إعداد: اليان بطرس
باحثة فى العلاقات الدولية
منذ عام 2001 وبانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، زاد النشاط التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي وأصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر للصين وبلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين 10 % فيما يتعلق بالسلع و15% للخدمات سنويًا لتصبح الصين اليوم أكبر مصدر لواردات الاتحاد الأوروبي وثاني أكبر سوق تصدير.
وتشكل استراتيجية الرئيس الصيني شي جينبنغ اندماجًا واسعًا مع الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالتقنيات التي تدعم الجيش الصيني على سبيل المثال السلع والتقنيات مزدوجة الاستخدام وهو ما تتخوف منه الحكومات الأوروبية وتتخذ الإجراءات لمراقبته.
كما تضع الصين في خطتها كافة سبل دعم وجودها كدولة بحرية قوية منذ المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي وبالتالي كل ما يتعلق بعالم الموانئ والبحار يصب في جعبة المصالح الصينية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
في عام 2015 أنعشت الصين مشروعها صنع في الصين 2025 للتأكيد على أهدافها ومساعيها لتصبح القوة التكنولوجية الرائدة بحلول عام 2049 في احتفاليتها بالذكرى المئوية الأولى لجمهورية الصين الشعبية.
تتلخص استراتيجية شي جينبنغ منذ قدومه للحكم في 2012 إلى محاولة تحقيق الحلم الصيني وهو ما اتخذت الصين خطوات فعلية فيه حيث تخلص حوالى 800 مليون شخص في الصين من وصمة الفقر، وهو انجاز كبير يعزز من مسار شي جينبنغوخطته الطموحة بتحسين حالة مواطني دولته وهو ما يفسر التركيز الاقتصادي للصين حول العالم فلم تخطوا الصين بجراءة إلا في الجانب الاقتصادي الذى سيمنحها القوه لتعزيز كافة الجوانب فيما بعد وهو ما نستطيع أن نلاحظه الآن في حجم الصين كدولة قوية لا يستهان بها ولديها طموح وخطوات واثقة، وهو ما يجعلها قادرة على بناء قدرات عسكرية هائلة تعيد أمجاد الصين مرة أخري بعد تعرضها لعديد الأزمات .
كيف تنظر الصين إلى أوروبا؟
تنقسم أوروبا إلى عدد من الدول الصناعية ودول صناعية زراعية، حيث عادةً ما تكون الدول الصناعية هي الدول العظمى ذات النفوذ على سبيل المثال ألمانيا فرنسا المملكة المتحدة وإيطاليا، أما الدول الزراعية الصناعية من بينها اليونان والمجر والتشيك وغيرها وبالتالي يصبح هناك آلية في تعامل الصين مع أوروبا تعتمد على هذا التقسيم الذي يدفع الصين لبناء علاقات متنوعة مع معظم الدول الأوروبية ولكنها تختلف في استراتيجيتها نحو كل منطقة سواء أوروبا الغربية أو جنوب ووسط وشرق أوروبا حيث تعي الصين جيدًا بإن الدول الأضعف أو التي تعانى من أزمات اقتصادية شديدة تحتاج بشكل كبير إلى استثمارات اجنبية تخفف من حدة ازماتها وبالتالي تنغمس الصين في جنوب ووسط وشرق أوروبا اقتصاديًا تلبية لاحتياجات هذه المناطق ولكن العائد على الصين ليس هو العائد الاقتصادي بينما تربح الصين بهذا التقارب تفاهمات أوروبية تظهر عند الحاجة على سبيل المثال في القضايا المثارة داخل الاتحاد الأوروبي وتحيز اليونان والمجر بشكل شبه دائم للصين.
نطرح بعض النماذج الأوروبية الأكثر انحيازًا للصين وكيف تعمقت الصين في استثماراتها هناك (جنوب ووسط وشرق أوروبا من الدول الصناعية الزراعية):
لم تكتفى الصين في استثماراتها داخل أوروبا بالاستثمار الحكومية ولكن توسعت في استثماراتها عن طريق القطاع الخاص حيث زاد نشاط استثمار القطاع الخاص الصيني في أوروبا خاصة في القطاعات الاستهلاكية والخدمية إلى جانب القطاع التكنولوجي، وهذا التحول لا يعنى أن القطاع الخاص الصيني بمعزل عن الحكومة الصينية فهو واقع تحت طائلة الحكومة باي شكل من الأشكال وبالتالي توسع الصين في هذا الإطار يشكل تهديدًا وخطرًا على الأمن الأوروبي، خاصة لتنوع قطاعات استحواذ الصين فيها.
تتمحور الاستراتيجية الصينية تجاه أوروبا في تنفيذ أهداف مشروع الحزام والطريق وتستغل الصين تواجدها داخل الدول الأوروبية بوسيلتين الأولى منها هي التطويق والانغماس في الدول الأكثر ضعفًا في أوروبا على سبيل المثال لا الحصر المجر والتشيك واليونان وغيرها، الوسيلة الثانية هي عقد مزيد من الصفقات والتفاهمات الاقتصادية مع الحكومات الأقوى في أوروبا فيما يتعلق بالسلع الحيوية والخدمية حتى تتمكن من خلق حالة من التوازن والسيطرة في الداخل الأوروبي.
فيما يتعلق بالصفقات الصينية المنخفضة السعر قد لفت انتباه الاتحاد الأوروبي تقديم الصين عرضوا متدنية في عدد من الدول الأوروبية مثل السويد ورومانيا وكرواتيا وهو ما استدعي قيام الاتحاد الأوروبي بتعقيد إجراءات الحصول على صفقات داخل الاتحاد الأوروبي حتى تمنع الصين من الاستحواذ على تلك الصفقات بسهولة مقابل الحصول على حصص متساوية في السوق الصيني. ولم تقتصر الاستثمارات الصينية على السلع والخدمات بل تتسع الافاق الصينية لبناء مفاعلات نووية في كل منن رومانيا وبلغاريا كخطط مستقبلية للتوسع داخل أوروبا.
تتهم الصين باستخدامها القروض والديون في الاستحواذ على بعض المشاريع الحيوية من بينها مشروع ميناء هامبانتوتا السيريلانكي، المثال الثاني استحواذ الصين على صفقة قرض بناء خط سكة حديد بودابست بلغراد ليس هذا فحسب بل قدمت شركت ستيكول الصينية عرض يقدر بانه الأقل لتوقيع صفقة بناء طريق سريع في بولندا عام 2019.
المجر:
بعد الازمة الاقتصادية عام 2008 توجهت دول وسط أوروبا إلى بناء سياسة أكثر انفتاحًا على الاستثمار مع الصين وبمجئ رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان عام 2010 وانطلقت هذه المنطقة نحو الصين في عديد المجالات من بينها الطاقة والزراعة والتكنولوجيا.
استطاعت الصين أن تجذب المجر لصالحها فعادة ما تقف المجر مع بكين لأمام الاتحاد الأوروبي وفى معظم القضايا بما فيها قضايا حقوق الانسان وهو ما أبعدها عن الاتحاد الأوروبي بعض الشيء على سبيل المثال رفضت المجر التوقيع على خطاب مشترك للاتحاد الأوروبي يدين ما تردد عن تعذيب المحامين المحتجزين من قبل السلطات الصينية.
فالمجر تدعم إلى حد كبير نموذج التنمية الاقتصادية للصين. فبعد عودة أوربان كرئيس وزراء للمجر عام 2010 بدأ بالابتعاد قليلا عن الاتحاد الأوروبي وكانت هي البداية للتوسع في العلاقات الصينية مع المجر لإعادة وضع المجر كدولة أوراسية بدلاً من كونها دولة أوروبية بالكامل وهو ما ساعد الاقتصاد المجري بشكل كبير في ظروف شديدة الصعوبة بعد تعميق فرص التبادل التجاري بينهما.ومن ثم وقعت المجر على مبادرة الحزام والطريق كأول دولة في الاتحاد الأوروبي توقع عليه في بكين وأصبحت عضوا فيما يسمى 17+1 واستضافة قمته السنوية في بودابست عام 2017.
ومن أكبر الاستثمارات الصينية في المجر هي مجموعةWanhua Chemical Group، استحوذت المجموعة علىBorsodChem، مصنع كيماويات في شمال المجر، مقابل حوالي 1.7 مليار دولار في عام 2010، ويمثل استحواذWanhuaعلىBorsodChemحوالي 60 في المائة من الاستثمار الصيني التراكمي المباشر وغير المباشر في المجر حتى الآن (حوالي 3.7 مليار دولار) .
تركز الاستثمارات الصينية في المجر الفترة الأخيرة على البنية التحتية من سكك حديد وموانئ وبعض الفنادق، ومؤخرًا برز مجال الطاقة الشمسية للتعاون بين الدولتين نظرًا لتوجهات العالم بشكل عام والمجر بشكل خاص للطاقة النظيفة وهو ما دفعهم للتعاون في بناء محطة شمسية ب 120 مليون دولار تم الإعلان عنها عام 2019.
كما ارتفع حجم التجارة بين الصين والمجر من 3.9 مليار دولار في عام 2005 إلى أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2018، حيث تشتري المجر الآن بشكل أساسي الهواتف المحمولة والمعدات الإلكترونية والسلع الاستهلاكية من الصين.
اليونان:
أن اليونان كانت واحدة من أربع دول في الاتحاد الأوروبي رفضت التوقيع على بيان الاتحاد الأوروبي الذي ينتقد سياسات الصين تجاه الأويغور في الأمم المتحدة في 22 يونيو 2021.
ووقفت اليونان والمجر وكروتيا بجانب الصين ورفضت التوقيع على اتفاقية الاتحاد الأوروبي بشأن حرية الملاحة عام 2016 فيما يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وقضية الصين والفلبين.
وفى 2017 منعت اليونان بيانًا للاتحاد الأوروبي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في الصين وهى الحالة التي أظهرت الاتحاد الأوروبي بهذا الضعف ولم يستطيع أن يظهر بشكل متماسك وصوت واحد.
ولكن مؤخرًا اثارت تحركات الصين في البحر الأسود مخاوف الدول الأربعة وهو ما مما يضعف من حالة التقارب بينهم وبين الصين ويدعم علاقتهم منع الغرب بصورة أكبر مما كانت عليه من قبل.
بل من أكبر الاستثمارات الصينية في أوروبا ميناء بيرايوس في أثينا حيث تربط الصين واليونان علاقات جيدة اذ تعد اليونان أحد أقرب الحلفاء الأوروبيين للصين، حيث سمحت اليونان للصين بإدارة ميناء بيرايوس الذي يعد أحد أضخم اقتصاديا اليونان ليس هذا فحسب بل تقوم أحد الشركات الصينية التي تدعي ميرشانتس بالاستحواذ على الحصة الأكبر في ميناء ثيسالونيكي. وتتبادل الدولتين الزيارات حيث زارها الرئيس الصيني شي جين بنغ في عام 2019 وهو ما يثبت أهمية اليونان في تلك المنطقة الأوروبية بالنسبة للصين وتطلعاتها.
وفيما يتعلق بالاستثمارات مع الشركات وافقت اليونان على منح شركة كوسكو على حصة إضافية في اتفاقية شراء الطاقة بشرط ان تكمل الشركة الصينية استثماراتها التي تبلغ 342 مليون دولار من مراكز هذا بموجب اتفاقية عام 2016. وفى عام 2017 تم انشاء رحلات جوية مباشرة بين بكين واثينا كخطوة داعمة للعلاقات بين الدولتين.
افتتحت الصين بنك الصين في أثينا في أواخر عام 2019 حتى تدعم وتقدم مساهمات من خلال تقديم خدمات مالية ومصرفية لدعم مبادرة الحزام والطريق وتزيد حجم التجارة بين الدولتين.
واندمجت الصين أيضًا في الثقافة والتعليم حيث أطلقت أول معهد كونفوشيوس في جامعة أثينا عام 2016 وفى عدد مناطق يونانية بهدف تعزيز أواصر العلاقات بينهم بما يخدم الميزان التجاري الصيني. والحقت هذا التعاون بخطة عمل للتعاون العلمي والتكنولوجي في عام 2018 بما في ذلك تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم اللغة الصينية والتوسع في مجال الاعلام وإنشاء وكالة أنباء صينية في أثينا.
حجم النفوذ الصيني مع الدول الصناعية الكبرى في أوروبا:
أوضحت دراسة لمعهد (MERICS)ببرلينأن هناك 95٪ من الاستثمار الصيني في أوروبا موجود في أوروبا الغربيةتنقسم الى 50 مليار يورو في المملكة المتحدة،و22 مليارًا في ألمانيا، 15 مليار في فرنسا أو 16 مليار في إيطاليا. وبالمقارنة، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار الصيني في وسط أوروبا حوالي 8 مليارات دولار. 8 مليارات في 11 دولة.
ونشرت بلومبرغ أن الاستثمارات الصينية في أوروبا شكلت 318 مليار دولار خلال العقد الماضي، استحوذت الصين من خلالها على 360 شركة في 30 دولة أوروبية بأجمالي 255 مليار دولار على سبيل المثال الشركة الإيطالية لتصنيع الإطارات ” Pirelli” ، وكان نصيب المملكة المتحدة خلال العقد الماضي صفقات بقيمة 70 مليار دولار وتليها إيطاليا بقيمة 31 مليار دولار ثم ألمانيا بقيمة 20 مليار دولار تليها فرنسا بما يتجاوز 13 مليار دولار.
فيما يتعلق بألمانيا فمنذ عهد شي جين بينج استوعبت ألمانيا أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأكبر وبالتالي لابد وأن تسعى للتعاون معها حيث بلغ التبادل التجاري في عام 2021 بين الدولتين بنحو 245 مليار يورو ولكن استحواذ الصين علي شركة الروبوتات الألمانية kuka من قبل مستثمرين صينين شعرت ألمانيا ببعض القلق تجاه تعمق الصين في الاستثمارات الحساسة لدى ألمانيا وبدأت ألمانيا تعتبر الصين منافسًا وخصمًا بعض الأحيان وهى الحالة الذي دعمتها الحرب الأوكرانية نتيجة اقتراب الصين من روسيا وبالتالي أصبحت ألمانيا في وضع حرج تجاه هذا الموقف ولكن باستمرار تداعيات الحرب لم تستطع المانيا نفسها الصمود اقتصاديًا وبالتالي ليس متوقع أن تخسر علاقتها مع الصين أو تحد من تطورها لأنها بحاجه للدعم الاقتصادي الصيني لها.
وهو ما ظهر في الضغط الصيني على ألمانيا عام 2019 فيما يتعلق بالسيارات في حالة تلاعب ألمانيا بعرض شركة هاواوي الصينية وهو تهديد صريح من السفير الصيني في ألمانيا، وفى عام 2021 قاطعت الصين بعض الشركات الأوروبية بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسولين صينين بسبب انتهاكات حقوق الانسان وهو ما أثر بالسلب على كبرى الشركات الألمانية من بينها Adidas وتوقفت مبيعاتها على المواقع التجارية الصينية وهو ما أدى إلى خفض كبير في مبيعات الشركة في الصين كسوق استهلاكي كبير.
وفيما يتعلق بمشروع الحزام والطريق أصبحت إيطاليا أول دولة في مجموعة السبع تصادق رسميًا على مبادرة الحزام والطريق في مارس. حذت سويسرا حذوها في 29 أبريل. وانضمت إلى 22 دولة أوروبية أخرى وقعت بالفعل مذكرات تفاهم: النمسا، والبوسنة والهرسك، وبلغاريا، وكرواتيا، وقبرص، وجمهورية التشيك، وإستونيا، واليونان، والمجر، ولاتفيا، وليتوانيا، ولوكسمبورغ، ومالطا، والجبل الأسود، مقدونيا الشمالية وبولندا والبرتغال ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وأوكرانيا.
وفي المنتدى الثاني لمبادرة الحزام والطريق الذي نُظم في بكين في أبريل 2019، حضر ما لا يقل عن 12 رئيس دولة ورؤساء حكومات أوروبية، بما في ذلك رؤساء دول وحكومات النمسا والمجر وإيطاليا واليونان والبرتغال وجمهورية التشيك ومالطا.
الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على النفوذ الصيني في أوروبا:
بعد تعرض العالم وأوروبا بشكل خاص لازمات اقتصادية حادة بعد انتشار فيروس كورونا وما لحقه من تداعيات للحرب الروسية الأوكرانية أصبحت هناك تصاعد في المخاوف الأوروبية من استغلال الصين لتلك الأوضاع الاقتصادية المتدنية للاقتصاد الأوروبي واستحواذ الصين على مفاصل الدول اقتصاديًا وهو ما يشكل تهديدًا للأمن القومي بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
هزت الحرب الأوكرانية صورة الاتحاد الأوروبي واظهرت مدى الضعف المتفشي بالداخل الأوروبي وهشاشة تلك الدول مع أول ازمة ولم تتأثر فقط اقتصاديًا بل من كافة النواحي فلم يعد التحالف العسكري لهم وهو حلف شمال الأطلسي بصورته القديمة بل أظهرت الحرب هشاشته واستمرار التداعيات حتى وقتنا هذا يرجع ان التحالف الأوروبي يواجه صعوبة في ان يعود متماسكًا وهو ما يخلق فرص واضحة للصين للتمدد والاستثمار بصورة اكبر والسيطرة على صفقات أوروبية جديدة فهشاشة الوضعالاقتصادي تجعل تلك الدول أكثر مرونة مع الصين ولم تعد الدول الأوروبية الكبيرة لديها المساحة التي تمكنها من دعم الدول الصغيرة في أوروبا فهي بالكاد تنقذ نفسها من ويلات الحرب وبالتالي ستستمر الصين في توسعها مع دول جنوب ووسط وشرق أوروبا لتعيد الروابط التي اهتزت الفترات الماضية .
معوقات النفوذ الصيني في أوروبا:
وضع الاتحاد الأوروبيآلية للتدقيق في الاستثمارات الأجنبية المباشرة حماية للأمن القومي الأوروبي وهو ما أثر لفترة على حجم الاستثمارات الصينية في دول الاتحاد الأوروبي حيث يصل الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في أوروبا في عام 2021 إلى 10.6 مليار يورو، وهو ثاني أقل استثمار صيني في أوروبا منذ عام 2013، وفقًا لتقرير مشترك صدر من قبل شركة Rhodium Group الاستشارية ومركز Mercator الألماني للدراسات الصينية أن الاستثمارات أعلى من عام 2020 ولكنها أقل بكثير من 47.4 مليار يورو في عام 2016 وبالتالي هناك متغيرات واضحة في سياسة أوروبا تجاه الاستثمارات الأجنبية، وفي ظل تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين سيظل هناك ضغوط على الاتحاد الأوروبي للتضييق على الاستثمارات الصينية، وهو ما ظهر في تحركات الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع اليابان حتى يكون هناك توازن في الاستثمارات أمام النفوذ الصيني في أوروبا، وحتى وأتن سعت الدول الأوروبية للتعاون بشكل أكبر مع تركيا كسوق بديل لن يكون كافي بالنسبة لها مقابل السوق الصيني وسيدفع تركيا بمزيد من المطالب أولها دخول الاتحاد الأوروبي وهو خلاف مثار منذ فترة .
الجانب الاخر هو علاقة الصين بروسيا في ظل الهجوم الأوروبي على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية وتداعيتها على منطقة أوروبا،سيدفع الدول الاوروبية لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تقف أمام الاستثمارات الصينية وعلاقة الصين بأوروبا بشكل عام.
خلاصة القول:
يدخل النفوذ الصيني في أوروبا في مراحل تغير متتالية نتيجة التغيرات الموجودة على الساحة الدولية، ولكن ستظل الدول الأوروبية تتعاون مع الصين وستظل الصين تزيد منن نفوذها داخل أوروبا حتى وأن تباطء نمو هذه الاستثمارات في فترات معينة لكنة ظاهر وسيبقى لعدد من الأسباب: أهمها أن الاتحاد الأوروبي في حالة تفكك وضعف وهو ما يعطي مساحة للتوسع الصيني وهو ما يدفع أيضًا الدول الأوروبية للحصول على استثمارات صينية في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لديها، ولقد أدركت الدول الأوروبية أن مساندة الولايات المتحدة لهم ليست كافية وهو ما كشفت عنه الحرب الأوكرانية، وبالرغم من أن هذه الحرب أثرت اقتصاديًا علي العالم إلا أنها سلاح ذو حدين أعطت الفرصة للصين للتواجد بشكل أكبر مستغلة حالة الضعف الأوروبي حتى وإن ضعفت القيمة المالية للاستثمارات نتيجة تدهور الأوضاع إلا أنها ستمكن الصين من هدفها واستراتيجيتها تجاه أوروبا كما سبق الاشارة.[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]