بدا الموقف الأوروبي هادئ وحذر بعض الشيء تجاه زيارة بيلوسي إلى تايوان التي جاءت في توقيت غاية في الحساسية “قبل أسابيع فقط من موعد اجتماع قادة الحزب الشيوعي في المؤتمر العشرين، حيث يُعتقد أن الرئيس شي جين بينغ يمهد الطريق لتأمين فترة ولاية ثالثة” لم تصرح أي من الدول الأوروبية سوى ليتوانيا فهي الوحيدة التي أيدت زيارة بيلوسي، لكن الدول الأوروبية الأخرى التزمت الصمت بشأن هذه الزيارة، لعدد من الأسباب من بينها أنها تخشى من النتائج التي تعرضت لها بعد أزمة روسيا وأوكرانيا وانسياقها وراء التوجهات الأمريكية بشكل واضح ومباشر على عكس ما يحدث الآن مع الأزمة في تايوان، حيث أصبحت أوروبا هي الخاسر الأكبر من هذه الحرب الروسية الأوكرانية وليست الولايات المتحدة فقط، بالإضافة إلى أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة في ابعاد روسيا عن أوكرانيا هو ليس فقط الدفاع عن أمنها الاستراتيجي بل امتلاك أوكرانيا نصف إنتاج العالم من غاز النيون الذي يدخل في أهم الصناعات وهى اشباه الموصلات الدقيقة التي تستخدم في صناعة السفن والأسلحة والسيارات والالكترونيات وهى أساس تصنيع أنظمة الأمن السيبراني وهو أحد دوافع روسيا للسيطرة على أوكرانيا، وهو ما يفسر سبب الاهتمام الأمريكي الآن بتايوان لأن سيطرة روسيا على أوكرانيا تعني إبعاد الولايات المتحدة عن المشهد فيما يتعلق بهذا الكنز الذي تتميز به أوكرانيا ومن هنا سارعت الولايات المتحدة لحصار تايوان وابعادها عن الصين على مدار السنوات الماضية وتأجيج الصراع بين الدولتين تخوفًا من سيطرة الصين على تايوان، لان تايوان تملك 90% من تكنولوجيا انتاج اشباه الموصلات وبالتالي إذا سيطرت الصين على تايوان ستمتلك الصين وروسيا بهذا الشكل حصة ضخمة من هذه التقنيات على مستوى العالم والتي عادة ما تستخدم في التجسس وصناعة السلاح وبالتالي ستعطى قوة للصين وستنطوي معها السيطرة الامريكية على العالم.
قد تختلف الأولويات الأوروبية في التعاطي مع القضايا المطروحة على الساحة، ففي أزمة أوكرانيا كانت الحرب شديدة القرب أما تايوان فهي بعيدة كل البعد عن أوروبا جغرافيا، ولكن! هذا لا ينفي أن هناك خطورة على أوروبا في حالة نشوب حرب عسكرية بين الصين وتايوان وهو ما سيتناوله هذا التقرير.
محددات الموقف الأوروبي تجاه الأزمة في تايوان
يعتبر الخطر الأكبر الذي يهدد الدول الأوروبية هو اعتماد الدول الأوروبية على تايوان في تصنيع الرقائق الالكترونية وأشباه الموصلات بشكل كبير حيث تشكل الأجهزة والآلات الذي يستوردها الاتحاد الأوروبي من تايوان نسبة 60%، إذ تستحوذ الشركة التايوانية TSMC التي أنشأت في أواخر الثمانينيات على نصف سوق اشباه الموصلات وهي ذات الشركة التي التقتها بيلوسي في زيارتها لتايوان التي آثارت جدلاً وتوترًا حول العالم.
ولم تقتصر هذه الشركة على الرقائق المستخدمة في الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر بل تصنع الرقائق المتطورة التي تستخدم في القيادة الذكية والتي يصغر حجمها خمسة نانومتر.
ومن هنا تأتي المخاوف الأوروبية من انقطاع سلاسل الامدادات من هذه الرقائق واشباه الموصلات بشكل مفاجئ لأوروبا وهو تهديد قوى لن تتحمل أوروبا عواقبه في ظل وجود أزمات متتالية في المنطقة التي أنهكت سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بنشوب الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغاز والطاقة وأزمة كورونا.
وهو ما يدعم فكرة حفاظ أوروبا على الاستقرار بين الصين وتايوان حتى لا تنقطع سلاسل إمداد الرقائق عنها فكل ما يهم أوروبا هو الحفاظ على التجارة بين المنطقتين وليست العلاقات السياسية حيث تري أوروبا أن التدخل بين الصين وتايوان ليس من أولوياتها إنما هي أولويات الحكومة الامريكية وبالتالي لا ترغب أوروبا في التدخل في هذا الشأن خاصة بعد التنديد الصيني بالتدخلات الأوروبية والعلاقات مع تايوان الذي بدء خلال السنوات الماضية وخاصة عام 2020.
ما هي التحركات الأوروبية تجاه تايوان؟ وماذا فعلت كل من ليتوانيا والتشيك وسلوفاكيا؟
منذ أغسطس 2020 بدء الخلاف بين أوروبا والصين بشأن قضية تايوان بعد أن ساندت بروكسل تايوان، وخاصة بعد زيارة وفد أوروبي على رأسه مجلس الشيوخ التشيكي وهو ما آثار حفيظة الصين واغضبها تجاه أوروبا والتشيك تحديدًا، وتعلل التشيك شراكتها مع تايوان بأن الاستثمارات الصينية لا تلبي احتياجات التشيك من عدد الوظائف حيث تستهدف الصين القطاعات غير الصناعية والرياضية والعقارات في مقابل استثمارات تايوانية تستهدف الصناعة والتكنولوجيا والالكترونيات بما يزيد من حجم التوظيف في الدولة حيث حققت الاستثمارات التايوانية وظائف أكثر بثماني مرات وقيمتها أعلى بنحو 60 في المئة من الاستثمارات الصينية. وبالنسبة لسلوفاكيا فقد تستثمر تايوان في قطاع السيارات الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد السلوفاكي وبالتالي الكفة الرابحة بالنسبة لهم هي تايوان وليس الصين وهو ما يخلق عدد من الوظائف الكافية بالنسبة لهم.
أكتوبر 2021 زار وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي تايوان، وفي نوفمبر 2021 زار وفد أوروبي مكون من 7 اشخاص تايوان وحذرت الصين حينها البرلمان الأوروبي من عواقب هذا التصرف وهي المرة الأولى التي تعد فيها الزيارة رسمية صحيح سبقها عدد من الزيارات ولكنها كانت بشكل غير رسمي وهو ما أثار غضب الصين، وسبق وأن دعا الاتحاد الأوروبي لتوطيد العلاقات مع تايوان.
استمر الطرفين في استدعاء السفراء والحديث حول هذا التوتر وظلت العلاقات في صعود وهبوط وحاولت أوروبا أن تجد سبيلاً لها بعيدًا عن مشروع الحزام والطريق الصيني فعقدت مباحثات مع الهند، كما أنها في يوليو 2021 اتخذت أوروبا قرارًا بتعليق الاستثمار مع الصين.
أظهرت ليتوانيا تأييدها لزيارة بيلوسي لتايوان وسبق وأن فتحت ليتوانيا مكتب رسمي باسم تايوان وليس تايبيه في عاصمتها فيلنيوس وهو ما تنصل منه الاتحاد الأوروبي ووصفة أنه تحرك يحدث مشاكل لا داعي لها، وعليه استدعت الصين سفيرها في ليتوانيا في أغسطس 2021، وقامت بمنع واردات ليتوانيا والاتحاد الأوروبي التي تحتوي على أجزاء ليتوانية. ولم تقف ليتوانيا واحدها مع تايوان بل تحذوا حذوها سلوفاكيا والتشيك. وفي المقابل أرسلت تايوان وفدًا لكل من سلوفاكيا والتشيك وبروكسل عام 2021، وفى إطار تعزيز العلاقات بين أوروبا وتايوان قامت ليتوانيا بفتح مكتب تمثيل لتايوان.
كيف تطورت علاقة أوروبا بتايوان؟
يجمع تايوان وأوروبا تعاون فى مجموعة من المجالات من بينها حقوق الانسان والقضايا الرقمية والطاقة الخضراء والابتكار والابداع والتجارة والاقتصاد والاتصال وإدارة الكوارث والعمل. حيث تعد تايوان شريكًا ذات قيمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي فهي أكبر مستثمري أجنبي في تايوان فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والنقل الذكي وغيرها من المجالات ويشترك كل منهم في عدد من الاتفاقيات من بينها تيسير التجارة وما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، حيث دخلت تايوان كطرف في اتفاقية التجارة العالمية WTO منذ عام 2002، حيث يعقد الطرفين مشاورات تجارية ثنائية سنوية ولم تقتصر هذه المشاورات علي المستوى التجاري بل تدور المشاورات حول قضايا حقوق الانسان في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويوجد في تايوان حوالى 15 مكتبًا لأعضاء الاتحاد الأوروبي في تايوان .
وفى هذا السياق تحاول المفوضية الأوروبية وضع خطط لصناعة الرقائق البالغة 43 مليار يورو لجذب المنتجين ولكنه ليس من السهل أن تبدأ أوروبا في هذا التحول في توقيت انهكتها فيه الحرب الأوكرانية والأزمات الاقتصادية المتكررة.
والمفوضية الأوروبية ساعدت على تعزيز الشراكة مع تايوان وحل أزمة اشباه الموصلات وفتح متاجر لهم في الاتحاد الأوروبي، ومن ناحية أخرى بادلتها تايوان وأعلنت استعدادها لدعم العقوبات الغربية تجاه روسيا.
وتحاول الولايات المتحدة أن تستفز الصين بكافة الطرق لإبعادها عن تايوان، وهو ما يظهر في التصريحات والزيارات التي تؤكد على تحول الولايات المتحدة نحو تحركات قد تحرج أوروبا وتضعها في موقف غاية الصعوبة، فكيف ستنحاز أوروبا بشكل صريح لتايوان بجانب الولايات المتحدة ضد الصين وهي غير مؤهلة في الوقت الحالي لأي عقوبات من الممكن أن تفرضها عليها الصين، فلم يعد الاتحاد الأوروبي بالشكل المتماسك الذي كان علية ولن تتحمل اقتصاداته أعباء التورط مع الصين في حالة دعمة تايوان فالصين قوة عسكرية واقتصادية ضخمة يصعب التعامل معها إلى جانب أن الدول الأوروبية تنشغل في الوقت الحالي بالحرب الأوكرانية وتايوان بعيده كل البعد عن ساحتها الأمنية في الوقت الحالي.
كيف تتحرك الدول الأوروبية في هذا الملف؟
بعد الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة تجاه تايوان والصين بشكل عام، وضعت الدول الأوروبية في موضع حرج فهي لا تستطيع أن تتخذ خطوات فعليه وليس لديها إلا أن تعبر عن دعمها لتايوان بالحلول السلمية فبعد زيارة بيلوسي لم تتحرك الدول الأوروبية لدعم تايوان حتى وأن كانت بالتصريحات فقط لأنه من مصلحة أوروبا أن يبقى الوضع على ما هو عليه ولا يتطور إلى تدخل عسكريًا وليس من مصلحتها استفزاز الصين كما تفعل الولايات المتحدة.
وهو ما بدا على الاتحاد الأوروبي في خطواته نحو تايوان وتعزيز التعاون الاقتصادي الذي بلغ ما يتجاوز 63 مليار يورو لعام 2021 وهو تزايد واضح في السياسة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي تجاه تايوان كما أن لدى 15 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي مكاتب تمثيلية في تايبيه وباسم تايبيه وليست تايوان على عكس ليتوانيا.
بالرغم من أنه سبق وأن اعترفت أوروبا بانتهاكات الصين لحقوق الانسان والحريات ولكنها تحاول أن تبعد عن الاحتكاك مع الصين والاتحاد الأوروبي من مصلحته أن يتعامل مع تايوان ويعزز من العلاقات بينهم ولكن في إطار سياسة الصين الواحدة حتى يضمن الاستقرار لمصالحة مع تايوان ففي حال تحركت الصين نحو تايوان واندلعت حرب جدية ستتأثر المصالح الأوروبية داخل تايوان بشكل كبير.
لن تجازف الدول الأوروبية بالصين الشريك التجاري الأكبر في السلع بالنسبة لها وتتدخل في قضية تايوان وبالتالي هناك صعوبة في ان تضحى الدول الأوروبية بعلاقاتها الاقتصادية مع الصين فلن تتحمل الخسائر ولا تستطيع أن تدخل في صدام عسكري مع الصين أيضًا وبالتالي ستتجنب الدول الأوروبية الاضطرابات التي ستحدث.
تختلف نظرة أوروبا للصين وروسيا فترى أوروبا أن روسيا تشكل تهديدًا حقيقي بالنسبة لها، وتنظر للصين على أنها منافس اقتصادي فهي ليس تهديدًا بالنسبة لهم وبالتالي سيختلف شكل تعاطي أوروبا مع الصين وروسيا أما بالنسبة للولايات المتحدة فالصين هي التهديد الحقيقي لهم وللنظام العالمي وأن روسيا ما هي إلا عقبة في طريقهم لتحدي الصين، ولهذا السبب تحاول الولايات المتحدة أن تضغط على أوروبا لمزيد من العلاقات مع تايوان بشكل يتجاوز الحدود الاقتصادية بل التطرق إلى الجوانب السياسية والثقافية والفكرية وهو ما سيظل معطل هذه الفترة نظرًا لتخوفات أوروبا من الرد الصيني.
ونلاحظ ان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتحرك بشكل دائم لتوضيح الموقف في حالة اتخذت أي من الجهات الامريكية رد فعل تجاه تايوان وهو ما ظهر في رد فعل الإدارة الامريكية من زيارة بيلوسي وتنصلهم منها وبالتالي من الواضح أنه لا يوجد نية حالية لدى الولايات المتحدة لمواجهة الصين في تايوان بشكل مباشر ولكنها تحركات استفزازية لكي تخلق حالة من الحراك الداخلي بين تايوان والصين لصالحها وهو في ذات الوقت تمهيد واعتراف بوجود تايوان حتى وأن لم يكن هذا الاعتراف بشكل دبلوماسيًا أو رسميًا.
موقف مجموعة السبع واليابان بعد تحركات الصين تجاه تايوان
في 3 أغسطس 2022، أصدر وزراء خارجية مجموعة السبع والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي بيانًا، قالت فيه إن الإجراءات التي تتخذها الصين ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان تنذر بزيادة التوترات وزعزعة الاستقرار في المنطقة. ويدعون الصين إلى عدم تغيير الوضع الراهن بالقوة في المنطقة من جانب واحد وحل الخلافات عبر المضيق بالوسائل السلمية.
بعد أن أرسلت الصين سفنًا حربية وطائرات وصواريخ في مضيق تايوان بعد زيارة بيلوسي ورئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان، استدعت الصين دبلوماسيين أوروبيين للاحتجاج على ما صدر من مجموعة السبع تجاه التدريبات الصينية العسكرية في محيط تايوان وانتقدت الصين مجموعة السبع وعبر مسؤولون صينيون ان الصين التي هوجمت من مجموعة السبع في الماضي لم تعد هي الصين اليوم وان شئون تايوان هي شؤون صينية داخلية تقع تحت سيادة الصين ولا يحق للقوى الأجنبية التعليق عليها.
كما أعلنت اليابان احتجاجها على الصواريخ التي أطلقتها الصين والتي سقطت في المنطقة الاقتصادية الخاصة باليابان بالقرب من جزيرة هاتروما أقصى جنوب اليابان على اعتبار أن هذا تهديد للأمن القومي الياباني ولسلامة الشعب الياباني.
الموقف الألماني
قبل زيارة بيلوسي إلى تايوان قالت وزيرة الخارجية الألمانية “لن نقبل بانتهاك القانون الدولي وأن تُقدم جارة كبيرة الحجم على غزو جارتها الأقل حجمًا في خرق للقانون الدولي” وعلى آثر هذا التصريح استعدت الصين السفيرة الألمانية في الصين وبعد اللقاء خرجت السفيرة الألمانية لتعبر عن أن ألمانيا مع سياسة الصين الواحدة وأن التبادل مع السلطات التايوانية يعد جزءا من هذه السياسة الواحدة ولكنهم يرفضون التهديد باستخدام القوة العسكرية، واستخدامها لكلمة السلطة التايوانية يرجع إلى أن ألمانيا لا تعترف رسميًا بتايوان كدولة مستقلة لأنها تعتبرها جزءًا من الصين ولكن كل من تايوان وألمانيا يجمعهما علاقات اقتصادية وثقافية وعلمية وثيقة، حيث أنه لدى ألمانيا المعهد الألماني في تايبيه وسبق وأن رفضت ألمانيا تسليح تايوان .
وبما أن ألمانيا هي الشريك الاقتصادي الأكبر بالنسبة لبكين فقد يكون الموقف الألماني تجاه ازمة تايوان هو الفيصل في الوضع الأوروبي تجاه القضية وحسب رد الفعل سيكون الرد الصيني.
القدرات الصينية في مواجهة تايوان
تملك الصين قدرات عسكرية متوسعة بشكل كبير ولديها أكبر قوة بحرية في العالم، حيث بدأت الصين في تحديث أجهزتها العسكرية السنوات الماضية وتم إعلان عام 2035 رسميًا الوقت المناسب لتحقيق هدف الصين في أن تكون قوه عسكرية ورائدة وأنه بحلول عام 2050 ستكون الصين قادرة على كسب الحروب في فناءها الخلفي وهو ما تم الاعلام عنه في عام 2017 في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي وهو ما تقوم الصين بالفعل تحقيقه فقد أنشأت الصين حوالي 40 % من السفن في جميع أنحاء العالم مقابل ما لا يتجاوز 1% لصالح الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا معًا.
هذه القدرات العسكرية لا تعنى أن الصين ليس لديها مشاكل داخلية، بل تعاني الصين من مشاكل اقتصادية على سبيل المثال في القطاع العقاري حيث أعلنت ثاني أكبر شركة عقارات صينية افلاسها وتحملت الدولة الصينية أعباء هذه الازمة بخلاف المشاكل الاجتماعية وما تعرضت له الصين من أزمات نتيجة وباء كورونا مثلها مثل باقي دول العالم وبالتالي الصين ليست مستعدة تمامًا للدخول في حرب، ولكن هناك فرصة أمام الصين لكي تسيطر على تايوان لان الولايات المتحدة وأوروبا والعالم في حالة انشغال بالحرب الأوكرانية وعواقبها في الوقت الحالي وهو ما يعطي فرصة للصين للتحرك تجاه تايوان قد لا تتكرر مره ثانية وبرغم هذا اكتفت الصين بالتدريبات العسكرية تجاه تايوان حتى الوقت الحالي.
خلاصة القول
انتاج تايوان لأشباه الموصلات بهذا الشكل الضخم يقود حالة التقدم التكنولوجي الأمريكي والأوروبي، ودخول تايوان في حالة حرب قد يتسبب في انهيار التقدم الذي حققته الولايات المتحدة فيما يتعلق بالجيل الجديد من التكنولوجيا الذي يتسابق عليه العالم، وفى هذه الحالة ستفوز الصين وتتحكم في العالم بشكل كبير ويتغير ميزان القوى العالمي لصالح الصين، وإذا تحولت ساحة الحرب إلى تايوان سيعطى ذلك نفوذًا أكبر لروسيا في أوروبا ويفسح لها المجال وهو ما تخشاه أوروبا في ظل التأثر الشديد بانقطاع الغاز الروسي مع قدوم الشتاء فقد يكون الشتاء القادم هو الاصعب على أوروبا إذا أستمرت روسيا في حجب الغاز، وهو ما دعا مارين لوبان وغيرها من المسؤولين الأوروبيين للمطالبة برفع العقوبات المفروضة على روسيا حتى لا تنقطع الكهرباء عن أوروبا، وأن العقوبات أصبحت دون جدوى ولم تُحدث إلا أزمات على الساحة الأوروبية، وبالتالي لن يكون هناك مساحة لمواجهة أزمة جديدة قد تكون الاضخم على مستوى الساحة الدولية.
أما الولايات المتحدة لن تغامر بدخول الانتخابات النصفية وهي في حالة حرب مع الصين في تايوان وبالتالي ستظل الأمور فى حالة تأرجح وستظل الولايات المتحدة تستخدم الحرب بالوكالة مع الصين حتى لا تتخذ قرار مباشر مع الصين يكلفها الكثير، خاصة في ظل انشغالها بأوروبا والحرب الأوكرانية الروسية والمعاناة التي تكبدها العالم من هذه الحرب، والفارق بين الحرب الروسية الأوكرانية وقضية تايوان هو أن أوكرانيا دولة مستقلة ومعترف بها من الجميع أما تايوان ليست دولة مستقلة ولم يعترف بها العالم ويعتبرها معظم الدول جزء من الصين وهو ما يعقد من إمكانية التدخل المباشر بين الولايات المتحدة والصين في تايوان، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة لتسليح كل من ألمانيا واليابان لتكوين جبهة أكثر تماسكًـا ضد تايوان دون تحرك أمريكي مباشر قد يحدث خلل في الداخل الأمريكي والأوروبي.
لن تتأثر أوروبا فقط في حالة شنت الصين حرب على تايوان بل سيتأثر العالم كله، وما تفعله الصين الآن من تحركات ليست إلا استعراضًا للقوه لان كل من الولايات المتحدة والصين تعي جيدًا أن في حالة قيام حرب في تايوان سيخسر الجميع، وإمكانية وصول الصين لتايوان عبر المضيق قد تعرض القوات الصينية للخطر لهذا السبب ستفكر الصين جيدًا قبل أن تتخذ قرار الحرب، ولكن لا شك أن الصين ربحت في تدريباتها العسكرية تجاه تايوان لأنها ستبرز لها نقاط الضعف حتى تتلاشاها في حالة قررت الحرب على تايوان، وباستطاعة الصين أن تفرض حصار اقتصاديًا على تايوان حتى لا تلجأ للتدخل العسكري والخسائر التي قد تحدث نتيجته للضغط على تايوان خاصة في ظل اقتراب موعد الانتخابات الصينية وهو ما يدفع الصين للحفاظ على مظهرها أمام المجتمع الدولي والداخل الصيني على وجه الخصوص، أما فيما يتعلق بالدول الأوروبية ستظل المواقف الأوروبية تتحرك على استحياء في الوقت الحالي تجنبًا لغضب التنين الصيني، وعلى أقصى تقدير قد يقوم البرلمان الأوروبي بعدد من الزيارات نحو تايوان مرة ثانية وقد يحاول تغيير أسماء مكاتبة التجارية من تايبيه إلى تايوان وفى هذه الحالة ستفرض الصين مزيد من العقوبات على الدول المساهمة كما هو الحال في ليتوانيا.