يعد الإجهاض تدخل من تدخلات الرعاية الصحية يمكن إجراءة عن طريق الأدوية أو عن طريق العمليات الجراحية ويندرج تحت خدمات الرعاية الصحية، ويتم فى بعض الحالات فى المنزل خلال الأسابيع الأثنى عشر الأولى من الحمل ولكن يلزم توفير الرعاية الشاملة والتدبير الصحية فى حالات الإجهاض المتعمد والغير متعمد نتيجة موت الجنين أو نتيجة لأسباب صحية مختلفة. حيث أظهرت المؤشرات سنة 2021 أن هناك حوالي 73 مليون حالة إجهاض متعمد على مستوى العالم، وتكون نسبة الإجهاض الأكبر للحمل الغير مقصود مقارنة بالإجهاض الذي يتم لحالات الحمل المقصود.
هناك عدد كبير من حالات الإجهاض هي حالات إجهاض غير مأمونة وهو ما يشكل خطر كبير على حياة حوالى 97% من النساء فى البلدان النامية ويعرض كثير من الأمهات والفتيات لحالات مرضية نتيجة مضاعفات صحية ونفسية بخلاف الأعباء الاجتماعية والمالية على السيدات أنفسهن وعلى النظام الصحى بشكل عام. كما أثبتت الدراسات أن الدول التي تقييد الإجهاض وتطبق قوانيين صارمة فى هذا الشأن نسب الإجهاض الغير آمنة بها هي الأكبر مقارنة بالدول التى تسمح بالإجهاض القانوني وتحدد شروط له.
وهناك بعض العوائق التى تقف أمام إتمام الإجهاض فى بعض الدول من بينها: المعتقد الدينى وحرمانية هذا الفعل ورفض العاملين بالنظام الصحي للقيام به، ووجود قوانيين تحجم من إمكانية القيام بالإجهاض، بالاضاقة إلى التكاليف المالية لهذا الإجراء.
ويحدث الإجهاض أزمة إذا ما تم بأساليب غير منصوص عليها طبيًا أو على يد أشخاص يفقدون للمهارة الطبية اللازمة أو فى أماكن غير مجهزة لأى من المضاعفات التى قد تحدث للسيدة، وقد يرجع هذا لعدد من الأسباب من بينها المنطقة الجغرافيا والتكلفة المادية التى قد تكون غير متاحة لبعض السيدات فيلجأون للإجهاض غير الآمن، وهو ما أكدته المؤشرات العالمية من أن هناك 45% من حالات الإجهاض هى حالات غير آمنة فى ظروف شديدة الصعوبة فى مناطق مثل وسط وجنوب آسيا إلى جانب أفريقيا وأمريكا اللاتينية التى يتعرض فيها 3 حالات من أصل 4 للإجهاض غير الآمن…. ومن هنا جاء إنفجار قضية الإجهاض فى الدول الباتينية والبحر الكاريبى حيث تعد هذه النسبة مفزعة بشكل كبير، وهو ما جعلهم يتظاهرون من أجل هذه القضية وهو أيضًا ما جعل معظم البرامج الإنتخابية لرؤساء هذه الدول تتحدث عن قضية الإجهاض ومصيرها وتجريمها من عدمة، على سبيل المثال البرنامج الإنتخابي للرئيس غوستافو بيترو رئيس كولومبيا الحالي، وقبيل الإنتخابات الرئاسية قد ألغت كولومبيا تجريم الإجهاض لمدة 24 أسبوع لأول مره فى تاريخها فهي من الدول ذات الأغلبية الكاثوليكية ولن تسمح بالإجهاض إلا فى ظروف معينة تقرها المحكمة الدستورية من بينها الإغتصاب أو إذا كان هناك خطر على صحة الأم والجنين. إذن الآن أصبحت كولومبيا خامس دولة فى أمريكا اللاتينية بعد الأرجنتين وأوروغواي وكوبا وغيانا تسمح بالإجهاض.
فيما يتعلق بأمريكا اللاتينية على وجه التحديد عادة ما تواجه النساء فى أمريكا اللاتينية واقع صعب تواجه فيه المجتمع الرافض والمعادي لكل من يسعى للإجهاض حتى وأن كانت هناك أسباب تستدعي هذا الفعل، ويرجع هذا إلى تمسك الكنيسة الكاثوليكية التي تشكل تأثيرًا كبيرًا على سكان المنطقة، بحرمانية الإجهاض وهو ما يدفع المجتمع بشكل عام لرفض هذا الفعل، وهو ما أستدعى ظهور حركات نسوية مختلفة تدافع عن حق المرأة فى التصرف فى جسدها واللجوء للإجهاض فى حال أستدعى الأمر.
ما هي الموجة الخضراء؟
حركة الموجة الخضراء هى جماعة أو حركة نسوية تمر عبر دول أمريكا اللاتينية بحثًا عن إجهاض قانوني وآمن ومجاني، ففى عام 2018 وصلت قضية الإجهاض إلى الكونجرس الارجنتيني ويليها فى ذات العام دولة تشيلي حيث قدم مجموعة من النواب مشروع قانون لإلغاء تجريم الإجهاض حتى الأسبوع الرابع عشر من الحمل، وأستمرت هذه الموجه فى التصاعد حتى وصلت إلى الإكوادور لتعديل قانون العقوبات لإلغاء تجريم الإجهاض أيضًا فى حالات الإغتصاب والتشوهات التى تنال من الجنين، هكذا تصارع الحركات النسوية فى المنطقة للمطالبة بالعدالة الإجتماعية وحقوق الانسان والصحة العامة فى ظروف شديدة التقييد على الإجهاض.
فيروس زيكا يدفع النساء للإجهاض
هناك بعض الأسباب التى تدفع النساء اللاتينيات إلى الإجهاض من بينها إنتشار الأمراض والفيروسات التى تؤثر على الصحة مثل فيروس زيكا الذي قد يتسبب فى إصابة الأطفال بتشوهات خلقية خطيرة، وقد يصعب على المرأة الحامل أن تحمى نفسها من هذا النوع من البعوض الذي يتسبب فى إنتشار فيروس زيكا، إلى جانب صعوبة وصولهم لخدمات الأنترنت ومعاناتهم من الفقر أشد معاناه وبالتالي تختلف مقدرة النساء فى الحصول على وسيلة للإجهاض من طبقة إجتماعية إلى أخرى.
ولان هناك تحريم وتجريم للإجهاض فى أمريكا اللاتينية لاحظ أن هناك إقبال كبير على مواقع تداول وبيع الحبوب المستخدمة فى الإجهاض فى المراحل المبكرة، ويتضاعف هذا الإقبال فى كلا من البرازيل وفنزويلا والإكوادور.
ونستعرض سويًا جزء من مواقف بعض الدول اللاتينية تجاه تجريم الإجهاض:
تشكل دول أمريكا اللاتينية أغلبية كاثوليكية، وبالرغم من أن الاجهاض مرفوض فى الكنيسة الكاثوليكية بشكل قاطع لأنه يحرم الانسان من حقة فى الحياة إلا أن فى السنوات الأخيرة طالب الكثير من المواطنين اللاتينين بحقهم فى الإجهاض وتم تغيير بعض الدساتير فى مختلف الدول لتعديل مواد التجريم فيما يتعلق بالإجهاض، فعادة ما يعادي المجتمع من يسعى إلى الإجهاض من النساء وتمارس عليها الكثير من الضغوط، وفى عام 2021 شكلت المساعدة الطبية بعد الإجهاض غير الآمن أكثر من نصف ميزانيات البلدان لرعاية التوليد فعادة لا يسمح بالإجهاض فى دول أمريكا اللاتينية وهو ما دفع البعض للتظاهر من أجل المطالبة بحق النساء فى الحصول على الإجهاض الآمن والقانونى.
المكسيك :
منذ عام 2007 صدر فى ولاية مكسيكو قرار بالسماح للمرأة الحامل بالإجهاض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل مع توفير رعاية مجانية للمرأة بغض النظر عن مكان إقامتها وهو ما ترتب عليه تحسن فى صحة المرأة بشكل ملحوظ، وهناك بعض الولايات المكسيكية كانت تحدد الإجهاض فى حالات الخطر على حياة المرأة أو تشوهات خلقية وراثية فقط، وفى سبتمر 2021 أصدرت المحكمة العليا عدم دستورية القوانيين التى تجرم الاجهاض فى كافة ولايات المكسيك وأن فرض عقوبات جنائية على من يسعى للإجهاض أمر غير دستوري وأقر القانون وبالتالي يسير التشريع على جميع الولايات، وهو ما دفع النساء من خارج المكسيك للسفر إليها للقيام بهذا الإجراء لأنه يجرم في بعض الدول.
وعلى الجانب الآخر تشير إستطلاعات الرأي أن هناك 53% يرفضون إلغاء قانون تجريم الإجهاض، ويتظاهر عدد من النساء فى مختلف الولايات تحت رعاية بعض المنظمات الدينية الكاثوليكية لتنديد بإلغاء قانون تجريم الإجهاض حيث يرى المشاركين أن هناك ضرورة للحفاظ على حياة الجنين وعدم اللجوء للإجهاض، أما الجانب المؤيد يرى أن فى كثير من الحالات تجبر النساء على الزواج المبكر والحمل وبالتالي يتم الضغط عليها للإحتفاظ بالجنين فى سن هي لن تستطيع أن تتحمل فيه مسؤلية نفسها، فهم يطالبون بالحرية للمرأة فى إتخاذ قرارها بالإحتفاظ بالجنين من عدمه.
البرازيل:
ننتقل إلى البرازيل الدولة ذات المساحة الهائلة وعدد السكان الأكبر فى المنطقة اللاتينية والتى يقتنها أكبر عدد من الكاثوليك فى العالم حيث الرفض القاطع للإجهاض، وهناك ما يقدر بمليون إمرأة برازيلية يجهضن كل عام نصفهم حالات إجهاض غير قانوني، وإن لم يكن هناك وضع قانوني وإجتماعي وصحي آمن ستتعرض النساء التى لا يملكن الموارد المالية الكافية للخطر لقيامهن بالإجهاض بشكل غير قانوني وغير آمن.
وتسجل البرازيل أعلى معدل لعمليات الإجهاض فى العالم 44 حالة إجهاض من بين كل ألف امرأة ، وبالرغم من انتشار فيروس زيكا فى المنطقة كما سبق الاشارة وبالرغم من تسجيل ما يقرب من 2700 طفل برازيلى مصابون بمتلازمة زيكا خلال 2015-2017 إلا أن البروتوكول الصحي للطوارئ فى البرازيل لم يذكر فيروس زيكا ولا يسمح بالإجهاض القانوني فى حالات الإصابة به.
وبالرغم من أن قانون البرازيل يسمح بالإجهاض فى حالات تعرض الأم للخطر أو فى حالات الإغتصاب إلى أن بعض المستشفيات ترفض إجراء عملية الإجهاض وتعيقه أيضًا المحكمة التي تحقق فى حالات الإجهاض فكثيرات من الأطفال تعرضن للإغتصاب ولم تقبل المحكمة إجهاضهن قانونيًا لتجاوزهم 20 أسبوعًا من الحمل، وهو ما يتسبب فى جدل واسع على الساحة البرازيلية.
وفى عام 2021 تم إضافة إمكانية الإجهاض فى حالة عدم إكتمال الدماغ لدى الجنين، وبعد ترشح لولا دا سيلفا للرئاسة وعد بوجوب إمكانية حصول المرأة على الإجهاض لتجنب الأزمات التى تحدث فى المجتمع وحتى تحصل المرأة على حقها فى الإجهاض، لننتظر الانتخابات الرئاسية القادمة ومن المتوقع أن تكون قضية الإجهاض أحد محاور البرنامج الانتخابي للمرشحين الجدد لرئاسة البرازيل .
والجدير بالذكر أن الحكومة البرازيلية تنفق الكثير من الاموال على الجانب القضائي الذي يتم معاقبة النساء التي تسعى للإجهاض من خلاله، إلى جانب الرعاية الصحية ومعالجة مضاعفات الإجهاض الغير آمن .
كولومبيا:
تشهد كولومبيا 400 ألف عملية إجهاض سنويًا من بينها 10 % فقط قانونية وهو ما دفع كولومبيا لمنع التجريم فى عمليات الاجهاض نظرًا لوجود عقبات وصعوبات فى إجراء عمليات الإجهاض وهو ما يترتب عليها اللجوء للإجهاض الغير آمن وهو ما يؤدي بحياة كثيرات من النساء، نظرًا لخوفهم من العقوبات والسجن فيلجأ معظمهم لأماكن غير مرخصة وغير قانونية للقيام بهذه العملية ويستخدمون وسائل غير آمنه.
كما يتعرض عدد كبير من النساء مما يعيشون فى مناطق نزاعات ومن يقعن تحت العنف الجنسي فمن الصعب ان يكون هناك تجريم على الاجهاض فى هذه الظروف التى يتعرضن لها النساء ووفقا لوزارة الصحة الكولومبية هناك 70 إمراة تقتل سنويًا نتيجة عمليات الاجهاض الغير قانونية الغير آمنة.
وأجازت المحكمة الدستورية في البلاد الإجهاض في عام 2006 ولكن فقط في حالات الإغتصاب أو العنف المنزلي، والأمراض الوراثية الشديدة وتشوهات الجنين، أو الحالات التي تهدد الحياة، ولكن خلال هذا العام 2022 شرعت كولومبيا الإجهاض فى أى من الحالات شريطة أن لا يتجاوز 24 أسبوعًا من الحمل فقط بحكم من المحكمة الدستورية العليا، وهو ما أثار الجدل وتصاعدت الإحتجاجات بين المواطنين المعارضين، ورفض تنفيذ هذا الحكم الرئيس السابق إيفان دوكي ورفضتة أيضًا الكنيسة الكاثوليكية.
فنزويلا :
قبل عام 2012 كانت تعاقب النساء فى فنزويلا على إجراء الاجهاض لمدة تتراوح بين 6 أشهر وعامين طبقا لنص المادة 340 من قانون العقوبات والمادة 433 التى تنص على الأستثناء فى حالة تعرضت صحة الأم للخطر، وفى عام 2018 قدمت شبكة معلومات الإجهاض الآمن اقتراحًا إلى المجلس الوطني لتعديل المادة 76 من الدستور، وتفاعلت المنظمات المدافعة عن الحقوق الانجابية للمرأة فى العمل مع المجتمع فى محاولة لتخفيف حدة تجريم الإجهاض، إذ يعاني الكثير من النساء المنتمين إلى السكان الأصليين والفقراء وذي الاحتياجات الخاصة يتعرضون إلى ضغوط عديدة تمنعهم من إجراء الإجهاض.
ويلجأ الكثير من النساء فى فنزويلا لشراء حبوب الاجهاض عبر الانترنت ويلجأ البعض للمنظمات النسوية التى تساند حق المرأة فى الإجهاض لمساندتهن لأن الدولة تجرم هذا الفعل، ووفقًا للتقارير الصادرة عام 2019 هناك 90% من النساء لا يستطيعون الحصول على وسائل منع الحمل الشائعة نظرًا للأزمة الاقتصادية التى تعانى منها الدولة والحصار الواقع عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالى هناك صعوبة للوصول لتلك الوسائل التى تجنب المرأة الوصول إلى إجراء الإجهاض، وتعد فنزويلا ثالث دولة من حيث معدل حمل المراهقات بعد الإكوادور وهندوراس.
تتأثر فنزويلا أيضًا بالكنيسة الكاثوليكية التى يمثل ثلاث أرباع سكانهم من الروم الكاثوليك، حيث ترى الكنيسة الكاثوليكية أن تحديد النسل يختلف مع قانونها الاخلاقى فهي ضد وسائل منع الحمل الاصطناعية والإجهاض، وتري أن الإجهاض نتيجة للفجور والجهل داخل المجتمعات.
السلفادور :
تختلف السلفادور عن المكسيك فليس هناك إمكانية لرفض تجريم الإجهاض، فهي من الدول اللاتينية شديدة التعقيد والصرامة تجاه قضية الإجهاض، حيث يحظر قانون العقوبات في السلفادور الإجهاض حتى فى حالات الإغتصاب والحمل شديد الخطورة منذ عام 1998، وخلال الفترة بين عام 2000 – 2019 تم محاكمة العديد من النساء حتى وصل العدد لما يقرب من 200 أمرأة بسبب الاجهاض، حتى وصلت الاحكام ل 30 عام من السجن للنساء التى تقوم بالاجهاض بتهمة القتل العمد، ولكن حدث وأن تعرضت أحد النساء للاصابة بمرض السرطان وتوفت بعد سجنها وهو ما دفع الحكومة لإطلاق سراح بعض النساء فى القضايا المشابه لتخفيف ضغط الرأي العام ومحاكم حقوق الانسان التى تصارع من أجل هذة القضية قفى السلفادور.
الأرجنتين :
كان الإجهاض فى الأرجنتين مباح منذ عام 1921 فقط فى حالات الإغتصاب أو تعرض الصحة للخطر نتيجة الحمل، وأرتفعت نسبة تسجيل حالات النساء التي تتردد على المستشفيات العامة من مضاعفات الإجهاض ففى عام 2015 تجاوز العدد 25 ألف سيدة وفتاة بحسب إحصائيات وزارة الصحة الأرجنتينية وتتراوح أعمارهم بين ل 15- 19 عام بنسبة تتجاوز 100 ألف ولادة لفتيات مراهقات.
وتم تقديم مشروع قانون فى الكونغرس الارجنتينى بعنوان” الحملة الوطنية للحق في الإجهاض القانوني ” لإباحة الإجهاض بعد عديد الضغوط التي تمت ممارستها على الدولة فيما يتعلق بإلغاء تحريم الإجهاض فى عام 2018 وتم رفضة عدة مرات، وبالرغم من معارضة الكنيسة أعطت الأرجنتين المرأة الحق فى الإجهاض خلال ال 14 أسبوع الأولى من الحمل وذلك فى ديسمبر 2020 ويتم عمل تغطية تأمينية وإجتماعية، بعد إحتجاج العديد من الحركات النسوية فى مختلف المدن الأرجنتينية، وبعد قرار من مجلس الشيوخ الأرجنتيني لتكون الأرجنتين من أوئل الدول اللاتينية التي تشرع الإجهاض.
تشيلي:
حتى عام 2017 كان هناك حظر تام على إجراء عملية الإجهاض فى تشيلي، وبعد أن تم رصد حوالي 70 ألف عملية إجهاض كل عام، ووفقًا لبيانات واحصائيات وزارة الصحة فى تشيلي أن هناك عشرات الآلاف من النساء يخضعن للإجهاض غير الآمن وبشكل غير قانوني. وتم تقديم مشروع قانون إلغاء تجريم الإجهاض عام 2018، إلى أن جاء قانون رقم 21030 بعد مداولات ومناقشات استمرت إلى ما يقرب من عامين لتخفيف القيود على الاجهاض، وتم إدارج عدم تجريم الإجهاض فى حالات الاغتصاب وتعرض الحياة للخطر فى مسودة دستور تشيلي الجديد ولكن فى نوفمبر 2021 رفض مجلس النواب إلغاء تجريم الإجهاض.
كوبا :
قبيل الثوة الكوبية كان هناك إنخفاض فى معدل الخصوبة فى عام 1958، وهو ما تغير كليًا بعد الثورة ليصبح هناك طفرة فى أعداد المواليد، وتعتبر كوبا هى الدولة الأولى فى منطقة أمريكا اللاتينية التى تمتلك قانونًا للإجهاض منذ عام 1965 ويسمح بالإجهاض فيها حتى 12 أسبوعًا وبشكل مجاني من قبل النظام الصحي الكوبي الذي يعرف بجودته وتميزه، وفى عام 1977 سجلت كوبا أعلى معدل إجهاض قانوني فى العالم، فى محاولة لإنقاذ حياة السيدات التى يقمن بإجراءه بشكل غير قانوني مما يؤدي بحياتهن ويعرضهم لمضاعفات شديدة الصعوبة. ويقوم النظام الصحي الكوب بفحص السيدات التي يرغبنا فى إجراء الإجهاض نفسيًا وجسديًا لعمل تقييم خاص لهن.
وبدأت حركة الموجة الخضراء بعد أن أصبحت كوبا الدولة الأولى التى تسمح للنساء بالإجهاض واتخذت الحركة اللون الاخضر للتعبير عن الإجهاض وتم استخدامة فى الكونغرس الارجنتينى فيما بعد لإعطاءة شرعية. إذن لم يتوقف تجريم الإجهاض في دولة كوبا على تعاليم الكنيسة الكاثوليكية أو الإجراء القانوني لكنه يتوقف على مدى سبل الحفاظ على حياة الانسان وعدم تعرضه لممارسات غير آمنه نتيجة التجريم والتشديد مثل باقي الدول اللاتينية.
جمهورية الدومينيكان:
محاولات عديدة لكنها تفشل فى كل مرة… عام 2009 عدلت الدومنيكان دستورها بما يشمل تجريم الإجهاض حتى فى حالات تعرض الأم للخطر، وحاولت الجهات المختلفة فى عام 2016 لمنع تجريم الإجهاض ولكنها لم تنجح، حتى أن مجلس الشيوخ أرسل قانون عقوبات مقترح ليقدم إلى مجلس النواب وتم رفضة أيضًا عام 2018 ليصبح هناك تأكيد على التجريم الكامل للإجهاض فى كل الظروف.
الإكوادور:
سمحت المحكمة الدستورية العليا بالإكوادور فى فبراير 2022 للنساء بالإجهاض فى حالات الإغتصاب بعد أن كان الإجهاض مقتصرًا على حالات تعرض حياة المرأة الحامل للخطر، ويسمح بالإجهاض حتى 12 أسبوعًا من الحمل فى الحضر و 16 أسبوعًا فى الريف.
كانت الإكوادور تتيح الإجهاض فقط فى حالات الإغتصاب التى تتم للمصابات بمرض عقلي فقط إلى أن ألغت فيما بعد تجريم الإجهاض فى جميع قضايا الإغتصاب حتى 12 أسبوعًا من الحمل.
هندوراس:
بالرغم من أن هندوراس تسجل معدلات مرتفعة من العنف الجنسي إلا أنها تجرم الإجهاض حتى وإن كان فى حالات تشوه الجنين أو الاغتصاب أو تعرض الأم لخطر وفى 2021 أصدرت قانونًا دستوريًا ليس الغرض منه إتاحة الإجهاض وإنما التشديد على تجريمه فى كافة الحالات، حيث تنص المادة 67 من الدستور المعدل على أن إنهاء الحمل من الأم أو من طرف ثالث محظور وغير قانوني ولا يجوز تعديل هذا إلا فى حالة إجماع ثلاثة إربع أعضاء البرلمان.
نيكاراغوا:
تشهد نيكاراغوا عنف جنسي بعدد يزيد عن 6 الآف من الفتيات مما يتراوح أعمارهن بين 10- 14 عام فى كل عام، وهى نسبة كبيرة جدًا ورغم هذا فى عام 2008 تم إلغاء الاستثناءات التى كانت تسمح بالإجهاض فى حالات الإغتصاب أو إلى من تتعرض حياتهن للخطر، حيث ينص القانون رقم 641 على عقوبة تصل لعامين على المهنيين الذين يجرون عمليات الإجهاض وعقوبة تصل إلى عشرة أعوام على النساء التي يسعون إلى الإجهاض، كما أنها ألغت المادة 165 من قانون العقوبات التى كانت تسمح بالإجهاض العلاجي بموافقة الزوج .
بوليفيا
تحظر بوليفيا الإجهاض وتعاقب كل من يسعى إليه بالسجن لمدة تصل إلى سته سنوات، ولكنها تسمح به فى حالات معينة وهي عندما تتعرض الأم للخطر أو فى حالات الإغتصاب أو فى حالة وجود تشوهات فى الجنين، وتشير التقديرات ان هناك ما يقرب من 80 ألف حالة إجهاض تتم سنويًا ويدرج الإجهاض كثالث سبب من أسباب موت الأمهات فى بوليفيا بسبب الظروف الغير آمنة التى يتم فيها الإجهاض.
بيرو:
تلتزم بيرو بالإجهاض العلاجي الذي يتم فى حالة تعرض الأم للخطر، وتلزم المادة 30 من قانون الصحة العامة أن يبلغ الكوادر الطبية الدولة فى حالة وصول مريضة لديها مؤشرات على الإجهاض الجنائي وبالتالي لابد أن يتم عمل شكوى جنائية تجاة من يسعي للإجهاض دون سبب قانوني.
خلاصة القول:
تجتاح منطقة أمريكا اللاتينية الموجة الخضراء التى تدافع عن حق المرأة فى الحصول على إجهاض آمن فى ظل تعرض الكثير من الدول لازمات إقتصادية وإرتفاع فى نسب الفقر، وهو ما يمنع النساء من الحصول على وسائل لمنع الحمل بشكل آمن، وبالتالى هناك مسؤلية كبيرة على الحكومات فى الدول اللاتينية لتخفيف حدة المخاطر التى تتعرض لها النساء من جراء اللجوء للإجهاض الغير آمن، وذلك عن طريق توفير وسائل منع الحمل وتوفير الرعاية الصحية الشاملة للسيدات لتجنب حدوث وفيات، مع تعديل وسن قوانين تتناسب مع المعطيات الحالية والأزمات القائمة، فقد يكون هناك قسوة فى إجبار المرأة على الإحتفاظ بجنين جاء نتيجة تعرضها لإغتصاب وهو تفعله بعض الدول اللاتينية التى تم عرض بعضها فى هذا التقرير والتى ترفض الإجهاض بكل أشكالة والبعض الأخر ينص على شروط ولكنها لم تنفذ حيث تجد المرأة صعوبة حتى تحصل على حقها فى الإجهاض الآمن وما يلية من رعاية صحية.
ومقابل هذه الموجة الخضراء تتشبث الكنيسة الكاثوليكية التى تسيطر على معظم الدول اللاتينية، برفضها للإجهاض ووسائل تحديد النسل، وبالتالي التوافق المجتمعى ضروري جدًا لتفادي مثل هذه الأزمات، وهو ما يستدعي ضرورة عقد حوار مجتمعي تتوصل فيه الكنيسة الكاثوليكية والمجتمع والحكومات إلى حلول لهذة القضية على أساس أنها قضية مجتمعية حيوية تمس جميع أفراد المجتمع وتأثر على الأمن المجتمعى وترهق أقتصاديات الدول بشكل كبير، لذا لابد أن يكون هناك تنسيق من قبل حكومات الدول اللاتينية وعمل حملات توعوية فى المناطق الأكثر فقرًا ومساعدتهم فى الحصول على وسائل منع الحمل وتحديد النسل بشكل آمن، حتى لا تزداد نسب الإجهاض ويرتفع معها نسب الوفيات بين النساء.