عانت منطقة أمريكا اللاتينية من فترات متتالية من الانتكاسات منذ انتشار وباء كورونا، فقد عانت منه المنطقة اللاتينية أكثر من أي منطقة فى العالم من حيث معدل الوفيات ومن حيث التدهور الاقتصادي، لم يكن تأثير الحرب الأوكرانية على دول أمريكا اللاتينية مباشرًا بل تتأثر هذه الدول نتيجة الأزمة الأقتصادية العالمية التي تسببت فيها الحرب، وتعانى دولها من مشاكل فى التصدير والإستيراد وبالأخص فى السلع التى كانت تتعامل بها مع روسيا وأوكرانيا، ولأن اقتصادات أمريكا اللاتينية كانت قبيل الحرب تعاني من موجات تضخم ومشاكل اقتصادية عديدة، ألقت الحرب بظلالها ليزداد التضخم وتزداد الأزمة، وأشارت التقارير الاقتصادية العالمية أن اقتصاد أمريكا اللاتينية من بين الاقتصادات الأكثر تضررًا، بالرغم من تفائل الجميع من فرص تبادل النفط والغاز كبديلاً للغاز الروسي، ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة والسرعة خصوصًا وأن الدول المصدرة للنفط والغاز ليست كل الدول اللاتينية، وبالتالي هناك دول تأثرت تأثرًا شديدًا، على سبيل المثال تعاني دولة الأكوادور من صعوبة فى تصدير بعض منتجاتها الأساسية التى تعتمد عليها بشكل كبير وتقوم بتصديرة إلى دول العالم وتستورد موسكو ربع الكمية لذلك تخشى الأكوادور من عواقب هذه الحرب، إلى جانب تأثر منتجي اللحوم فى كولومبيا وقدرتها على التصدير، بالإضافة إلى البرازيل التى تعتمد على روسيا والصين فى إستيراد الأسمدة الزراعية التي تدعم منتجاتها الزراعية بشكل كبير وأوقفت البرازيل عدد من الخدمات التي كانت تجري فى روسيا .
وجاءت الحرب الأوكرانية لتلقي بظلالها على المنطقة اللاتينية وتتسبب فى إنتكاسة اقتصادية جديدة وتزيد من حدة التضخم الاقتصادي ليقفز إلى 7% بالنسبة لاسعار المستهلك، حيث يفرض هذا التضخم ضغوطًأ على مستوى دخل الأسر فى المنطقة حيث تعد ميزانية أسعار الطاقة والغذاء 40% من الاستهلاك. ومن المتوقع أن تظل مستويات الفقر عند 26٪ في عام 2022 بعد أن كان متوقع لها التحسن بعد إنحصار جائحة كورونا. وهو ما يجعلنا نتوقع أن يؤدي التضخم إلى تفاقم فى عدم المساواةالتي تعتبر أمريكا اللاتينية والكاريبي بالفعل أكثر المناطق تفاوتًا فى العالم فى هذا الشأن وهو ما يدفع المنطقة إلي توترات اجتماعية .
وعليه، حرص مركز جسور للدراسات الاستراتيجية على إلقاء الضوء على منطقة أمريكا اللاتينية وما تتعرض له أثناء الحرب الروسية الاوكرانية وتداعيات هذة الحرب على منطقة أمريكا اللاتينية واقتصاداتها المنهكة فى السنوات القليلة الماضية.
الاقتصاد اللاتيني يعاني فى ظل الحرب الروسية:
قدر التضخم فى منطقة أمريكا اللاتينية من مارس 2022 بنسبة 7.5٪ ويتوقع أن يستمر فى الارتفاع حتى نهاية عام 2022 وفى ظل حرب قائمة لا يعرف أحد موعد إنحصارها، حيث رفعت بيرو سعر الفائدة من 3% إلى 3.5% وهو ما كان متوقع الوصل له وهي نسبة ليست كبيرة مقارنة بباقى الدول، وسبق وان رفعت بيرو سعر الفائدة الى 3.5 % فى عام 2017. ويتوقع أن يرفع بنك ريبوبليكا الكولومبيى سعر الفائدة حتى 8% بعد ان إرتفع فى فبراير الماضي إلى 4% نظرًا لإرتفاع التضخم والظروف الاقتصادية التى تتعرض لها كولومبيا والعالم بوجه عام.
ونتيجة للحرب الاوكرانية أرتفعت أسعار المواد الخام ومنتجات النفط والزراعة والمعادن، وهناك مردودين لهذه النتيجة الأولى هى أن الدول المنتجة للنفط مثل البرازيل وكولومبيا وفنزويلا سوف تستفيد من إرتفاع أسعار النفط وتزيد مبيعاتها كبديل لروسيا، ونظرًا لاعتماد جزء كبير من الدول على الحبوب والقمح الروسي تستفيد البرازيل والارجنتين من هذا التدخل بديلًا عن السوق الروسية نعم هي ليست بنفس الحجم ولكن يعود عليها بالنفع فى تصديرها لمنتجاتها من حبوب وقمح بأسعار أعلى.
وإرتفاع أسعار النفط يضعف من قدرة الدول على نقل البضائع والإمدادت الكهربائية ويجد العالم صعوبة فى تسريع عجلة الإنتاج وإستخدام المواد الخام وهو ما يخلق حالة من الطلب على السلع لا يتناسب معها مقدار العرض وهو ما يؤدي إلى نقص فى عدد من السلع والمنتجات.
ويتوقع أن يصل سعر البرميل إلى 147.50 دولار وهو ما حدث فى عام 2008 وتأثر به العالم، وهو ما يساهم فى إرتفاع الأسعار بشكل عام ويزيد من التضخم فى كل الدول كلا حسب حالتة الاقتصادية ومعطياته خاصة وأن هذه الازمة تأتى فى ظل تأثر العالم بأزمة وباء كورونا الذي لم نتخلص منها بعد ولم يتعافى الاقتصاد العالمى منها حتى الآن ويعانى من ويلاتها.
ونظرًا لإغلاق كثير من الشركات والمصانع نتيجة إرتفاع أسعار النفط والمواد الخام وأزمة الغذاء التى نتجه نحوها أصبحنا نواجه مشكلة أخري وهى البطالة نتيجة الركود الاقتصادي الشديد وهو ما ينعكس علي القدرة الشرائية للفرد.
كما تعانى عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية من أزمات فى الكهرباء وبعد إرتفاع أسعار النفط يزداد معها أسعار الكهرباء التى تعتمد على الوقود، ولكن هناك عدد من الدول اللاتينية قد إتجهت منذ سنوات إلى الطاقة المتجددة من بينها السلفادور وكوستاريكا وجواتيمالا وهندوراس وبنما و نيكاراغوا.
وفيما يتعلق بالتجارة بين روسيا وأوكرانيا ودول أمريكا اللاتينية تعد 1.5 % إذ تصدر روسيا وأوكرانيا إلى أمريكا اللاتينية أكثر مما تستورد وبالرغم من هذا تتفاقم أزمة التوريد عالميًا وهو ما يؤثر بالطبع على اقتصادات دول أمريكا اللاتينية.
قبل الحرب الأوكرانية كانت روسيا تصدر لأمريكا اللاتينية بقيمة 11 مليار دولار أمريكى وتصدر أمريكا اللاتينية بقيمة 8.5 مليار دولار أمريكي لعام 2021 ، ومن بين هذه المنتجات الأسمدة والزيوت والصلب ولقاحات سبوتنيك الروسية وتعد البرازيل والمكسيك هما من أكبر الدول المستوردة للصادرات الروسية.
تصدر أمريكا اللاتينية إلى روسيا مجموعة من الخضراوات والفاكهة بالإضافة إلى اللحوم والاسماك حيث تصدر البرازيل فول الصويا واللحوم والقهوة والتبغ وتصدر المكسيك السيارات وأجهزة الكمبيوتر وبعد المشروبات مثل البيرة والتكيلا وتصدر الإكوادور الموز التي تتميز به بالإضافة إلى الزهور والروبيان.
ولتوضيح الوضع الاقتصادي نتحدث بإستفاضة عن البرازيل وفنزويلا والمكسيك على سبيل المثال:
– البرازيل:
إرتفع التضخم فى البرازيل ليصل إلى 11.30%، وكان البنك المركزي البرازيلي من بين أكثر البنوك تشددًا في العالم، حيث رفع تكاليف الاقتراض إلى 11.75% فى مارس 2022، أي ما يقرب من ستة أضعاف مستوى العام الماضي.
تعتمد البرازيل على روسيا فى بعض المنتجات ولم تنوع من مصادرها وبالتالى تواجه البرازيل أزمة كبيرة بين دول أمريكا اللاتينية، حيث تصدر البرازيل فول الصويا واللحوم والقهوة والتبغ.
بالرغم من أن الولايات المتحدة سمحت بشراء الاغذية والاسمدة الروسية إلى أن العقوبات المالية على روسيا تحد من المعاملات المالية التى تستخدم فى شراء الاسمدة والغذاء .لا تقل أزمة الاسمدة أهمية عن أزمة الوقود فكلا منهم ضروري لاستكمال حياة البشر حيث تمثل روسيا حوالي 15 في المائة من صادرات الأسمدة العالمية، وعليه هددت العقوبات المفروضة على موسكو المزارع البرازيلية التى تعتمد على الأسمدة الروسية ومثل هذا الخطر تهديدًا للامن الغذائي العالمى ويؤثر على قدرة المزارع فى اطعام العالم وبالتالي رفضت البرازيل الحرب الروسية على اوكرانيا ولكنها ايضا ترفض العقوبات التى تفرضها الدول الاوروبية لان مردودها يعاني منه العالم وتعاني منه ايضا البرازيل كأحد أكبر مصدري الذرة وفول الصويا والسكر والبن.
وفى ظل الحرب لم تمتنع روسيا عن إمداد البرازيل بالأسمدة ومازالت ترسل شحناتها من الأسمدة إلى البرازيل حيث استوردت البرازيل 750 ألف طن من الأسمدة الروسية في مارس وهو رقم جيد بالنسبة لشهر فبراير أي بداية الحرب ولكنة مقارنة بالعام الماضي يعتبر نصف الكمية التى كانت تستوردها البرازيل من روسيا ، ولكن التخوفات البرازيلية من تعطيل حركة التجارة مازالت مستمرة بعد أن فرض الغرب عقوبات على الأوليغارشية الذين يمتلكون اثنين من أكبر منتجي الأسمدة في روسيا بخلاف العقوبات التى طالت بيلا روسيا التى تعد المنتج الأكبر للبوتاس الذي يعد أحد أنواع الأسمدة المهمة والذي إرتفعت اسعارة بنسبة 50% منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى التشاور الغربي لفرض مزيد من العقوبات على روسيا التى أدت لتجميد عدد كبير من المحاصيل الروسية والاوكرانية من القمح والذرة والشعير الذي يحتاجة العالم وهو ما حذر منه الخبراء الاقتصاديين فى حالة خفض الانتاج الزراعي بسبب نقص الأسمدة فى البرازيل على سبيل المثال سيتعرض العالم فيما بعد إلى أزمة غذاء عالمية.
– فنزويلا:
فنزويلا مثلها مثل عدد كبير من الدول التى لم تنوع من مصادر دخلها حيث تعد مصادر الدخل الفنزويلي محدوده للغاية فكانت تعتمد على النفط بشكل أساسي كمصدر للدخل وهو ما ساعد الولايات المتحدة فى حصارها اقتصاديًا، والآن تعتبر فنزويلا من أكثر الدول المستفيدة من الحرب الروسية حيث تجاوز سعر النفط 100 دولار لأول مرة منذ عام 2014 وبالتالى إرتفاع أسعار النفط سيعود بالنفع على فنزويلا العضو المؤسس فى منظمة أوبك بالرغم من الحصار الاقتصادي المفروض عليها ومحدودية صناعة النفط وتضييق الولايات المتحدة عليها.
وهو ما يعنى أن مع زيادة أسعار النفط سيرتفع دخل فنزويلا بزيادة الانتاج النفطى لديها فقد يتراوح بين 1500 إلى 2000 مليون دولار شهريًا، وهو رقم مناسب جدًا بعد تعرض فنزويلا لأزمات اقتصادية طاحنة وقد يستمر لبعض الوقت إذا أستمر إرتفاع أسعار النفط.
وبالتالى قد ينشط الاقتصاد الفنزويلي نتيجة تدفق النقد الأجنبى إلى الدولة وبالتالى يساعد على عمل نشاط اقتصادي ينشل الشعب الفنزويلي من ويلات الحصار التي فرضته الولايات المتحدة، وبالتالي تحدث زيادة فى الناتج المحلي .
توقف حفر الآبار فى فنزويلا لما يتجاوز العام والنصف ولكن أستطاعت فنزويلا أن تحقق إنتعاشًا من صناعة النفط وهو ما ساعد على وجود استثمارات جديدة تعطى فرصة لفنزويلا لتأخذ مزيد من الأكسجين وتعود من جديد تتنفس بعد إحتضار اقتصادي أنهكها.
– المكسيك:
مازال الاقتصاد المكسيكي يعاني من الآثار الاقتصادية التى خلفها وباء كورونا، وجاءت الحرب الاوكرانية لتزيد من حدة الأزمات المكسيكية من ارتفاع للاسعار وموجة تضخم تتصاعد مع الوقت وهو ما ينعكس على الاسواق العالمية، وهو ما دفع بنك المكسيك لخفض توقعاته لنمو الاقتصاد المكسيكي من 3.2 % إلى 2.4% بخلاف ما قد تفرزه الفترة الزمنية للحرب المستمرة فى أوكرانيا .
وإرتفع معدل التضخم فى دولة المكسيك من 3.54% فى يناير إلي 4.12% في مارس 2022، وفيما يخص الاستيراد، تستورد المكسيك الصلب من روسيا بنسبة 40% حيث تعد هي الدولة الأكثر شراءًا ولكنها تعتمد فى صادراتها على مصادر متنوعة من باقى المنتجات والسلع وبالتالى هى الأقل تضررًا من بين دول أمريكا اللاتينية من الحرب الروسية أو إيقاف بعض الشحنات.
الاوضاع السياسية اللاتينية فى ظل الحرب الاوكرانية:
تلعب أمريكا اللاتينية دورًا ثانويًا على الساحة الدولية ولكن بسبب الضغوط الاقتصادية مازالت أمريكا اللاتينية منقسمة فى دعمها وتوجهاتها سواء لروسيا أو للغرب ولكن مازالت أغلب الدول المتضرره والمعادية للولايات المتحدة حليفًا قويًا لروسيا والصين وهو مابدا واضحًا فى تلميح روسيا بنشر قولت عسكرية فى كل من كوبا وفنزويلا و نيكاراغوا وهو ما يبرز الدور التى تلعبة أمريكا اللاتينية بين الدول وفى الصراعات الدولية العميقة التي تتداخل فيها روسيا.
ورجوعا إلى التاريخ نجد أنه خلال نزاع جورجيا عام 2008 أرسلت موسكو قاذفتين نوويتين إلى فنزويلا ومره أخرى أرسلت سفن حربية ومتخصصين عسكريين وغيرها من الخطوات التى اتخذتها موسكو فيما يخص المعدات الحربية والنووية وبالتالى لابد أن نأخذ تهديد موسكو على محمل الجد فهى تستطيع وفعلتها من قبل وسبق وأن أعلنت عزمها على إنشاء قاعدة جوية فى أحد جزر فنزويلا.
وهنا قد يعاد مشهد الصواريخ الكوبية عام 1962 وتجنبا لخرق المعاهدة التى تنص على أن تكون دول أمريكا اللاتينية خالية من الاسلحة النووية تستطيع روسيا أن ترسل صواريخ تفق سرعتها سرعة الصوت وبالتالى قد تكون الأقرب إلى الولايات المتحدة.
تشتت وانقسام بين الدول اللاتينية
تشتت واضح بين الدول اللاتينية، وهو ما بدا واضح خلال التصويت على إدانة روسيا فى منظمة الدول الامريكية، ثم التصويتين داخل الامم المتحدة التى إنشقت فيه الدول اللاتينية بين ممتنع ورافض تجاه الموقف الروسي، ووصل الامر إلى أن تبعد غواتيمالا سفيرها من موسكو، وعلى الجانب الاخر بدا موقف المكسيك متأرجحا فهي ترفض الحرب ولكنها لن تتحدث كباقي الدول عنه ك “غزو”، ولكن ظهر موقفها رافضا وداعيا للحل والتفاوض على عكس الموقف الكولومبي الذي عد الحرب الروسية إنتهاكا للسيادة الاوكرانية.
حينما عقد مجلس الامن جلستة الطارئة بشأن أوكرانيا واستخدمت موسكو حق الفيتو صوتت غالبية دول امريكا اللاتينية 14 دولة من أصل 18 وكانت الدول الأربع التي امتنعت عن التصويت هم: بوليفيا- وكوبا -ونيكاراغوا- والسلفادور الثلاثة الأولى منهم حلفاء لموسكو، أما السلفادور تري أن الدول الصغيره لا يجب أن تنحاز إلى كتلة أو أخرى!
حتى وان بدت مواقف مجلس الأمن تؤخذ لاعتبرات معينه، إلا أن كوبا وفنزويلا و نيكاراغوا يتجهون نحو موسكو إلى حد كبير، كما أنتقدت البرازيل استخدام القوة ولكنها كانت حريصة أن تنوه أن المخاوف الروسية لابد وأن تؤخذ فى الاعتبار، أما فى اجتماع منظمة الدول الامريكية رأت الارجنتين عدم أهمية مناقشة نزاع خارج حدود القارة، كل هذه المواقف تبرز التذبذب والتشتت التي تعاني منه الدول اللاتينية.
ولكن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا…. تدعم الأزمة الاوكرانية والتقرب الامريكي من فنزويلا للحصول على النفط من زيادة فرص فنزويلا فى كسر عزلتها الاقتصادية والسياسية التي تسببت فيها الولايات المتحدة حينما فرضت عليها حصارًا اقتصاديًا، خاصًا بعد تضييق الولايات المتحدة وعقوباتها على البنوك الروسية التى كانت ومازالت المنفذ الوحيد لفنزويلا فى هذه الحالة قد تعيد فنزويلا التفكير مرة أخرى فى التفاوض مع الولايات المتحدة، إذا تحاول الآن فنزويلا عمل توازنات فى المنطقة فهي بالتأكيد لا تريد أن تخسر حليفها الروسي ولكنها أمام موقف تريد الاستفادة منه .
أيضا تحتاج الحكومة الفنزويلية هذا التقرب الامريكي ليس فقط لاعادة امجادها النفطية والاقتصادية بل هناك اهدافا سياسية واضحة وهي الاعتراف الدولي بحكومة الرئيس مادورو مقابل الرفض التام لما اسمته الولايات المتحدة الرئيس الشرعي خوان جوايدو، وبالتالي سيكون هناك ما أشبه بالمقايضة بين الولايات المتحدة وفنزويلا وهو ما يدعم بشكل كبير الحكومة الحالية فى فنزويلا حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.
هل ستساهم أمريكا اللاتينية فى وجود عالم متعدد الاقطاب؟
هناك أهمية كبيرة لأمريكا اللاتينية بالنسبة لروسيا بحيث تحقق أمريكا اللاتينية الوسيلة التى ترسخ من قوه التحالفات، حيث تعد فنزويلا وكوبا و نيكاراغوا الساحة التى تضغط بها موسكو وتحد من الهيمنة الامريكية وفى هذه الحالة ستلعب أمريكا اللاتينية دور أكبر من دورها كلاعب محلي فقد ينشأ من خلالها المنصة الجديدة لعالم متعدد الاقطاب، وتستخدم روسيا أمريكا اللاتينية كأداة ضغط فى حال تجاوز الولايات المتحدة فى النفوذ الروسي فى ذلك الحين ستظهر روسيا سيطرتها على الفناء الخلفى للولايات المتحدة.
كانت روسيا حريصه كل الحرص على دعم دول أمريكا اللاتينية باللقاحات فى وقت كان العالم يتصارع فيه للحصول على لقاحات وكانت دول أمريكا اللاتينية الاقل حظًا فى الحصول علية وهو ما يؤكد حرص موسكو على التواجد داخل أمريكا اللاتينية بكافة الطرق.
دعمت موسكو قادة امريكا اللاتينية بشكل كبير لضمان وجودهم بجانب روسيا ضد الولايات المتحدة والغرب وذلك من خلال عدد من الزيارات التى قام بها رئيس الوزراء الروسي الى فنزويلا وكوبا و نيكاراغوا، وقام الرئيس الروسي بوتين باستافة الرئيس البرازيلي والرئيس الارجنتينى كل هذه التحركات سبقت الحرب الاوكرانية الروسية، لان روسيا تسير بخطط محددة وتسعى لجذب مزيد من الحلفاء قبل ان تتحرك فى اتخاذ خطوتها نحو اوكرانيا.
ساعد روسيا فى هذا الاندماج التغيرات السياسية فى امريكا اللاتينية التى اتجهت نحو اليسارية وهو ما يدعم موقف موسكو وعملت روسيا على زيادة حكة التجارة بينها وبين دول أمريكا اللاتينية حيث زاد حجم التجارة بنسبة 44% وعلى راس هذة الدول البرازيل والمكسيك التي تمثلان 50% من اجمالى التجارة الروسية.
لم يكتفى بوتين بالحلفاء المتعارفين فنزويلا وكوبا نيكاراغوا حيث قام بعدد من المحاولات لجلب البرازيل والأرجنتين لمساندته وهو ما حرصت عليه روسيا منذ بداية ولاية بولسونار وتعاونا الطرفين فى عدد من المجالات من بينها الزراعة والنفط والغاز.
واتبعت روسيا على مدار السنوات الماضية سياسة تخفيف الديون والدعم النفطي لحلفائها فى القارة اللاتينية كما قدمت دعمًا عسكريًا واستخبارتيًا واقتصاديًا لمساعدة كل من كوبا وفنزويلا عن طريق البنوك الروسية.
وعلى الجانب الآخر تحاول واشنطن أن تخرج من الأزمة فقامت بعمل عدد من التحركات تجاه بعض دول أمريكا اللاتينية حيث أجرت الولايات المتحدة إتصالات مع الحكومة الفنزويلية بشأن استئناف تجارة النفط حيث سافر وفد رفيع المستوى من واشنطن إلى كاراكاس يحمل فى طياته اتفاقية بديلة للنفط الروسي وبعد 24 ساعة من اللقاء تم الافراج عن أمريكيين كانوا فى السجون الفنزويلية، وفى محاولة اخري منحت الولايات المتحدة كولومبيا حليف غير عضو فى حلف الناتو وهذا المنصب لا تملكه إلا الأرجنتين والبرازيل فى أمريكا اللاتينية، وقد تستغل الولايات المتحدة قمة الأمريكتين لاستقطاب دول أمريكا اللاتينية لتعزيز تحالفها معهم وبالتالي يبدو الموقف الروسي فى حالة ضعف وتذبذب.
خلاصة القول:
دائما ما تلقي الازمات الاقتصادية بظلالها على الأوضاع السياسية والاجتماعية داخل الدول، فبعد إرتفاع أسعار السلع والنفط دارت عدد من المناوشات والاحتجاجات فى السلفادور، وفى البرازيل يبدو الوضع متوترًا نظرًا لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وظهور مفاجأت فيما يتعلق بإعلان لولا دا سيلفا الرئيس السابق للبرازيل لترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة وبالتالي وضع الرئيس الحالي فى مأزق يتعين علية مواجهة الزيادة الحادة فى أسعار البنزين والسلع حتى يستطيع المواجهة فى أكتوبر المقبل 2022.
ومع اقتراب موعد الانتخابات فى كل من المكسيك وكولومبيا أصبح هناك صراع انتخابي أكثر حدة فى المنافسة على من لجية القدرة على تخفيف حدة التضخم والازمات الاقتصادية التي تؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية والاجتماعية.
بعد الضغوط الغربية والامريكية على روسيا فيما يتعلق بالطاقة أصبحت دول أمريكا اللاتينية أمام حافة الصراع على الطاقة فيما يتعلق بالدول التي يمكنها أن تعمل كبديلا للطاقة الروسية التى كانت من المتوقع أن تصل إلى الاتحاد الأوروبي والصراع المتوقع على الطاقة ، وهو ما يستدعي جهد كبير من دول أمريكا اللاتينية لتعمل كمورد استراتيجي مع إعادة إدراج فنزويلا فى دول النفط الدولي.
وكما سبق الإشارة إلى أن هناك إرتفاع فى أسعار النفط والحبوب قد يعوض بعض الدول اللاتينية ولكنة لن يتناسب مع الزيادة التصاعدية فى أسعار السلع والبنزين والمواد الغذائية، وهو ما يجعل الحكومات فى الدول اللاتينية تزيد من إنفاقها حتى تتفادى التوترات الاجتماعية التى شهدتها المنطقة الفترات الاخيرة.
ولان الدول اللاتينية لديها مصادر غنية من المواد الخام فمن المتوقع أن تتجه هذه الدول لإعادة الاستثمار فى مواردها نظرًا للنقص الحاد فى المواد الخام الحالى والمتوقع زيادته بإستمرار الحرب، على سبيل المثال تتمتع بوليفيا وتشيلي والارجنتين بوجود الليثيوم فيها، وقد تعيد كولومبيا وغواتيمالا التفكير فى رواسب النيكل، ناهيك عن فنزويلا والفوسفات والدهب جميعها دول غنية بالمواد الخام ولكنها تعتمد على مصدر وحيد أو أثنين كمصادر أساسية لدخلها وهو ما يلقي بمعظم الدول اللاتينية فى أزمات اقتصادية متتالية وحتى الازمات العالمية تبدو ضعيفة فى مقاومتها.
وعليه، يتعين على الدول اللاتينية أن تنستغل مواردها بشكل جيد وأن تكمل مسارها فى التحول للطاقة البديلة خصوصا وأنها تتمتع بوفره غنية من المواد الخام التي يتكالب عليها العالم.
واخيرًا…أظهرت الحرب الروسية الاوكرانية مدى الضعف وعدم التماسك التي تعاني منه دول أمريكا اللاتينية فى وقت اتاح فيه العالم فرصة جديدة لأمريكة اللاتينية لتكون لاعبًا مؤثرًا فى خريطة التفاعلات الدولية بأقتنائها مورد ضخم من المواد الخام سواء النفط والغاز أو اللثيوم الذي يفتح مزيد من التغير التكنولوجي.
وهو ما قد يلفت الانتباه إلى ضرورة أن يكون هناك إستراتيجية موحدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا تظهر من خلالها دول أمريكا اللاتينية كمجتمع واحد له أثر واضح فى المحافل الدولية، فلن يجدي الإنقسام إلا مزيد من الضعف.