تمثل مشكلة الزيادة السكانية الشغل الشاغل للدولة المصرية، حيث تسارعت معدلات النمو السكاني بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، حيث أعلن جهاز التعبئة والإحصاء في فبراير 2022 وصول عدد المواطنين في الداخل إلى 103 ملايين نسمة، لتتحقق بذلك زيادة سكانية قدرها مليون نسمة خلال 232 يومًا فقط، وبمعدل 179.6 مولود كل ساعة أي 3 أفراد كل دقيقة بما يعني أن الوقت المستغرق لزيــادة فرد هو 20 ثانية تقريبًا، كما رصدت الساعة السكانية في مصر وصول عدد السكان في مارس 2022 إلى 103 ملايين نسمة و120 ألفا، مما يعني زيادة 120 ألف نسمة في شهر، وبذلك تأتي مصر في المرتبة الأولى في العالم العربي من حيث عدد السكان، والثالثة في القارة الأفريقية بعد نيجيريا وإثيوبيا، ورقم ١٤ على مستوى العالم، وتأتي الصين والهند في المقدمة، وكل منهما تجاوز 1,3 مليار نسمة، تليهما الولايات المتحدة التي بلغ عدد سكانها نحو 330 مليون نسمة، ثم أربع دول يتراوح عدد سكانها بين 200 و300 مليون، هي: إندونيسيا وباكستان والبرازيل ونيجيريا، ثم سبع دول يتراوح عدد سكانها بين 100 و200 مليون نسمة، وهي: بنجلاديش وروسيا والمكسيك واليابان وإثيوبيا والفلبين ومصر.
زاد عدد السكان في الفترة من عام 2002 إلى عام 2011 نحو 20 مليون نسمة، وزاد العدد في الفترة من عام 2011 إلى عام 2021 نحو 25 مليون أخرى، وبذلك بلغ العدد الإجمالي للزيادة 45 مليون نسمة خلال 20 عامًا، ووصل معدل الزيادة السنوية إلى 2.5 مليون مواطن سنويًا، وعلى هذا النحو هزم المد السكاني كل تنبؤات وتقديرات المتنبئين، وتخطاه بشكل فعلي، ولكن التنبؤات الأخيرة طبقًا لمكتب المرجع السكاني 2018، تشير إلى أنه في الفترة من 2018 إلى 2050، سوف يزيد عدد السكان في مصر بـ69.5 مليون نسمة، وسوف تكون مصر سابع أعلى دولة في العالم يتحقق بها زيادة سكانية في الفترة من 2018 إلى 2050، وسيقفز ترتيب مصر على مستوى العالم من حيث عدد السكان من المركز الـ14 إلى المركز الـ11.
فالشعب المصرى بقدر ما هو شعب قديم تاريخيًا، إلا أنه شعب شاب للغاية بيولوجيًا وذلك بحكم ارتفاع معدل المواليد، وذلك على العكس من كثير من شعوب أوروبا، فعلى سبيل المثال الزيادة السكانية السنوية في سويسرا تقارب 9500 نسمة فقط هذا الرقم مصر تحققه في 48 ساعة فقط، وهذا يعنى أن الزيادة السكانية في مصر في شهر مارس فقط تساوي الزيادة السكانية التي ستحققها سويسرا لمدة 12 سنة مقبلة، أي أن زيادة عدد المواليد يعتبر هو المسئول عن النمو السكاني المرتفع في مصر، وبذلك تُعد الزيادة السكانية هي التحدي الأكبر الذى يواجه مصر، حيث لا يوجد توازن بين حقوق الفرد في الانجاب المناسبة مع قدراته، وحق المجتمع في التقدم والنمو.
وفي ضوء ما سبق ستلقي الورقة الضوء على كيف تكون الزيادة السكانية أزمة وما هي أسبابها وتحدياتها والآثار المترتبة عليها، وكيف تواجه الدولة هذه الأزمة، فضلًا عن تقديم بعض التوصيات التي يمكن أن تساهم في التعامل مع الأزمة.
الزيادة السكانية ليست الأزمة في حد ذاتها:
لا تعتبر الزياد السكانية أزمة في حد ذاتها، ولكن تظهر المشكلة السكانية عندما يختل عدد السكان من ناحية، وحجم الموارد الطبيعية والرأسمالية والمعرفة الفنية من ناحية أخرى، فالسكان كما ينظر إليهم كقوة إنتاجية ووسيلة لاستغلال الموارد، كذلك هم أيضًا قوة استهلاكية تمثل ضغطًا على الموارد المتاحة، ومن ثم يؤدي عدم التوازن بين السكان وحجم الموارد إلى وجود ما يعرف بالمشكلة السكانية.
والمشكلة السكانية بالمعنى السابق لا تتمثل في زيادة السكان بالنسبة إلى حجم الموارد “اكتظاظ سكاني”، بل قد تتمثل أيضًا في زيادة الموارد الطبيعية بالنسبة إلى السكان “خفة سكانية”، كما هو الحال في دول الخليج المنتجة للنفط والتي تعاني من نقص في الأيدي العاملة وتعتمد على عنصر العمل الأجنبي، وفي بعض دول أمريكا الجنوبية التي لا تفتقر إلى الموارد بقدر ما تفتقر إلى الأيدي العاملة لاستغلال هذه الموارد، أما المشكلة السكانية في مصر هي أزمة “اكتظاظ سكاني”.
وبذلك يتضح أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية هي التي تحدد طبيعة المشكلة السكانية.
ويمكن توضيح أن الزيادة السكانية قد تكون منحة، إذا ترتب عليها زيادة مقابِلة في الإنتاج الحقيقي للدولة، والذي يتحقق بزيادة في أعداد المنتجين والمبدعين وليس في أعداد المتعطلين، وأن يترتب على الزيادة السكانية خفض في معدلات الفقر وزيادة في متوسط الدخل بحيث تصاحب الزيادة في حجم السوق زيادة مماثلة في القوة الشرائية، وتصبح دافعًا لتنشيط التصنيع المحلى، وبالتالي يصبح المجتمع قادرًا على خلق فرص عمل منتجة.
وهناك عدة أسباب للزيادة السكانية في مصر أبرزها: العادات والتقاليد التي تؤيد الزواج المبكر، تفضيل إنجاب الذكور، عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، عدم الاكتفاء بطفلين، وثقافة الإنجاب التي تكونت عبر أزمنة طويلة في المجتمع المصري المرتبطة بالعزوة والسند.
وتتمثل أبرز تحديات المشكلة السكانية في ثلاثة أبعاد رئيسة متداخلة ومتشابكة، وذلك على النحو التالي:
أ. النمو السكاني المتزايد: بلغ عدد سكان مصر عام 1800 نحو 5.2 مليون، ووصل إلى 5 ملايين عام 1850 وفي ظل الزيادة السكانية تضاعف العدد من 20 مليون عام 1950 إلى 40 مليون عام 1978، وفي عام 2005 بلغ نحو 70 مليون نسمة، إلى أن بلغ عدد سكان مصر في الداخل 87.9 مليون نسمة في عام 2015، وفي عام 2016 وصلوا إلى 92 مليون نسمة، في حين وصلوا 94.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد 2017، وفي بداية عام 2018 وصل عدد السكان إلى 96.3 مليون نسمة، وفي عام 2019 وصلوا إلى 98 مليون نسمة، أما عام 2020 فوصلوا 100 مليون نسمة في الداخل، ثم تجاوز 103 مليون نسمة حتى الأن.
يظهر اتجاه عدد المواليد السنوي خلال الفترة من 2000 إلى 2019 أن عدد المواليد خلال الفترة من 2000 إلى 2005 ظل ثابت عند مستوى 1.8 مليون مولود سنويًا، وبعد ذلك اتجه المعدل للزيادة من عام 2006 ليصل إلى 2.7 مليون مولود عام 2014، أي زيادة نحو 50% من 8 سنوات، وهي تعتبر زيادة ضخمة جدا.
ب. الخصائص السكانية: شهد الهرم السكاني لمصر تغيرًا فيما بين تعدادي 2006 و2017، إذ اتسعت قاعدة الهرم لتدل على زيادة نسبية في التركيبة العمرية لصالح الشريحة الأصغر عمرًا، ففي حين كانت نسبة السكان أقل من 5 سنوات في تعداد 2006 نحو 10.6%، ارتفعت النسبة إلى 13.6% في 2017، وحدث ذلك أيضًا في الفئة العمرية التالية، بالتوازي مع اتجاه مؤشرات الإنجاب إلى الارتفاع، مما أدى إلى زيادة الإعالة، والتكاليف الاقتصادية، وشكل ضغطًا على سوق العمل، فضلًا عن ما يفرض من زيادة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين الفئات المختلفة.
ج. توزيع السكان: ترتبط المشكلة السكانية في مصر بالتوزيع غير المتكافئ للسكان على مساحة الدولة، حيث لا تزال محافظة القاهرة تتصدر جميع المحافظات بواقع 10.6% من جملة السكان، تليها محافظة الجيزة بواقع 9.1% من إجمالي سكان الجمهورية، ثم محافظة الشرقية بواقع 7.6%، وظلت محافظات جنوب سيناء والوادي الجديد والبحر الأحمر من أقل المحافظات استيعابًا للسكان على الرغم من الإمكانات المتاحة بها.
ويترتب على ما سبق العديد من الآثار السلبية، حيث: تؤدي الزيادة السكانية إلى تراجع العائد من جهود التنمية، كما أن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والنقل والمواصلات ونصيبه من الأرض الزراعية والمياه والطاقة بأنواعها سيتراجع، بالإضافة إلى أن هذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان ستصعب عملية الحد من البطالة والأمية والاكتفاء الغذائى، ومن ثم فإن استمرار معدلات الإنجاب المرتفعة لن يؤثر مستقبلًا فحسب على نوعية الحياة، وإنما سيشكل أيضًا تهديدًا للأمن القومى المصرى.
ومما سبق يتضح أن الحد من الزيادة السكانية له فوائد عديدة، حيث: سيرتفع متوسط الدخل الحقيقي للفرد، حيث أنه يجري حساب معدل نموه بطرح معدل نمو السكان من معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، كما ستتاح مزيد من خدمات المرافق العامة وخدمات البيئة الاجتماعية للمواطنين، فضلًا عن التخفيف من الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة، والناجمة عن تضخم بنود الإنفاق العام، والنهوض بمستوى جودة الخدمات العامة المقدمة، وتحسين المنظومة البيئية من خلال التخفيف من مشكلات التلوث والازدحام والضوضاء والعشوائيات وتدهور المرافق العامة.
وفي ضوء ما سبق، تدرك الدولة حجم الأزمة والتهديد التي تشكله الزيادة السكانية، ولذلك تبذل العديد من الجهود على مستويات مختلفة من أجل التعامل مع الأزمة.
الدولة تدرك حجم التهديد.. جهود الدولة المصرية للتعامل مع الزيادة السكانية:
تبذل الدولة العديد من الجهود من أجل الحد من الزيادة السكانية وعلى مختلف المستويات، وذلك على النحو التالي:
أ. الخطاب السياسي:
تحدث الرئيس “عبدالفتاح السيسي” مرارًا وتكرارًا في العديد من الخطابات والفعاليات عن خطورة النمو السكاني ودائمًا يناشد المصريين أن يكونوا منتبهين لهذه الأزمة التي تقف عائقًا أمام جهود العمل داخل الدولة مناشدًا، المواطنين تنظيم الإنجاب، وفيما يلي أبرز تحذيرات “السيسي” من الزيادة السكانية:
-أكد “السيسي” أن معدلات الزيادة السكانية بلغت منذ عام 2014 نحو 14 مليون نسمة بينما لم يكن الدخل القومي مناسبًا لهذه الزيادة، موكدًا أن الزيادة السكانية من عام 1950 هي سبب تردي الدولة.
-شدد “السيسي” على ضرورة تحديد وتنظيم الإنجاب في مصر، موكدًا أن النمو السكاني تحدي كبير يواجه كل جهود الدولة في كافة المجالات.
-كلّف “السيسي” بإعداد خطة تنفيذية متكاملة سريعة للتعامل مع ملف تنظيم الأسرة والحد من الزيادة السكانية وضرورة الاستعانة بالأدوات الناعمة الممثلة في المنتجات الثقافية والسينما والمسلسلات للتوعية، موكدًا إن نجاح هذا الملف سيوفر على الدولة مليارات الجنيهات في المستقبل.
-أوضح “السيسي” أن النمو السكاني يجب أن ينخفض إلى ٤٠٠ ألف نسمة في العام كي يشعر المواطن بحجم الإنجازات التي تتحقق على أرض الواقع لأن الشعب هو الذي ينفق وهو الذي سيعاني سواء في تعليمه أو علاجه أو تغذيته في ظل الزيادة السكانية.
-طالب “السيسي” المواطنين بأن يتحدثوا مع أولادهم في هذه القضايا التي تمنع تقدم الدول ولا يشعر معها المواطنون بالتقدم للأفضل، فالنمو السكاني موضوع هام يجب أن يعرفه الناس في الريف والحضر ومعرفة مدى تأثيره على الدولة بشكل عام.
-أكد “السيسي” أنه رفض سن قوانين لمواجهة هذه المشكلة، ولكن ستواجه ببرنامج مدروس، وطالب الشباب والشابات أن يتفهموا هذه القضية جيدا وأن يتابع كل زوجين أطفالهم فكلما قل عدد الأطفال كلما تمكنت الأسرة من رعايتهم ومتابعتهم في صحتهم وتغذيتهم بشكل أفضل.
-أكد “السيسي” أنه مواطن من الشعب وأن هذا هو كلامه منذ ترشحه للرئاسة، وأشار إلى أنه لم يتناول هذه القضية من ٥ أو ٦ سنوات لأن الناس لم تكن مهيأة لتقبل تلك القضية.
-أكد “السيسي” أن للجميع دورًا في طرح هذا الموضوع ومناقشته وضرورة العمل بشكل جماعي (الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والإعلاميين ورجال الدين) على مواجهة هذه المشكلة.
-أوضح “السيسي” أن النمو السكاني أمن قومي حتى يرضى الناس، وإذا لم يرض الناس سيكون من السهل استفزازهم وسيثوروا وسيصور لهم البعض أن هذا نتيجة عيب الدولة والحكومة، وسيشعر المواطنون بأن التعليم غير جيد والصحة والطرق وغيرها كذلك، الأمر الذي يجعلهم يحملون أنفسهم والدولة فوق طاقاتها ثم يثوروا، موكدًا أن هدفه هو الحفاظ على أمن وسلامة الدولة والنمو السكاني هو أساس لهذا الموضوع، وأي نظام هدفه هو وضع الحلول المناسبة لهذه القضية.
-طرح “السيسي” فكرة تأجيل قرار الإنجاب بداية الحياة الزوجية لكي يساعد في ضبط الزيادة السكانية، وتعتبر هذه الفكرة جيدة، ولكن من المستبعد استجابة الناس لها بالشكل المطلوب بسبب ارتفاع نسبة الأمية، وهيمنة الموروث المجتمعي، وانتشار ثقافة الإنجاب مبكرًا في الريف.
-أكد “السيسي” أن هناك ثقافة راسخة فريدة في مصر، حيث يمكن للمرء شراء الأشياء والحصول على الخدمات بأقل من التكلفة، وإنجاب الأطفال والتوقع من شخص آخر إطعامهم، وتسببت هذه الثقافة في تراجع البلاد في السنوات الأخيرة.
ب. السياسات السكانية:
أطلقت مصر سياسات سكانية عديدة خلال العقود الخمسة الأخيرة، وفيما يلي أخر هذه السياسات:
-
المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية:
تم إطلاق المشروع في فبراير 2022، ويتم تنفيذ المشروع على مدار 3 سنوات خلال الفترة من عام 2021 وحتى 2023، يشمل المشروع جميع أنحاء الجمهورية، ويستهدف مشروع تنمية الأسرة خلال السنة الأولى محافظات المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية حياة كريمة مما يشمل نحو 1520 قرية على مستوى 52 مركزا في 20 محافظة، بالوجهين القبلي والبحري، وفيما يتعلق بالفئات المستهدفة من الخطة، يستهدف السيدات من 18 حتى 40 سنة، طلبة الجامعات، تلاميذ المدارس، أطفال القرى والنجوع، تجمعات الريف، رجال الدين، الداعيات والراهبات.
وتوجد حوافز مادية للالتزام بالضوابط، ويتمثل فى الوثيقة الادخارية المؤجلة، وهو برنامج حوافز مادية مؤجلة للسيدات شرط الالتزام بالضوابط التى تحقق أهداف المشروع، وتنفيذ البرنامج لجميع السيدات المتزوجات “زيجات حديثة أو قائمة” واللاتي لديهن طفلين على الأكثر، ويشترط ألا يقل سن السيدات عن الانضمام للبرنامج عن 21 عامًا ولا يزيد عن 40 عامًا، حيث تفضل مصر منح الحوافز على فرض العقوبات.
يُعد الهدف الاستراتيجي العام لخطة تنمية الأسرة المصرية، هو الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة، والارتقاء بخصائص السكان، وتُعد خصائص السكان أحد عوامل قوة الدولة، مستوى التعليم، معدل الفقر، فرص العمل، فالقضية السكانية هي قضية شعب مصر، فمن المهم أن تتكامل كل الوزارات في هذه القضية حتى يتم التمكن من إدارة القضية السكانية، من منظور تنموي وحقوقي، فتحقيق التنمية، لا يمكن أن يتم في ظل النمو السكاني المرتفع.
محاور المشروع:
وضعت الدولة 5 محاور رئيسية لتنفيذ المشروع وهي:
-المحور الاقتصادى: يهدف إلى تمكين اقتصادي للسيدات في الفئة العمرية من 18 حتى 40 سنة من العمل والاستقلالية المالية، وذلك من خلال إنشاء وحدات “صحة وتنمية الأسرة ” (مستشفيات التكامل سابقًا)، تنفيذ مليون مشروع متناهي الصغر تقودها المرأة في المحافظات المختلفة، إلى جانب تدريب 2 مليون سيدة على إدارة المشروعات، فضلًا عن تجهيز مشاغل خياطة للسيدات ملحقة بوحدات صحة وتنمية الأسرة.
-محور التدخل الخدمى: يتضمن خفض الحاجة غير الملباة للسيدات من وسائل الصحة الإنجابية وإتاحتها بالمجان للجميع من خلال تدريب وتوطين 1500 طبيبة، التعاون مع 400 جمعية أهلية لتقديم خدمات الصحة الانجابية، إلى جانب تجهيز مراكز الخدمة المتنقلة، فضلًا عن تقديم سلات غذائية برنامج الــ1000 يوم الأولى، علاوة على تقديم سلة أغذية غنية للسيدات شهريا كحافز إيجابي.
-المحور الثقافي والتوعوي والتعليمي لخطة تنمية الأسرة المصرية: يهدف إلى رفع وعي المواطن بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وبالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، وذلك من خلال صياغة رسائل إعلامية على مستوى الدولة وحملات إعلانية بجميع وسائل الإعلام المتاحة، توعية (6 مليون) سيدة في سن الإنجاب و(2 مليون) من الشباب المقبلين على الزواج، إلى جانب تنفيذ برنامج “جلسات الدوار ” يشمل تدريب القيادات الدينية وإقامة جلسات لهم في أماكن في القرى و النجوع، بقوة استهداف 10 مليون، التوعية بمفهوم تنظيم الأسرة من منظور حقوق الطفل، فضلًا عن فعاليات ثقافية ومناهج تعليمية لرفع الوعي بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للقضية السكانية على مستوى الجمهورية.
-محور التحول الرقمى: يهدف إلى إنشاء منظومة الكترونية موحدة لميكنة وربط جميع الخدمات المقدمة للأسرة المصرية، وذلك عن طريق بناء ” منظومة الأسرة المصرية ” لربط كل من: قاعدة بيانات الزواج ، قاعدة بيانات الأسرة ، قاعدة بيانات تكافل وكرامة ، قاعدة بيانات وحدات صحة وتنمية الأسرة ، مع قاعدة بيانات صندوق تأمين الأسرة المصرية، وذلك بهدف قياس درجة الالتزام بشروط برنامج الحوافز المقترح، إلى جانب بناء منظومة متابعة وتقييم المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، فضلًا عن تفعيل دور المرصد الديمجرافي بالمركز الديمجرافي بالقاهرة للقيام بالرصد المستمر لجميع الخصائص السكانية على مستوى الجمهورية بشكل آلي.
-المحور التشريعي: يهدف إلى وضع إطار تشريعي وتنظيمي حاكم للسياسات المتخذة لضبط النمو السكاني، وذلك من خلال قانون زواج الأطفال والذي يتضمن تجريم زواج القاصرات، وتغليظ العقوبة وتشمل ولي الأمر، إلى جانب قانون عمالة الأطفال ويشمل تغليظ العقوبة، وعقوبة ولي الأمر، فضلًا عن قانون تسجيل المواليد الذي يتضمن تجريم عدم تسجيل المواليد.
الاستراتيجية القومية للسكان (2015-2030):
– تبنت هذه الاستراتيجية المبادئ العامة التالية:
-النظر إلى السكان باعتبارهم أحد عناصر القوة الشاملة للدولة، على ألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، وعلى ألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية، لا سيما المياه والطاقة والأرض الزراعية، وعلى أن تتناسب معدلات الزيادة السكانية مع قدرة الاقتصاد الوطني في تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية، وتحقيق خفض في معدلات البطالة.
-حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، مع تأمين حقها في الحصول على المعلومات، وكذلك وسائل تنظيم الأسرة، والصحة الإنجابية التي تمكنها من الوصول إلى العدد المرغوب من الأطفال.
-مسؤولية الدولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة على الصعيد الوطني، وأخطار الإنجاب المتكرر والمتقارب على صحة الأم والطفل، ومسؤوليتها عن توفير خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بجودة مرتفعة لمن يطلبها مع توفيرها بالمجان للأسر محدودة الدخل.
-تلتزم الدولة بإدماج المكون السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبتحقيق أهداف سكانية من خلال تنفيذ المشروعات القومية، وبتطبيق الحوافز الإيجابية لتشجيع تبني مفهوم الأسرة الصغيرة، من خلال البرامج التي تهدف إلى تمكين الفقراء والتخفيف من حدة الفقر.
-المشكلة السكانية بأبعادها المختلفة تمثل تحديًا يستوجب ضرورة توفير البيئة المحفزة على مشاركة الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص، كما تتطلَّب إذكاء الجهود التطوعية لمواجهتها.
-تطبيق اللامركزية في إدارة البرنامج السكاني، بما يزيد من فاعلية المشروعات وكفاءتها، وضمــان مـراعـاتـها للخصوصية الثقافية للمجتمع المحلي.
-ضمان حق المواطن في الهجرة والتنقل داخل البلاد وخارجها، بما لا يتعارض مع القوانين المعمول بها.
– وارتكزت الاستراتيجية على العناصر التالية:
-تمايز في التناول يراعي التنوع بين الفئات المستهدفة (المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية).
-توظيف القوة الكامنة للعمل التطوعي، وتشجيع المجتمع المدني والقطاع الخاص على لعب دور أكبر في تحقيق أهداف البرنامج السكاني.
-آلية فعالة للتنسيق على المستوى المركزي وكذلك على المستوى المحلي.
-توظيف للأدوات العصرية، لا سيما الإعلام الاجتماعي.
-منظومة معلوماتية محدثة تسمح بالمتابعة والتقييم على المستوى المحلي.
-مكون قوي للبحث العلمي الاجتماعي لفهم ومتابعة التحولات في السلوك الإنجابي ومحدداته.
– وتبنت الاستراتيجية الأهداف التالية:
-الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري من خلال خفض معدلات الزيادة السكانية؛ لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني.
-استعادة ريـادة مصـر الإقليمية من خلال تحسين خصائص المواطن المصري المـعـرفـيـة والـمـهـاراتـيـــة والســـلـوكـيــة.
-إعادة رسم الخريطة السكانية في مصر من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومي المصري، ويأخذ في الاعتبار تحقيق أهداف سكانية للمشروعات القومية التي يتم التخطيط لها.
-تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي من خلال تقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية.
وفي ضوء ما سبقت كانت الحكومة المصرية وضعت عدد من الاستراتيجات الداعمة للسكان والتنمية وأهمها استراتيجية الطفل واستراتيجية للتعامل مع الزواج المبكر وكانت المدة المحددة لهم من 2015- 2020.
يُذكر أن ملف الزيادة السكانية يؤرق الحكومة المصرية منذ عام 1965 وحتى الأن، وأطلقت أول سياسة سكانية عام 1973 وتقوم على عدة برامج متفرقة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني ثم تم إنشاء “المجلس القومي للسكان عام 1985 وأطلقت السياسة السكانية الوطنية الثالثة 1986، وشهدت مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تجربة ناجحة نسبيًا للحد من الزيادة السكانية، حيث تمكنت حكومات نظام “مبارك” في هذا الوقت من تطبيق سياسات لتنظيم الأسرة وصلت بمعدل الخصوبة إلى 2.8 طفل لكل امرأة في عام 2011، بعدما كانت 5.3 عام 1980، ثم عاد الرقم ليقفز إلى 3.5 طفل في 2014 ثم تراجع إلى 3.33 في 2020، وأرجع خبراء ارتفاع هذا المعدل بعد 2011 كنتيجة مباشرة لحالة الفوضى التي سادت البلاد عقب أحداث ثورة 25 يناير.
ويعرف “معدل الخصوبة الكلي” بأنه متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة خلال حياتها، ويتم حسابه بقسمة عدد المواليد خلال سنة معينة على عدد النساء القادرات على الإنجاب في المرحلة العمرية من 15 إلى 44 سنة، ثم ضربه في 1000. ويتأثر هذا المعدل بمتغيرات عدة من بينها متوسط سن الزواج، وعدد الأرامل، واستعمال وسائل تنظيم الحمل.
وتستهدف الحكومة المصرية خفض معدل الخصوبة من 3.3% إلى 2% بصورة تدريجية اقتداءً بالعديد من الدول التي تشبه مصر في التركيبة السكانية، والتي استطاعت خفض هذا المعدل بشكل واضح خلال السنوات الماضية، ومن بينها إندونيسيا من 5.6% إلى 2.3%، وبنغلاديش من 6.9% إلى 2.1%، وتايلاند من 6.1% إلى 1.5%، وماليزيا من 6.4% إلى 2%، وإيران من 6.5% إلى 2.1%.
ج. الزيادة السكانية في الدستور والتحرك البرلماني:
في الدستور:
تنص المادة 41 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أن “تلتزم الدولة بوضع برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية، وتحسين خصائصها في إطار تحقيق التنمية المستدامة”.
تحرك برلماني:
يشهد البرلمان المصري من حين لآخر تحركات لتشريع قوانين تحد من معدلات الإنجاب، واقترح المجلس في وقت سابق إعداد مشروع قانون لتنظيم النسل ومواجهة الزيادة السكانية، ينص على “حصول الأسرة التي تنجب طفلين على دعم كامل في الخدمات كافة إلى جانب مجانية التعليم وخدمات التأمين الصحي، وإذا تم إنجاب الثالث فيخفض 50% من قيمة الدعم والخدمات، أما الرابع أو أكثر فتحرم الأسرة من التمتع بأي خدمات مجانية أو مدعومة”، لكن تلك المقترحات لم تجد طريقها للنور، وفي يناير الماضي تقدمت عضو مجلس النواب “حنان حسني يشار” بطلب إحاطة موجه إلى وزراء التخطيط والتنمية المحلية، بشأن جهود الدولة في مواجهة أزمة الزيادة السكانية والتعامل مع تداعياتها.
كما عقدت لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، ما يقرب من 22 اجتماعًا حول الزيادة السكانية، وتوصلت إلى أن المشكلة السكانية هي أكبر تهديد للأمن القومي المصري، ولذلك يجب أن تصل المشكلة لكل مواطن ومسئول حتى تتوقف معدلات الزيادة الحالية، وخرجت الاجتماعات بأن منظمات المجتمع المدني عليها دور كبير خاصة في ظل دعوة “السيسي” باعتبار عام 2022 عام المجتمع المدني، ولذلك جلست اللجنة مع كثير من منظمات المجتمع المدني، ووجدت أن أكبر عائق أمام تلك المؤسسات هو توفر قاعدة بيانات واضحة، وذلك حتي يمكن معرفة خطة عمل كل مؤسسة وحجم المستفيدين، وذلك حتي يمكن وضع حلول عملية يمكن العمل عليها، مؤكدين إن حل المشكلة السكانية يحتاج لتضافر الجهود بين كافة الجهات المعنية.
وخرجت جلسات مجلس الشيوخ بتوصيات تضمنت إنشاء هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، طبقًا لأحكام الدستور في الهيئات المستقلة، وتكون تابعـة لرئيس الجمهورية تحت مسمى “الهيئة القومية للسكان وتنمية الأسرة”، لضمـان منحهـا عـوامـل القـوة والاستقلال واستقرار الإطار المؤسسي للتنسيق والتعامـل مـع مختلف الجهات المعنيـة بهـذا المـلـف.
وجاء بين التوصيات أن تحـل الهيئة القومية للسكان وتنميـة الأسـرة مـحـل المجلس القومي للسكان، المنشأ بقرار رئيس الجمهورية رقـم (19 لسنة ١٩٨٥) والمعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم (١٣٩ لسنة ٢٠٠٧) وغيرهـا مـن الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص فـي مجـال السـكان، وذلـك فـي جميع الاختصاصات المنصوص عليهـا فـي قـرارات رئيس الجمهورية، وتعرف الهيئة القومية للسكان وتنميـة الأسـرة فـي صـدر القانون، وتحدد اختصاصات مجلسي الأمناء والإدارة فـي مـواد مقترح مشروع القانـون حـتـى لا يكون هناك تضارب أو ازدواجية.
وشملت التوصيات أن ينقـل إلـى الهيئة القومية للسكان وتنميـة الأسـرة جميع العاملين بالمجلس القومي للسكان، وتستوفي احتياجاتهـا مـن الموارد البشرية اللازمة فيمـا تحتاجه مـن العاملين بالوزارات والهيئات المختلفة القائمين بالعمل السكاني، وذلك بالتنسيق مع كافة الوزارات المعنية بهذا الموضوع ويصدر بتحديدهـم قـرار مـن رئيس مجلـس الـوزراء بـنـاء عـلـى عـرض رئيس مجلس إدارة الهيئة دون الإخلال بالأوضاع الوظيفية والمزايا المالية للعاملين المنقولين في تاريخ النقل، وأن تكون قرارات الهيئة نهائية ونافذة على جميع الوزارات والهيئات العامة.
د. دور المجتمع المدني والإعلام والمؤسسات الدينية في التوعية:
في يناير 2019، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية مبادرة “2 كفاية” وهي حملة إعلامية وتوعوية تدعو إلى الاكتفاء بطفلين، للحد من الزيادة السكانية بين الأسر المستفيدة من برنامج، الذي ارتكز على استعادة دور المجتمع المدني في حل الأزمة السكانية، وعملت الحملة على رفع الوعي بأهمية تنظيم الأسرة من خلال حملات طرق الأبواب والحملات الإعلامية الجماهيرية الموسعة، وتقديم خدمات تنظيم الأسرة من خلال تطوير بنية تحتية وتوفير موارد بشرية لعيادات تنظيم الأسرة بالجمعيات الأهلية.
ساهم الأزهر في نشر الوعي ودعم مبادرة “2 كفاية”، حيث أعلن الأزهر دعم الخطة مما منحها إقرارًا دينيًا، ثم ودعمت دار الإفتاء، وهي هيئة دينية وطنية، استخدام موانع الحمل، وأوضحت الهيئة في بيان رسمي أن الإسلام يفرق بين منع الحمل والإجهاض، ويبيح الأول إذا كان هناك خوف من عدم إمكانية رعاية عدد كبير من الأطفال.
وفي ضوء ما سبق يمكن تقديم عدد من المقترحات، وذلك كالأتي:
أ. قانون للزيادة السكانية: يجب الانتهاء من قانون الزيادة السكانية، سواء من خلال تحديد عدد الأطفال أو تقديم الحوافز، والتعامل مع الخوف من مخالفة مواد أحكام الدستور الذي ينص في المادة 53 على أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، حيث أن النص على تمتع الطفلين الأول والثاني وحدهما بكافة صور الدعم الحكومية، وحرمان الطفل الثالث، ومن يليه من أطفال من هذا الدعم، يمثل مخالفة دستورية، ويتطلب هذا الأمر إجراء مناقشات موسعة حول مشروع القانون، وعدم قصر تلك المناقشات على ممثلي الحكومة وأعضاء البرلمان، بل مشاركة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني.
ب. استحداث إطار مؤسسي مناسب: هناك ضرورة لاستحداث إطار مؤسسي يراعي تناول القضية السكانية من خلال مدخل متكامل يعالج المحاور المختلفة بشكل متواز، ويضمن تحمّل كل الشركاء لمسؤولياتهم، على أن يتم ذلك من خلال آليات تتسم بالمرونة، وسرعة الاستجابة، والاستفادة بالتجارب السابقة.
ج. ضرورة التوعية المجتمعية الصحيحة: يجب مخاطبة مختلف العقول والفئات بما يتناسب معهم، وسيؤثر ذلك في المواطنين ويؤجج مشاعر إيجابية نحو الأفضل.
وختامًا،
يتضح مما سبق أن الزيادة السكانية تمثل تهديد كبير للدولة، وأن الدولة تدرك هذا التهديد لدرجة أنها تساوي تهديد المشكلة السكانية بتهديد الإرهاب، وتحاول الدولة التعامل مع الأزمة بوضع برامج وخطط سكانية، فضلًا عن تشجيع المجتمع المدني على القيام بدوره في هذا الصدد، بالإضافة إلى الدور الذي يقدمه الأزهر والمؤسسات الدينية، حيث لأبد أن تتضافر جميع الجهود من أجل التعامل مع الأزمة التي تقف عائقًا أمام جهود التنمية.