الحرب الأهلية الليبية في طليعة عناوين الأخبار الدولية لعام 2020. يحتوي الصراع على جميع مكونات قصة على الصفحة الأولى: فاعلون حكوميون ذوو وزن ثقيل، وموارد طبيعية مربحة، وقادة أقوياء. لا ينبغي أن يكون تورط روسيا والإمارات العربية المتحدة في الحرب مفاجئًا، لكن مشاركة تركيا النشطة لا ينبغي أن تثير الجدل بعد الآن لأن تركيا سعت مؤخرًا إلى ممارسة المزيد من النفوذ على جيرانها مع الرغبة في الهيمنة الإقليمية. قاد الرئيس رجب طيب أردوغان أول محاولة كبرى لتركيا للتدخل الإقليمي خلال الربيع العربي عام 2011. صعد محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر على أمل أن تنجح جماعة تركز على الإسلام كحزب سياسي شرعي. دعم أردوغان وحزبه التركي العدالة والتنمية (AKP) تطلعات الحزب السني واستهدف الاستفادة من هذه العلاقة لتأمين حليف مجاور وفرص اقتصادية.ومع ذلك، لم يتمكن مرسي والإخوان المسلمون من الحفاظ على سلطتهم في مصر بسبب العديد من التحديات. أرسل أردوغان رئيس مخابراته الوطنية لدعم مرسي في مواجهة الاضطرابات المدنية الهائلة والانقلاب العسكري الوشيك ولكن دون جدوى. أُجبر مرسي في نهاية المطاف على التنحي وفشل سعي أردوغان إلى النفوذ، لكنها كانت معركة شاقة منذ البداية ؛ كانت هناك شائعات بأن دول الخليج دعمت الانقلاب. ومع ذلك، ربما يكون هذا الطعم الأولي للفشل قد ساهم في اتباع نهج أكثر مباشرة وعدوانية في المساعي التركية المستقبلية.
تصاعد سعي تركيا للنفوذ الإقليمي عسكريًا خلال الحرب الأهلية السورية. أصبح خطاب أردوغان تجاه الأسد والنظام القائم على العلويين أكثر تأنيبًا في وقت مبكر خلال حملات القمع ضد المتظاهرين المدنيين. بدأت تركيا في تقديم دعم عسكري غير مباشر للفصائل المناهضة للأسد على مر السنين مثل الجيش السوري الحر، وهو جماعة معارضة في الغالب سنية مليئة بالمنشقين العسكريين السوريين، وحتى بعض الجماعات الجهادية. ومع ذلك، حقق الأسد نصرًا في هذه المرحلة إلى حد كبير بسبب الدعم الروسي. رأى أردوغان في هذه فرصة أخرى لكسب النفوذ على بلد منقسم، لكن التقاعس العسكري المباشر أعاق نجاحه مرة أخرى.أثناء دعمه لقوات المتمردين السوريين ضد الأسد، حارب أردوغان فصيلًا آخر من أجل النفوذ الإقليمي – هذه المرة داخل حدوده. رأت تركيا فرصة لإخماد النفوذ الكردي وآمال الانفصال عندما انسحبت القوات الأمريكية من إقليم كردستان في أكتوبر 2019. استخدمت تركيا القوة العسكرية لتطهير المنطقة العازلة على طول حدودها الجنوبية التي تتداخل مع الأراضي الكردية. على الرغم من أن هذا تضمن مشاركة الاحتلال مع روسيا، إلا أن هذا كان نصرًا كبيرًا لتركيا حيث تمكن أردوغان في نفس الوقت من الاستيلاء على الأراضي التي احتلها الأكراد سابقًا وتأمين منطقة إعادة توطين لملايين اللاجئين السوريين في تركيا، وبالتالي تمييع السكان الأكراد. هنا، شهد أردوغان النتائج الإيجابية للعمل العسكري المباشر بعد سنوات من التدخلات الحذرة بالوكالة.لننتقل سريعًا إلى الحاضر ونرى ما يمكن أن يكون التدخل الأجنبي الأكثر جرأة ونجاحًا لتركيا حتى الآن. كانت ليبيا في حالة حرب أهلية منذ سقوط ديكتاتورها مما أدى إلى إنشاء فصيلين رئيسيين: الجيش الوطني الليبي المدعوم من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، وحكومة الوفاق الوطني التي وافقت عليها الأمم المتحدة. ) التي حصلت مؤخرًا على دعم تركيا.يبدو أن العلاقة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني قد بدأت بعد أن أقاما حدودًا بحرية ثنائية مواتية لتركيا في البحر الأبيض المتوسط. لطالما كانت هناك خلافات حول هذه الحدود مع اليونان وقبرص، لكن ادعاءات تركيا قد تكون أكثر شرعية قليلاً الآن. المياه غنية بالغاز الطبيعي الذي تهدف تركيا إلى الاستفادة منه لتصبح أكثر استقلالية في مجال الطاقة ؛ ومع ذلك، فإن اليونان وقبرص ومشروع شرق المتوسط تقف في طريقها.
بعد فشل هجوم الجيش الوطني الليبي الأخير على طرابلس، بدأت حكومة الوفاق الوطني في دفع وتوسيع سيطرتها على غرب ليبيا بتزويد تركيا بطائرات بدون طيار ومرتزقة سوريين. تتنافس حكومة الوفاق الوطني، ليس فقط مع قوات الجيش الوطني الليبي، ولكن أيضًا مع المرتزقة الروس بقيادة مجموعة فاغنر النشطة. قد يؤدي هذا إلى تصعيد الحرب بالوكالة بين مصر وتركيا إلى صدام عسكري مباشر إذا حددت قوات حكومة الوفاق الوطني، المدعومة الآن من قبل القوات التركية، مسارها في سرت والأراضي التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي الغنية بالنفط.أصبحت تركيا نشطة بشكل متزايد في الشؤون الإقليمية لأنها تتنافس على النفوذ الإقليمي ضد القوى التقليدية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. يرى أردوغان فرصًا اقتصادية وأمنية في هذه الصراعات بالإضافة إلى توسع مناطق نفوذ تركيا. كلما نجحت تجربة تركيا وأردوغان، كلما كانت أساليبهما أكثر جرأة وجرأة. لقد بدأت بدعم غير مباشر في مصر، لكنها تطورت الآن إلى جنود على الأرض في ليبيا. يعتبر أردوغان تركيا القوة العظمى القادمة في الشرق الأوسط، وليبيا هي المسرح لإثبات ذلك.
لبعض الوقت، حتى قبل أن تتحول تركيا إلى النظام الرئاسي، كان هدف حكومة أردوغان هو تحويل البلاد إلى قوة إقليمية مهيمنة. كثيرًا ما تحدث أحمد داود أوغلو، المنظر الذي يقف وراء السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، عن تركيا كقوة إقليمية ذات امتداد عالمي، لا سيما بعد أن أصبح وزيرًا للخارجية في عام 2009 ثم رئيسًا للوزراء في عام 2014. حيث أنه، في وقت سابق، كان التركيز على القوة الناعمة لتركيا لإبراز نفوذها، بعد الانتفاضات العربية وخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، أصبحت القوة الصلبة هي الأداة المفضلة.لم تكن الطموحات الإستراتيجية لتركيا من بنات أفكار حكومات حزب العدالة والتنمية فقط. دفعت المدارس الفكرية المختلفة في البلاد منذ نهاية الحرب الباردة من أجل رؤية أكثر شمولاً للمصالح الاستراتيجية التركية. اليوم، يبدو أن الرؤية الإستراتيجية الأكثر توجهاً نحو الإسلام لحزب العدالة والتنمية والرؤى الإستراتيجية القومية والمعادية للغرب للنخب المدنية والعسكرية، وبعضها ينتمي إلى المدرسة الفكرية الأوروآسيوية، قد اندمجت في دعم السياسات التي تفضل إبراز القوة العسكرية. القواعد والحقوق البحرية ومساحة واسعة مستقلة لمتابعة المصالح التركية. عقيدة تُعرف باسم “الوطن الأزرق” توجه سياسات أردوغان في شرق البحر الأبيض المتوسط وليبيا. تم تطوير هذه العقيدة من قبل الضباط الوطنيين العلمانيين.
بالنسبة لأردوغان، هناك أيضًا عنصر أيديولوجي يتعلق بالتنافس الجيوسياسي والأيديولوجي مع دول الخليج وحليفتها مصر على قيادة العالم الإسلامي السني. ولتحقيق هذه الغاية، تستمر حملة بناء المساجد في جميع أنحاء العالم، وتوفير الحماية للإخوان المسلمين، ومناصرة قضية المسلمين في كل مكان، بلا هوادة – ما لم تعطل هذه الحملة المصالح الاقتصادية أو الجيوسياسية. كان هذا الأخير واضحًا في صمت تركيا المطبق تجاه معاملة الصين للأويغور.ومع ذلك، يمكن القول إن تركيا المنهكة فوق طاقتها تعتمد على دعم الولايات المتحدة الضمني على الأقل في ليبيا. أردوغان هو المتصل الأكثر تكرارًا بالرئيس دونالد ترامب، وفقًا للعديد من التقارير الإخبارية ومذكرات مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون. لذلك، لا يمكن الاستهانة بالبعد الأمريكي في نشاط تركيا.كان قرار إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد نتيجة لاعتبارات محلية بشكل أساسي، لكنه خدم أيضًا مطالبة أردوغان بقيادة العالم السني. ذكرت النسخة العربية من إعلان رئاسة الجمهورية تحرير المسجد الأقصى. حقق هذا الفعل أحد أهم الطموحات السياسية للإسلام السياسي التركي وتم تقديمه أولاً وقبل كل شيء كعمل سيادي، وهو ما كان عليه. ربما توقع أردوغان ردود فعل قوية من الغرب، ولكن في هذه الحالة، كانت ردود الفعل صامتة بشكل أساسي. مع هذه الخطوة، من المفترض إعادة تأكيد سيادة تركيا والوصاية على تراثها الإسلامي. بدوره، غذى رد الفعل الأعرج من الغرب صورة الطبيعة التي لا يمكن وقفها لدولة تقود حضارة إسلامية آخذة في الصعود.
منذ زمن بعيد أقام أردوغان تحالفًا وثيقًا مع قطر. سعت تركيا أيضًا إلى إقامة علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية، وحتى وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة نتيجة الانتفاضات العربية، ظلت هذه العلاقات ودية إلى حد كبير. في الواقع، عملت أنقرة والرياض جنبًا إلى جنب في المراحل الأولى من الانتفاضة السورية. في أعقاب الانقلاب في مصر في يوليو 2013 الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، توترت العلاقات. ومع ذلك، بعد وفاة الملك عبد الله في يناير 2015، بدأ أردوغان علاقة جديدة مع الملك سلمان للضغط من أجل إزاحة الرئيس بشار الأسد في سوريا. فشل هذا الجهد لعدة أسباب، أبرزها أن روسيا تدخلت بكامل قوتها في الحرب وساعدت في إنقاذ النظام.منذ ذلك الحين، تدهورت علاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المتحالفين مع مصر، إلى حد كبير. وقفت تركيا إلى جانب قطر، حيث تمتلك قاعدة عسكرية، عندما فرض مجلس التعاون الخليجي حظرًا على الدوحة، ونشرت وحدة عسكرية صغيرة لمساعدة الإمارة. واصل أردوغان انتقاد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. أمر ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، بقتل صحفي سعودي بارز في اسطنبول. والإمارات ومصر الخصمان اللدودان لتركيا في الحرب الأهلية الليبية. ان وجهة نظر أردوغان، كل هذا مرتبط بالمنافسة على زعامة العالم الإسلامي السني. إن دول الخليج ليست حريصة على أن يصبح قائداً على هذا النحو.لا تشارك تركيا الدعايه السعودية أو الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر ببرنامج إيران النووي، على الرغم من أن لديها مخاوف وتحفظات بشأن البرنامج وطموحات طهران الإقليمية وما يسمى بالهلال الشيعي. لطالما عارضت أنقرة نظام العقوبات على إيران، وحصلت على إعفاءات، وساعدت في تقويضه. ومع ذلك، فقد توقفت هذه المرة عن شراء النفط من جارتها. تعاونت أنقرة وطهران في عملية أستانا بشأن سوريا، مع روسيا، على الرغم من أن ألعابهما النهائية وتطلعاتهما متعارضة في الغالب في العراق وسوريا. يدعي كلاهما أنهما بطلا للفلسطينيين، لكن تركيا لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
هناك مؤشرات على احتمال استمرار التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل وتركيا على الرغم من القطيعة بينهما والعداء الشخصي بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أدى تقارب إسرائيل وتعاونها في قضايا الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط مع مصر واليونان والإدارة اليونانية في قبرص إلى اعتقاد الكثيرين أنه سيكون من المستحيل إعادة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الصحيح. لا يُتوقع حدوث تحسن كبير في العلاقات في المستقبل القريب، لكن الضرورة الاستراتيجية المتمثلة في أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا لا تزال قائمة. في الواقع، عندما أصدر شركاء إسرائيل في مشروع خط أنابيب EastMed و الإمارات العربية المتحدة إعلانًا مشتركًا في 11 مايو ينتقد بشدة تركيا وأفعالها، اختارت إسرائيل ألا تكون جزءًا منه. ولم يرد نتنياهو بشكل إيجابي على الرسائل المثيرة للقلق من نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بشأن تركيا خلال زيارة ميتسوتاكيس لإسرائيل في يونيو. أخيرًا، إذا بدأت إسرائيل في ضم جزء من الضفة الغربية، فإن تركيا كدولة ورئيس حالي لمؤتمر المنظمة الإسلامية سترد بقوة، لكن من المحتمل أن يظل هذا محصوراً برد بلاغي.بطريقة محدودة في سوريا، حيث من غير المرجح أن تغادر تركيا المناطق التي تدخلت فيها منذ أغسطس 2016، مما يخلق فعليًا نسخة جزئية من منطقتها الأمنية المرغوبة، نجحت تركيا. على الرغم من إحباط طموح أنقرة لتغيير النظام السوري، إلا أن جغرافيتها ووجودها العسكري وأصولها الاستراتيجية ضمنت لها مكانتها كلاعب ذي صلة في فترة ما بعد الصراع.في ليبيا، قلبت تركيا الموقف عسكريًا ضد الجنرال خليفة حفتر، المدعوم من السعودية والإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، وأكدت نفسها كلاعب لا يستهان به. يتعين عليها الآن تحويل الميزة العسكرية التي اكتسبتها إلى عملية دبلوماسية لأن الاقتصاد التركي في وضعه الحالي من غير المرجح أن يحافظ على مثل هذه المشاريع الطموحة في السياسة الخارجية إلى أجل غير مسمى.
في منتدى الدوحة التاسع عشر في (ديسمبر) 2020، أجاب وزير الدفاع التركي خلوصي أكار على سؤال حول علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي بهذه الطريقة: “نحن في قلب الناتو. لن نذهب إلى أي مكان، نحن في الناتو “. على الرغم من شراء تركيا صواريخ إس -400 الروسيةوعلاقات أنقرة الإستراتيجية الحميمة مع روسيا، والاستياء العميق تجاه حلفاء الناتو بسبب عدم تضامنهم مع الحكومة المنتخبة خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، والتصريحات المتكررة من قبل العديد من النقاد بأن تركيا لا تنتمي إلى الناتو، وتبقى تركيا في المنظمة.. تعتمد أنقرة على التحالف، وإن كان يسعى إلى درجة عالية من الحكم الذاتي، لأمنها وتشارك في تدريبات الناتو حتى في المناطق التي لا تدخل في نطاق اهتمام تركيا تقليديًا. تجلت حدود عاطفتها تجاه روسيا في مايو الماضي عندما تم تزويد طائرتين أمريكيتين من طراز B-1 Lancer بالوقود في الأجواء التركية.فوق البحر الأسود. بالنظر إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة، حاولت تركيا، إلى جانب روسيا، إبقاء البحر الأسود بعيدًا عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، كان هذا مهمًا جدًا.
3-
حدثت عملية إعادة هيكلة دراماتيكية للقيادة الوطنية التركية في 8 نوفمبر 2021، بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من إعلان وسائل الإعلام الأمريكية فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. استقال وزير المالية التركي بيرات البيرق، وصهر أردوغان، وولي العهد، والوزراء الأقوى. وبحسب ما ورد قرر أردوغان تغيير مساره بعد أن أدرك أن مزيج سياسة البيرق غير التقليدي من أسعار الفائدة المنخفضة والمشتريات الضخمة لليرة التركية قد فشل في حماية العملة من استمرار انخفاض قيمة العملة مع استنفاد احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. استبدل أردوغان محافظ البنك المركزي في 7 نوفمبر بوزير مالية سابق عارض سياسات البيرق، مما أدى على ما يبدو إلى استقالة البيرق. رحبت الأسواق بعودة تركيا إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية.أقوى العملات أداءً بين الأسواق الناشئة بعد أن كانت أضعف عملة في عام 2020. وعادت ثقة المستثمرين أيضًا إلى تركيا.قد تعود سياسة أنقرة الخارجية أيضًا إلى العقيدة. بعد عام 2020 المشاكس، حيث دخلت تركيا وحلفاؤها عبر المحيط الأطلسي في نزاعات امتدت من شمال إفريقيا إلى بحر قزوين، يبدو أن أردوغان يسعى الآن إلى التعاون مع الحلفاء. كان من بين القادة الأجانب الأوائل الذين هنأوا الرئيس المنتخب بايدن، مشيرًا في رسالته في 10 (نوفمبر) إلى أن “العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة لها نوعية استراتيجية ذات أساس عميق الجذور… على أساس المصالح والقيم المشتركة”. منذ أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، تحاول أنقرة أيضًا تنشيط محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتهدئة النزاعات مع اليونان في شرق البحر المتوسط حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة.ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستكون قادرة سياسيًا على السير عبر ما يعتبره أردوغان بابًا مفتوحًا (أو مفتوحًا) لأنقرة. كما أخبرني صديق مقرب شخصيًا من الرئيس الأمريكي الجديد مؤخرًا، فإن إدارة بايدن ترغب في استعادة الشعور بالشراكة الاستراتيجية مع تركيا، لكن شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400 يترك انطباعًا طويل الأمد بأن تركيا الابتعاد عن الغرب نحو المدار الاستراتيجي لروسيا.
في الواقع، صدم اتفاق تركيا لشراء صواريخ إس -400 في سبتمبر 2017 الكثيرين في واشنطن. جعلت هذه الصفقة تركيا أول عضو في الناتو يوافق على شراء نظام أسلحة روسي متقدم بعد غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. وقد قوض القرار الجهود المستمرة من قبل المجتمع عبر الأطلسي لمواجهة المغامرات العسكرية الروسية في بحر البلطيق والبحر الأسود، سوريا، وليبيا. كما وضعت تركيا في مرمى العقوبات الأمريكية بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات ( CAATSA )، والذي يهدف إلى ردع شراء الأسلحة الروسية المتقدمة لمعاقبة موسكو على أعمالها العسكرية في أوكرانيا.أثار شراء تركيا إس -400 أيضًا قلقًا عميقًا بين كبار القادة العسكريين الأمريكيين من أن رادارات النظام ستمكّن روسيا من جمع معلومات استخباراتية قد تهدد القدرات الشبحية لطائرة F-35 Joint Strike Fighter. F-35 هي الطائرة المقاتلة الأكثر تقدمًا في العالم ؛ ستكون العمود الفقري للقوة الجوية التكتيكية للولايات المتحدة على مدى العقدين المقبلين. ورفضت أنقرة مخاوف الولايات المتحدة ووصفتها بأنها مجرد مواقف.غير قادر على حل هذا النزاع، منعت وزارة الدفاع الأمريكية تركيا من برنامج F-35 في يوليو 2019. قوبلت هذه الخطوة الدراماتيكية بالكفر والغضب في أنقرة، بالنظر إلى أن تركيا ساعدت في تمويل تطوير الطائرة، المخطط لها لشراء 100 طائرة. الطائرة، وكان يصنع العديد من مكونات F-35.. في هذه الأثناء، في واشنطن، كان الغضب يتصاعد أيضًا بشأن شراء تركيا S-400، خاصة في الكونجرس. حاولت إدارة ترامب حماية تركيا من عقوبات CAATSA أثناء البحث عن حل قد يتجنبها تمامًا. في النهاية، اختار ترامب معاقبة تركيا قبل أن يدخل قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، الذي ألزم الرئيس باختيار خمس من اثنتي عشرة عقوبة محتملة لفرضها على تركيا، في ديسمبر 2020. ومع ذلك، كانت العقوبات المحددة التي اختارها ترامب هي: من بين أخفها ممكن.ولّد نهج ترامب الناعم الأمل في أن واشنطن وأنقرة قد تضعان أخيرًا صف S-400 وراءهما. في 8 شباط (فبراير)، اقترح وزير الدفاع خلوصي أكار أن تتفاوض تركيا والولايات المتحدة على حل شامل يعالج قلق الولايات المتحدة بشأن قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية في S-400 وقلق تركيا بشأن شراكة الولايات المتحدة في سوريا مع حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب.، وهي جماعة ينظر إليها عبر الطيف السياسي التركي على أنها الفرع السوري من جماعة حزب العمال الكردستاني.
رفضت إدارة بايدن بأدب ولكن على الفور عرض تركيا، مما يعكس مدى عمق شراء تركيا S-400 الذي هز واشنطن. في الواقع، كما أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكين خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، “فكرة أن شريكًا استراتيجيًا – ما يسمى بشريكنا الاستراتيجي – سيكون متوافقًا في الواقع مع أحد أكبر منافسينا الاستراتيجيين في روسيا أمر غير مقبول”. وأضاف بلينكين: “أعتقد أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة لمعرفة تأثير العقوبات الحالية ثم تحديد ما إذا كان هناك المزيد الذي يتعين القيام به.” حتى لو أراد بايدن التفاوض، فإنه سيواجه قيودًا قانونية وسياسية كبيرة. شعر الكونجرس بالإحباط بسبب مماطلة ترامب، فقرر في NDAA أن الرئيس الأمريكي لا يمكنه رفع عقوبات CAATSA إلا بعد عام واحد من دخول القانون حيز التنفيذ، وبعد ذلك فقط إذا كانت تركيا “لم تعد تمتلك” أنظمة S-400 الخاصة بها. ومع ذلك، فإن التخلي عن صواريخ إس -400 أمر لا يمكن تصوره في المناخ السياسي الحالي لتركيا. يعتمد حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان بشدة على تحالفه مع حزب العمل القومي المتشدد (MHP)، الذي يصر على أن تقف تركيا في وجه الضغط الأمريكي بشكل عام وخاصة فيما يتعلق بمسألة S-400. على الرغم من رغبة أنقرة الجديدة في حل نزاع S-400 عبر المفاوضات، يبدو أن تركيا والولايات المتحدة لا تزالان في طريق مسدود.وينطبق الشيء نفسه فيما يتعلق بسوريا. يبدو أن واشنطن تضاعف شراكتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب. عيّن بايدن بريت ماكغورك منسقًا للبيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن طاقم مجلس الأمن القومي. ماكغورك، الذي شغل منصب المبعوث الرئاسي للحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) في كل من إدارتي أوباما وترامب، تعتبره أنقرة مهندس الشراكة الأمريكية مع حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب، وهي سياسة يُنظر إليه في جميع أنحاء تركيا على أنه اختيار جماعة إرهابية لقتال أخرى. استقال في ديسمبر 2018 احتجاجًا على قرار الرئيس ترامب آنذاك سحب القوات الأمريكية والرضوخ للعملية العسكرية التركية لإنشاء “منطقة آمنة” خالية من وحدات حماية الشعب في شمال سوريا.
وبالتالي، فإن واشنطن وأنقرة تخوضان حوارًا للصم حول كل من S-400s و PYD / YPG. لكن إذا تمكنوا من تهميش هذه الخلافات الشائكة في الوقت الحالي، فقد يكونون قادرين على تحقيق تقدم في قضايا أخرى ومن ثم العودة إلى المشاكل الأكثر استعصاءً في جو تعاوني.يمكن أن يكون شرق البحر الأبيض المتوسط إحدى هذه القضايا. تصاعدت التوترات هناك في الصيف الماضي بسبب الخلافات القانونية بين تركيا واليونان حول المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZs) والتنقيب عن الهيدروكربونات. بلغ الضغط ذروته في أغسطس، عندما أرسلت فرنسا طائرات مقاتلة إلى جزيرة كريت، واصطدمت سفن حربية من اليونان وتركيا. لكن في وقت لاحق، توسطت المستشارة الألمانية السابقه أنجيلا ميركل في المحادثات بين أنقرة وأثينا، موازنةً مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمعاقبة تركيا، بينما توسط الناتو في جهود منع وقوع حوادث عسكرية بين الحليفين. دفعت هذه الجهود تركيا إلى اتخاذ خطوة تهدئة كبرى، حيث أعلنت في 30 نوفمبر أن شركة النفط الوطنية، TPAO، ستعيد سفنها الاستكشافية إلى الميناء.من المياه التي تطالب بها اليونان وجمهورية قبرص أيضًا كجزء من المناطق الاقتصادية الخالصة. ورد المجلس الأوروبي بالمثل في 10 (ديسمبر) بتأجيل المزيد من العقوبات ضد تركيا حتى يتمكن من التشاور مع إدارة بايدن القادمة.مهد هذا العطاء والأخذ الدبلوماسي الطريق أمام اليونان وتركيا لاستئناف “المحادثات الاستكشافية”، التي كانت خاملة منذ عام 2016، في 25 يناير. على الرغم من أن التفاصيل حول المناقشات شحيحة، فقد يكون من الممكن التوصل إلى حل وسط أولي. قد يتضمن هذا موافقة اليونان على التخلي عن المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها لجزيرتها الصغيرةKestellorizo (أوMeisباللغة التركية) قبالة ساحل الأناضول التركي، مما يحد بشكل كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا ؛ في المقابل، يمكن أن توافق تركيا على أن الجزر الكبيرة مثل كريت ورودس يمكن أن تكون مؤهلة لمناطق اقتصادية خالصة “معقولة” على أساس كل حالة على حدة. يمكن لأنقرة بعد ذلك تعزيز الزخم الإيجابي من خلال إبقاء سفن الاستكشاف التابعة لشركة TPAO خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان التي طالبت بها سابقًا لشركة Kastellorizo لفترة متفق عليها.
المجال الثاني المحتمل للتعاون بين الولايات المتحدة وتركيا هو أمن أوكرانيا. تعمل تركيا وأوكرانيا على تطوير شراكة دفاعية يمكن أن تساعد الناتو في موازنة الموقف الخطر لروسيا في منطقة البحر الأسود. في (ديسمبر) 2020، وافقت أوكرانيا وتركيا على المشاركة في إنتاج طائرات بدون طيار مسلحة تركية الصنع وأن البحرية الأوكرانية ستشتري طرادات خفية تركية. بُني هذا التفاهم على إطار العمل العسكري واتفاقيات الصناعة الدفاعية اعتبارًا من أكتوبر 2020، والتي أعلن بعدها أردوغان : “تركيا ترى أوكرانيا كدولة رئيسية لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام والازدهار في المنطقة”. وجاء بيان أردوغان متتبعا تصريحات بلينكنبعد ثلاثة أشهر في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، عندما تعهد بأن إدارة بايدن “ستواصل دعم تسليح وتدريب الجيش الأوكراني، ومواصلة تقديم المساعدة الدفاعية الفتاكة لأوكرانيا، وفي الواقع برنامج التدريب أيضًا”.ثالثًا، يمكن لإدارة بايدن أن تقدر تقنيات وتكتيكات الطائرات بدون طيار التركية المبتكرة، التي حاربت القوات العسكرية الروسية في شمال غرب سوريا في مارس / آذار الماضي وفي ليبيا في يونيو / حزيران الماضي، باعتبارها أحد الأصول القيمة الجديدة لحلف شمال الأطلسي في حد ذاتها.
رابعًا، يمكن للولايات المتحدة وتركيا التعاون لاستعادة الاستقرار والازدهار بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في الخريف الماضي. على الرغم من أن بايدن، المرشح آنذاك، انتقد تركيا لدعمها أذربيجان في حربها التي استمرت أربعة وأربعين يومًا مع أرمينيا، إلا أنه حذر أرمينيا من أن “المناطق المحيطة بناغورنو كاراباخ لا يمكن احتلالها إلى أجل غير مسمى”. في الآونة الأخيرة، ورد أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ناقش قضية ناغورنو كاراباخ في 2 فبراير في مكالمة هاتفية مع المتحدث باسم الرئيس التركي وكبير مستشاريه، إبراهيم كالين.يوفر الوجود العسكري التركي الجديد في أذربيجان، حيث تدير الآن مركزًا لحفظ السلام بالاشتراك مع روسيا، أعين وآذان الناتو لمراقبة عملية حفظ السلام الروسية الكبيرة نسبيًا هناك. قد يساعد هذا الوجود التركي والناتو في ردع قوات حفظ السلام الروسية عن الانخراط في هذا النوع من السلوك المزعزع للاستقرار الذي يمارسونه في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا والمناطق الانفصالية في جورجيا في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.يمكن أن تساعد تركيا أيضًا في إعادة دمج أرمينيا في الاقتصاد الإقليمي. ينص بيان وقف إطلاق النار الصادر في 9/10 من تشرين الثاني بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا والذي أنهى حرب ناغورنو كاراباخ الثانية على أن “جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة غير محظورة.” وهذا يشمل الروابط بين أرمينيا وتركيا، التي أعيد تأسيسها تقريبًا في عام 2009. وبناءً على ذلك، تخطط تركيا لإنشاء خط سكة حديد جديد وخط أنابيب غاز طبيعيفي معقل نختشيفان الأذربيجاني، والذي يمكن أن يمتد إلى أرمينيا. يمكن أن يوفر خط الأنابيب هذا الغاز الطبيعي كمواد وسيطة لمنطقة صناعية للبتروكيماويات يمكن أن تقع بشكل مشترك على أراضي تركيا وأرمينيا وأذربيجان. على الرغم من أن الأزمة السياسية الحالية في أرمينيا بعد الحرب تجعل مثل هذه المشاريع الثلاثية غير قابلة للتصور في الوقت الحالي، فإن مثل هذا الجهد يمكن أن يساعد في نهاية المطاف في التئام جروح الحرب وخلق فرص العمل والنمو من خلال التعاون الإقليمي.
أخيرًا، يمكن أن يؤدي الجهد المشترك لزيادة التجارة الثنائية والاستثمار الأمريكي في تركيا إلى مجموعة من الفوائد الاقتصادية والأمنية، جزئيًا من خلال توفير حوافز ملموسة للقيادة الاقتصادية المسؤولة في أنقرة. قد يكون قطاع الطاقة، وخاصة التنويع الإضافي لإمدادات الغاز الطبيعي لتركيا بعيدًا عن روسيا وإيران، واعدًا بشكل خاص. زادت مبيعات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي (LNG) إلى تركيا بنسبة 144 في المائة خلال النصف الأول من عام 2020 ويمكن أن تستمر في النمو. يمكن لإدارة بايدن أيضًا العمل مع أنقرة لنقل الغاز الطبيعي شمالًا إلى شرق البلقان وأوكرانيا، وبالتالي تعزيز استقلال تلك الدول في مجال الطاقة عن روسيا. قد يكون من الصعب التعرف على هذه الفرص في واشنطن، حيث يُنظر إلى تركيا حاليًا على أنها ليست شريكًا في إدارة المشكلات بقدر ما يُنظر إليها على أنها مشكلة يجب إدارتها. وينطبق الشيء نفسه على أنقرة، التي تتوقع أن تقبل واشنطن تلقائيًا دعوة تركيا المفاجئة لتهدئة التوترات. لكن لدى كلا البلدين وجميع أعضاء الناتو الآن فرصة لتأمين مكاسب إستراتيجية في المناطق المحيطة بتركيا إذا تمكنوا من تجنب الهوس بالنزاعات المستعصية. في الواقع، دعا بلينكين تركيا مؤخرًا إلى استضافة محادثات بين حكومة أفغانستان وطالبان. إنها علامة على أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا قد تتحرك بالفعل نحو أرضية أكثر واقعية.
لقد كان خبرًا مشجعًا طال انتظاره. على هامش قمة الناتو في 14 يونيو 2021، عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن أول لقاء شخصي له مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ انتخاب بايدن. كان بايدن قد أبقى الرئيس التركي على مسافة مقارنة بسلفه، وأجرى مكالمة هاتفية واحدة فقط مع أردوغان في أبريل. ومن الملاحظ والمهم إذن أن الجانبين خرجا من اللقاء متفائلين وإيجابيين بشأن الحوار.في مؤتمرين صحفيين منفصلين، وصف كل من بايدن وأردوغان الاجتماع بأنه “مثمر” وأعربوا عن ثقتهم في إمكانية إحراز تقدم في العلاقات الثنائية. يعتبر الحوار خطوة مهمة وضرورية على طريق تنشيط العلاقات الأمريكية التركية. بدون الإرادة السياسية في كلتا العاصمتين، لن يتمكن الجانبان من التعامل مع تحدياتهما التي لا تعد ولا تحصى.ومع ذلك، فهذه ليست سوى خطوة واحدة نحو حل تلك التحديات وتطوير التعاون متبادل المنفعة. ولم يشارك أي من الرئيسين أي تفاصيل جوهرية حول الاجتماع. وأشار أردوغان فقط إلى أن المفاوضات بشأن بعض القضايا العالقة ستستمر من خلال وزيري الخارجية والدفاع في البلدين.
فيما يتعلق بنقاط الخلاف، أعربت إدارة بايدن عن مخاوفها بشأن شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسي S-400 – الذي دفع إدارة ترامب المنتهية ولايتها إلى فرض عقوبات في ديسمبر – بالإضافة إلى حالة الديمقراطية في تركيا. تركيا لديها قائمة المظالم الخاصة بها، والتي تبدأ بدعم الولايات المتحدة لوحدة حماية الشعب الكردية السورية (YPG)، وهي جماعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنف على أنه إرهابي. كما تحتج تركيا أيضًا على إزالتها من برنامج المقاتلة الإضراب المشترك F-35، حيث ورد أنها استثمرت 1.5 مليار دولار، كنتيجة لشرائها إس -400. كما تشعر تركيا بخيبة أمل بسبب عدم اتخاذ إجراءات بشأن طلب تسليم مقيم في الولايات المتحدة منذ فترة طويلةفتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016 ضد أردوغان.لكن المصالح والفرص المتبادلة لتركيا والولايات المتحدة واسعة مثل خلافاتهما. أكثر من أي عضو آخر في الناتو، اتخذت تركيا خطوات ملموسة للرد على روسيا في جميع أنحاء المنطقة، من أوكرانيا وجنوب القوقاز إلى ليبيا وسوريا. برزت أفغانستان كموضوع آخر للتعاون الثنائي المحتمل بعد أن عرضت تركيا تولي الأمن في مطار كابول في ظل ظروف معينة بعد خروج القوات الأمريكية من البلاد. تشترك تركيا والولايات المتحدة أيضًا في شراكة اقتصادية مهمة ومتنامية، يأمل الزعيمان أن تزدهر.سبقت موجة من النشاط الدبلوماسي اجتماع 14 يونيو، بزيارات رفيعة المستوى إلى تركيا من قبل نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد.يتمثل أحد التحديات الناشئة التي يجب على الولايات المتحدة وتركيا مواجهتها في سوريا، حيث على الرغم من الخلافات الموثقة جيدًا بين الجانبين، إلا أنهما يشتركان في العديد من الأهداف والمصالح المشتركة، بما في ذلك وحدة أراضي سوريا ومعارضة نظام الأسد. آخر قضية ذات اهتمام مشترك هي تهديد روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد إعادة ترخيص ممر المساعدات الإنسانية الوحيد من تركيا إلى شمال غرب سوريا في اجتماع قادم لمجلس الأمن الدولي في 10 يوليو / تموز. كان هذا الموضوع هو السبب وراء زيارة توماس جرينفيلد إلى تركيا وسيتطلب ذلك. التعاون التركي الأمريكي بغض النظر عن القرار الصادر في 10 يوليو.
بعد الاجتماع، أعلن أردوغان أيضًا أنه دعا بايدن إلى تركيا، وهي دعوة قال إن بايدن على استعداد لقبولها. في الواقع، يمكن أن تكون إعادة إنشاء قناة حوار بين القائد للمساعدة في التخفيف من الأزمات المستقبلية عند حدوثها من أهم النتائج المستخلصة من الاجتماع. على الرغم من التعليقات الصحفية المتكررة بأن أردوغان ليس شريكًا موثوقًا به، إلا أنه يظل زعيمًا براغماتيًا أبرم اتفاقيات جريئة وهامة، بما في ذلك التسويات، عندما تكون في مصلحته ومصالح تركيا. جاء أحد الأمثلة في تطبيع العلاقات التركية مع روسيا عام 2016 بعد أقل من عام من إسقاط القوات التركية لطائرة روسية انتهكت المجال الجوي التركي خلال غارة جوية في شمال سوريا. يمكن للمرء أيضًا أن ينظر إلى التقارب التركي المستمر مع مصرالتي اختلفت معها بشدة منذ الإطاحة بمحمد مرسي، فضلًا عن الجهود المبذولة لإعادة بناء العلاقات مع دول الخليج.في غضون ذلك، هناك خطوة مهمة أخرى في العلاقة تتمثل في تعزيز العلاقات المؤسسية والبيروقراطية وتعزيزها. أظهر بايدن رغبته في العودة إلى سياسة خارجية أكثر تقليدية. إنه أقل تركيزًا بشكل فردي من سلفه على الشخصية والاتصال بين القادة. لذلك، فإن إصلاح الإطار المؤسسي بين الولايات المتحدة وتركيا سيكون الخطوة التالية نحو إعادة العلاقات الثنائية إلى أرض صلبة.يمكن لتركيا والولايات المتحدة ترجمة الزخم والأجواء الإيجابية التي تحققت في 14 يونيو إلى علاقة أقوى وأكثر صحة. سواء كان من الممكن حل جميع الخلافات المعلقة أم لا، فإن الولايات المتحدة وتركيا شريكان مهمان مع العديد من الفرص للتعاون ويجب أن يتوصلوا إلى تفاهم للاستفادة الكاملة من التحالف.
4-
ينظر الى تركيا باعتبارها هي الدولة العلمانية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة والمحكومة ديمقراطيًا والتي تتمتع باقتصاد سوق حر نابض بالحياة وتتمتع بعلاقات منذ عقود مع جميع المؤسسات ذات التوجه الغربي بما في ذلك الناتو. تعد القوات المسلحة التركية ثاني أكبر قوة عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي تتمتع بخبرة قتالية حديثة وسجل تاريخي مثير للإعجاب من حيث عمليات السلام والاستقرار المتعددة الأطراف في مناطق الصراع التي تمتد من البوسنة والصومال إلى كوسوفو وأفغانستان. سيتم الاعتراف بالقيمة المضافة الفريدة لعضوية تركيا في مثل هذه المؤسسات في نظام عالمي متعدد الأطراف وسيكون من الأسهل الاستفادة من التنوع الثقافي والديني الذي تقدمه تركيا إلى طاولة المفاوضات في بيئة قائمة على القيمة بدلاً من بيئة ذات مصلحة فقط – ترتكز على العلاقات الثنائية وتركز على العلاقات الثنائية.لن تتغير الأساسيات الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط أو حتى تركيا إذا تم انتخاب بايدن في نوفمبر. يعرف بايدن شخصياً جميع الجهات الفاعلة في إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان. كنائب للرئيس، تولى بايدن زمام المبادرة في تمثيل الولايات المتحدة بعد محاولة الانقلاب التي قام بها أنصار غولن في يوليو 2016.مثل الرئيس أردوغان، بايدن سياسي براغماتي. أعتقد أنهم سيتعاملون بشكل أفضل بكثير مما يعتقده معظم المحللين. سيكون الاختلاف الحقيقي الوحيد هو أن بايدن سوف يذعن أكثر لرأي المهنيين المهنيين داخل المؤسسات الرئيسية مثل وزارة الخارجية والبنتاغون. يمكن أن ينتج عن هذا الأخير موقفًا أكثر صرامة تجاه تركيا في قضايا مثل نظام الدفاع S-400، ولكن على المدى الطويل، لن تتغير الأساسيات الأساسية.
وبالمثل، لن تجري إدارة بايدن تغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والشرق الأوسط الأكبر، ومن المرجح أيضًا أن تستمر في دعم التقارب الأخير بين دول الخليج وإسرائيل. أتوقع أن يحاول بايدن التوسط بين تركيا وإسرائيل. فيما يتعلق بنزاعات شرق البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك ليبيا، أعتقد بقوة أن إدارة بايدن ستتخذ موقفاً مماثلاً وتفضل التأمل.ومع ذلك، فإن سياسة بايدن في سوريا ونهجه تجاه وحدات حماية الشعب (YPG) قد تكون أكبر خطر على تركيا إذا تولى الرئاسة في عام 2021. وأود أن أحث بقوة بايدن وموظفيه الرئيسيين على فك ارتباط الولايات المتحدة على الفور بعمال كردستان. عناصر حزب (بي كي كي) في سوريا.هناك الكثير من الإمكانات على الجبهة الاقتصادية لدرجة أن المسؤولين على الجانبين يتحدثون عن مضاعفة التدفق التجاري الحالي بمقدار أربعة أضعاف. بصفتي عضوًا في المجلس التنفيذي لـ TAIK (مجلس الأعمال الأمريكي التركي)، فإن التطورات والاتجاهات الاقتصادية الثنائية الأخيرة شجعتني كثيرًا. على سبيل المثال، تضاعفت واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ثلاث مرات تقريبًا في السنوات القليلة الماضية. لا تزال تركيا تشتري المزيد من الغاز الطبيعي المسال من دول أخرى، ولكن هذا هو المكان الذي يمكن أن يؤثر فيه الدعم السياسي. إذا تمكن صانعو القرار من حل الخلافات والتركيز على المزيد من الرخاء بدلاً من المزيد من الصراع، فلا يوجد سبب يمنع تركيا من تفضيل المنتجات الأمريكية. وبالمثل، تُعرف المنتجات التركية بأنها “أسعار صينية بجودة ألمانية”. في الوقت الذي يبحث فيه العديد من المستوردين الأمريكيين عن بدائل للصين، لماذا لا تستفيد من قدرات تركيا أو تتعاون مع الصين في إفريقيا؟ لكن من الصعب للغاية البناء على مثل هذه الديناميكيات بينما يهدد الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات وتمتلئ الصحف بالقصص السلبية عن تركيا. يجب أن نستثمر بشكل جماعي في الاستقرار والمضي قدمًا.من منظور اقتصادي، من المحتمل أن تكون أربع سنوات أخرى من حكم ترامب موضع ترحيب من قبل مجتمعات الأعمال نظرًا لوجود تواصل كبير قائم على هذه الجبهة قد يصطدم بالحائط إذا تغيرت الإدارة الأمريكية. ومع ذلك، بغض النظر عمن سيصل إلى السلطة في نوفمبر، فإن تحديات الوباء ستجعل من الصعب جدًا على أي إدارة تحقيق المستوى المطلوب من التقدم نحو تحقيق هدف التجارة الثنائية 100 مليار أو اتفاقية التجارة الحرة في المستقبل القريب على الأقل.
لم تنتهج إدارة ترامب سياسة خارجية ذات مصالح وطنية أكثر تحديدًا فحسب، بل جعلت صنع سياساتها أكثر تعاملاً. إن الرئيس الذي أهمل القيم، والذي كان في السابق في قلب التحالف عبر الأطلسي، لم يساعد الناتو المتعثر بالفعل في حقبة ما بعد الحرب الباردة. لعب هذا التركيز على المصالح الوطنية في مصلحة الحكومة التركية، التي فضلت تشويه سمعة الناتو وأعضائه القياديين، لا سيما بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016. وألمحت الحكومة التركية إلى أن الحلفاء كانوا يدعمون مدبري الانقلاب. مهدت التعددية إلى جانب الخطاب الشعبوي المناهض للغرب لحكومة أردوغان الطريق أمام أنقرة للابتعاد أكثر عن إطار الناتو.
إن تركيا التي فقدت مرساة الناتو وإمكانية العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي (نظرًا لانعدام الشهية من كلا الجانبين)، ستفقد قدرًا كبيرًا من قيمتها الاستراتيجية في منطقتها. لا يمكن لتركيا أن تدرك إمكاناتها بالكامل إذا استمرت القيم الديمقراطية في التدهور. وبالمثل، في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن لحلف الناتو أن يدرك بالكامل إمكاناته كتحالف عسكري إذا لم يتمكن من التواصل مع المجتمع المدني. لكي تظل تركيا على المسار الديمقراطي، يجب أن تلعب عضويتها في الناتو دورًا. هذا هو السبب في أن رؤية المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن قد تكون مفيدة في إعادة صياغة منظور أنقرة في العقد المقبل.لطالما كانت للولايات المتحدة القدرة على لعب دور وسيط بين تركيا وإسرائيل. يعتبر تدخل الرئيس السابق باراك أوباما في أبريل 2013 لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرد على الهاتف والاعتذار لأردوغان عن مقتل مواطنين أتراك في أسطول مافي مرمرة مثالاً ممتازًا. نحن نعلم أن الولايات المتحدة كانت دائمًا طرفًا خفيًا في المحادثات التي أدت في النهاية إلى التقارب بين البلدين في عام 2016. ومع ذلك، فإن نهج إدارة ترامب غير الحكيم المتمثل في تمكين إسرائيل وقرارها نقل السفارة إلى القدس أدى إلى خسارة الثقة في تركيا. ستحتاج السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى إجراء تحول كبير إذا أرادت واشنطن استعادة دورها المتوازن في المنطقة.
على الرغم من أن التجارة بين تركيا والولايات المتحدة لديها إمكانات حقيقية، إلا أن الإعلان عن هدف تجاري ثنائي بقيمة 100 مليار دولار كان تكتيكًا لصرف الانتباه عن المشكلات المتصاعدة بين البلدين. عندما دُعي الرئيس أردوغان أخيرًا إلى واشنطن في نوفمبر 2019 للقاء الرئيس ترامب، كانت هناك حاجة ماسة إلى بند إيجابي على جدول الأعمال نظرًا للاحتجاج في الولايات المتحدة ضد “ عملية نبع السلام ” التي قامت بها أنقرة في سوريا. جعل هدف التجارة الثنائية البالغ 100 مليار دولار أو اتفاقية التجارة الحرة نقاط نقاش لائقة في مؤتمر صحفي مما جعل نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن واضحة للغاية، على الرغم من جهود خبراء السبين الأتراك لتسليط الضوء على النقاط التجارية فقط.لن تكون المشاركة الاقتصادية الحقيقية المتزايدة بين تركيا والولايات المتحدة ممكنة إذا استمرت أنقرة في تعزيز تعاونها الدفاعي مع الكيانات الروسية التي تخضع بالفعل لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية. قد تكون عقوبات انتهاك العقوبات قاسية على الأمريكيين. والأهم من ذلك، أن السياسات الاقتصادية الغامضة لأنقرة، التي تشتهر بالتدخل في عطاءات الدولة، بالإضافة إلى التقلبات المتزايدة في الأسواق التركية، تجعل من الصعب على المستثمرين الأمريكيين إظهار اهتمامهم بممارسة الأعمال التجارية في تركيا. يجب على تركيا، أكثر من ترامب أو بايدن، الترويج لنفسها كشريك تجاري موثوق.
قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كانت علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وفرنسا واليونان متوترة كما كانت في أي وقت منذ أزمة قبرص عام 1974. من غير المرجح أن يؤدي التغيير في رئيس الولايات المتحدة إلى عكس هذا المسار السلبي وقد يؤدي في الواقع إلى مزيد من الخلاف وسوء الفهم.تعتقد أنقرة أن تأكيدها على حقوقها البحرية والدبلوماسية يستند إلى أساس قانوني متين وبالتالي يستحق دعم الحلفاء. في شرق البحر الأبيض المتوسط ، تجادل الحكومة التركية بأن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) تدعو إلى حل “عادل” لمطالبات الحدود البحرية المتضاربة بين دولتين متجاورتين، بينما تركز اليونان بدلاً من ذلك على بند آخر من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تعتقد أنقرة سيحد من المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا بشكل صارم وغير معقول. في ليبيا، تقول تركيا إنها الدولة الوحيدة التي تقدم دعمًا عسكريًا حاسمًا لحكومة الدولة الواقعة في شمال إفريقيا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. في سوريا، تشيد تركيا بنفسها باعتبارها العضو الوحيد في الناتو الذي كان على استعداد لمواجهة كل من روسيا ونظام الأسد عسكريًا وإجبارهما على إنهاء قصفهما للمدنيين في محافظة إدلب. التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جرائم حرب. وفي أذربيجان، تؤكد أنقرة أن دعمها العسكري له ما يبرره قانونيًا لأنه يساعد في إنهاء احتلال الأراضي الأذربيجانية واستعادة وحدة أراضي أذربيجان وفقًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأربعة التي يعود تاريخها إلى عام 1993.
أدى شراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 إلى وضع الرئيس الأمريكي في زاوية قانونية: يتطلب قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) فرض عقوبات على تركيا ردًا على عملية الشراء هذه. لقد تجاهل الرئيس ترامب ببساطة هذا القانون حتى الآن. إذا أعيد انتخاب ترامب، فليس من الواضح إلى متى سيكون قادرًا على مقاومة الضغط السياسي المتزايد في مجلس الشيوخ الأمريكي للالتزام بالقانون. من ناحية أخرى، إذا تم انتخاب جوزيف بايدن، فمن شبه المؤكد أنه سيعاقب تركيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب في أمريكا اللاتينية (CAATSA)، وفي وقت مبكر من إدارته، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات الثنائية بشكل أكبر.في الواقع، من المحتمل أن تتخذ إدارة بايدن نهجًا أكثر تصادمية تجاه تركيا في العديد من القضايا الأخرى. على عكس الرئيس ترامب، الذي أعرب عن إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرح المرشح بايدن في أواخر عام 2019 أنه يجب عزل أردوغان من منصبه. كما هاجم بايدن ترامب مؤخرًا بتهمة ” تدليل ” تركيا في سياق نزاعات الحدود البحرية التركية مع اليونان وقبرص والحرب بين أذربيجان وأرمينيا. بعد بداية صعبة مع أنقرة، يمكن توقع أن يتبنى الرئيس بايدن في النهاية الأهمية الاستراتيجية للعلاقات القوية بين تركيا وبقية حلف الناتو. بعد كل شيء، بايدن هو تقليدي في السياسة الخارجية، مما يعني أنه يضع الناتو في مركز تخطيط الأمن القومي للولايات المتحدة. يمكن أن يكون أمن البحر الأسود مجال تركيز رئيسي لإدارة بايدن. كنائب للرئيس، قاد بايدن الرد الأمريكي على الغزو الروسي لأوكرانيا. لذلك يجب عليه تقدير الاتفاقية الأخيرة بين تركيا وأوكرانيا بشأن التعاون بين صناعاتهما الدفاعية، والتي تركز على السفن البحرية والطائرات العسكرية والمركبات الجوية بدون طيار. تركيا هي أيضًا من بين أقوى المؤيدين لعضوية جورجيا في الناتو، والتي يجب أن تروق للرئيس بايدن.
وإذا أعيد انتخاب ترامب الامر الذى لم يحدث، فمن المرجح أن يواصل البحث عن طرق لتحسين العلاقات مع الدولة التي يقودها أردوغان، بما في ذلك من خلال محاولة تحقيق تطلعات الزعيمين لزيادة التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار، (وهو أمر بعيد المنال خارج الصادرات الطبيعية المسالة). صادرات الغاز من الولايات المتحدة إلى تركيا.
من الآمن أن نفترض أن إدارة بايدن على نطاق واسع ستتبنى نهجًا تعاونيًا أكثر وضوحًا وتقليديًا للولايات المتحدة وأهدافًا للسياسة الخارجية. لكن أي إدارة أمريكية تقود وتستجيب للرأي العام الأمريكي فيما يتعلق بالانخراط في الشؤون العالمية. أعتقد أن الرئيس ترامب قد ضغط وعكس التحولات التاريخية في النظرة الشعبية للولايات المتحدة بشأن التكاليف والفوائد والمتطلبات وطرائق القيادة الأمريكية والمشاركة مع العالم. علاوة على ذلك، وبغض النظر عن الدور القيادي التقليدي للسلطة التنفيذية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن تركيا هي واحدة من الدول القليلة التي حظيت باهتمام مستمر من الكونجرس الأمريكي – وعادة ما تكون ذات طبيعة حاسمة. ومن ثم فإن الدبلوماسيين الأتراك هم دائمًا من بين الأكثر نشاطًا وخبرة في التعامل مع الكونغرس. من غير المرجح أن تتغير هذه الضرورة للمشاركة التركية الماهرة مع حكومة وشعب الولايات المتحدة من خلال الكونجرس وكذلك الإدارة، بغض النظر عن الحزب الذي سينتصر في الانتخابات المقبلة. أعتقد أن المشاركة الاقتصادية بين البلدين ستستمر في السير في مسارها الطبيعي بناءً على العوامل الاقتصادية والتطورات الإقليمية أكثر من أي خيارات سياسية معينة لإدارة ترامب أو بايدن. أظن أن التحليل التاريخي من شأنه أن يشير إلى أن كل من الإدارات الجمهورية (التقليدية) والديمقراطية قد عززت بشكل متساوٍ تقريبًا التجارة الخارجية والاستثمار والتعاون الأمني كمبدأ عالمي، وخاصة مع تركيا كحليف رسمي في المعاهدة وواحد من أفضل عشرين دولة في العالم. الاقتصادات. حتى حرية الإدارات الأمريكية “للتجار الأحرار” قد تفاوضت بشأن إجراءات معقدة للغاية لحماية الصناعات الأمريكية، لذلك تظل اتفاقيات “التجارة الحرة” الأمريكية نادرة، ويتوقع القليل منهم انتشارها في المستقبل في ظل إدارات جمهورية أو ديمقراطية. على نفس المنوال، ترأست إدارات كل طرف فترات توتر شديد مع تركيا مؤسف (وعادة ما تكون مؤسفة). منذ عهد الرئيسين جونسون وفورد على الأقل، لا يمكن لأي طرف أن يدعي احتكار لجوء الولايات المتحدة العرضي لفرض أو التهديد بفرض أشكال مختلفة من العقوبات، سواء لأغراض سياسية اقتصادية أو أمنية إقليمية محددة.
5-
زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كييف 17 فبراير 2022بهدف استخدام النهج الدبلوماسي الفريد لتركيا – وموقعها الفريد الذي يوازن العلاقات مع كل من أوكرانيا وروسيا – لإحباط الصراع الذي ينشأ في أوروبا الشرقية. وبينما قام زعماء الولايات المتحدة وأوروبا برحلات مماثلة لمحاولة ردع غزو روسي، تظهر زيارة أردوغان واستراتيجيته أنه يفهم أن تركيا لديها ما تخسره أكثر من أي قوة عالمية أخرى في هذه الأزمة – وأن التحذيرات الأخيرة من الولايات المتحدة يزيد الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا من المخاطر أكثر.تركيا لديها الكثير من المخاطر لأنها لا تقوم فقط بموازنة شراكتها الاستراتيجية مع أوكرانيا وعلاقاتها المعقدة (ولكن المهمة) مع روسيا ؛ كما أنها تسير على حبل مشدود لتحقيق التوازن بين التزامات الناتو ومخاوفه الأمنية في المنطقة. على سبيل المثال، نما توكيد روسيا الإقليمي بشكل مطرد منذ غزو البلاد لشبه جزيرة القرم عام 2014، مما أدى إلى تدخلها في سوريا. تراجعت تركيا عن حلفائها ووكلائها الروس في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز، مع الحفاظ على شراكة اقتصادية مهمة مع روسيا والاستمرار في الاعتماد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة.ومع ذلك، فإن قانون التوازن التركي يخاطر بالانهيار في أوكرانيا، وهي ساحة ذات أهمية وجودية لروسيا والكرملين. منذ ثورة ميدان 2014، طورت تركيا وأوكرانيا شراكة إستراتيجية وثيقة تقوم على التعاون الدفاعي – وهي حقيقة لم تتوافق بشكل جيد مع روسيا. على سبيل المثال، اعترضت روسيا بشدة على قرار تركيا بيع طائرات بدون طيار لأوكرانيا، بحجة أن الجيش الأوكراني المجهز بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار يمكن أن يلحق الخراب بالقوات الانفصالية المدعومة من روسيا في دونباس.
مع زيارته إلى كييف في فبراير، كان أردوغان ينوي إرسال رسالة مفادها أن تركيا لن تتعرض للضغط لتقليص علاقتها مع أوكرانيا. وقع الرئيسان سلسلة من الاتفاقيات الجديدة بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها والتي تهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية السنوية من 7.5 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار، والأهم من ذلك، اتفاقية لتصنيع طائرات بدون طيار في أوكرانيا باستخدام محركات أوكرانية.أثناء إعادة الالتزام بشراكتها الاستراتيجية مع أوكرانيا وتعزيزها، اتبعت تركيا نهجًا متوازنًا تجاه التوترات المتصاعدة في أوروبا الشرقية، ودعت مرارًا إلى ضبط النفس والحوار من جميع الأطراف. في هذا السياق، سمحت زيارة أردوغان إلى كييف للرئيس بإعادة تأكيد رغبته في استضافة محادثات بين أوكرانيا وروسيا والتوسط فيها في تركيا، وهي فكرة رحبت بها أوكرانيا لكنها رفضتها حاليًا روسيا، التي ترى الولايات المتحدة هي المحاور الرئيسي بدلاً من ذلك.وسبقت زيارة أردوغان وأعقبتها سلسلة من المحادثات بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين. أكد اجتماع بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في الأول من شباط / فبراير النهجين المتباينين للولايات المتحدة وتركيا تجاه الأزمة بشأن أوكرانيا. في حين أكدت قراءات البيت الأبيض بعد الاجتماع على التزام البلدين المشترك “بردع المزيد من العدوان الروسي ضد أوكرانيا”، بحسب ما نقلته محطة تي آر تي التركية الحكومية.قال كالين إن تركيا ستقدم “جميع أشكال الدعم” في حل الأزمة وأن زيارة أردوغان هي إحدى طرق “حل المشكلة بالدبلوماسية”. على الرغم من الاختلاف الدقيق بين نهج الولايات المتحدة وتركيا تجاه هذه الأزمة، إلا أنهما مكملان ومتسقان حيث يشترك الجانبان في الالتزام بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، والرغبة في تجنب صراع خطير.
يؤثر وضع تركيا الاقتصادي أيضًا على حساباتها في الضغط من أجل الوساطة. وصل الاقتصاد التركي إلى حافة أزمة أواخر عام 2021 ولا يزال على أرض غير مستقرة، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتعطل إمدادات الغاز الطبيعي. ولكن إذا تحولت هذه الأزمة إلى صراع، مما أدى إلى اضطرابات في التجارة، وعقوبات غربية قاسية ضد روسيا، وارتفاع أسعار السلع الأساسية يمكن أن يعقد بشكل خطير الرفاهية الاقتصادية لتركيا كشريك تجاري رئيسي مع روسيا. كما أن الصراع الخطير من شأنه أن يلقي بظلاله على موسم السياحة في الربيع والصيف، ومع كون السياح الروس يشكلون ما يقرب من خمس الزوار الشهريين لتركيا، فقد تفوت الدولة تجديد احتياطياتها من العملات الصعبة كما كانت تأمل. وفي الوقت نفسه، يُقال إن تركيا هي أكبر مستثمر أجنبي في الاقتصاد الأوكراني، ومن المرجح أن يكون قطاع الدفاع الأوكراني، وهو مجال للتعاون الثنائي المزدهر، هدفًا رئيسيًا لروسيا في حالة الصراع.ستكون الجهود الدبلوماسية التركية في مركز الصدارة مرة أخرى عندما تستضيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت لاحق من هذا الشهر في موعد لم يعلن عنه بعد. ستوفر تلك الزيارة اختبارًا لما إذا كانت الأساليب الدبلوماسية التركية في مواجهة التوترات المتصاعدة يمكن أن تؤتي ثمارها – أي، بالطبع، إذا لم تكن روسيا قد غزت بالفعل بحلول ذلك الوقت.
6-
علاقات تركيا عبر الأطلسي في خطر، مع وجود مؤشرين على الأقل بمثابة إشارات تحذير: التآكل التدريجي للعازل الناتو المصمم لإدارة التوترات التركية اليونانية ومصير شراء تركيا لطائرة من طراز F-16V من الولايات المتحدة. يمكن أن تؤدي هذه التطورات معًا إلى تغيير النظرة الجيوسياسية لتركيا بشكل جذري.كان أفضل دفاع ضد حرب واسعة النطاق بين أنقرة وأثينا هو الهيكل الأمني عبر المحيط الأطلسي الذي قدمه الناتو. ربما عن غير قصد، ربما نسفت فرنسا واليونان هذه الآلية إلى الأبد باتفاقهما الدفاعي الملتهب الأخير، الذي تعهد فيه البلدان بمساعدة بعضهما البعض في حالة وقوع هجوم مسلح. في نظر النخبة التركية، تهدف الاتفاقية إلى احتواء تركيا ويجب الاستجابة لها بالمثل. تجلى التنافس التركي اليوناني في الخلافات الأخيرة حول الحدود البحرية وحقوق ثروة النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط. لكن التوترات بين العضوين في الناتو ليست جديدة. حتى أنهم وجدوا أنفسهم على شفا الحرب في التسعينيات قبل أن تمنع واشنطن المزيد من التصعيد. الآن، أضافت “اللمسة الفرنسية” سباق تسلح جديد لهذه النزاعات وضمانة دفاعية جماعية بديلة لأثينا (بصرف النظر عن المادة 5 من الناتو).يتمثل أحد الجوانب الرئيسية الأخرى للاتفاق الفرنسي اليوناني في هدفه المعلن لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي – والذي قد يضر أكثر مما ينفع بسبب الطبيعة الثنائية للاتفاق وموقعه الظاهري ضد حليف رئيسي في الناتو.
إذا احتل التحالف العسكري الأكبر مقعدًا خلفيًا، فإن أي اندلاع بين تركيا واليونان سيكون أكثر خطورة بكثير مما كان عليه في الماضي. من وجهة نظر عسكرية، يتمثل الخطر الأكبر في عدم القدرة على التنبؤ: فقط تخيل وجود قوتين مسلحتين يواجهان بعضهما البعض في حرب برية على طول الأراضي المنخفضة في تراقيا وفي معركة جوية – بحرية في بحر إيجه. مثل هذا التصعيد يمكن أن يجر قبرص المجاورة. ويمكنك تقبيل حلف الناتو وداعًا إذا ذهب اثنان من أعضائه إلى الحرب ضد بعضهما البعض. تخيل دول البلطيق جالسة على عتبة روسيا وتراقب اثنين من حلفاء الناتو يتقاتلان بضراوة. لن تكون مثل هذه الحرب كارثة إقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل ستخلق أيضًا أزمة أكبر لتماسك حلف الناتو في مواجهة العدوان الروسي.على الرغم من صرخات الحرب من قبل المتشددين من كلا الجانبين، يجب تجنب التصعيد التركي اليوناني بأي ثمن.
نظرًا للمشاكل التكنولوجية مع ترسانتها القديمة من مقاتلات F-16 القتالية من الجيل الرابع – وبعد خروجها من برنامج F-35 الأمريكي بسبب حصولها على صواريخ أرض – جو استراتيجية روسية الصنع من طراز S-400 – فإن أنقرة هي على أمل تأمين صفقة مؤقتة لطائرة F-16 Viper (F-16V) المتقدمة.على الرغم من أنها بدت وكأنها صفقة منتهية في البداية، فقد أعرب عدد متزايد من المشرعين الأمريكيين عن اعتراضهم على مبيعات F-16V، مستشهدين بصفقة S-400 من بين مخاوف أخرى بشأن الحكومة التركية.إذا وجدت تركيا نفسها مستبعدة في سعيها للحصول على بديل لطائرة F-35، فمن المحتمل أن تقدم روسيا هجومًا ساحرًا في شكل حزمة مشتريات دفاعية لانتزاع سوق الأسلحة التركية من الغرب – بما في ذلك Su الروسية. -35 مقاتلة تفوق جوي، الدفعة الثانية من إس -400، وحتى محركات لمشروع تطوير الطائرات المقاتلة الوطنية لتركيا. أي صفقة من هذا القبيل ستكون أكثر من كافية لإطلاق جولة أخرى من العقوبات الأمريكية، والتي بدورها ستؤدي إلى تمزق حتمي للعلاقات العسكرية الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة.سيحتاج مخططو الدفاع الأتراك إلى دمج تحالف عسكري أوروبي على أعتاب منازلهم – بشكل غريب، تحالف يضم اثنين من حلفاء الناتو. إلى جانب ذلك، وجدت القوات الجوية التركية أن خطتها الوحيدة الممكنة لسد الثغرات للحرب الجوية موضع تساؤل في الكونجرس الأمريكي.أنقرة ليست ضحية كليا هنا. بعد كل شيء، كان الاستحواذ على S-400 – الذي حدث في أعقاب ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم – قرارًا سياديًا اتخذته الإدارة الحالية. هذا هو السبب في أنه لا ينبغي أن يتفاجأ من استبعاده من برنامج F-35 أو تردد الكونغرس بشأن بيع F-16V.
لكن تغيير المعايير السياسية والعسكرية في بحر إيجه بشكل أساسي، أو قطع الرادع الجوي التركي عن الحلول الأمريكية الصنع مثل F-16V، هي خطوات جيوسياسية يمكن أن تترك عواقبها لعقود. يمكن أن تؤدي، دون رادع، إلى تحول جذري في التوجه الاستراتيجي لتركيا وهويتها. على الرغم من أن هذا النوع من التحول لا يزال سيناريو منخفض الاحتمال (لكنه شديد التأثير) في الوقت الحالي، لا يمكن عكس هذه التغييرات الجذرية بين عشية وضحاها من قبل الدبلوماسيين المجتهدين أو الحكومات الجديدة في عواصم الناتو.
7-
على عكس المثل الأفريقي “تحدث بهدوء لكن احمل عصا كبيرة”، تميل الثقافة الإستراتيجية التركية إلى التحدث بصوت عالٍ، وتحمل عصا غليظة – وأحيانًا تستخدم تلك العصا الكبيرة جدًا بعد محادثة قصيرة. مع ميزة تركيا المزدهرة في حرب الطائرات بدون طيار، والتي تم تمكينها من خلال الصناعات الدفاعية المتزايدة في البلاد، أصبحت الأنظمة الجوية غير المأهولة عصا كبيرة جدًا للجيش التركي. من السياسة الواقعيةوجهة النظر، في الوقت الحالي، أدت ميزة الطائرات بدون طيار التركية الجديدة إلى تضخيم التفكير الاستراتيجي للنخبة التركية المذكورة أعلاه من خلال جعل “الدليل العسكري” أقل عرضة للخسائر، وأكثر جراحية، وأقل عبئًا على اقتصاديات الدفاع، وأقل اعتمادًا على المساعدة الخارجية. عسكريا، الفوز في الحروب المعاصرة يتعلق بكسب شبكات المعركة، وهذا هو السبب الكامن وراء نجاح القوات المسلحة التركية في أنظمة الطائرات بدون طيار. في نظر مخططي الدفاع الأتراك، فإن الطائرات بدون طيار ليست مجرد عمليات قتل مستهدفة أو أصول “للحرب على الإرهاب”، ولكنها مكونات أساسية داخل بنية مركزية للشبكة. يمتد هذا النموذج إلى مجموعة واسعة من المهام، من الصواريخ المضادة للدروع إلى قمع الدفاعات الجوية للعدو.
في الوقت الحالي، لا يمكن مقارنة القدرات العسكرية لتركيا إلا بقدرات قليلة فقط من جيوش الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة فقط فيما يتعلق بقدرات حرب الطائرات بدون طيار. على الرغم من أن عددًا كبيرًا من المقالات قد ركز على الجوانب الفنية للطائرات بدون طيار السريعة في تركيا، إلا أن القليل، إن وجد، قد تطرق بشكل صحيح إلى التداعيات الجيوسياسية لهذا الاختراق في الحرب الروبوتية. في حين أن هذه الأصول ليست عصا سحرية لمواجهة جميع التهديدات عبر الطيف، الطريقة التركية في حرب الطائرات بدون طيارقدم مفاهيم مبتكرة مختلفة للعمليات، والتي أثمرت بشكل واضح في حدود واسعة تشمل ليبيا وسوريا وكاراباخ. ذات أهمية خاصة لحلف الناتو، وتشبه الحروب العربية الإسرائيلية في حقبة الحرب الباردة، أثبتت حلول الحرب الروبوتية التركية فعاليتها ضد الأسلحة السوفيتية الروسية. تأتي الحرب الروسية الأوكرانية التي تتكشف، في وقت كتابة هذا التقرير، على أنها أحدث حالة.