بعد مرور عام ونصف على توليه مهام منصبه، قام “جو بايدن”، الرئيس الأمريكي، بزيارةٍ شرق أوسطية شملت إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وجاء حاملاً في جعبته الكثير من أهداف؛ من أهمها تشكيل “ناتو عربي- خليجي- إسرائيلي” لمواجهة إيران، والضغط على السعوديين لزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار التي ارتفعت بشكلٍ غير مسبوق إثر بدء روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا شهر فبراير الماضي.
ولمتابعة وتقييم نتائج قمة “بايدن” في مدينة جدة السعودية، عقد مركز “جسور للدراسات الاستراتيجية” جلسة حوار مع مجموعة من الخبراء والباحثين المعنيين بقضايا العلاقات الأمريكية- الشرق أوسطية، وذلك من أجل التوصل إلى قراءة شاملة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، ومصر على وجه الخصوص، بعد زيارة الرئيس “بايدن” إلى الشرق الأوسط منتصف يوليو الجاري.
أدار الندوة د.هاني إبراهيم، رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، وشارك في اللقاء كل من: أ.دجهاد عوده، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان؛ أ. عبد الناصر قنديل، نائب رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية؛ د.م أحمد سلطان، نائب رئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين بالقاهرة؛ أ. أحمد مصطفىخبير الدراسات النقابية والعمالية؛ أ. جيهاد مخاليف، أحد القيادات الشابة ذات الخبرة الممتازة في العمل العام؛ أ. وائل الطنطاوي، باحث دكتوراه في القانون الدولي بجامعة القاهرة؛ محمد أشرف، مراقب دولي تابع لمنظمة الأمم المتحدة في غرب أفريقيا؛ و أ. مصطفى صلاح، باحث دكتوراه في العلاقات الدولية،.
في بداية اللقاء، أشار د. هاني إبراهيم، رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها غير قادرة على التعامل مع الأزمة المتفاقمة بفعل ارتفاع أسعار الطاقة غير المسبوق جرّاء اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية. كما سلّط الضوء على التغير الحادث في موقف إدارة “بايدن” تجاه الدولة المصرية في الفترة الأخيرة، بسبب دور “القاهرة” الفعّال في حلحلة الأزمة التي اندلعت بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، عبر تقديم مقترح هدنة.
وبخصوص موضوع الندوة، أضاف د.هاني إبراهيم أن قمة جدة اكتسبت زخمًا قويًا، حيث حضرها قادة وزعماء كل من مصر والعراق والأردن إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي. وركزت محاورها الأساسية على مناقشة مصادر الطاقة وسبل زيادة الإنتاج النفطي، المشكلة العربية-الإسرائيلية، وكذلك الموقف العربي من الأزمة الروسية-الأوكرانية والذي جاء في أغلبه محايدًا بشكلٍ متعمد.
سؤال الندوة الرئيس: وهو “ما هي تبعات قمة جدة على مصر على وجه الخصوص؟”

آراء الخبراء المشاركون في الندوة:
استهل أ.د جهاد عوده، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان، حديثه بضرورة الأخذ في الاعتبار قمتيّ: القدس وجدة، حتى يكون المشهد كاملاً وواضحًا أمام الجميع. فالحديث عن “ناتو عربي” بدأ من قمة القدس، وتوسّع الحديث عنه في قمة جدة، ولكن كان هناك رفض عربي للفكرة.
وقال أ.د عوده أنه من المهم الإشارة إلى أن هناك علاقات دفاعية في الشرق الأوسط تسمح بالدفاع المتنوع عن الدولة التي تتعرض لتهديد. وهذه العلاقات ساهمت بشكلٍ أو بآخر في إبراز أهمية الحوار العلني بين الدول. وفي غضون هذا، لا يجب التقليل من أهمية الحوار العلني بين السعودية وإيران، خاصة في ضوء موافقة كلٍ من الأمير “محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، و”علي خامنئي”، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، على إجراء مثل هذا الحوار والذي يدلل بقوة على وجود حدود للقوة الإيرانية.
وأشار أ.د عوده إلى الظروف المفصلية الذي تمر به المنطقة، والتي دفعت “سيرغي لافروف”، وزير الخارجية الروسي، إلى القيام بزيارة إلى مصر خلال الفترة الأخيرة. وتنطوي تلك الظروف على وجود قوتين مهمتين في المنطقة وهما القوة الصينية والروسية، وعليه لم تعد المنطقة خالصة للأمريكيين. ويرى أ.د عوده أن المنطقة تمربلحظة مفصلية، وهذه اللحظة يمكن لمصر خلالها أن تحقق مكاسب كبيرة، وإذا لم تتوخى الحيطة فقد تشهد خسائر جمة.
على صعيد متصل، يرى د.م أحمد سلطان، نائب رئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين بالقاهرة، أن قمة جدة ارتبطت بشكل أساسي بملف الطاقة، على اعتبار أن المنطقة العربية تُعد أحد اللاعبين الرئيسيين بالنسبة لموارد الطاقة في العالم. وفي هذا السياق، يقول إنه لا يجب أن نغفل قمة ثالثة عُقدت في نفس التوقيت وهي “قمة طهران” التي جمعت روسيا وتركيا وإيران. وكان العامل المشترك بين قمة جدة وقمة طهران هي النفط. فالحرب الروسية-الأوكرانية سبّبت أزمة بالنسبة لموارد النفط والغاز الطبيعي على الصعيد العالمي.
ويقول د.م سلطان أنه عندما زار بايدن السعودية، كان هناك أهداف معلنة وغير معلنة. ولفت إلى أنه دومًا عندما يزور رئيس أمريكي السعودية، فإنه زيارته يتبعها انخفاض في أسعار النفط. ولكن عندما ذهب الرئيس “بايدن” إلى “جدة”كان من أجل البحث عن إنجاز شخصي قبيل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل. وحاول الرئيس الأمريكي الحصول على وعد سعودي بزيادة إنتاج الطاقة، ولكن ولي العهد السعودي قال إن رفع الطاقة الإنتاجية للسعودية والتي تبلغ حاليًا 12 مليون برميل سيكون تدريجيًا، واعدًا بزيادتها إلى 13 مليون برميل ولكن بحلول 2027. وهذا يدلل على أن السعودية هي اللاعب الرئيسي في منظمة أوبيك بلس، وبالتالي يمكنها أن تتحكم في السوق العالمي.
ومن جهته، أشار د.م سلطان إلى بعض الإحصائيات، كما يلي:
- يبلغ معدل الإنتاج اليومي للمملكة العربية السعودية حوالي 10 مليون برميل.
- تبلغ طاقة الإنتاج القصوى الفورية حوالي 7 مليون برميل للتصدير.
- تعتبر المملكة هي ثاني أكبر منتج للنفط عالميًا.
- تمتلك السعودية أقل تكلفة لبرميل النفط في العالم حيث يبلغ 2.5 دولار للبرميل.
يرى د.م سلطان أن إعلان ولي العهد السعودي أن أقصى طاقة إنتاجية للمملكة هي 13 مليون برميل يوميًا، ينطوي على عددٍ من الرسايل، من بينها:
- السعودية لا تستخدم البترول كورقة اقتصادية، ولكن ورقة ضغط سياسي.
- ضرورة وجود استثمار في مصادر الطاقة الأحفورية.
- اعتبارات الأمن القومي للجميع يتطلب تأمين سلاسل الإمدادات العالمية.
كما ويرى د.م سلطان أن أوبك بلس لن تُزوّد الانتاج، ويرجع ذلك إلى تأثر البنية التحتية لبلدان المنظمة حيث باتت تعاني بسبب زيادة الضغط عليها جرّاء الزيادات السابقة في الإنتاج، وكذلك الوضع الداخلي في ليبيا وتراجع معدل الإنتاج النفطي الليبي. وعليه، ستحتفظ أوبك بمعدلات إنتاج يوليو. ويؤكد د.م سلطان على أن وجود روسيا فيأوبيك بلس يؤثر على قرارات المنظمة، ووبالتالي لن تغامر السعودية بخسارة روسيا. وأخيرًا يرى أنه من الممكن أن تتراجع اوروبا عن العقوبات الاقتصادية على روسيا، ويحدث تفكك في موقف الكتلة الأوروبية ضد العقوبات على روسيا، وسيحدث انسحابات خلال الفترة المقبلة.

يستأنف أ. عبد الناصر قنديل، نائب رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، قراءته للمشهد العام بعد القمم الثلاث التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، وهي قمة جدة- قمة القدس- قمة طهران، قائلاً إن:
-القمم كانت استجلاءً لمواقف وليست صناعة مواقف، فما تلاها هي نواتج حراك داخلي أعلنت عن نفسها صراحة، وأثبتت أن المنطقة العربية لم تعد الفناء الخلفي للولايات المتحدة.
-مثّل خطاب ولي العهد السعودي أهم الخطابات الذي أعلن أن الرياض لم تعد تابعة للقرار الأمريكي، وهذا كانت نتيجة للاستعلاء الأمريكي تجاه العائلة المالكة السعودية، ولكن الأمير “محمد بن سلمان” كان ذكي في استقلال القرار السعودي، وتنويع المصالح والانفتاح على الصين وروسيا.
-استطاع الروس الاستفادة من الأوضاع في سوريا، من حيث ترسيخ قواعدها، وتوطيد علاقاتها مع النظام السوري.
-بات الانفتاح الصيني على المنطقة متغيرًا مهمًا، حيث تستخدم بكين أدوات كثيرة سياسية واقتصادية تساعدها على التغلغل في المنطق، فنرى أن الكثير من الأحزاب المصرية على علاقة مباشرة بالحزب الشيوعي الصيني.
-اتسم الموقف المصري بالاتزان خصوصًا منذ عام 2015 وما تلاه، فحاولت مصر تحقيق الاستقلال في القرار الخارجي، وحاولت خلق وجود إقليمي، فتوجّهت بشكل رئيسي نحو استقطاب أنظمة الخليج.
-لن تعود المنطقة بعد القمم الثلاثة كما كانت قبلها، حيث ستزداد قدرةأطراف المنطقة في التاثير على المواقف الدولية، بل ويمكن استخدام بعض المواقف العربية في الإسراع نحو الإطاحة بنظام الرئيس بايدن.



مشاركات الحاضرين في الندوة، وردود الخبراء عليهم:
طرحت أ. جهاد مخاليف، أحد القيادات الشابة ذات الخبرة الممتازة في العمل العام؛أسئلة هامة، من بينها: “بعد القمم الثلاث، أصبح هناك تزايد للوجود الروسي والصيني في المنطقة، فهل هذا يبشر بحدوث توازن قوى في المنطقة أم يشير إلى استبدال قوى بقوى أخرى؟”
أ.د. جهاد عوده: حتى هذه اللحظة من الواضح أن هناك نفوذ أمريكي أعمق من النفوذ الروسي والصيني، فالنفوذ الأمريكي لا يزال له ثقل كبير، ربما يرجع ذلك إلى تاريخه وأدواته والقوات الأمريكية الموجودة على الأرض. وعلى الرغم من تراجع نفوذ الأمريكيين، لكن النفوذ الروسي والصيني لا يزال منصبًا على شرق آسيا، ويحظى الشرق الاوسط باهتمام أقل من جانب القوتين.
في هذا السياق، طرح د. هاني إبراهيم سؤالاً حول الوجود البريطاني في الشرق الأوسط، فهل لا تزال أحد الفاعلين وراء الابواب المغلقة، وأهم قوة استخباراتية في الشرق الاوسط؟
أ.د. جهاد عوده:بريطانيا لديها نفوذ عميق في إثيوبيا، وفي الشرق الأوسط، وبالتالي يعتبر النفوذ المؤسسي البريطاني كبير في الشرق الأوسط. وهنا، لابد من النظر إلى انجلترا الجديدة (بعد البريكست)، باعتبارها تمتلك مسارين، الأول: أنها تحارب لأن تمتلك نفوذًا قويًا في شرق أسيا والشرق الأقصى، والثاني: أن الأجهزة البريطانية تركز على الشرق الأوسط بشكل كبير.
طرح أ. وائل الطنطاوي، باحث دكتوراه في القانون الدولي بجامعة القاهرة، سؤالاً حول تصريح للرئيس “بايدن” يقول فيه إن حل مشكلة سد النهضة ينبع من الداخل وليس من الخارج، ألا يدل ذلك على فشل بايدن في تغيير موقف مصر لتأييده. هل ممكن أن نرى تغيير في موقف بايدن تجاه مصر؟
من ناحيته، علّق أ. مصطفى صلاح، باحث دكتوراه في العلاقات الدولية، على موضوع الندوة، قائلاً:
-نحن أمام مشهد جديد في المنطقة، ستكون القوى الفاعلة فيه هي القوى الإقليمية، فروسيا وأمريكا تضعان في اعتباراتهما بعض الدول عن غيرها، فمثلاً روسيا تنظر إلى الجزائر كحليف ولكن إلى مصر كمنافس.
-هناك ملفات تستحوذ اهتمامات القادة في المنطقة، مثل مصر (ملف سد النهضة مع إثيوبيا)، السعودية(علاقتها مع إيران)، قطر (أهمية فلسطين).-كل دولة تتجه إلى دعم مصالحها مع إشراك الدول الأخرى، فمثلاً قد نري تعاون مصري-تركي في شرق المتوسط بضغط أوروبي.
ومن جانبه، أفاد أ. محمد أشرف، مراقب دولي تابع للامم المتحدة في غرب أفريقيا، أن:
-التعاون المصري مع تركيا سيكون ضرورة وليس خيار، خاصةً بالنسبة لأزمة غاز المتوسط، فالاستفادة الكبرى كانت لإسرائيل. ومن خلال المنطق الجيوسياسي، مصر تستورد 650 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من اسرائيل.
-لا يرى حدوث أي تغيير جذري في المنطقة بالنسبة لسياسات الدول الكبرى. فمثلاً الولايات المتحدة لا تتعاون مع مصر في أي أزمة أو مسالة إلا بوجود إسرائيلي.
في النهاية، جاء تعليق د.م أحمد سلطان، بشأن مسألة مصر وتركيا وإسرائيل وغاز شرق المتوسط التي أثارها أحد الحاضرين، أن:
-مصر وتركيا: مصر لاتحتاج إلى تركيا في شرق المتوسط، بل ولم تحتاجها عندما بدأت القاهرة في عمليات التنقيب عن الغاز
-مصر وإسرائيل:إسرائيل تحتاج لمصر وليس العكس، فمصر تمتلك بنية تحتية قوية في مجال إسالة الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.
-مصر نقطة عبور للغاز، ولديها اكتفاء ذاتي من الغاز في 2018.
-المشهد سيتغير تمامًا بعد زيارة بايدن، بدليل أن الجميع ينظر إلى مصر في ملف الطاقة باعتبارها ممر آمن لعبور الطاقة.
وفي نهاية الندوة الحوارية، قال د. هاني إبراهيم بأن ثمة قضايا أخرى لابد من تسليط الضوء عليها وبحث تأثيراتها المباشرة على مصر، لعل من أهمها ملف الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في نهاية أكتوبر المقبل.






قام بتنظيم اللقاء وإعداد التقرير والتوثيق
ا/هيام القزاز – ا/ أليان بطرس
فريق مركز جسور