بقلم د.جهاد عوده أستاذ العلوم السياسية
رئيس قسم دراسات العلاقات الدولية والجيوبوليتيك – مركز جسور للدراسات الاستراتيجية
احتشد عشرات آلاف من الإسرائيليين الدروز وأنصارهم في تل أبيب السبت للاحتجاج على قانون يعتبرون أنه يجعلهم سكانا من الدرجة الثانية. وينص القانون الذي تم إقراره الشهر الماضي على أن اسرائيل هي “الدولة القومية للشعب اليهودي”. تجمع عشرات الآلاف في تل أبيب مساء السبت (الخامس من أغسطس م آب 2018) للاحتجاج على قانون جديد يعلن إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي مما أثار غضبا بين الدروز، وهم الأقلية الأكثر اندماجا في المجتمع الإسرائيلي. وفي مواجهة انتقادات شديدة في الداخل والخارج، دافع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن القانون الذي ينص على أن اليهود وحدهم لهم الحق في تقرير المصير وينزع عن اللغة العربية صفة اللغة الرسمية. لكن حكومته اليمينية صدمت فيما يبدو برد فعل الدروز الذين عبروا عن إحساس عميق بالخديعة بسبب قانون جعل كثيرين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. والدروز عرب ديانتهم منبثقة عن الإسلام لكنها تتضمن عناصر من عقائد أخرى، وأكبر تجمعاتهم في لبنان وسوريا. ويصل عدد الدروز في إسرائيل حوالي 120 ألفا وهو ما يمثل أقل من اثنين في المائة من المواطنين. لكن على النقيض من عرب إسرائيل، الذين يتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، يخدم الدروز في الجيش وينشطون على الساحة السياسية وفي وسائل الإعلام. وكان المحتجون الذين احتشدوا في ميدان رابين في تل أبيب يلوحون بأعلام إسرائيلية ودرزية ويرفعون لافتات تطالب بإلغاء القانون. وكان من بينهم كثير من يهود إسرائيل.
وقال الزعيم الروحي للدروز الشيخ موفق طريف في كلمة للمتظاهرين “ما من أحد يمكنه أن يعظنا عن الولاء، والمدافن العسكرية تشهد على ذلك. برغم إخلاصنا المطلق، لا ترانا الدولة متساويين”. وأضاف “مثلما نناضل من أجل وجود الدولة وأمنها، فإننا عازمون على النضال سويا من أجل الهوية والحق في العيش فيها بمساواة وكرامة”. وقالت يات سلامي (53 عاما) وهي معلمة درزية إن القانون يقوض سمة إسرائيل كدولة تضم أطيافا متعددة. وأضافت “ما يجعل إسرائيل مميزة هو نسيجها الاجتماعي الفريد، اليهود والعرب والدروز والمسلمون والمسيحيون والبدو والشركس، معا نحن جميعا إسرائيل”. ويشكل عرب إسرائيل نحو 20 في المئة من السكان البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة. ويكفل القانون الإسرائيلي لهم حقوقا كاملة متساوية لكن كثيرين يقولون إنهم يواجهون تمييزا مستمرا، مشيرين إلى الخدمات المتدنية والمخصصات غير العادلة للتعليم والصحة والإسكان.
فتحت صورة جمعت رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو برئيس المجلس الديني الدرزي الشيخ موفق طريف فى 3 مارس 2020 ، النار مجدداً على دور طائفة الموحدين الدروز في الأراضي الفلسطينية. الصورة نشرها موقع “دمشق الآن”، ما أثار موجة انتقادات وردود من قبل متابعين ما بين مشكك ومصدق، ومدافع عن موقف الشيخ طريف، بالتالي عن طائفة الموحدين الدروز. وأعادت هذه الصورة الحديث عن “عروبة” هذه الطائفة، التي تُعد من الأقليات، وتتعرض لمزيدات بين الحين والآخر، بسبب انضمام قسم من شبابها إلى الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي. ولكن وبحسب الإعلام الإسرائيلي زار نتنياهو بيت الشيخ طريف في قرية “جولس” في منطقة الجليل، يرافقه المرشح العربي (مرشح الأقليات في حزب الليكود حالياً) عضو الكنيست سابقاً، فَطين مُلّا. يُذكر أن هناك ثلاثة أعضاء دروز في الكنيست الإسرائيلي، وهم: جابر عساقلة، عن “القائمة المشتركة”، غدير مريح عن حزب “كحول لفان” (أزرق أبيض)، وحمد عمار عن حزب “إسرائيل بيتنا”. ويُعتبر هذا العدد من النواب كبيراً مقارنةً بعدد الدروز الـ140 ألفاً. وأبرزت هذه الانتخابات التي أجريت الاثنين 2 مارس (آذار)، أهميةً شديدة نظراً إلى حاجة المرشحَين المتنافسَين بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، وبيني غانتس زعيم حزب “أزرق أبيض”، لأصوات العرب لما لها من تأثير في حسم الفارق الضئيل بينهما.
وحاورت “اندبندنت عربية” شخصيات درزية من “عرب 48” للاطلاع على دور الطائفة الحقيقي، وتأثيرها في الانتخابات الإسرائيلية. ويقول الشيخ زيدان عطشة، وهو دبلوماسي سابق، شغل منصب قنصل إسرائيل في الولايات المتحدة (1972- 1976)، وعضو الكنيست في دورة 1977 و1981 ودورة 1984- 1988، ويتحدر من بلدة عسفيا في جبل الكرمل قرب مدينة حيفا، إن “الدروز لا يستطيعون التأثير في سياسات إسرائيل الخارجية، ولكن في الداخل لهم تأثير نوعي، حيث يتفاعلون مع الدولة، بما أنهم يتجندون في الخدمة الإجبارية مثلهم مثل اليهود، أي لثلاث سنوات. كما أنهم موجودون في كل الأجهزة الأمنية. علماً أن بقية الطوائف من إسلام وبدو ومسيحيين، يلتحقون بالجيش ولكن طوعاً، وهذا يعني أنهم يتقاضون رواتب”. يستنكر عطشة “قانون القومية الجائر” الذي سنّته “حكومات اليمين الإسرائيلي المتطرفة”، ويقول إنهم “لم يستطيعوا أن يعطلوا هذا القانون، أو الوصول إلى تعديله على الرغم من التظاهرات التي نظموها”. وتحدث عطشة عن الانتخابات الإسرائيلية، فرأى أن “لا فرصة لبنيامين نتنياهو، بتشكيل حكومة بعد خسارته لمقعدين، إذ حصل على 35 مقعداً، في مقابل 32 لحزب كحول لفان (أزرق أبيض). كما أنه لا أمل بتشكيل حكومة ائتلافية”.
وعن الاختلاط مع المجتمع الإسرائيلي، إثر الصورة الموزّعة للشيخ موفق طريف، يقول إن “الزيجات التي تحصل بين أبناء الطائفة الدرزية واليهود، إلى الآن، غير مقبولة. ومن يقوم بذلك يُنبَذ من المجتمع الدرزي. لكن ما زال نتنياهو يظن أنه يستطيع أن يصل إلى الجنة عن طريق زيارات مجاملة، هي أقرب إلى الخبث ولا تعني إلا المضيف”. من جهة أخرى، يقول الرئيس السابق للاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين، المحامي سامي مهنا، المتحدر من البقيعة الجليل، إن “عدد الدروز في إسرائيل يبلغ 120 ألفاً، أي أقل من 20 في المئة من بقية العرب، يتوزعون من ناحية التصويت على أحزاب عدة. وعلى الرغم من ذلك، يتمثلون في الكنيست بنسبة أكبر من عددهم، حيث يضم الكنيست الآن ثلاثة أعضاء دروز”. ويعلل مهنا ذلك، على اعتبار أن الدروز منقسمون أيديولوجياً، بين القوى الوطنية والأحزاب الإسرائيلية. ويسوّق الأعضاء الدروز في الأحزاب الإسرائيلية لنيل الحقوق المدنية عبر الاندماج، فهناك مرشح درزي عن حزب الليكود، هو فطين ملاّ. أما عن أعداد الملتحقين بالجيش الإسرائيلي، يقول مهنا إنه “بموجب معطيات مركز دراسات هرتسيليا، وجامعة حيفا، وبعد إجراء بحث جدي خارج معطيات الجيش الإسرائيلي، التي لا تعط يالصورة الحقيقية، تبيّن أن عدد الرافضين للخدمة الإلزامية من الدروز (الملقى على الدروز والشركس من دون غيرهم، من غير اليهود) يصل إلى 45 في المئة، وهذه النسبة في تزايد. ولا شك أنها ازدادت بشكل ملحوظ بعد القوانين العنصرية الأخيرة، وعلى رأسها قانون القومية”.
وكان عضو سابق في الكنيست عن “التجمع الوطني الديمقراطي” و”القائمة المشتركة”، وجّه استجواباً إلى وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينيت، بيّن أن عدد المتطوعين من بقية الطوائف العربية يفوق عدد المجندين الدروز في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من أن قانون الخدمة الإلزامية يطال الدروز فقط. ويرى مهنا أن “سياسة فرق تسد، هي محاولة لاستمالة الدروز، واستغلت المؤسسة الإسرائيلية الوضعية الخاصة للعرب الدروز كأقلية، وفرضت بمساندة بعض القيادات التقليدية الدرزية قانون التجنيد الإلزامي، ما أدى إلى انخراط الكثيرين في المؤسسة. وحتى الآن، يحاول الطرفان، المؤسسة الإسرائيلية والجزء الدرزي الموالي لها، والمدعوم من المجلس الديني، بالإبقاء على هذه الحالة، على الرغم من أن صوت وقوة الطرف الآخر، أي الطرف الوطني يرتفع ويزداد قوة”. كما عملت السلطات الإسرائيلية على فصل الدروز عن بقية العرب، عن طريق المنهاج التعليمي، وقانون الخدمة الإلزامية، وفصل البلديات الدرزية عن بقية البلديات العربية.
أما عن تأثير الدروز في الانتخابات التشريعية الثالثة، يشرح سامي مهنا أن “نتنياهو يسوّق نهجاً مختلفاً عن الجولتين السابقتين، اللتين حرضّ فيهما على العرب بشكل سافر، الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة التصويت عند العرب كرد فعل مباشر، بالتالي ارتفاع عدد أعضاء القائمة المشتركة، وارتفاع نسبة التصويت لها، من العرب الدروز. وزار نتنياهو رئيس المجلس الديني الدرزي الشيخ موفق طريف في محاولة للتقليل من نقمة العرب على سياساته العنصرية. كما زار مدناً عربية مثل طمرة واعبلين، وظهر في وسائل إعلام عربية”.
الصوت الدرزي : أما حاتم حسون، نائب رئيس بلدية شفاعمرو، مدير مؤسسة العون الدرزي، عضو لجنة التواصل الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي، فيتحدث عن تأثير الدروز في الانتخابات الإسرائيلية، بالقول إن “هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها، بسبب عدم إلغاء أو حتى تعديل قانون القومية، وهو أسوأ ما مر على الطائفة الدرزية من نكران للجميل بعد كل ما قدموه إلى إسرائيل، وهو سبب خروجهم في تظاهرة تل أبيب في أغسطس (آب) 2018. إذ شكّل هذا القانون نقطة انطلاق وتحول في الصف الوطني، القومي واليساري”. ويرى أنه “ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار، هو نشاط أبناء الطائفة الدرزية في السياسة الإسرائيلية، بما في ذلك ضمن أحزاب يمينية مثل الليكود وإسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان. وأضاف حسون أن “هذه الانتخابات اكتسبت أهميةً في ظل وجود معسكرين، يميني، مقابل يسار الوسط”. أما عن عدد الدروز الموجودين في الجيش الإسرائيلي، يقول حسون “يبلغ عدد الدروز 8.5 في المئة من المواطنين العرب في إسرائيل، وتبلغ نسبتهم في مجمل الأذرع الأمنية الإسرائيلية 8 في المئة فقط. وهذا في ظل قانون التجنيد الإلزامي، وإعفاء بقية الطوائف، أي أن الدروز يتجندون إلزامياً وبقية الطوائف تتجند تطوعاً”. وعن استمالة السلطات الإسرائيلية لأبناء هذه الطائفة تحديداً، يرى حسون أنها “سياسة ضمن استراتيجية أمنية إسرائيلية، تجاوزت حدود الدولة، لتمتد إلى المحيط العربي، وهو ما يسمى بحلف الأقليات. وهي تحاول اليوم التصرف بالطريقة نفسها مع المسيحيين في محاولة تجنيدهم في الجيش”. وعن زيارة نتنياهو للشيخ موفق طريف، اعتبر حاتم حسون أن “الشيخ طريف، هو رئيس المجلس الديني الدرزي، ولم يُنتخب، وتدعمه السلطة الإسرائيلية. هذه الزيارة وغيرها من الزيارات لا تقدم ولا تؤخر، لأن الشارع الدرزي يعرف أن السلطة الإسرائيلية تحاول أن تمرر كل سياستها، عبره. تيارات دينية عدة غير راضية عن هذا الوضع، في مقدمها الشيخ علي معدي من يركا والشيخ زيدان عطشة من عسفيا”. وحاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع دروز السويداء في سوريا، لما لهؤلاء من صلات قرابة ونسب مع دروز فلسطين، لكنها لم تحصل على أي تعليق، بحجة أنهم لا ينسوا أفضال دروز فلسطين عليهم إبان الحرب السورية، بينما تحجج آخرون بأن الهواتف مراقَبة، وهم بغنى عن “فنجان قهوة”، في إشارة إلى الاستدعاءات المتكررة للتحقيق، من قبل النظام السوري.
على اى حال شكل الدروز في إسرائيل رابع جماعة دينيّة، وهي أقلية إثنية دينية بين المواطنين العرب في إسرائيل، وبينما يعتبر معظم الدروز الإسرائيليين أنفسهم عرباً من الناحية العرقية، تعترف الحكومة الإسرائيلية بهم كمجتمع منفصل عن العرب. حصل الدروز في منطقة الجليل ومنطقة حيفا على الجنسية الإسرائيلية تلقائياً في عام 1948. وبعد أن استولت إسرائيل على هضبة الجولان من سوريا في عام 1967 وضمها إلى إسرائيل في عام 1981، مُنح الدروز القاطنين في هضبة الجولان الجنسية الإسرائيلية الكاملة بموجب قانون هضبة الجولان. رفض معظم دروز الجولان الجنسية الإسرائيلية وما زالوا يحتفظون بالجنسية والمواطنة في الجمهورية العربية السورية ويُعاملون بمقام مُقيمين دائمين في إسرائيل. يعيش معظم الموحدون الدروز في إسرائيل في الشمال، ويشكّلون نسبة 7.6% من مجمل السكان العرب في إسرائيل؛ وقد وصلت أعدادهم في سنة 2019 إلى حوالي 143,000 نسمة أي 1.6% من السكان في إسرائيل. ويضاف إليهم الدروز السوريون القاطنون في هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 من سوريا وضمتها في عام 1981 بشكل غير شرعي، وهم من المقيمين الدائمين بموجب قانون مرتفعات الجولان. وقد رفضت الأغلبية الساحقة منهم قبول الجنسية الإسرائيلية الكاملة، واختاروا الاحتفاظ بجنسيتهم السورية. في عام 2018 عاش 81% من الدروز الإسرائيليين في المنطقة الشماليّة وحوالي 19% في منطقة حيفا، ويسكن أبناء الطائفة الدرزية في “19” بلدة وقرية تقع جميعها على رؤوس الجبال في شمال إسرائيل. ويعيش الموحدون الدروز في عدد من قرى وبلدات شمال إسرائيل إما بشكل منفرد أو اختلاطًا بالمسيحيين والمسلمين. خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، لم يتبنى دُروز فلسطين التاريخية أفكار وقيم القومية العربية المُتصاعدة في ذلك الوقت ولم يُشاركوا في المواجهات العنيفة. ومُنذ قيام دولة إسرائيل، أظهر الدروز تضامنهم مع إسرائيل ونأوا بأنفسهم عن القضية الفلسطينية، ويُلزم المواطنون الدروز الذكور في الخدمة الإلزامية بجيش الدفاع الإسرائيلي. علماً أنه في الآونة الأخيرة شهد المجتمع الدرزي حالة من الانقسام بشأن الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، فبينما يشكو البعض من أنهم لا يتلقون الدعم الذي يستحقونه بعد الخدمة، تفيد معطيات متنوعة بتراجع كبير في ثقة الدروز بها وفي مؤسساتها، كما ويشهد المجتمع الدرزي تحركاً ملحوظاً لرفض التجنيد الإجباري المفروض على الشبان الدروز.
شجعت الحكومة الإسرائيلية على هوية منفصلة وهي الهوية “الدرزية الإسرائيلية” التي اعترفت بها الحكومة رسمياً، حيث تم فصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية وجعلها ديانة مستقلة في القانون الإسرائيلي في وقت مبكر من عام 1957. يتم تعريف الدروز كجماعة عرقية ودينية متميزة في إسرائيل حسب وزارة الداخلية في تسجيل التعداد السكاني، وحسب نظام التعليم الإسرائيلي فإنّ المدارس الدرزية مستقلة ومختلفة في منهاجها عن المناهج في المدارس العبرية والعربية، وتتمتع المدراس الدرزية “بالحكم الذاتي” داخل النظام التعليمي الناطق باللغة العربيّة. منذ عقد 2000 شهد المجتمع الدرزي تحسناً كبيراً في مستوى التعليم والاقتصاد، ويتمتع الموحدون الدروز في إسرائيل بثاني أعلى الإنجازات في القطاع العربي على جميع المؤشرات بعد المسيحيون العرب: من حيث نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة (البجروت)، ونسب خريجي الجامعات، ومجالات العمل.
الدروز ويسمون أنفسهم “المُوحدون” هم عرقية دينية عربية تدين بمذهب التوحيد ذي التعاليم الباطنية حسب بعض الباحثين؛ وتعود أصوله إلى الإسماعيلية إحدى المذاهب الإسلامية، كما ترجع جذور الدروز إلى غرب آسيا. ويطلقون على أنفسهم اسم أهل التوحيد أو الموحدون. كما أنهم يقدّسون النبي شعيب أحد أنبياء العرب، الذي يعدونه المؤسس الروحي والنبي الرئيسي في مذهب التوحيد. يُعدّ البعض مذهب التوحيد أحد المذاهب الإسلامية والمُتفرّعة من الإسماعيلية، في حين يُعدّه البعض ديانة إبراهيمية وتوحيدية مُستقلة مُنشقة عن الإسلام، والمذهب التوحيدي قائم على تعاليم حمزة بن علي بن أحمد والخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله والفلاسفة اليونانيين مثل أفلاطون وأرسطو. يؤمن الموحدون الدروز بظهور سبعة أنبياء في فترات مختلفة من التاريخ وهم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، ويسوع، ومحمد، ومحمد بن إسماعيل. رسائل الحكمة هي النص الأساسي لإيمان ومعتقدات الموحدين الدروز. ويستند مذهب التوحيد أو الدرزي على عناصر من الإسماعيلية، وهي فرع من الإسلام الشيعي، والغنوصية، والأفلاطونية، والفيثاغورية، وبعض العناصر اليهودية والمسيحيَّة والهندوسية. فضلاً عن فلسفات ومعتقدات أخرى، مما أدّى إلى ابتكار لاهوت عُرف بالسريَّة والتفسير الباطني للكتب الدينية وتسليط الضوء على دور العقل والصدق. يؤمن الدروز بالظهور الإلهي، والتناسخ أو التقمص، الذي يتلخص مفهومه في رجوع الروح إلى الحياة بجسد آخر، وهي فكرة فلسفية ودينية مرتبطة بالجسد والروح والذات حسب المعتقدات الدرزية. ولا تتبع العقيدة الدرزية أركان الإسلام الخمسة، مثل الصيام في شهر رمضان، والحج إلى مكة. في عام 1957، اعترفت الحكومة الإسرائيلية رسمياً بالدروز كمجتمع ديني منفصل، وككيان ديني منفرد له محاكمه الروحية الخاصة في شؤون الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وحضانة وتبنٍ. لا يَعتبر الدروز الإسرائيليين مذهب التوحيد كمذهب إسلامي، ويرون أن مذهب التوحيد الدرزي ديانة مستقلة عن الإسلام، وأنها ديانة قائمة بحد ذاتها.
خلال فترات مختلفة من حكم الدولة العثمانية تعرض الموحدون الدروز لحملات من الاضطهاد؛ ومع انتهاء العهد العثماني عام 1917، بدأت فترة جديدة للمنطقة وللدروز أيضًا. في تعداد عام 1922 أيام الانتداب البريطاني على فلسطين كان هناك حوالي 7,617 درزي فلسطيني. وأظهر الدروز خلال الانتداب البريطاني لفلسطين اهتمامًا قليلًا في القومية العربية التي ازداد زخمها خلال القرن العشرين، ولم يشارك الدروز في المناوشات بين العرب واليهود في وقت مبكر من القرن العشرين. بحلول عام 1939، كانت قيادة القرى الدرزية متحالفة رسمياً مع الميليشيات اليهودية قبل قيام دولة إسرائيل، على غرار الهاغانا. خلال حرب 1948 عاد فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ إلى سوريا لتنظيم المزيد من القوات، وفي مارس عام 1948 عاد إلى فلسطين من سوريا بكتيبة “الحسين” و”القادسيًّة”، والتي بلغ عددها 360 جنديًا. واستقرت في شفا عمرو كتيبة “جبل العرب” الأخيرة والتي كان يحرسها 500 جندي درزي وكان قائدها شكيب وهاب. وهاجمت القوات الدرزيّة التابعة لجيش الإنقاذ من حين لآخر حركة المرور والمستوطنات اليهودية، كما شاركت في معركة رمات يوهانان، وفي أعقاب المعركة الشرسة التي ألحقت الكثير من الإصابات على الجانبين، توصل قادة الكتيبة إلى اتفاق مع الهاغانا للانسحاب، وقاموا بمعاهدة “حقن الدماء”. بعض أفراد الكتيبة، بقيادة إسماعيل قبلان، فروا لاحقاً من سوريا وتطوعوا بالجيش الإسرائيلي لتشكيل أساس قواته الدرزية. وكان الدروز قد أجروا اتصالات في عدة مناسبات مع عملاء من مجتمع اليشوف، وبعد هزيمتهم في رمات يوهانان، عرض ضباط الدروز الانشقاق والانضمام إلى صفوف الهاغانا. الموقف الذي اتخذه الدروز أثر على مصيرهم بعد الحرب. نظرًا للعلاقة الطيبة بين الدروز ومجتمع اليشوف اليهودي من عام 1930 فصاعدًا على الرغم من تعاونهم مع اللجنة العربية العليا وجامعة الدول العربية، أصر دافيد بن غوريون على أن الدروز وكذلك كل من الشركس والموارنة يمكن الاستفادة منهم بالمقارنة مع الجماعات الناطقة بالعربية الآخرى.
خلال حرب التطهير العرقي لفلسطين 1947–1948، تعرض الدروز في فلسطين الانتدابية لضغوط من كل من قبل قيادات اليشوف اليهودية واللجنة العربية العليا، ووجدوا صعوبة في تكوين رأي حول الصراع بين اليهود والفلسطينيين. زار قادة المجتمع الدرزي من الدول المجاورة قرى الدروز في فلسطين ونادوا بالحياد. خلال الأيام الأولى للنزاع، عُقد اجتماع لجميع القادة الدروز من جميع القرى الدرزيَّة في دالية الكرمل، حيث اتفقوا جميعًا على عدم المشاركة في أعمال الشغب التي أشعلتها اللجنة العربية العليا. أيد هذا القرار قادة الدروز في جبل الدروز. داخل المجتمع الدرزي، كانت هناك اتجاهات متعارضة: في القرى المختلطة الدرزية التي تضم مجتمعات إسلامية ومسيحية مثل عسفيا وشفاعمرو والمغار، حيث كانت هناك نزاعات طائفية قديمة بين الدروز والمُسلمين، وفي القرى الدرزية بالقرب من حيفا والمستوطنات اليهودية في الجليل الغربي، مال زعماء الدروز المحليين إلى تفضيل اليهود في النزاع؛ في حين في القرى الدرزيَّة الواقعة في المناطق العربية، كان القادة المحليون أكثر حذراً بدعم اليهود. كلف جوش بالمون من قبل الوكالة اليهودية لإسرائيل لإدارة العلاقة مع الدروز. وقاد في البداية مقاربة وقائية مع الدروز، والتي هدفت إلى التأكد من أن الدروز لن ينضموا إلى اللجنة العربية العليا.
منذ تأسيس دولة إسرائيل، تضامن الكثير من الدروز مع روح الحركة الصهيونية، بشكل عام ينأى دروز إسرائيل بأنفسهم عن المواضيع العربية والإسلامية التي تبناها نظراؤهم المسلمين والمسيحيين. قبل عام 1948 ضمت أبو سنان والمغار وعسفيا على أغلبيَّة درزيَّة إلى جانب أقلية مسيحية عربية كبيرة، لكن بعد إقامة دولة إسرائيل استقر اللاجئون المسلمون من القرى المجاورة المُهجرّة والتي شُرد سكانها خلال الحرب في هذه البلدات، ونجم عن ذلك في بعض الأحيان حالة من التوتر بين السكان القدامى والقادمين الجدد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الوافدين الجدد كانوا لاجئين وكان السكان السابقون يحتفظون بعلاقات وثيقة مع السلطات الإسرائيلية. وتماشيًا مع الممارسات الدينية الدرزية وهي خدمة الدولة التي يعيشون فيها، يتم تجنيد بشكل إجباري للذكور الدروز في جيش الدفاع الإسرائيلي وذلك خلافًا لنظرائهم من المسلمين والمسيحيين. فرضت الحكومة الإسرائيلية على الدروز الذكور التجنييد الإجباري، ومن عام 1954 إلى عام 1956 حدثت أعمال مناهضة للتنجيد الإجباري من قبل الدروز، دعيت باسم “هبّة التجنيد”، وقام لاحقاً الأعضاء في الحزب الشيوعي الإسرائيلي عام 1955 بمقاومة القانون على المستوى السياسي، واستمرت على فترات متقاربة عملياً، في سنة 1958 أقام الشاعر سميح القاسم “منظمة الشباب الأحرار” لمناهضة هذا القانون، وظهرت لاحقاً حركة بارزة ضد التجنيد الإجباري برئاسة العديد من المشايخ الدروز، ومنهم لاحقاً الشيخ فرهود فرهود رئيس لجنة المبادرة الدرزية التي تشكلت في عام 1972. في عام 1972 عارضت لجنة المبادرة الدرزية مصادرة أراضي القرى والبلدات الإسرائيلية من قبل مديرية أراضي إسرائيل والمس بالمقدسات الدينية الدرزية، كما وعارضت التجنيد الإجباري للشباب الدروز. في عام 1957 تم الاعتراف رسميًا بالهوية الدرزية الإسرائيلية من قبل الحكومة الإسرائيلية، حيث تم فصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية وجعلها ديانة مستقلة. وفي عام 1963 أصبح الدروز كيان ديني منفرد له محاكمه الروحية الخاصة في شؤون الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وحضانة وتبنٍ. وأصبح يُعرفّ الدروز كجماعة عرقية ودينية متميزة في إسرائيل حسب وزارة الداخلية في تسجيل التعداد. لاحقاً، فُصِلت المجالس المحليّة للقرى الفلسطينيّة الدرزيّة عن بقية المجالس العربيّة. وكان تخصيصُ منهاجٍ تعليميٍّ خاصٍّ بالطائفة الدرزيّة في إسرائيل، خطوةً مفصليّةً من سلسلة خطوات أخرى قامت بها الحكومة الإسرائيلية ما بين السنوات 1956-1975 بهدف فصل الدروز عن مجتمعهم العربيّ الفلسطينيّ، وتم فصل المدارس الرسميّة في القرى الدرزيّة عن دائرة التعليم العربيّ، ووضع برامج تعليم خاصّة باللغة العربية خاص بالدروز، ووضعت كتب تدريس في مواضيع العربيّة والعبريّة والتاريخ والجغرافيا خاصّة بالدروز دون غيرهم، مع استحداث موضوع التراث الدرزيّ. بعد تأسيس دولة إسرائيل كان أمين طريف الرئيس الروحي الأول للطائفة الدرزية بعد عام 1948، وعلى الرغم من التقدير الذي احتفظ به أمين طريف، إلا أن علاقته بالدروز في الدول المجاورة كانت معقدة بسبب ولاء الشيخ لدولة إسرائيل. في عام 1977، بعد شكاوى من المجتمع الدرزي في لبنان من أن القصف الإسرائيلي هدد “خلوات البياضة”، نصح أمين طريف الأعضاء الدروز في الكنيست بطرح أسئلة للحكومة الإسرائيلية حول هذا الموضوع.
تمخّضت حرب 1967 في العام 1967 عن استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان إثر احتلالها من الأردن، مصر، وسورية. أعلنت حكومة إسرائيل عن ضم القدس الشرقية والقرى المجاورة لها إلى إسرائيل عند انتهاء الحرب. احتل جيش الدفاع الإسرائيلي هضبة الجولان خلال حرب 1967، وأصبحت منذ ذلك الحين بحكم الأمر الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية؛ وقرر الكنيست الإسرائيلي في ديسمبر من عام 1981 ضم الجزء المحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية. قبل حرب 1967 ضمت الجولان على أغلبية سكانية درزيّة إلى جانب أقلية مسيحية قدر بحوالي 12% من السكان، ووصل عدد سكان الجولان حتى يونيو عام 1967 إلى 150 ألف نسمة، حالياً بقيت أربع قرى درزية في الجزء الذي ضمته إسرائيل من مرتفعات الجولان وهي بقعاثا وعين قنية ومجدل شمس ومسعدة. في عام 2007 تولى مجلي وهبي من حزب كاديما رئاسة إسرائيل لفترة وجيزة أثناء غياب موشيه كتساف في عطلة. ليكون أول عربي وأول درزي يتولى هذا المنصب. أدّى موقف المواطنين العرب الدروز في إسرائيل حول القضية الفلسطينية، خصوصاً أن شبابهم مُلزمون بأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، إلى تباعد أو شرخ من المسلمين في إسرائيل. وعلى الرغم من أن علاقات الدروز مع الطوائف الدينية في المجتمع العربي الإسرائيلي جيدة وهناك تعايش سلمي، شهدت بلدة المغار أحداث طائفية على خلفية إشاعات اتهمت أحد الشبان المسيحيين بنشر صور لفتيات درزيات عاريات مما أدى إلى اعتداء على كنيسة القرية وعلى ممتلكات المسيحيين؛ وشملت الأحداث تدمير للمملتكات من سيارات وتهشيم واجهات المحلات التجارية التابعة للمواطنين المسيحيين في البلدة، وتبين لاحقاً أن من نشر الصور شاب درزي. حيث وفقاً لمحللين يواجه العديد من الناس صعوبات اقتصادية في بلدة المغار، وقد تكون التوترات الطائفيَّة ناتجة عن العداء بين السكان المسيحيين الأكثر ثراء والدروز الأفقر. كما ويشكو القادة الدروز من أنه على الرغم من أن أبنائهم يخدمون في الجيش وفي قوات الشرطة، فإن الحكومة لا تكافئ المجتمع الدرزي، بينما يحصل الشباب المسيحي في الوقت نفسه على تعليم عالٍ ويحصلون على وظائف أفضل. وفي عام 2014 شهدت قرية أبو سنان أعمال عنف طائفية بين الدروز والمُسلمين بعد مشاحنات على “فيسبوك” بين شبان دروز ومسلمين اتهمت كل مجموعة منهم الأخرى بالتعرض لبناتهم، وتطور الوضع إلى اشتباكات في الشارع.
في عام 2015 قام شبان دروز من منطقة مجدل شمس في الجولان بمهاجمة سيارة جيش إسرائيلية تقل جرحى سوريين من “جبهة النصرة” بالحجارة ما أدى لمقتل أحدهم، ونفى الجيش الإسرائيلي أنه يوفر العلاج الطبي للجهاديين السوريين المنتمين إلى “جبهة النصرة”. وفي 10 يونيو من عام 2015 تعرض الدروز في قرية قلب لوزة السورية إلى مجرزة من قبل جبهة النصرة، أدت المجرزة إلى حملة واسعة النطاق بين الدروز في إسرائيل لمساعدة دروز سوريا، تحت شعار “طبق النحاس” في قرى عديدة مثل أبو سنان، وشفا عمرو، والمغار، وعسفيا وغيرها. بالإضافة إلى أصوات ضغط من قبل المجتمع الدرزي والضباط الدروز على الجيش الإسرائيلي من أجل تدخل عسكري إسرائيلي في سوريا لحماية أبناء الطائفة هناك. ما أدّى إلى فتح جدال في المجتمع الإسرائيلي اليهودي حول إن كانت إسرائيل ملزمة أو غير ملزمة في تقديم المساعدة للدروز السوريين المناهضين للصهيونية والمؤيدين لبشار الأسد. في عام 2017 قُتل شرطيين من المواطنين الدروز في إسرائيل وهما هائل ستاوي من المغار وكميل شنان من حُرفيش من قبل ثلاثة شبان من سكان مدينة أم الفحم خلال عملية إطلاق نار في ساحات المسجد الأقصى في مدينة القدس، أدى الحادث إلى خلافات ونزاعات بين المسلمين والدروز، حيث تعرضت مساجد في المغار ذات الأغلبية الدرزية إلى إطلاق النار. وأثار قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل عام 2018 سخط الدروز، حيث شارك أكثر من 50 ألف متظاهر في مظاهرة الدروز الاحتجاجية المُعارضة لقانون الدولة القومية. وعلى الرغم من اندماج الدروز الإسرائيليين في الأجهزة الأمنية، فإن مجتمعاتهم لم تجني نفس الفوائد مثل البلدات اليهودية المجاورة، حيث أنّ الميزانيات المتعلقة بالرواتب والتعليم في البلديات الدرزية هي حالياً على قدم المساواة مع المجتمعات اليهودية، ولكن الميزانيات للبنية التحتية والتنمية على مدى عقود كانت بين 25% إلى 40% أقل من تلك اليهودية، كما ويعاني الدروز من نقص في الأراضي للبناء عليها ومصادر أراضي القرى والبلدات الدرزية، ولم تنشأ أية قرية درزية جديدة منذ تأسيس إسرائيل، رغم أن عدد سكانها قد تضاعف عشرة أضعاف.
في نهاية عام 2018 وصلت أعداد الموحدين الدروز إلى حوالي 143,000 نسمة أي 1.6% من السكان في إسرائيل في عام 2018، وشكلوا حوالي 7.6% من مجمل السكان العرب في إسرائيل. وبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عاش 81% من الدروز في المنطقة الشماليّة وحوالي 19% في منطقة حيفا، ويسكن أبناء الطائفة الدرزية في “19” بلدة وقرية تقع جميعها على رؤوس الجبال في شمال إسرائيل، يقع حوالي 17 منها في المنطقة الشماليّة وموقعان في منطقة حيفا. معظم هذه البلدات هي متجانسة دينياً؛ وتشير دائرة الإحصاء المركزية أن دالية الكرمل تضم على أكبر تجمع للسكان الدروز في إسرائيل، وتليها يركا والمغار. وفق معطيات دائرة الإحصائيات المركزية في إسرائيل في عام 2017 اسم العائلة الأكثر شيوعًا في الأوساط الدرزيّة في إسرائيل هو حلبيّ، يليها آل غانم وإبراهيم وعامر وعزّام.
بالمقارنة مع غيرهم من عرب 48 فالدروز أكثر تأكيداً على هويتهم الإسرائيلية، وعدد قليل منهم يعرفون أنفسهم على أنهم فلسطينيين. في حين يميل الغالبية من دروز الجولان على التماهي مع الهوية والقومية العربية وبالأخص الهوية السورية. ويعود التعريف الذاتي للدروز في إسرائيل إلى عوامل عدة منها تشجيع الحكومة الإسرائيليّة على هوية منفصلة وهي “الهوية الدرزية الإسرائيلية”، وقد اعترفت بها رسميًا الحكومة الإسرائيلية حيث تم فصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية وجعلها ديانة مستقلة في القانون الإسرائيلي في وقت مبكر من عام 1957. وفي عام 1963 أصبح الدروز كيان ديني منفرد له محاكمه الروحية الخاصة في شؤون الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وحضانة وتبنٍ. وأصبح يُعرفّ الدروز كجماعة عرقية ودينية متميزة في إسرائيل حسب وزارة الداخلية في تسجيل التعداد. لاحقاً، فُصِلت المجالس المحليّة للقرى الفلسطينيّة الدرزيّة عن بقية المجالس العربيّة. وكان تخصيصُ منهاجٍ تعليميٍّ خاصٍّ بالطائفة الدرزيّة في إسرائيل، خطوةً مفصليّةً من سلسلة خطوات أخرى قامت بها الحكومة الإسرائيلية ما بين السنوات 1956-1975 بهدف فصل الدروز عن مجتمعهم العربيّ الفلسطينيّ، وتم فصل المدارس الرسميّة في القرى الدرزيّة عن دائرة التعليم العربيّ، ووضع برامج تعليم خاصّة باللغة العربية خاص بالدروز، ووضعت كتب تدريس في مواضيع العربيّة والعبريّة والتاريخ والجغرافيا خاصّة بالدروز دون غيرهم، مع استحداث موضوع التراث الدرزيّ. وتوّسعت سياسات الفصل حتى طالت الأعياد الدينية؛ في عام 1969 أُلغي الاعتراف بعيد الفطر كعيدٍ رسميٍّ للدروز، وفي مقابله اعتُرِف في “عيد النبي شعيب” كعيد رسميّ للدروز.
أدّت السياسة الإسرائيلية نحو المجتمع العربي الدرزي إلى خلق ما يسمى “بوعي درزيّ إسرائيليّ” جديد يتوازى مع خلق هوية درزيّة إسرائيليّة. وعملت هذه الجهود على عدة مستويات، كالخلط بين الدين والإثنية، وتحويل الإيمان الدينيّ الدرزي البحت إلى هويّة قوميّة داخل “إسرائيل”. ولعبت “رواية حلف الدم” الإسرائيلية بين النبيّ شعيب والنبيّ موسى، والخطاب السياسي الرسمي حول المصير المشترك كأقلية ملاحقة على مرّ التاريخ من قبل الأغلبية التي تُكّفرهم وتريد إبادتهم إلى تأكيد الدروز على هويتهم الإسرائيلية بدلاً من الفلسطينيّة. بالمقابل نجحت عائلاتٌ درزيّة وقياداتٌ دينيّة وسياسيّة وأكاديميّة بالحفاظ على هويتها وانتمائها العربيّ الفلسطينيّ، وبالتالي مقاومة السّياسات الإسرائيليّة الموّجهة. شكّلت بعض تلك الوجوه تياراً حافظ على هويته العربيّة والفلسطينيّة، ورفض التجنيد، وهو تيار ينمو بشكل ملحوظ، وتنضم إليه فئات جديدة خاصّةً في ضوء الاحتكاكات المتكررة والمتزايدة مع مؤسسات الحكومة في الآونة الأخيرة. وقد لوحظت بحسب دراسة زيادة في الأسرلة بين الطائفة الدرزية في إسرائيل، وتشير الدراسة إلى وجود اتجاه نحو الأسرلة بين الشباب الدرزي، من خلال تفضيل استخدام اللغة العبرية بدلاً من اللغة العربية في وسائل التواصل الاجتماعي. ويُعبرّ كل من الشباب، ومن هم أقل تعليماً، والإناث عن مواقف إيجابية تجاه اللغة العبرية. وتتمتع اللغة العبريّة بحضور قوي بين المجتمع الدرزي في جبل الكرمل بسبب اعتماد البلدات الدرزية اقتصادياً على اليهود الإسرائيليين، بالمقابل تتمتع اللغة العربية بوجود أقوى في المناطق الدرزيّة في منطقة الجليل الأسفل. وبحسب الدراسة على الرغم من أن اللغة العربية لا تظهر عليها علامات تراجع، وما تزال تُهيمن على التقاليد الثقافية والأعمال الأدبية، إلا أن هناك دليلاً واضحًا على تحول اللغة نحو العبرية أو “اللهجة العربية الإسرائيليّة”، والمجموعات الدرزية المُتأسرلة هي: الشباب بشكل عام، والدروز في قرى جبل الكرمل.
على الرغم من أن أغلبيّة الجنود في جيش الدفاع الإسرائيلي هم من اليهود، إلا أن جميع المواطنين بما في ذلك أعداد كبيرة من الذكور الدروز والشركس يخضعون للتجنيد الإلزامي. ويسثني القانون النساء الدرزيات والرجال المتدينين “العُقال” الدروز من التجنيد الإلزامي. في الأصل، عمل الجنود الدروز في إطار وحدة خاصة تسمى “وحدة الأقليات”، والتي كانت تعمل حتى عام 2015 في شكل كتيبة السيف المُستلقة. ومع ذلك، منذ عقد 1980 احتج الجنود الدروز بشكل متزايد على هذه الممارسة، والتي اعتبروها وسيلة لفصلهم وحرمانهم من الوصول إلى وحدات النخبة. وقد قبلت أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الجنود الدروز في الوحدات القتالية المنتظمة على نحو متزايد، وقامت بترقيتهم إلى الرتب العليا التي كانوا قد استُبعدوا منها في السابق. في عام 2015، أمر غادي أيزنكوت بإغلاق وحدة الأقليات من أجل استيعاب الجنود الدروز مع الجنود اليهود، وكجزء من عملية إعادة تنظيم مستمرة للجيش. بالتناسب مع أعدادهم، يحقق الدروز مستويات أعلى بكثير من التجنّد في الجيش الإسرائيلي مقارنةً بالجنود الآخرين. ومع ذلك، لا يزال بعض الدروز يتهمون بأنهم يتعرضون للتمييز المُستمر في الجيش، مثل الاستبعاد من القوات الجوية. الخدمة العسكرية هي تقليد يتبعه السكان الدروز في منطقة الجليل وحيفا، حيث يخدم 83% من الشباب الدرزي في الجيش الإسرائيلي، وفقاً لإحصائيات جيش الدفاع الإسرائيلي. في حين تبرز المعارضة للتجنيد الإجباري بشكل بارز بين المجتمعات الدرزية في هضبة الجولان. وفقًا لمعيطات الجيش الإسرائيلي في عام 2010 قُتل 369 جندياً درزياً في عمليات قتالية منذ عام 1948. منذ أواخر عقد 1970 قامت لجنة المبادرة العربيّة الدرزيّة، المتمركزة في قرية بيت جن والمرتبطة بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بشن حملات لإلغاء التجنيد بين السكان الدروز. وشهد المجتمع الدرزي في الآونة الأخيرة حالة من الانقسام بشأن الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، فبينما يشكو البعض من أنهم لا يتلقون الدعم الذي يستحقونه بعد الخدمة، تفيد معطيات متنوعة إلى انخفاض نسبة تجنيد الشباب الدروز في أراضي 48 بجيش إسرائيل، وبتراجع كبير في ثقتهم بها وفي مؤسساتها، في حين يفيد ناشطون دروز بأن العنصرية الإسرائيلية أسهمت في ذلك. في السنوات الأخيرة، يشهد الدروز تحركا ملحوظا لرفض التجنيد الإجباري المفروض على الشبان الدروز، مع تأسيس حراك “أرفض. شعبك بيحميك” الذي يوفر شبكة دعم للرافضين أو الممتنعين عن التجنيد التي تشمل متطوعين، محامين وأخصائيين نفسيين.
هناك أربع قرى درزية متبقية في الجزء الذي ضمته إسرائيل من مرتفعات الجولان – بقعاثا وعين قنية ومجدل شمس ومسعدة – يعيش فيها 23,000 درزي. معظم السكان الدروز في مرتفعات الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وبدلاً من ذلك يحملون وضع إقامة دائمة في إسرائيل، وبدلاً من جواز سفر إسرائيلي يستخدمون وثيقة مرور إسرائيلية صادرة من إسرائيل للسفر إليها، تترك فقرة الجنسية فارغة. منذ اعتماد قانون مرتفعات الجولان لعام 1981، أصبحت الأراضي خاضعة للقانون المدني الإسرائيلي، وأدمجت في النظام الإسرائيلي للمجالس المحلية. بعد ضم مرتفعات الجولان في عام 1981، قدمت الحكومة الإسرائيلية الجنسية لجميع غير الإسرائيليين الذين يعيشون في المنطقة، ولكن اعتبارًا من عام 2011، قبلها أقل من 10% من الدروز المحليين. في عام 2012، ومع ذلك، بسبب الحرب الأهلية السورية، تقدم عشرات من الشباب الدرزي بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية وهو رقم أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة. بحلول عام 2017 كان ما يقرب من 5,500 من أصل 26,500 درزي في الجولان قد تقدموا بطلب وتسيلم جواز سفر إسرائيلي منذ عام 1981. وارتفع عدد الطلبات السنويَّة بشكل مطرد، مع 183 طلبًا في عام 2016، مقارنةً بخمسة فقط في عام 2000. خلال الانتفاضة السورية عام 2011، عقد الدروز في هضبة الجولان عدة مسيرات لدعم الرئيس السوري بشار الأسد. وكان التأييد الشعبي لحكومة الأسد مرتفعاً تاريخياً بين دروز الجولان، وحصلت سوريا على اتفاقيات مع الحكومة الإسرائيلية للسماح لدروز الجولان بإجراء التجارة عبر الحدود مع سوريا. نشأت بعض التوترات مؤخرًا في المجتمع بسبب اختلاف المواقف بشأن الحرب الأهلية السورية، رغم أن الدعم العلني للمعارضة السورية كان غير شائع نسبيًا. في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية 2009، كان 1,119 من سكان قرية الغجر العلوية وحوالي 809 من سكان القرى الدرزية مؤهلين للتصويت، من أصل حوالي 1,200 من سكان الغجر وحوالي 12,600 من سكان القرى الدرزية الذين بلغوا سن التصويت. ويحق لأولئك الذين يتقدمون للحصول على الجنسية الإسرائيلية التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، والترشح للكنيست، والحصول على جواز سفر إسرائيلي. ولا يتم تجنيد سكان مجدل شمس في قوات الدفاع الإسرائيلية.
وفقاً لدراسة عن الهوية أجريتْ على الدروز في إسرائيل، وُجد أنّ معظمهم يعرّفون أنفسهم بأنّهم “دروز” قبل كلّ شيء، ثم بعد ذلك “إسرائيليّون”، وأخيرًا “عرب”. رغم أن بعض الدروز يعتبرون أنفسهم “دروزاً فلسطينيين”. وبحسب صالح الشيخ، فإن معظم الدروز لا يعتبرون أنفسهم فلسطينيين: “إن هويتهم العربية تنبع من اللغة المشتركة ومن الخلفيَّة الاجتماعية والثقافية، ولكنها منفصلة عن أي مفهوم سياسي وطني. وهي غير موجه إلى الدول العربية أو القومية العربية أو الشعب الفلسطيني، ولا تعبر عن أي مصير معهم، ومن هذا المنظور، فإن هويتهم هي إسرائيل، وهذه الهوية أقوى من هويتها العربية”. وعلى عكس المواطنين العرب في إسرائيل، فالدروز أقل تأكيداً على هويتهم العربية وأكثر تأكيداً على هويتهم الإسرائيلية، وأقلية منهم يُعرّفون أنفسهم على أنهم فلسطينيون. ويُلزم على الدروز من الذكور التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي، وهم معروفون بنسب التجنيد العالية في الجيش، ويخدمون أيضًا في وحدات قتاليّة، ومنهم من يتبوأ مراتب رفيعة.
في استطلاع أجراه عام 2008 البرفسور يوسف حسن من جامعة تل أبيب، عرّف 94% من المجيبين الدروز بأنهم “دروز إسرائيليون” في السياق الديني والوطني، بالمقابل قال 43% من المجيبين المسلمين وحوالي 24% من المجيبين المسيحيين أنهم “فلسطينيون”. وفقاً لإستطلاع قامت به مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي عام 2015 قال 54% من المستطلعين الدروز العرب أنّ الهوية الدينية (الهويَّة الدرزيَّة) هي الهوية الأكثر أهمية بالنسبة لهم، تلاها الهوية الإسرائيليًّة (37%) والهوية العربيَّة (5%). وفقاً لدراسة مركز بيو للأبحاث عام 2017 قال 71% من الدروز في إسرائيل أنهم عرب من الناحية العرقية، بالمقارنة مع 99% من المسلمين وحوالي 96% من المسيحيين قالوا أنهم عرباً من الناحية الإثنيّة. في حين توزعت النسبة المتبقية بين “آخر” أو “درزي” أو “درزي عربي”. وتوجد أقلية من الدروز الذين لا يرون أنفسهم حتى عربًا، بل كمجموعة عرقية متميزة تتحدث باللغة العربية. وبحسب دراسة فإن أقلية من الدروز يعتبرون أنفسهم “فلسطينيين”، ويميلون أكثر إلى التشديد على الهوية الدرزية أو الإسرائيلية. على الرغم من ذلك لعب بعض المثقفين الموحدون الدروز أدواراً مهمة في إنتاج الثقافة الفلسطينية العربية في إسرائيل. بالمقابل يُعتبر السكان الدروز المقيمين في مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بمقام المُقيمين الدائمين بموجب قانون هضبة الجولان لعام 1981. وقد قبلت نسبة قليلة منهم المواطنة الإسرائيلية الكاملة، والغالبية العظمى منهم يعتبرون أنفسهم جزء من الشعب السوري ومواطينين سوريين. ويميل الغالبية من دروز الجولان على التماهي مع الهوية والقومية العربية وبالأخص الهوية السورية.
وجدت دراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2015 أنَّ الدروز في إسرائيل ينقسمون بشكل بين أولئك الذين يقولون أن جوهر هويتهم الدرزية هي في المقام الأول مسألة دينيَّة (18%)، وأولئك الذين يقولون أن هويتهم الدرزيَّة مرتبطة أساسًا بالسلالة أو العائلة أو الثقافة (35%)، وأولئك الذين يقولون أنَّ هويتهم الدرزيَّة هي مزيج من الدين والنسب والثقافة (37%). وذلك بالمقارنة مع 45% من المسلمين و31% من المسيحيين و22% من اليهود الذين يقولون أن جوهر هويتهم الدينيَّة هي في المقام الأول مسألة دينيَّة. بحسب الدراسة قال حوالي 72% من الدروز، أنهم يقدرون هويتهم الدرزيَّة أو كونهم دروز بشكل كبير، وهي نسبة مماثله لكل من المسلمين والمسيحيين، لكنها أعلى بكثير من اليهود الذين قالوا أنهم يقدرون هويتهم اليهوديَّة (54%). أعرب أيضًا حوالي 93% من الدروز في إسرائيل بأنَّ هويتهم الدرزيَّة هي مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لهم، في حين قال 90% من الدروز أنَّ لديهم شعور قوي بالانتماء للمجتمع الدرزي، وقال 64% من الدروز أنَّ لديهم شعور خاص بالمسؤولية لمساعدة للدروز الذين هم بحاجة إلى المساعدة في جميع أنحاء العالم. وقال 16% من المسلمين الإسرائيليين أنهم يعتبرون الدروز من ضمن الطوائف الإسلامية أو مُسلمين.
وجدت دراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2015 أنَّ حوالي 49% من الدروز يعتبرون أنّ للدين أهميَّة كبرى في حياتهم، بالمقارنة مع 68% بين المُسلمين، وحوالي 57% بين المسيحيين، وحوالي 30% بين اليهود. ويقول حوالي 26% من الدروز بأنهم يصلون بشكل يومي، مقارنة بحوالي 61% من المسلمين، وحوالي 34% من المسيحيين، وحوالي 21% من اليهود. بينما يُصرِّح 25% من الدروز، و27% من اليهود، و38% من المسيحيين بأنهم يحضرون المراسم الدينيَّة على الأقل مرة في الأسبوع، بالمقابل يُصرح حوالي 49% من المسلمين في إسرائيل بأنهم يذهبون إلى المسجد على الأقل مرة في الأسبوع. وفقاً لاستطلاع قامت به مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي عام 2015 قال 43% من المستطلعين الدروز العرب في إسرائيل أنهم تقليديين في حين قال 36% أنهم غير متدينين على الإطلاق وقال 14% أنهم متدينين وقال فقط 7% أنهم متدينين جداً. ينقسم المجتمع عند الدروز عادةً إلى العقال أي الذين قد اتبعوا المسلك الديني، والجهّال أي الذين يعلمون بأمور عقيدتهم لكنهم غير متبعين طريق الزهد أو المسلك الديني. ولا يعترف الدروز بأي تسلسل ديني، وعلى هذا النحو، لا يوجد “رجال دين دروز”. عموماً لا توجد معيطات إسرائيلية عن نسب الدروز العقال والجهّال. لكن بناءاً على استطلاعات مختلفة يميل الدروز في إسرائيل إلى أن يكونوا أقل تديناً من ناحية أهمية الدين في حياتهم أو ممارسة الطقوس الدينية أو التردد على أماكن العبادة بالمقارنة مع المسلمين والمسيحيين العرب، بالمقابل تشير المعيطات إلى أنهم أكثر تديناً بالمقارنة مع اليهود الإسرائيليين.
وجدت دراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2015 أن الغالبية الساحقة من الدروز تَستمر تقريبًا في الانتماء في مرحلة الكهولة لنفس الديانة التي نشؤوا عليها في طفولتهم. كما وأفاد أقل من 1% الدروز في إسرائيل من المتزوجين بأنهم متزوجين من شريك ينتمي لديانة أخرى. واستناداً إلى البيانات الرسمية التي وردت من المحاكم الدينية الدرزية، حوالي 43.5% من 145 حالة للدروز الإسرائيليين الذين إرتدوا وتركوا العقيدة الدرزية بين عام 1952 إلى عام 2009، تحولوا إلى الديانة الإسلامية، وحوالي 38% تحولوا إلى الديانة اليهودية، وحوالي 10% تحولوا إلى الديانة المسيحية. وبحسب البيانات كانت معظم حالات اعتناق الإسلام بين الدروز لدوافع سياسية بحتة، في حين كانت العديد من الحالات الأخرى بسبب الزواج من شريك غير درزي، حيث وفقاً للمذهب الدرزي فإن زواج الفتاة الدرزية أو الشاب الدرزي من غير ديانة هو بمثابة الخروج عن الدين الدرزي. وبحسب البيانات الرسمية ضمت كل من يركا وعسفيا وشفا عمرو والرامة وبيت جن على أكبر عدد للمرتدين عن المذهب الدرزي على التوالي. ولدى المجتمع الدرزي نظرة سلبية للمرتدين والذي يشمل زواج الفتاة أو الشاب الدرزي من غير ديانة، وبالتالي يُجبر المرتدين عن المذهب الدرزي ومن يتزوج من شريك غير درزي على مغادرة قريتهم والنفي إلى أماكن بعيدة غير درزية، ويذهب هذا الضغط الديني والاجتماعي إلى ما بعد زواجهم وانجابهم بعزلهم ووضعهم في خانة المنبوذين. غالباً ما تكون الوجهة للمرتدين عن المذهب الدرزي إلى مدن مثل حيفا والقدس وكرمئيل وتل أبيب، وفي بعض الحالات إلى القرى المسلمة أو المسيحية. بالمقابل هاجر عدد قليل منهم إلى كندا والولايات المتحدة.
تُفيد الغالبيَّة من الدروز (83%) بأنَّ كافة أو أغلب أصدقائهم ينتمون إلى نفس مجموعتهم الدينية، في صرَّح 22% من الدروز بأن كافة أصدقائهم هم من نفس ديانتهم. يفيد أقل من 1% من سكان إسرائيل الدروز المتزوجين بأنهم متزوجين من شريك ينتمي لديانة أخرى. معظم الدروز يرفضون فكرة الزواج المختلط دينيًا؛ حيث يفيد 87% من الدروز بأنهم يرفضون فكرة زواج أحد أبنائهم/بناتهم من أحد اليهود، كما يفيد كذلك معظم الدروز (87%) بأنهم سيشعرون بعدم الارتياح إذا تزوج أحد أبنائهم/بناتهم من أحد المسيحيين، كما يفيد كذلك معظم الدروز (85%) بأنهم سيشعرون بعدم الارتياح إذا تزوج أحد أبنائهم/بناتهم من أحد المسلمين. وفقاً لاستطلاع قام به مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي عام 2015 قال 2% من المستطلعين الدروز العرب أنّهم يُوافقون على تقبّل اليهودي/ة كشريك/ة حياة له/ا أو لأولاده/ا، بالمقابل يتقبل 72% من المُستطلعين الدروز اليهود كجيران، ويتقبّل 81% اليهود كأصدقاء ويتقبّل 85% اليهود كزملاء في العمل. سياسيًا يميل الدروز أن يكونوا جزءًا من الأحزاب المعارضة، وفقًا لاستطلاع بين السنوات 2014-2015 شعر حوالي 16% من الدروز الإسرائيليين أنهم أقرب إلى حزب العمل الإسرائيلي وحزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وشعر حوالي 12% من الدروز بأنهم الأقرب إلى حزب كاديما، وشعر حوالي 11% من الدروز بأنهم الأقرب إلى حزب الليكود. في المجمل 19% من مجمل الدروز يصوتون للقائمة العربية المشتركة، بالمقارنة مع 25% من الدروز لا يصوتون لأي حزب، وحوالي 40% من الدروز يصوتون لأحزاب المعارضة الصهيونية اليساريَّة، وحوالي 15% من الدروز يصوتون للأحزاب الصهيونية اليمينيَّة. في انتخابات سبتمبر عام 2019 صوّت 16.4% من الدروز للقائمة العربية المشتركة بالمقارنة مع 68.3% من البدو في الشمال وحوالي 66.9% من المسيحيين، لكن شهدت انتخابات أبريل عام 2020 تضاعف بالتصويت وبقوة القائمة العربية المشتركة في جميع القرى الدرزيَّة، على حساب حزب الليكود وكَحُول لَڤَان، ووجد استطلاع لمؤسسة ديركت بلوس في فبراير عام 2020 أن حوالي 65% من المجيبين الذين عرفوا أنفسهم على أنهم دروز يؤيدون للقائمة العربية المشتركة. وبحسب المحللين من أسباب التغيير في التصويت الدرزي شعور الأقلية الدرزية بالخيانة بسبب الخطوة التي تقدمت بها حكومة بنيامين نتانياهو من خلال تمرير قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل وأعربت عن غضبها عن ذلك من صناديق الاقتراع. كما أنّ جابي أشكنازي الرجل الرابع في حزب كَحُول لَڤَان أُتهم “بالتفوه قبل سنوات بعبارات مسيئة للطائفة الدرزية”، يُذكر أنّ القائمة العربية المشتركة تضم على نائب ينتمي إلى الطائفة الدرزية. كما وجادل محللين إسرائيليين إلى أنّ الزيادة بأعداد الناخبين الدروز الذين قاموا بالتصويت للقائمة العربية المشتركة عكس تحولاً في الطريقة التي ينظر بها البعض إلى هويتهم.
سياسيًا يَعتبر غالبية الدروز الإسرائيليين (66%) بأن المستوطنات تضر بأمن إسرائيل، ويُبين الإستقصاء بأنّّ 58% من الدروز لا يؤمنون بأنه يمكن لدولة إسرائيل أن تكون دولة يهودية ودولة ديمقراطية في نفس الوقت. ويعتقد حوالي 8 من كل 10 أشخاص من عرب إسرائيل (79%) بأنَّ هناك تمييز عنصري كبير في المجمتع الإسرائيلي ضد المسلمين. ويعتبر حوالي 42% من الدروز أنَّ الحكومة الإسرائيليَّة غير صادقة في السعي للوصول إلى إتفاقيَّة سلام.
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية موفق طريف إلى جانب المطران عطالله حنا. اعتباراً من عام 2019، أصبح عدد سكان إسرائيل يُقدر بنحو 9,075,360 نسمة، وشكل المواطنون العرب حوالي 20.9% من السكان، دينياً، معظم عرب 48 من المسلمين، ولا سيّما من أهل السنة والجماعة. هناك أقلية عربية مسيحية مكوّنة من طوائف متنوعة إلى جانب أقلية من الموحدين الدروز. يعيش الدروز في عدد من قرى الجليل وجبل الكرمل بشكل منفرد مثل بيت جن وجولس وساجور وعين الأسد ويانوح-جت ويركا، أو اختلاطًا بالمسلمين والمسيحيين في أبو سنان ودالية الكرمل وكفرياسيف والمغار وشفاعمرو والرامة الجليليّة. وتضم بعض القرى التي يشكل غالبيَّة سكانها من الدروز على أقلية مسيحية عربيَّة مثل حُرفيش والمغار والبقيعة وكسرى-كفرسميع وعسفيا وغيرها. وتضم كل من كفرياسيف والرامة الجليليّة ذات الأغلبيّة المسيحية على أقلية من الموحدون الدروز، أما في الجولان الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، يتوزع الدروز فيه بين بقعاثا، وعين قنية، ومجدل شمس ومسعدة. وتضم كل من مجدل شمس وعين قنية على أقليّة مسيحيّة صغيرة. بشكل عام كانت العلاقات بين الطوائف الدينية في المجتمع العربي الإسرائيلي جيدة وهناك تعايش سلمي واختلاط على كافة المستويات، ويدرس العديد من الطلاب الدروز في المدارس المسيحية في منطقة الجليل وحيفا. على الرغم من ذلك هناك حالة من التباعد بين الموحدون الدروز والعرب المسلمين في إسرائيل، ويحمل هذا التباعد أو الشرخ في طياته مفاهيم أخرى اذ أنه ينطوي ضمن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك بسبب موقف المواطنين العرب الدروز في إسرائيل حول القضية الفلسطينية، خصوصاً أن شبابهم مُلزمون بأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، وهو أمر ترفضه معظم فئات المجتمع العربي في إسرائيل.
شهد المجتمع العربي في إسرائيل في الماضي العديد من الخلافات والنزاعات الطائفية وبعضها كان دموياً، أولها كانت بين المسيحيين والدروز في كفرياسيف سنة 1981 على خلفية شجار عام لكرة القدم بين فريقي كفرياسيف وجولس الدرزية، أدى ذلك إلى الهجوم على بيوت ومصالح وممتلكات المسيحيين في كفرياسيف. وشهدت بلدة المغار أحداث طائفية على خلفية اشاعات اتهمت أحد الشبان المسيحيين بنشر صور لفتيات درزيات عاريات مما أدى إلى اعتداء على كنيسة القرية وعلى ممتلكات المسيحيين؛ وشملت الأحداث تدمير للمملتكات من سيارات وتهشيم واجهات المحلات التجارية التابعة للمواطنين المسيحيين في البلدة. وتبين لاحقاً أن من نشر الصور شاب درزي. حيث وفقاً لمحللين يواجه العديد من الناس صعوبات اقتصادية في بلدة المغار، وقد تكون التوترات الطائفيَّة ناتجة عن العداء بين السكان المسيحيين الأكثر ثراء والدروز الأفقر. كما ويشكو القادة الدروز من أنه على الرغم من أن أبنائهم يخدمون في الجيش وفي قوات الشرطة، فإن الحكومة لا تكافئ المجتمع الدرزي، بينما يحصل الشباب المسيحي في الوقت نفسه على تعليم عالٍ ويحصلون على وظائف أفضل. وشهدت شفاعمرو عام 2009 اعتداءات وتحطيم وحرق سيارات خاصة ومنازل ومحال تجارية تعود ملكيتها لمسيحيين من قبل بعض الدروز وذلك على خلفية نشر مجهول صورًا على شبكة الإنترنت أساءت إلى الزعيم الروحي السابق للطائفة الدرزية أمين طريف. وفي عام 2014 شهدت قرية أبو سنان أعمال عنف طائفية بين الدروز والمُسلمين بعد مشاحنات على “فيسبوك” بين شبان دروز ومسلمين اتهمت كل مجموعة منهم الأخرى بالتعرض لبناتهم، وتطور الوضع إلى اشتباكات في الشارع. وأدى قتل شرطيين من المواطنين الدروز في إسرائيل من قبل ثلاثة شبان من سكان مدينة أم الفحم عام 2017 إلى خلافات ونزاعات بين المسلمين والدروز، حيث تعرضت مساجد في المغار ذات الأغلبية الدرزية إلى إطلاق النار.
لا تضم التجمعات الدرزية في إسرائيل على مجتمعات يهودية، وبالتالي تبدأ العلاقة مع المجتمع اليهودي عموماً خلال الخدمة الإجبارية في جيش الدفاع الإسرائيلي. تؤمن أقلية من الدروز في مفهوم الصهيونية، وفي عام 1973 أسس أمل نصر الدين الدائرة الدرزية الصهيونية، وهي مجموعة تهدف إلى تشجيع الدروز على دعم دولة إسرائيل بشكل كامل ودون تحفظ. وينتمي عشرات من الدروز الإسرائيليين إلى الحركات الصهيونية الدرزية. وفقاً لإستطلاع قامت به مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي عام 2015 على الرغم من أن الدروز أكثر “فخراً” بكونهم إسرائيليين بالمقارنة مع المُسلمين والمسيحيين العرب، الا أنّه عندما يتعلق الأمر بالاندماج مع الأغلبية اليهودية، يتقبلّ الدروز اليهود كجيران أو كأصدقاء أو كزملاء عمل بشكل أقل من المسلمين والمسيحيين. ورغم أن الدروز يتعاملون مع اليهود بشكل يومي في بعض المؤسسات مثل جيش الدفاع الإسرائيلي على سبيل المثال، الا أنهم كانوا أقل استعداداً للعلاقات الشخصيّة مع اليهود بالمقارنة مع المسلمين والمسيحيين العرب.
مع سنّ قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل عام 2018 أثار قانون الدولة القومية سخط الدروز لما ينطويه عن إقصاءٍ لكُل من هو غير يهودي، مما تسبب بتقديم 3 نوّاب دروز استئنافًا ضد القانون المذكور، تزامنًا مع حملة احتجاجات أطلقتها المراجع الروحية والفاعليات في القرى الدرزية، وصولًا إلى تقديم بعض الضبَّاط الدروز استقالاتهم من الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن انتقاد الكثير منهم للقانون بكتابات عبر صفحات موقع فيسبوك. ونادى بعض الضبّاط الدروز بوقف فرض التجنيد الإلزامي على أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل مما أثار خشية مسؤولين إسرائيليين من احتمال حصول تمردٍ دُرزيٍّ داخل الجيش وخروجٍ جماعيٍ منه. وتأكيدًا على خطورة الوضع داخل الجيش الإسرائيلي، من تململ الضبّاط والجنود الدروز، التقى رئيس أركان الجيش غادي أيزنكوت بالزعيم الروحي لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ موفق طريف في مُحاولةٍ لامتصاص نقمة الطائفة على ذلك القانون. وشارك أكثر من 100 ألف درزي في تظاهرةٍ احتجاجية أقامها الإسرائيليون المُعارضون لقانون الدولة القومية، تحت شعار «المسيرة من أجل المساواة»، وذلك أمام مبنى بلدية تل أبيب. وتقدّم المشاركين المرجع الروحي الشيخ موفق طريف، وشخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية، بينهم رئيس أسبق لجهاز «الشاباك» هو يوفال ديسكين، ورئيسان أسبقان لجهاز «الموساد» هما تمير برودو وأفرايم هليفي ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غابي أشكنازي. ورفع المشاركون الأعلام الدرزية والإسرائيلية، فيما قامت بلدية تل أبيب بطلاء مبناها بألوان علم الطائفة الدرزية.
إسرائيل ومشروع “الدويلة الدرزية”: ليس خافياً على كل متابع للصراع العربي الإسرائيلي، أن إسرائيل وضعت في صلب استراتيجيتها ومنذ تأسيسها، على أرض فلسطين، العمل على تقسيم المنطقة العربية، وخصوصا سورية ولبنان لدويلات طائفية مستغلة التنوع الفسيفسائي الطائفي القائم في هذه الدول، وذلك لإضفاء الشرعية على وجودها كدولة يهودية من جهة، ولإشغال العرب بصراعات طائفية فيما بينهم من جهة أخرى. كانت فرنسا أول من حاول اغراء الدروز بإقامة كيان خاص بهم، وكانت أولى محاولاتها على يد نابليون بونابرت، الذي عرض على الدروز إقامة كيان خاص بهم فيما لو تعاونوا معه في احتلال عكَّا، في مارس/ آذار من عام 1799، فقد توجَّه للأَمير بشير الشَّهابي الثَّاني، وطلب منه الدَّعم المعنوي والعسكري في محاربة الجزَّار واحتلال عكَّا، ولكن بشيرًا، بعد أَن تشاور في الأَمر مع زُعماء الدَّروز في اجتماع عقد في ضريح الأَمير السيِّد عبدالله التَّنوخي ببلدة عبَيْه بلبنان، رفض طلبه وفضَّل أَن يكون مُحايدًا في هذا الصراع. كانت فرنسا أول من حاول اغراء الدروز بإقامة كيان خاص بهم، وكانت أولى محاولاتها على يد نابليون بونابرت، الذي عرض على الدروز إقامة كيان خاص بهم فيما لو تعاونوا معه في احتلال عكَّا . المحاولة الثانية كانت بعد معركة ميسلون في يوليو من عام 1920 واحتلال فرنسا لسورية. حيث قامت فرنسا بتقسيم سورية لدويلات طائفية من ضمنها دويلة الدروز وذلك في 1 مايو/أيار 1921 ، ولكن سرعان ما انتفض الدروز ضد التقسيم، فقامت الثورة الأولى لسلطان باشا الأطرش عام 1922 ضد الفرنسيين، ومن ثم قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925 حيث تم إنزال علم الدويلة الطائفية ورفع العلم السوري معلنين رفضهم للتقسيم، وهكذا فشل المشروع الفرنسي بتقسيم سورية، وقاد سلطان باشا الأطرش نضال كل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية ضد المستعمر الفرنسي لإنجاز استقلال الدولة السورية.
أورد يوآف أوركاد في دراسة له حول ” الأقلية العربية في إسرائيل والخدمة الإلزامية في الجيش” اقتباساً مهماً من بروتوكول الجلسة التي عقدت بتاريخ 10/10/1952 لقيادة الجيش الإسرائيلي، حيث جاء في معرض نقاش قيادة الجيش حول فوائد فرض الخدمة الإلزامية على الدروز في إسرائيل ما يلي: “قادة الجيش يأملون أن تكون العلاقات الوطيدة بين دولة إسرائيل والدروز مدخلاً لتمكين الجيش الإسرائيلي من أجل العمل بين دروز سورية بهدف تقويض وزعزعة النظام في سورية، وقد تم أيضاً طرح فكرة أن تقدم إسرائيل للدروز وعداً بإقامة حكم ذاتي لهم في منطقة جبل الشيخ ضمن اطار دولة إسرائيل”. بعد هزيمة يونيو /حزيران 1967، واحتلال الجولان، بدأت إسرائيل بشكل حثيث بمحاولة تطبيق هذه السياسة وترجمتها على أرض الواقع، مستغلة الوضع العربي المتردي بعد الحرب، خصوصاً بعد نجاحها بطرد غالبية سكان الجولان من بيوتهم، مما مهد الطريق أمام طرح فكرة الدويلة الدرزية والتي طرحت مباشرة بعد الاحتلال. حيث وردت تفاصيل المشروع الإسرائيلي لإقامة دولة درزية في العديد من المصادر العربية والإسرائيلية ومن أهمها كتاب محمد خالد قطمة، قصة الدولتين المارونية والدرزية، كتاب غالب أبو مصلح، الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي، صالح زهر الدين، تاريخ المسلمين الموحدين الدروز وذكر أيضا عند بعض المختصين الإسرائيليين بالشؤون السورية واللبنانية، مثل موشيه معوز وآيال زيسر، وشمعون أفيفي وتطرقوا للمراسلات بين إيغال ألون وليفي أشكول، رئيس الوزراء إبان حرب يونيو/حزيران 1967، حول مشروع قيام كيان خاص بالدروز، على خلفية احتلال الجولان.
طرحت فكرة تقديم إسرائيل للدروز وعداً بإقامة حكم ذاتي لهم في منطقة جبل الشيخ ضمن اطار دولة إسرائيل.
وقد ورد تفصيل هذا المشروع في المصادر السابقة كما يلي: إيغال ألون، صاحب المخطط تردد في أواخر عام 1967مدفوعا من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إلى الجولان، ليجري لقاءات مع قيادات المنطقة، وكان كلامهم) أي الإسرائيليين واضحاَ وحاسما (إما القبول بالمخطط وإما الترحيل). فاختارت قيادة الجولان التظاهر بالقبول لكي تمنع الترحيل. ولكنهم أصروا ضمنا على إفشال هذا المخطط. اختير عضو البرلمان السوري السابق كمال كنج أبو صالح (كان عضواً في أول برلمان سوري بعد الاستقلال) لخبرته السياسية للقيام بهذه المهمة الصعبة. اقترح كمال كنج على الإسرائيليين اسم كمال أبو لطيف لثقته الكاملة بوطنيته، ليشكل صلة وصل بينه وبين وقيادات الدروز في سورية ولبنان. ثم سافر إلى إيطاليا برفقة أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية ويدعى “يعقوب”(اسم مستعار وعرف عن نفسه أنه عقيد في الأمن الإسرائيلي)، ومن هناك استدعى كمال أبو لطيف، وهو لبناني الجنسية وضابط سابق في الجيش السوري، فاستقبله منفرداً بعد أن أقنع يعقوب أنه سيمهد له الطريق لقبول المخطط. أخبر كمال كنج كمال أبو لطيف بالتفاصيل، التي كان قد عرفها من يعقوب، واتفقا معا على إفشال هذا المخطط الخطير، ووضع الجانب العربي بتفاصيله، ولكنهما تظاهرا أمام يعقوب بقبوله لاستكمال باقي التفاصيل حول هذه المؤامرة. وبالفعل عاد كمال أبو لطيف، بعد أن استطاعا هو وكمال كنج أخذ تفاصيل مهمة عن المخطط، إلى لبنان، وأطلع كمال جنبلاط وشوكت شقير (رئيس أركان الجيش السوري سابقاَ) على التفاصيل، وبدوره قام كمال جنبلاط بإخبار الرئيس جمال عبد الناصر. وسافر كمال أبو لطيف إلى دمشق ليطلع عبد الكريم الجندي، رئيس شعبة المخابرات آنذاك على المخطط، الذي كانت تفاصيله كما يلي:
تشن إسرائيل هجوما على جنوب سورية لتصل إلى جبل الدروز، وبالمقابل تشن هجوماً من جنوب لبنان لتصل الى جبال الشوف بحجة التواجد الفلسطيني، ثم يعلن عن قيام دولة درزية تمتد جغرافياً من جنوب سورية مروراً بالجولان وصولاً الى جبال الشوف وتكون عاصمتها السويداء في سورية، تعترف بها إسرائيل وأميركا. وقد رصد لهذه الغاية مبلغ أولي وقدره 30 مليون دولاراً. تقوم إسرائيل لاحقاً بنقل دروز الجليل والكرمل إلى الجولان الذي أخلي من سكانه. وهكذا تتخلص إسرائيل من الدروز داخل حدود ال 48 وتسيطر على قراهم، وبالمقابل يتشكل حزام درزي مدعوم من إسرائيل يشكل حاجزاً بينها وبين الجانب العربي.
أبلغ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر السلطات العراقية والأردنية بالمعلومات التي توفرت لديه، ثم أُعلن عن قيام الجبهة الشرقية من الدول العربية الثلاث: سورية، العراق والأردن، وأنيطت قيادتها بضابط مصري كبير، وعززت المواجهة في مواقع المحاور التي وردت على لسان يعقوب بقوات عسكرية من دول الجبهة.
هنا أدركت القيادة الإسرائيل انفضاح مخططها، فتم استدعاء كمال كنج للتحقيق فأنكر. بدأت بمراقبته، حيث كان قد استدعي إلى سورية أكثر من مرة، لوضعهم بباقي التفاصيل الملحة. وفي آخر زيارة كان ينوي أن يقوم بها إلى دمشق، برفقة أحد رجال الكومندوس السوري، الذي وصل إلى بيته سراً لمرافقته، تم تطويق بيته وألقي القبض عليه وعلى رجل الكومندوس في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1970، وحوكم أمام محكمة عسكرية في القنيطرة، وحكم عليه بالسجن لمدة 208 سنوات. أما كمال أبو لطيف فقد تم اغتياله عام 1985 في بلدته عيحا من قبل الإسرائيليين.
إحياء المشروع من جديد: مع بداية الثورة في سورية، أي بعد آذار/مارس من عام 2011، لوحظ ازدياد النشاط العسكري الإسرائيلي بحجة حماية أمنها في منطقة الجولان، خصوصاً بعد أن تفاقمت الأوضاع على الساحة السورية، وتحولت الثورة مع الزمن الى حرب دامية بين الأطراف المتصارعة وبُدئ لاحقاً الحديث من قبل النظام عما عرف بمشروع “سورية المفيدة”، وفُتح بذلك الباب لطرح موضوع التقسيم. دراسة (2016): ضعف قوات النظام السوري وفقدان سيطرته على الجولان يمكن أن تغير موقف الدروز حيال إسرائيل وتحولهم الى مرشحين طبيعيين أكثر من الأكراد للتعاون معها . صدرت عام 2016 دراسة عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب أجراها كل من الباحثين: أودي ديكل ونير بومس وأوفير فينتر، تحت عنوان: “على صناع القرار الإسرائيليين التعاون مع لاعبين إيجابيين في المعارضة السورية” دعا الباحثون صناع القرار في إسرائيل إلى استبدال سياسة الوقوف جانبا بإقامة علاقات مع ” لاعبين إيجابيين” من بين التنظيمات الفاعلة في سورية، واعتبرت الدراسة أن الأقليات والطوائف في سورية، الأكراد والدروز والمسيحيين والإسماعيليين، هم جزء من “اللاعبين الإيجابيين”، الذين بإمكان إسرائيل التعامل معهم. أما فيما يتعلق بالدروز في سورية، فقد اعتبرت الدراسة أن هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تغير موقف الدروز حيال إسرائيل وتحولهم الى مرشحين طبيعيين، أكثر من الأكراد، للتعاون معها:
العامل الأول، هو ضعف قوات النظام السوري والتخوف من سقوط الأسد. هذا الأمر سيؤدي، وفقا للدراسة، إلى تعالي أصوات بين الدروز تدعو إلى إعادة النظر في الحلف مع النظام.
العامل الثاني، هو قرب عدد من القرى الدرزية في سورية من هضبة الجولان المحتلة. الأمر الذي شجع على فتح قنوات اتصال بين الجانبين من أجل الاستعداد لاحتمال أن يفقد نظام الأسد سيطرته في الجولان (غير المحتل).
العامل الثالث، هو محاولة تدخل الدروز في إسرائيل في شؤون الدروز في سورية، من خلال جمع المساعدات المالية والعينية لهم.
وفي تصريح لافت لقائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير إيشل، خلال لقاء مع شخصيات درزية في الجليل في أيلول/سبتمبر من عام 2014، صرح بأن “حلف إسرائيل مع الدروز لا ينتهي عند حدود الدولة”، وأوضح وزير الدفاع السابق موشيه يعلون خلال لقاء مع صحافيين، في حزيران/يونيو من عام 2015، أن إسرائيل تشترط مواصلة تقديم العلاج الطبي والمساعدات الإنسانية لقوى المعارضة السورية، وفي مقدمتها “الجيش السوري الحر”، بأن تمتنع التنظيمات الجهادية عن الاقتراب إلى الشريط الحدودي في الجولان ومهاجمة قرى درزية سورية. من هنا نستطيع أن نستنتج، أن هذا المشروع ما زال قائماً في أذهان القيادة الإسرائيلية وينتظر التوقيت المناسب لإعادة احيائه. ولكن أعتقد جازماً، أن الدروز في سورية ولبنان، وهم الأكثرية الساحقة للدروز في المنطقة العربية، لن يسمحوا لهذا المشروع بأن يمر، فهم يعتبرون أنفسهم مؤسسين لدولتي سورية ولبنان ولذلك لن يساهموا في تقسيمهما ولن يتنكروا لدماء شهدائهم، فالدروز في سورية على سبيل المثال وضعوا وفقاً لكتاب جميل علواني، نضال شعب وسجل خلود، 2339 شهيداً ابان الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش أي ما نسبته 56.4 % من مجموع شهداء سورية ابان الثورة والذي بلغ 4145 شهيداً مع أنهم لا يشكلون أكثر من 3% من سكان سورية.