مجموعة من الجزر يعتقد أنها المكان الذي عاش فيه الملك سليمان، وتشعرك الطبيعة فيها بأنك فى جزء من الجنة من فرط جمالها، ولإنها تحتوي على كمية كبيرة من الذهب ويسهل إستخراجة من الطبقات الأولى من الأرض لذا أسماها البعض بخاتم سليمان، ويتميز سكانها بالبشرة السمراء والشعر الأصفر الذهبي والعيون الملونة ويعد هذا الجين فريدًا بين البشر يتميز به سكانها.
وفي ظل التطورات الأخيرة على الساحة الدولية أتجهت أعين العالم إلى هذه الجزر، حيث أصبح هناك مخاوف أمريكية أسترالية من تحركات بكين فى جزر سليمان، إذا يعد موقع جزر سليمان نقطة ضعف بالنسبة لأستراليا والولايات المتحدة، وبعد أن وقعت الصين إتفاقًا أمنيًا خلال شهر أبريل مع جزر سليمان ترمي الولايات المتحدة إلى أن الصين تنوي لإنشاء قاعدة عسكرية فى جزر سليمان بالرغم من نفي بكين بأنها لن تنشئ قاعدة عسكرية فى المنطقة بل سيكون هناك تعاونًا لتلبية المصالح المتبادلة للدولتين وعلى رأسها مواجهة التغيرات المناخية ولتوطيد علاقاتها مع كل دول العالم ليس إلا.
تأتي تحركات الصين كردَا على التحركات الأمريكية الأسترالية سواء بإتفاقية كواد أو تحالف أوكواس الأخير الذي أشعل الساحة الدولية والإقليمية حول إمكانية الرد الصينى بتحركات فى المنطقة، وبالرغم من أن أستراليا كانت لديها علاقات جيدة وتواجد واضح فى جزر سليمان وهي أكبر المانحين لها إلى أنها أهملتها وهو ما أدى إلى إستغلال الصين هذا المدخل لتطوق التحركات الأمريكية التى تحاول أن تغلق عليها المجال وتحد من نفوذها.
فى ظل هذه التطورات يحاول مركز جسور أن يلقي الضوء على التحركات فى جزر سليمان والتعريف بها وأبعاد الموقف سواء لدى الصين أو الولايات المتحدة أو لاستراليا ولسكان جزر سليمان نفسهم .
ما هي جزر سليمان:
جزر سليمان البالغ سكانها حوالي 800 ألف نسمة وينحدر أكثر من 90 % من سكان الجزر من أصل ميلانيزي، وتعانى حتى الآن من حزمة من المشاكل المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم والبطالة ولديها واحدة من أدنى درجات مؤشرات التنمية البشرية في العالم.
شهدت الجزر مجموعة من الإضطرابات بين الجماعات العرقية التي شهدتها بين عامي 1998-2003 وكادت أن تأخذها إلى حافة الإنهيار، وعليه قامت بتوقيع إتفاقية سلام بوساطة أسترالية فى سنه 2000 حتى إنتهت بنشر قوات حفظ سلام سنه2003 إلى أن غادرت فى 2017. وهو ما جعلها فرصة امام الدول الكبرى لتقديم المساعدات مقابل بعض الاتفاقات العسكرية.
تتكون جزر سليمان من 990 جزيرة وتبلغ مساحتها 28450 كم² ، عدد سكانها 500 ألف نسبة، عاصمتها هونيارا ويعمل معظم سكانهم فى الزراعة وصيد الاسماك، ولغتهم الرسمية هي الانجليزية.
تدور فى مجموعة من جزر سليمان مناوشات وخلافات حول إنقسام بعض الجزر للعمل مع واشنطن فى تطوير أحد المواني، فى حين أن جزيرة غوادالكانال الواقعة فى العاصمة تقيم علاقات وخطط تنمية مباشرة مع الصين وهو ما يخلق حالة من التنافس والتصارع حولها.
إعتادت جزر سليمان على الأحداث المشتعلة حيث أعلنت المملكة المتحدة عام 1886 الجزء الجنوبي من جزر سليمان كمحمية بريطانية وسيطر الألمان على الجزء الشمالي منها ولكن تنازلت المانيا عن الجزء الشمالي لصالح بريطانيا، وفى عام 1920 وقعت جزر سليمان تحت الإنتداب الأسترالي ومع قيام الحرب العالمية الثانية أحتلت اليابان جزر سليمان، وعانت خلال هذه الفترة من قيام صراعات ومعارك ضد اليابان شكلت على إثرها تحالفات قوية عام 1942 ضد اليابان، لتحصل البلاد فيما بعد على إستقلالها عام 1974، وتخلصت نهائيًا من بريطانيا وأعلنت إستقلالها التام من بريطانيا فى 7 يوليو من عام 1978.. على الرغم من حصولها على الإستقلال في هذا العام إلا أنها احتفظت البلاد بالعاهل البريطاني كرئيس للدولة.

مجريات الاتفاق الأمني مع بكين:
تقع جزر سليمان جنوب المحيط الهادي وشرق أستراليا وتحظى بإهتمام الشرق والغرب نظرًا لأهمية موقعها كأحد مواقع النفوذ الصيني مقابل الولايات المتحدة، وهو ما أستدعى قلق الولايات المتحدة من التحركات الصينية فى هذه المنطقة بعقد وإبرام إتفاقات أمنية مع جزر سليمان.
ولم تقيم جزر سليمان علاقات مع الصين إلا في 2019 بعد إبتعادهم عن تايوان وتحويل وجهتهم نحو بكين، وكانت البداية لما علية البلدين من علاقات الآن فى إبريل الماضي تم تسريب نسخة من الإتفاق الذي وقعته الصين مع جزر سليمان وهو ما يسمح بإمكانية تواجد وإنتشار للصين بريًا أو بحريًا، بالاضافة إلى التعاون في مجال المساعدة الإنسانية، والاستجابة للكوارث، وللحفاظ على النظام الاجتماعي، وينص أحد بنود الإتفاق على أنه يمكن للسفن الصينية أن ترسوا فى الجزر مع إمكانية الإستبدال اللوجستي، والتوقف والإنتقال في جزر سليمان، بالإضافة إلى إرسال القوات الصينية إلى البلاد “لحماية سلامة الأفراد بعد تعرض المنشأت الصينية للتخريب، ولم تكن التخوفات مقتصره على الولايات المتحدة بل قربها من أستراليا جعلها تشعر بالقلق من إنشاء قاعدة بحرية جنوب المحيط .
وفى هذا الإطار زارا أنتوني بلينكن جزر سليمان فى شهر فبراير 2022 ، فى محاولة من واشنطن لإحتواء المنطقة وتعهد حينها بإنشاء سفارة فى هونيارا. ومؤخرا وقعت الصين وجزر سليمان في 19 أبريل إتفاقًا أمنيًا وهو ما آثار حفيظه واشنطن وكانبيرا متخوفين من التوسعات العسكرية للصين فى منطقة المحيط الهادي.
وعليه قامت أستراليا متمثلة فى الوزير المختص بشؤن المحيط الهادي بزيارة جزر سليمان وطلب منهم عدم إبرام أي من الإتفاقات مع الصين . كما أرسلت الولايات المتحدة وفد من المسؤلين الأمريكيين لايقاف الاتفاق المزمع عقده مع الصين لتحد من سيطرتها وتوسعها .
تتعرض جزر سليمان لمناوشات من وقت لآخر حيث أعترض عدد من مواطنيها على تزايد النفوذ الصينى وهو ما أشعل صراعات داخلية أمتدت للتخريب فى ممتلكات صينية داخل هونيارا.
موقف سكان جزر سليمان من الاتفاق مع الصين:
دائما هناك إستياء من قبل سكان جزر سليمان نظرصا لتعرضهم لعدة مرات للسيطرة من قبل المملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا واليابان التي شكلت جرح عميق فى ذاكرة سكان الجزر من 1942 وحتى 1945 فترة الحرب العالمية الثانية حيث نشرت قواتها وشرعت فى بناء قاعدة جوية وبحرية بهدف حماية اليابان وجناحها فى غينيا وهو ما أدى إلى مقتل الآف المدنيين في المعارك التى اشتبك فيها قوات الحلفاء والامبراطورية اليابانية وتدمرت حينها الجزر.وهو ما يثير تخوفات داخلية لسكان الجزر من أن يتكرر سيناريو روسيا وأوكرانيا فى جزر سليمان نتيجة تصارع القوى الكبرى.
المكاسب الصينية من الإتفاق الأمني مع جزر سليمان:
قبل توقيع الاتفاقية في 30 مارس 2022 ، أرسلت الصين تسعة ضباط شرطة إلى جزر سليمان في يناير 2022. قدموا التدريب لقوة شرطة جزر سليمان وهو ما يخلق حالة من السيطرة والتطويق للداخل فى الجزر، مع تقديم الحماية الكاملة لدعم الشركات الصينية التى تتضرر من اعمال التخريب لعدد من المرات المتتالية.
ومع أهتمام الصين بمبادرة الحزام والطريق سوف يكون من المهم أن تنشئ الصين علاقات جيدة مع بعض الجزر لموقعها المتميز والذي يعتبر مركزا للحشن الجوي وهو ما يخدم أهداف الصين فى طريق الحرير الصيني.
وتستفيد الصين من الاستثمارات التي تتميز بها جزر سلميان سواء كانت الاسماك أو التعدين سواء فى جزر سليمان بشكل خاص أو جزر المحيط الهادي على وجه العموم.
وما يدفع الصين للتحرك فى هذا الاتجاه هو تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة فى ظل إتخاذ الولايات المتحدة وحلفائها كثير من التحركات التى تحد من التواجد الصيني فى المنطقة وهو ما دفع بكين للبحث عن سبل لحماية مصالحها وتوسعاتها.والتواجد فى هذة المنطقة يمنح الصين السيطرة فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخبراتية فى منطقة المحيط الهادي.
ومن ناحية أخرى تدفع بكين نحو تقويض نفوذ تايوان الذي يقع أغلب شركاءها فى منطقة المحيط الهادي وبالتالي تواجد الصين فى منطقة جزر سليمان التي كانت تدعم تايوان فيما قبل هو انتصار للصين الآن ، ومع امتلاك الصين قاعدة عسكرية فى جزر سليمان جنوب المحيط الهادي سيمكن الصين من التأثير دلوماسيا واستراتيجيا وماليا فى الضغط على حلفاء وشركاء تايوان.
الغضب الامريكي من إتفاق جزر سليمان:
حذر البيت الأبيض من عواقب الإتفاق الأمني مع جزر سليمان والصين وصرح بأنه سيرد إذا نشرت الصين منشأت عسكرية على أاضي جزر سليمان، وأرسلت الولايات المتحدة وفدًا من البنتاغون والوكالة الأمريكية للتنمية، إلى جانب منسق الشؤون الإقليمة بمجلس الأمن القومي للبيت الأبيض لزيارة جزر سليمان لعقد مباحثات حول هذه الإتفاقية التى تمثل لهم بداية لنشر قاعدة عسكرية هناك بعد أن تم الأعلان عن نشر قوات برية وبحرية.
وتحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة بحرية وجوية كجزء من توقعات قوتها الاستراتيجية فى المنطقة الشمالية الغربية فى جزيرة غوام ووجود الصين قد يؤدي الى تأخير الأسطول البحرية الأمريكية وتعطيل خطوط الإمداد في حالة حدوث صراع.
تخوفات استرالية مشروعة :
أرسلت أستراليا الوزير المختص بمنطقة المحيط الهادي للتحدث مع رئيس وزاراء جزر سليمان لنقل التخوفات الاسترالية من هذا الإتفاق الذي يشكل تهديد للامن الاسترالي نظرًا لإحتمالية ان ترسوا السفن الصينية على مقربة من السواحل الشرقية وبالتالى ستكون شديدة القرب من أستراليا إذ تقع أستراليا على بعد مسافة لا تتجاوز 2000 كيلومتر إلى الجنوب من جزر سليمان.
وفي إطار التخوفات الأسترالية وللحد من لنفوذ الصيني زادت أستراليا خلال السنوات الأخيرة إنفاقها على هيئة مساعدات وتمويل مشاريع بنى تحتية بمليارات الدولارات لمجابهة التواجد الصيني فى المنطقة الاقرب إليها.
وبعد إنضمام أستراليا لتحالف الأوكواس تحولت من حليف أو شريك صيني إلى دولة تشكل خطر وتهديد للنفوذ الصيني وبالتالي أصبح هناك عداء بين الدولتين ومن هنا تزداد المخاوف الاسترالية من الغضب الصيني بعد إنضمامها الواضح للولايات المتحدة فى عدد من التحالفات والتحركات.
الخاتمة:
فى ضوء التصارع بين القوى الكبرى على المستوي الدولي تستخدم تلك القوى بعض الدول الصغيرة فى الإقليم، وتجربة الحرب الروسية الاوكرانية تشهد على تصارع الولايات المتحدة وروسيا على أرض أوكرانيا ، وهو ما ظهر الايام الماضية أيضا فى هذا الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين فى جزر سليمان والتخوفات العالمية أن تنقلب الدول الصغيرة لساحة للتناحر والتصارع بين القوى الكبرى، حيث تتخذ بكين خطوات واضحة فى تتطويق تحركات الولايات المتحدة وتستمر فى التوسع الواضح لنفوذها فى المنطقة وهو ما يشعل الساحة الدولية ويخلق مزيد من التحركات فى إطار سعي الاطراف المختلفة كل منهم فى زيادة نفوذه وحماية مصالحة.
ومن هنا يتضح الآتي: كانت تحركات الصين فى جزر سليمان ردًا صريحًا على تحالف أوكوس وهو تحالف أمني بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا والذي يحمل عدد من الغواصات النووية والصواريخ بعيدة المدى لأستراليا وهو تهديد واضح للصين وسبق وأن أعد مركز جسور للدراسات الاستراتيجية تقرير عن أبعاد هذا التحالف.
ولأن دائما ما تنفي الصين نيتها للنشر العسكري وتفعل العكس ستستمر الساحة الدولية خلال الفترة القادمة فى حالة من الصراع فى منطقة المحيط الهادي والهندي فى محاولة صينية للتواجد بشكل أكبر ومواجهة الولايات المتحدة، ويحتد هذا الصراع لان الولايات المتحدة دائما ما تعتبر منطقة جنوب المحيط الهادي بحيرة أمريكية لذا تجد الآن التحرك الصينى فى جزر سليمان تجاوز صيني لا يغتفر، ومن المتوقع أن ترد الولايات المتحدة على هذا التحرك فى الايام المقبلة لان الصين لم تقف عند جزر سليمان بل اتجهت الايام الماضية لتوطيد علاقاتها وعقد إتفاقيات أخرى مع مجموعة من الجزر الاخرى فى المحيط الهادي إذا لم تهتم الصين للتهديدات الامريكية المستمرة ضدها وستظل حريصة على التوسع لحماية نفوذها بطرقها الخاصة سواء اقتصاديًا أو أمنيًا.