إعداد : نجلاء القصاص
باحثة فى برنامج دراسات الشرق الأوسط
إستجلاء المواقف الاقليمية والدولية من التنظيم
هناك علاقة متشابكة بين إيران وتنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد كان أول بزوغ لتنظيم القاعدة منذ الهجوم الإرهابي يوم 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية؛ذلك التنظيم الذي دائماً ما توجه الولايات المتحدة أصابع الإتهام تجاه إيران بدعمه وتمويله بوصفها دولة داعمة للإرهاب وعلى مر التاريخ تفرض الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات المختلفة على إيران بداعي دعمها للإرهاب وتتملص الأخيرة من ذلك الإتهام الذي يصفه البعض بالعشق الممنوع فكيف لإيران الشيعية أن تتخذ من تنظيم القاعدة السني حليف وتقوم بدعمه!
لذا فنحن بحاجة إلي الوقوف على طبيعة العلاقات بين كلاً منهم محاولين كشف حقيقتها والتنبؤ بمستقبلها خاصة في ظل الأحداث الأخيرة؛إذ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بمدينة كابل العاصمة الأفغانية ، “تلك التي أجلت القوات الأمريكية قواتها عن دولتها أفغانستان بالإتفاق مع طالبان بعدم دعم تنظيم القاعدة وقد تم إجلاء القوات الأمريكية تحت حماية 6000 جندي دون طلقة واحدة من طالبان ” ، فضلاً عن الزعم بوجود أكبر المرشحين لخلافة أيمن الظواهري في زعامة تنظيم القاعدة بأراضي إيران وهو محمد صلاح الدين المعروف بسيف العدل وهو أيضًا من أبرز الموجودين على قائمة المطلوبين دوليًا.
ومن هنا فنحن بصدد الحديث عن مقتل أيمن الظواهري ومن سيخلفه والإشارة إلي تنظيم القاعدة ،والوقوف على طبيعة العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة في ضوء الدلائل المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأراء والتحليلات ،فضلاً عن الإشارة إلي مستقبل العلاقات وفقاً لما تقتضيه المصالح.
نشأة أيمن الظواهري وعلاقته بتنظيم القاعدة في ضوء علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية ومصلحتها في مقتله
ينحدر الظواهري المولود في العاصمة المصرية القاهرة في 19 يونيو من عام 1951، من عائلة متميزة من الطبقة المتوسطة، وفيها العديد من الأطباء وعلماء الدين، والده محمد الظواهري كان أستاذًا في كلية الصيدلة في جامعة القاهرة، جده ربيع الظواهري ، تقلد منصب شيخ جامع الأزهر، في حين أن أحد أعمامه كان أول أمين عام لجامعة الدول العربية.وقد ترعرع في حي المعادي جنوبي القاهرة، وتأثر في صباه بشكل كبير بكتابات سيد قطب,وقد انخرط الظواهري في نشاطات حركات الإسلام السياسي في سن مبكرة، وهو لا يزال في المدرسة، وقد اعتقل في سن الخامسة عشر، لانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة،
لكن نشاط الظواهري السياسي، لم يمنعه من دراسة الطب في في جامعة القاهرة، التي تخرج منها في عام1974،ثم خدم لمدة 3 سنوات جراحا بالجيش، وفي عام 1978 حصل على درجة الماجستير في الجراحة،وقد عمل كعامل إغاثة مع الهلال الأحمر في بيشاور في باكستان حيث عالج اللاجئين المتضررين من الحرب الأفغانية، وخلال ذلك الوقت، قام بعدة رحلات عبر الحدود إلى أفغانستان حيث شاهد الحرب عن كثب.
يذكر أنه التحق بجماعة الجهاد الإسلامي المصرية منذ تأسيسها في العام 1973،وفي عام 1981، اعتقل ضمن المتهمين باغتيال الرئيس المصري آنذاك أنور السادات،وكان السادات قد أثار غضب الناشطين الإسلاميين من خلال التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل، واعتقال المئات من منتقديه في حملة أمنية آنذاك،وخلال إحدى جلسات المحاكمة، ظهر الظواهري باعتباره متحدثاً باسم المتهمين، لإتقانه اللغة الإنجليزية، وصور وهو يقول للمحكمة: “نحن مسلمون نؤمن بديننا ونسعى لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي”.
ورغم تبرئته في قضية اغتيال السادات، فقد أدين بحيازة الأسلحة بصورة غير مشروعة، وحكم عليه بالسجن مدة3 سنوات.وتولى الظواهري قيادة جماعة الجهاد بعد عودتها للظهور في عام 1993، وعُد الشخصية الرئيسية وراء سلسلة من الهجمات داخل مصر بما فيها محاولة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك عاطف صدقي، وتسببت سلسلة الهجمات التي شنتها تلك المجموعة للإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة إسلامية في البلاد خلال منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بمقتل أكثر من 1200 شخص في مصر، وفي عام 1997، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن زعيم جماعة “طلائع الفتح”، وهو فصيل من فصائل حركة الجهاد الإسلامي، يقف وراء المذبحة التي تعرض لها السياح أجانب في مدينة الأقصر في العام نفسه، وبعد ذلك بعامين صدر على الظواهري حكم بالإعدام غيابيا من قبل محكمة عسكرية مصرية لدوره في الكثير من الهجمات في مصر.وعقب الإفراج عنه في العام 1985، غادر إلى السعودية،وبعد ذلك بوقت قصير توجه إلى بيشاور في باكستان وأفغانستان المجاورة في وقت لاحق، حيث أسس فصيلاً لحركة الجهاد الإسلامي المصرية.
يذكر أن الظواهري التقي ببن لادن بالسودان حيث أن بن لادن كان قد غادر إلى السودان في عام 1992 حيث انضم إليه الظواهري في النهاية هناك، وفي يونيو/حزيران من عام 1995 جرت محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، وتحت ضغط دولي طرد السودانيون في النهاية الظواهري وبن لادن وأتباعهم، ولكن لم تنتهي علاقة الظواهري ببلادن؛ ففي عام 1997 انتقل الظواهري إلى مدينة جلال أباد الأفغانية حيث كان بن لادن يقيم، وبعد سنة انضم تنظيم الجهاد وخمس مجموعات راديكالية أخرى، إلى بن لادن وتنظيم القاعدة مشكلين “الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين”، وشمل إعلان الجبهة لأول مرة فتوى دينية تسمح بقتل المدنيين في الولايات المتحدة، وبعد 6 أشهر دمرت اثنتان من الهجمات المتزامنة السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا ما تسبب بمقتل 223 شخصًا.ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقف مكتوفة الأيدي فبعد أسبوعين من الهجمات، قصفت واشنطن معسكرات تدريب إسلامية متشددة في أفغانستان.
وقد أستمرت العمليات الإرهابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية لكن الحادث الجلل في تاريخ العمليات الإرهابية ، هو حادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 حيث منذ هذا التاريخ تغير العالم، فبعد أشهر من التخطيط السري، خطف عملاء القاعدة أربع طائرات ركاب أمريكية في منتصف الرحلة، وجهوا اثنتين منهم نحو مركز التجارة العالمي الشهير في نيويورك، وحولوا الناطحتين العملاقتين إلى كرة ملتهبة غطتها الغبار والنيران، كما صدموا طائرة أخرى بمقر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” وفي الطائرة الرابعة، تغلب الركاب على الخاطفين وتحطمت الطائرة في حقل، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
مات ما يقرب من 3000 شخص في ذلك اليوم، لقد كان أسوأ هجوم إرهابي على الإطلاق على أمريكا، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك التاريخ “الحرب على الإرهاب” وقد أعلنها الرئيس الأمريكي أنذاك جورج بوش صراحة حيث صرح في خطابه “بأنه من يأوي إرهابيين فهو بالنسبة لأمريكا إرهابي” ومن ثم أعلن الحرب على أفغانستان ثم العراق.
أستغرقت تلك الحرب عشرة أعوام إلي أن تمكنت الولايات المتحدة من تعقب التنظيم وقتل زعيمه المتخفي أسامة بن لادن، في مايو/أيار 2011،وخلف بن لادن الظواهري في قيادة التنظيم، الذي كانت الحكومة الأمريكية قد رصدت مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه .
وبعد سنوات من قيادة الظواهري للتنظيم، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة استهدفت الظواهري بنجاح في 1 أغسطس 2022، بضربة بطائرة مسيرة في أفغانستان في العاصمة كابل، قائلا في تصريحات بالبيت الأبيض إن “العدالة تحققت” .
لقد أستغرق الأمر أحد عشر عامًا من قيادة الظواهري للتنظيم إلي أن تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من قتله فلماذا هذا التوقيت ؟
هل تبعث الولايات المتحدة رسالة بأنها ما زالت قادرة على شن هجمات جوية في أفغانستان وأنها قادرة على السيطرة على السماء الأفغانية وأنها ستتحرك حين يستدعي الأمر ذلك خاصة مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن طالبان خرقت الاتفاق المبرم بينهم الذي يتضمن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان في مقابل توقف طالبان عن دعم تنظيم القاعدة، وأنها ما زالت تدعم تنظيم القاعدة بدليل وجود زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بالعاصمة كابل فبحسب ما ورد، فإن المنزل الذي قتل فيه مملوك لأحد مساعدي سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني ” وهي جزء قوي من حكومة طالبان” ووزير الداخلية في الحكومة الجديدة.ولكن طالبان تصر على أنها وافقت على عدم السماح بتخطيط وتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائهامن داخل أفغانستان، إلا أنها لم تتعهد بقطع العلاقات مع حلفائها القدامى مثل القاعدة .
أم كما قال حميد حكيمي بالغارديان أن بايدن استخدم قتل الظواهري من أجل الشعبية ،حيث وصلت شعبيته إلى مستويات منخفضة للغاية في الفترة الأخيرة،حيث يواجه الرئيس الأمريكى جو بايدن، عددا من التحديات التى ستلقى بظلالها بقوة على انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، المقررة فى نوفمبر المقبل؛ أول هذه القضايا وأبرزها يتعلق بالاقتصاد، خاصة ارتفاع مستوى التضخم لأعلى مستوى منذ أربعة عقود وارتفاع الأسعار المنعكس على المستهلكين، خاصة أسعار الوقود،أما القضية الثانية فتتعلق بحرب أوكرانيا الدائرة فعلى الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية عادة لا يكون لها تأثير كبير عن تصويت الناخبين الأمريكيين، لكن نظرا للتداعيات الواسعة لتلك الحرب وتأثيرها على الداخل الأمريكى، فمن المتوقع أن تعلب دورا فى نتائج تلك الانتخابات، خاصة فى ظل تأثيرها على ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء،ا لقضية الثالثة تتعلق بوباء كورونا، فرغم تراجع الأزمة فى الأسابيع الأخيرة مع تراجع معدلات الوفيات والأعراض الخطيرة، إلا أن استمرار ارتفاع الإصابات بشكل كبير مع تفشى متغيرات جديدة من الفيروس يجعلها قضية تشغل بال الناخب الأمريكى بشكل كبير.
إذا قتلت الولايات المتحدة الأمريكية الظواهري ولكنها لم تقضي على تنظيم القاعدة فسرعان ما سيجد التنظيم زعيمًا أخر غير الظواهري فمن هو خليفة الظواهري وكيف ستكون القاعدة بزعماته ؟
نشأة سيف العدل ودوره في تنتظيم القاعدة
هومحمد صلاح الدين زيدان المعروف باسم “سيف العدل المصري” من مواليد محافظة المنوفية في مصر، يشار إليه الأن بأنه أبرز الأسماء المرشحة لقيادة تنظيم القاعدة خلفاً للظواهري فهو من أبرز القدامي بالتنظيم ، وهو الذي رصدت وكالتا المخابرات الأمريكية والبريطانية، مكافآت مالية بمقدار 7.5 مليون جنيه إسترليني، و10 ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات عنه بسبب دوره في تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 والتي خلفت 224 قتيلاً.
كانت بداية تبنيه للأفكار المتطرفة خلال فترة المراهقة حيث تردد سيف العدل على مسجد “فجر الاسلام” في شبين الكوم وتبنى الافكار المتطرفة خلال تلك المرحلة لكن الظروف المحيطة بانتمائه الى “حركة الجهاد الاسلامي” المصرية لا تزال غامضة .
في أواسط ثمانينيات القرن الماضي وصل سيف العدل إلى رتبة عقيد في القوات الخاصة المصرية وكان ناشطاً في صفوف الجماعات الاسلامية المتطرفة المناهضة لحكم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وفي 6 مايو/ أيار 1987 تعرض وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا لمحاولة اغتيال فشنت السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة ألقي القبض خلالها على ستة آلاف من المتطرفين وكان من بينهم سيف العدل، واطلق سراحه لعدم كفاية الادلة ضده لكن تم تسريحه من الجيش،و بعد خروجه من السجن غادر مصر متوجها الى السعودية ومنها الى باكستان وهناك انضم إلى الافغان العرب بقيادة اسامة بن لادن.
ورغم أن سيف العدل لا ينتمي الى جيل مؤسسي القاعدة،لكن يعتقد أنه لعب دورًا مهما في بناء التنظيم وتعزيز قدراته وامكاناته العسكرية،حيث انضم سيف العدل الى التنظيم عام 1989 وكان انضمامه للقاعدة مكسبا كبيراً لها بسبب تمتعه بقدرات وخبرة عسكرية لا تقدر بثمن،وفي بداية الأمر تولى عمليات تدريب المقاتلين في المعسكرات التي كان يديرها التنظيم في افغانستان ومن بينها معسكر “جهاد وال”، ومن الدورات التي اشرف عليها تدريب المقاتلين على عمليات الخطف والاغتيال، كما وضع سيف العدل اسس تقييم أهداف عمليات التنظيم وجمع المعلومات الأمنية عنها مما عزز قدراته على صعيد العمليات.
وبفضل القدرات والمؤهلات العسكرية التي يملكها سيف العدل تدرج سريعًا في التسلسل الهرمي للقاعدة، إذ شغل منصب رئيس اللجنة الأمنية بمنتصف التسعينيات، ولعب دوراً مهماً في إنشاء البنية التحتية للقاعدة في القرن الإفريقي وبخاصة في الصومال.
يذكر أنه يعود الفضل لسيف العدل في اقناع اسامة بن لادن بتقديم المساعدة المالية لمجموعة الزرقاوي لاقامة معسكر تدريب في ولاية هيرات الأفغانية بالقرب من الحدود الإيرانية،وقد لعب المعسكر دورًا كبيرًا في تسهيل حركة الجهاديين من وإلى افغانستان عبر إيران بعد ان بدأت الحكومة الباكستانية في ملاحقة “الافغان العرب” الذين كانوا ينشطون على أراضيها.
وقد ساعد في إقامة القاعدة محطتين في إيران، واحدة في طهران والأخرى في مدينة مشهد، لتسهيل سفر عناصرها من والى افغانستان، وفي أعقاب هجمات سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة وقبيل الغزو الأمريكي لأفغانستان يعتقد أن سيف العدل نجح في نقل عناصر القاعدة الى إيران عبر نفس المسالك، ومع انطلاق العمليات الأمريكية لغزو افغانستان عام 2001 قاد سيف العدل جهود القاعدة لتهريب نشطاء التنظيم من افغانستان الى إيران مستفيداً من المحطتين اللتين أقامهما في ايران وشبكة البيوت الآمنة التي اسسها هناك.
وبعد أن استقر سيف العدل في إيران برفقة المسؤول البارز في القاعدة أبو محمد المصري، عاود الاتصال بقادة القاعدة في افغانستان وباكستان وارسل مقاتلي القاعدة الى هناك،وبعد ضغوط امريكية وسعودية كبيرة على طهران تم القاء القبض على سيف العدل وابو محمد المصري عام 2003 فتراجع دوره في عمليات وانشطة التنظيم الى أن تم اطلاق سراحه عام 2015 في عملية تبادل اسرى بين التنظيم والجانب الإيراني حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عام 2015.”
وبذلك يوصف سيف العدل، بأنه أحد أكثر عناصر القاعدة فاعلية وواحداً من القادة الأحياء من حقبة ما قبل هجمات 11 سبتمبر الذين يمكنهم تولي زمام أمور التنظيم، وإن صح الاعتقاد وأصبح هو قائد التنظيم خلفاً للظواهري فأننا بصدد عقلية عسكرية تسعي للتوسع وتوطيد أساسات القاعدة في مختلف المناطق فستشهد حقبته تخطيطاً واسع المجال للتوسع ولتوطيد علاقة القاعدة بالتنظيمات الجهادية الأخري والبحث عن التعاون مع مختلف القادة الذين تربطهم مصالح بالتنظيمات الجهادية .
فضلاً عن البحث عن بناء قواعد للتنظيم لتصبح ملاذاً أمناً للأعضاء،حيث بالنظر الي عقليته وتاريخه نتوقع أن تكون حقبته حافلة بالهجمات الإرهابية ،وبالنظر الي علاقته بإيران التي يزعم أنه مازال على أراضيها الي الأن فنتوقع أنه سيكون هناك مزيد من التعاون بينهم سواء في الخفاء أو العلن حسبما تقتضي المصلحة.
ومن هنا لابد من الحديث عن علاقة إيران بالقاعدة هل بالفعل تدعم إيران القاعدة أم إنها مجرد إدعاءات أمريكية؟
علاقة إيران بتنظيم القاعدة
هناك نفي دائم من إيران لعلاقتها بتنظيم القاعدة،ومؤخرًا اتهمت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة باستغلال ما سمته “إيرانوفوبيا” أو “رهاب إيران” لخلق توتر إقليمي خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني قوله في رد فعله على زيارة بايدن إن “الولايات المتحدة سعت مجدداً إلى خلق توتر وأزمة في المنطقة من خلال اللجوء إلى سياسة رهاب إيران الفاشلة، وقد أعلنت إيران عن فرض عقوبات جديدة على 61 أمريكياً، بينهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، لمساندتهم جماعة إيرانية معارضة،وتزامن الإعلان الإيراني مع ختام بايدن لجولته في منطقة الشرق الأوسط بعقد قمة إقليمية في مدينة جدة السعودية تحدث فيها عن إقامة حلف دفاعي إقليمي يشمل إسرائيل لمواجهة أي تهديد إيراني.
ولكن على الرغم من هذا النفي إلا أن هناك دلائل تشير إلي وجود علاقات تربط إيران بتنظيم القاعدة كالأتي:
تبادل الأسرى
ففي عام 2011، اتفقت إيران وتنظيم القاعدة على تبادل الأسرى، الذي شهد إطلاق سراح العديد من أعضاء تنظيم القاعدة الرئيسيين، بمن فيهم حمزة نجل بن لادن، مقابل دبلوماسي إيراني تم اختطافه في باكستان عام 2008، وبعد عدة سنوات في عام 2015، تم إتمام عملية تبادل أسرى آخرين؛ من بينهم ثلاثة مصريين هم سيف العدل وأبو محمد المصري وأبو الخير المصري، وأردنيين هما أبو القسام وساري شهاب، وشمل دبلوماسيًا إيرانيًا كان فرع تنظيم القاعدة في اليمن قد اختطفه في عام 2013، وتفسر عملية تبادل الأسرى الثانية سبب تأكيد أن قادة تنظيم القاعدة كانوا قادرين على العيش بحرية في إيران.
تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
وفي تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية كشف عن سماح طهران للقاعدة بالتآمر ضد الولايات المتحدة من أراضيها وشن هجمات على مصالح واشنطن وقواعدها العسكرية في مناطق متفرقة، مشيرا إلى أهمية المركز اللوجستي الذي توفره إيران للقاعدة لإدارة أعمالها، حيث مازال عدد من قيادات القاعدة يتواجد في إيران،وعرض التقرير أمام الكونغرس مذكرا بتصريحات وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، الذي اعتبر أول سياسي أميركي يتهم إيران علانية بتقديم الدعم لتنظيم القاعدة، ويشير التقرير إلى أن إيران تعاونت مع القاعدة سرا منذ أوائل التسعينات في السودان، واستمرت العلاقة بعد انتقال القاعدة إلى أفغانستان،وكانت القاعدة موجودة على الأراضي الإيرانية قبل وأثناء وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
العملية الإسرائيلية السرية
كانت إسرائيل أكثر حذرا بشأن التعاون بين إيران والقاعدة من الولايات المتحدة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قتلت عملية استخباراتية إسرائيلية سرية القيادي البارز بتنظيم القاعدة في طهران عبدالله أحمد عبدالله، الملقب بأبومحمد المصري، على الرغم من كونه تحت حماية الحرس الثوري الإيراني، وكان مطلوب من قبل حكومة الولايات المتحدة بتهمة التخطيط لتفجير شاحنتين مفخختين عام 1998 لسفارتين أميركيتين في أفريقيا وهجمات إرهابية أخرى ،وعلى الرغم من أنه قتل على أراضيها إلا أن طهران نفت أنها آوت عبدالله وسعت إلى الهروب من العواقب الدولية لدعمها الإرهاب،لكن وكالة “أسوشييتد برس” أكدت يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقتل أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في طهران، نقلاً عن 4 مسؤولين أمنيين أميركيين سابقين وحاليين، وأفادت بأن أجهزة الأمن الأميركية كانت قد سربت معلومات عن أبو محمد المصري، وتم تسليمها للإسرائيليين وقتلته القوات الخاصة الإسرائيلية في طهران.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو
وفي حديث أمام أعضاء بالرابطة الوطنية للصحفيين، قال بومبيو: “على عكس أفغانستان، حين كان تنظيم القاعدة مختبئا في الجبال، يعمل تنظيم القاعدة اليوم تحت غطاء صلب في حماية النظام الإيراني”، وشدد على أن الناس كانوا مخطئين في الاعتقاد بأن قوّة شيعية (إيران) وجماعة سنيّة متطرفة عدوّان لدودان، وأضاف: “وجود المصري داخل إيران يشير إلى سبب وجودنا هنا اليوم، فتنظيم القاعدة لديه مقرّ جديد: الجمهورية الإسلامية الإيرانية”،”ونتيجة لذلك، فإن الكيان الشرير لـ(مؤسس التنظيم الراحل أسامة بن لادن)، مهيّأ لاكتساب القوة والقدرات”.
وزعم بومبيو أن إيران سمحت منذ عام 2015 لأعضاء تنظيم القاعدة الموجودين في البلاد بالتواصل بحرية مع أعضاء آخرين، وبأداء العديد من الوظائف التي كانت تصدر من أفغانستان وباكستان، بما فيها التفويض بشنّ هجمات، والدعاية، وجمع الأموال،وأضاف أن “محور إيران-القاعدة يشكل تهديداً جسيما لأمن الدول وللوطن الأمريكي ذاته، ونحن نتخذ إجراءات”،وقال إن الولايات المتحدة تنوي إدراج قياديين في تنظيم القاعدة، مقرهما في إيران، في قائمة الإرهابيين العالميين، وهما محمد أباتي، المعروف بعبد الرحمن المغربي، وسلطان يوسف حسن العارف، كما قررت الولايات المتحدة تخصيص مكافأة مالية تصل إلى سبعة ملايين دولار لمن يقدم معلومات من شأنها تحديد مكان عبد الرحمن المغربي أو رصده. وسبق أن عُرضت مكافآت لمن يقدم معلومات عن اثنين من أبرز أعضاء القاعدة، يزعم أنهما مقيمان في إيران، هما سيف العدل وياسين السوري.
وثائق المخابرات المركزية و تقرير الأمم المتحدة
وقد أشارت وثيقة نشرتها وكالة المخابرات المركزية مؤخرا إلى أن المواد التي تم الاستيلاء عليها في مجمع أسامة بن لادن في أبوت آباد تكشف تعاونا عميقا بين القاعدة وإيران،و وصف تقرير وكالة المخابرات المركزية كيف سمحت إيران لمنظم القاعدة ياسين سوري بالعمل من أراضيها في عام 2005، ووفقا للوثيقة، كانت مهمة سوري هي “ربط طرق عبدالله خان بإيران وجلب إخوة من الخارج، مشددا على أهمية المركز اللوجستي للقاعدة في إيران أيضا،وكذلك سلط تقرير آخر للأمم المتحدة في عام 2018 الضوء على كيفية أداء كل من سيف عادل وأبومحمد المصري واجباتهما القيادية من إيران.
تصريحات بن لادن وإقامة عناصر من القاعدة بإيران
كشفت الدفعة الثانية من خطابات أسامة بن لادن التي ضبطت خلال الغارة في أيار/مايو 2011 على المجمع الذي كان يقيم فيه في مدينة أبوت أباد الباكستانية، والتي نشرها مكتب مدير الاستخبارات القومية الأميركية عن وجود علاقة قديمة ومستمرة بين تنظيم القاعدة وإيران،
وأشار عدد من الخطابات بشكل مباشر إلى إيران باعتبارها أحد مصادر التمويل لتنظيم القاعدة، وأعطت الخطابات فكرة أوضح حول العلاقة التي تجمع بين “القاعدة” وإيران ففي خطاب عام 2007 بعنوان “خطاب إلى كارم”، يقدم بن لادن المبررات التي تستوجب عدم الهجوم على إيران قائلا: “إيران هي شرياننا الرئيس الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، إضافة إلى مسألة الرهائن، لا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران إلا إذا اضطررت إلى ذلك”، وينهى بن لادن وبقوة عن أي هجوم ضد إيران، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيحض أي عناصر طموحة في التنظيم على طلب المشورة أو الإذن في أي مواجهة مع إيران.
تقرير لجنة 11 سبتمبر
إن نمط التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة حقيقة راسخة، وفقًا لتقرير لجنة 11 سبتمبر، حيث أشار التقرير أنه في التسعينيات، “سافر نشطاء ومدربون بارزون من تنظيم القاعدة إلى إيران لتلقي التدريب على المتفجرات”، بينما تلقى آخرون “المشورة والتدريب من حزب الله” في لبنان، وفي السنوات التي سبقت 11 سبتمبر، سافر عدد من الخاطفين التابعين لتنظيم القاعدة عبر الأراضي الإيرانية، وخلص التقرير إلى أن “الانقسامات السنية الشيعية” لم تشكل بالضرورة حاجزًا لا يمكن التغلب عليه أمام التعاون في العمليات الإرهابية بين تنظيم القاعدة وإيران.
الخاتمة
ووفقًا لما تم إستعراضه فقد أصبحت الرؤية أكثر وضوحًا فالوثائق المقدمة تثبت وجود علاقات قديمة بين تنظيم القاعدة وإيران والنفي الإيراني لهذه الدلائل غير مدعوم بأي وثائق ، وبالنظر إلي المصالح نجد أن وضع المصالح بالشرق الأوسط يسمح بشكل كبير للتعاون بين تنظيم القاعدة وإيران حتى وإن كان نوعاً من غرام الأفاعي، فالمصلحة تقتضي التعاون فيما بينهم للتخلص من النفوذ الأمريكي بالمنطقة، فهو العدو المشترك لكليهما والأكبر بالشرق الأوسط لهما ، وسيكون للملف النووي الإيراني دور قوي في تحديد توجه إيران فإذا وقفت نداً له سيكون داعم قوي لإيران للتعاون مع تنظيم القاعدة ،وبالنظر للأحداث الأخيرة “مقتل أيمن الظواهري” نجد أنها تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تمثل تهديداً قوياً بالمنطقة ، خاصةً وأن الولايات المتحدة الأن توجه أصابع الإتهام لطالبان الأن بخرق الاتفاق المبرم بينهم بعدم دعم تنظيم القاعدة والذي على إثره أجلت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها عن أفغانستان ، ومن هنا يتضح الشريك الثالث المهدد من الولايات المتحدة الأمريكية “طالبان”، فطالبان الأن تواجه تهديد خاصة وقد أتضح عدم سيطرتها على البلاد، فالغارة الأمريكية واغتيال الظواهري، تنفي مزاعم طالبان بالسيطرة الكاملة على الأراضي الأفغانية، وتثير الشكوك حول تيسير دخول الطائرة المسيرة، فأفغانستان بلد غير ساحلي،وبالتالي فإن العمليات الجوية التي تقوم بها الطائرات الأمريكية بدون طيار بحاجة إلى إذن من إحدى الدول المجاورة لدخول المجال الجوي الأفغاني،وبالنظر الي الدول المشتركة مع أفغانستان في الحدود نجد أن إيران ودول آسيا الوسطى والصين، لن تتعاون مع الولايات المتحدة، ولذا فأن أكبر الظن أن باكستان ستكون الخيار المنطقي.
وعلى مدار ما يقرب من 20 عامًا، وفرت باكستان “ملاذًا آمنًا لطالبان خلال تمردها ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقوات الأمن الأفغانية”، ولكن باكستان تواجه صعوبات مالية هائلة، وكانت تحاول يائسة الحصول على دعم من واشنطن، لتأمين حزمة قروض بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي،فمن الأرجح أن تتوقع باكستان أنه من خلال التعاون في مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة، أن تتلقى دعماً أمريكيًا يتجاوز التعاون العسكري ليصل الى تأمين الحزم المالية اللازمة.
لذا فأننا نتوقع وإن صدق الإعتقاد بخلافة سيف العدل للظواهري أنه سيسعي طبقًا لتاريخه ومهاراته في توطيد التحالفات وإنشاء القواعد إلي توطيد العلاقات مع إيران وبالمثل مع طالبان ، فجميعهم يشتركون في عدو مشترك بالمنطقة وهو الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي تهدد مصالحهم جميعاً فقد قتلت زعيم القاعدة الظواهري ومن قبله بن لادن وغيرهم من المسؤولين بالقاعدة ، وهي الأن تهدد سيطرة طالبان على أفغانستان ومازال موقفها غير مطمئن بالنسبة للملف النووي الإيراني.
لذا نتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عمليات إرهابية ردًا على مقتل الظواهري وربما ردًا على التحالف الباكستاني الأمريكي المزمع ضد طالبان ، وفي حال الرد السلبي تجاه ملف إيران النووي فيضاف دافع قوي أخر للإنتقام.