إعداد/ هدير أحمد شلبي
باحث دكتوراة في الشؤون الأفريقية – جامعة القاهرة
ملخص
جاء إصلاح الإدارة العامة في خطة تنمية رواندا لحاجتها الملحة للإصلاح والتطوير الإداري إلى جانب التنمية بهدف توفير الخدمات العامة للمواطنين بشكل فعال عبر آليات تساهم في تقديمها بالفعالية والكفاية والسرعة والتكلفة التي تتماشى مع حاجات المواطنين وتطلعاتهم. ولأن عملية إصلاح الإدارة العامة طويلة الأجل لإشتمالها على تغييرات سياسية وإدارية واقتصادية، وتتوقف قدرتها على مكافحة الفقر في صياغة وتفعيل نظم تقلل من الفساد مع تطوير الجهود لخدمة المحتاجين، كما أن تأثيرها الإيجابي على التنمية يتوقف على كيفية إدارة عملية الإصلاح نفسها و استيفائها لمتطلبات الشعب وتماشيها مع احتياجاته، مع تحقيق آلية المساءلة لضمان كفاءة التنفيذ والتطبيق مع الإعداد الجيد للكوادر وبناء القدرات لضمان كفاءة تنفيذ المسؤوليات المخولة مع وضع معايير وطنية لتقديم الخدمات بشكل متوازي مع احتياجات التقسيمات الإدارية للأقاليم في رواندا، ويمكن أن تلخص أهم معوقات تجربة الإصلاح الإداري في رواندا في عملية إدارة التوقعات، وبناء القدرات للوعي بشأن عملية الاصلاح وعدم مقاومته، خاصًة في ظل مجتمع مثل المجتمع الرواندي الذي عانى ومازال يعاني من الآثار السلبية للإبادة الجماعية التي خلفت وراءها ميول ديموغرافية مختلفة وقضايا تحتاج للمصالحة وإعادة بناء الثقة، بجانب الإلتزام بتقديم الخدمات في أطر زمنية معقولة وبأعلى مستوى من الجودة في ظل عدد منخفض من الكفاءات المدربة لتحقيق هذا الهدف.
مقدمة
جاء إصلاح الإدارة العامة في خطة تنمية رواندا لحاجتها الملحة للإصلاح والتطوير الإداري إلى جانب التنمية بهدف توفير الخدمات العامة للمواطنين بشكل فعال عبر آليات تساهم في تقديمها بالفعالية والكفاية والسرعة والتكلفة التي تتماشى مع حاجات المواطنين وتطلعاتهم. فقديمًا كانت رواندا تدار بشكل تقليدي قائم على الموروثات والمعتقدات، فالسلطة العليا كانت في يد الملك المسمى وقتها بـ”الموامي” ومن تحته ترتيبات هرمية بشكلها البدائي لكلًا من الهوتو والتوتسي ليسمح لهم بالمشاركة في شؤون مجتمعاتهم وصنع القرارات، ثم جاء عام 2001 لإحياء فكرة الإصلاح الإداري ولكن بشكل أكثر انضباطًا، ومابين تلك الحقبتين كان الاستعمار بسياسة “فرق تسد” ليفسد تلك الدولة الغنية بالموارد والخيرات وليقطع عليها كافة السبل للتقدم وتحقيق التنمية. ولأن عملية إصلاح الإدارة العامة طويلة الأجل لإشتمالها على تغييرات سياسية وإدارية واقتصادية، وتتوقف قدرتها على مكافحة الفقر في صياغة وتفعيل نظم تقلل من الفساد مع تطوير الجهود لخدمة المحتاجين، كما أن تأثيرها الإيجابي على التنمية يتوقف على كيفية إدارة عملية الإصلاح نفسها و استيفائها لمتطلبات الشعب وتماشيها مع احتياجاته، مع تحقيق آلية المساءلة لضمان كفاءة التنفيذ والتطبيق مع الإعداد الجيد للكوادر وبناء القدرات لضمان كفاءة تنفيذ المسؤوليات المخولة مع وضع معايير وطنية لتقديم الخدمات بشكل متوازي مع احتياجات التقسيمات الإدارية للأقاليم في رواندا .
أولًا: التجربة الاستعمارية في تأسيس الإدارة العامة في رواندا، وتداعياتها على بنية الإدارة العامة قبل استقلال رواندا
قبل الاستعمار كانت رواندا بمثابة مملكة يحكمها ملك في يده السلطة العليا، وكانت رواندا مملكة ذات كثافة سكانية مرتفعة، ولهذا أنشأت المملكة هيكل إداري لينظم مسألة “حيازة الأراضي”*. ورواندا في ذلك الوقت كانت مقسمة لأربعة أقاليم ومقاطعات تدار من قبل رؤساء يعينهم الملك، حيث أن المقاطعات الخاضعة للحكم المركزي كان يرأسها مسؤولان إحدها من الهوتو والأخر من التوتسي وكلاهما يعمل بشكل مستقل عن الآخر، فمالك الأرض مسؤول أمام مسؤول الهوتو، والذي كان يتصرف كمحكم في المنازعات الخاصه بالأراضي ويقوم بتنظيم الجزية الزراعية وينظم المستحقات. بينما مالك الماشية مسؤول أمام المسؤول التوتسي والذي كان يقوم بمسؤليات مثل جمع الضرائب على الماشية وباقي الأمور الخاصه بالماشية. وارتبط التسلسل الهرمي في علاقة التبعية المتبادلة، وذلك فيما يتعلق بالسلع والخدمات من خلال خدمة تعاقدية يتمكن فيها الشخص الأكثر قوة من توفير الحماية في مقابل العمل.
وعاشت رواندا مثل أغلب البلدان الأفريقية في إطار مجتمعي للممارسات التقليدية، معظمهم يرعى الماشية ويزرع حقولهم في اقتصاد زراعي مزدوج ينجو من أي صدمات، فعندما تحدث مشكلة للماشية ينجو الرعاه من المزارعين، وإذا ضعفت المحاصيل يعتمد المزارعون على حراسة ورعاية الماشية، ومن هنا كان التبادل المستمر للمنتجات بين المجموعات، وبالتالي عاش الشعب في رواندا مع بعضهم البعض في تناغم خلال فترة ماقبل الاستعمار، ولقد كان الناس جميعاً لديهم احساس خاص بتنمية المجتمع وكانوا دائمين السعي من أجل تحقيق ذلك الهدف، فلقد كان التضامن الإجتماعي والعمل الجماعي والتنمية من أهم القيم الإجتماعية الأفريقية في ذلك الوقت. مما جعل المجتمع الرواندى مجتمع قوي، بالإضافة لوجود هيكل هرمي للقيادة من أعلى لأسفل سمح بالمشاورات الرأسية والأفقية في المجالات ذات الأهمية الإجتماعية والإقتصادية، وتم تنظيم المجتمع على أساس المصالح الوطنية مثل الدفاع والزراعة والرعي والحرف اليدوية إلى أن جاء الاستعمار.
أشارت الأدبيات أن أساليب إدارة الاستعمار نوعين، يندرج النوع الأول تحت مسمى “الحكم المباشر” مثلما فعلت فرنسا، والنوع الثاني هو “الحكم الغير مباشر” والذي اتبعته انجلتر وألمانيا وبلجيكا في إدارة مستعمراتهم. حُكمت رواندا بالحكم الغير مباشر الذي إتسم بمؤسساته الأربعة وهم السلطة الأهلية*، المحاكم الأهلية، الخزينة الأهلية وحاكم المقاطعة، وكان غاية الاستعمار هنا نظام إداري يمثل رأس السلطة فيه القبيلة، وكان ذلك واضحًا حيث أن القبيلة في ظل الاستعمار كانت بمثابة الوحدة السياسية الإدارية التي أعتمد عليها الحكم الغير مباشر للاستعمار.
إن الإدارة الرواندية في ظل الاستعمار كانت تعمل على إبقاء بعض العناصر الأساسية للنظام لحكم رواندا بأقل تكاليف وأكثرها ربح. وقاموا بالقضاء على التسلسلات الهرمية المتنافسة وأعادوا تجميع وحدات الإدارة في مشايخ فرعية، وأستخدموا القوة لتثبيت مسؤوليين الدولة ليكونوا تحت طاعتهم، مع تدمير قوة رؤساء الأنساب والأقاليم الصغيرة، وكنتيجة للحكم الغير مباشر وإفتقار الحكام المستعمرين للفهم الصحيح لكيفية عمل النظام التقليدي، كان من المتوقع أن يفرض الرؤساء مطالبهم الثقيلة على شعبهم مثل العمل في زائير–الكونغو حالياً– وتوفير الموارد الغذائية للأوروبين، والزراعة القسرية وبناء الطرق، وقام البلجيكيون بتحويل البنية الإجتماعية–الإقتصادية للسكان الأصليين، وأدخلوا تطورات تخص الإشراف على إنشاء البنية التحتية الإجتماعية والتي ركزت بشكل أساسي على المصالح الأجنبية المدعومه بنظام السخرة.
وطبقاً للأدبيات فالمستعمرين استغلوا هيكل الإدارة من أجل تنفيذ سياسات تخدم مصالحهم الأجنبية وتم دعم هذه السياسات عن طريق العمل القسري في أنشطة مثل زراعة المحاصيل النقدية للتصدير، وبناء المدارس، والكنائس، والطرق والمباني الإدارية، بجانب تمييز الروانديين في مجموعات عرقية هوتو/توتسي/توا، وكيف ساعدهم ذلك التقسيم على تعظيم القوى العاملة المطلوبة. لقد وجد المستعمر مملكة متطورة في رواندا، فقد كان الملك المعروف بأنه من التوتسي يحمل رتبة رفيعة المستوى في الحياه العسكرية والسياسية، مما جعل المستعمر يستغل ذلك لتسليط الضوء على الوضع المهمش للهوتو بإدعاء أنهم خلقوا لغرض الزراعة وخدمة العمال، وبالتالي كان من السهل التلاعب بهم، خاصًه في الأنشطة الثقيلة مثل العمل فى المزارع والمناجم وبناء الطرق.
واستنادًا لكل ماسبق نخلص لنتيجة وهى أن رواندا منذ قدوم الاستعمار كانت تدار بنظام مركزي، وكانت الأقاليم مقسمة على أساس عرقي، كما أنها لم تعرف فكرة التأصيل الدستوري أو القانوني للإدارة طوال فترة الاستعمار، عرفت رواندا الإدارة اللامركزية بشكلها التقليدي قبل الاستعمار من خلال القوانين العرفية السائدة فقط، بينما شكل الإدارة في ظل الاستعمار اتضح من خلال المسؤلية السياسية فقط، وبذلك من الممكن وصف رواندا قبل الاستقلال بأنها مركزية ولامركزية، كما تبدو الإختلافات الرئيسية بين إدارة الاستعمار الألماني* وبين إدارة الاستعمار البلجيكي** والكنيسة الكاثولكية*** في كيفية استخدام السلطات التقليدية كأدوات لإحكام سيطرة إدارة الأقاليم.
ثانيًا: سياسات الإدارة العامة الخاصة بالتطوير والإصلاح منذ استقلال رواندا وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين
نالت رواندا استقلالها عام 1962م، وجاء الدستور الرواندي وأعاد تقسيم الأراضي وكان القطاع هو الوحدة الإدارية بدلًا من المشايخ ورؤساء القبائل، ورثت من بعد استقلالها هيكلاً للإدارة هرمياً مركزياً استبدادياً. أصبح “غريغوار كاييباندا” (Gregoire Kayibanda) أول رئيس لرواندا في الفتره مابين (1962 – 1973)، كان له كامل السيطرة، وجعل الترشيحات والتعينات من الأعلى للأدنى، وكان حكمه من خلال مجموعة صغيرة من السياسين الذين أتوا من مسقط رأسه فى الجزء الجنوبي من رواندا. كانت سياسته هي تشجيع الهوتو على طرد التوتسي أو محاربتهم بكل شراسة. في عهده ظهر “قانون الأراضي” والذي تم من خلاله تقسيم البلاد لتسع أقاليم، وعمل وزاء الحكومة مع محافظين الأقاليم والوكلاء الفرعيين وعمال القرى المنتخبين.
ثم قام قائد القوات المسلحة الجنرال “هابياريمانا” بإنقلاب واستولى على الحكم من الرئيس المدني “كاييباندا”، وفي ذلك الوقت صرح بأنه جاء من أجل أن يعم السلام طويل الأمد على رواندا، ولكنه أستمر يحكم بنفس أيدلوجية التمييز والفرقة؛ فقام بتشكيل حزب وذكر في القانون التأسيسي للحزب أن التركيب السكاني لرواندا يتكون من ثلاث مجموعات عرقية: “الهوتو” ويشكلون الأغلبية 85%، والـ”توتسي” ويمثلون 9%، والـ”توا”ويمثلون 1%، وهناك 5% قبائل أخرى. وطبقاً لذلك التقسيم كانت نسبة مشاركة التوتسي في العمل بالوظائف محدوده، فأصبح بذلك التوتسى مهمشين وغير مرغوب في تقليدهم الوظائف العامة[1].، ثم حدثت الإبادة الجماعية وخلفت وراءها مشاكل في الإدارة العامة في رواندها أهمها الفقر المدقع.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في ذلك الوقت بدايًة من عام 1973حصلت أغلب الدول الأفريقية على استقلالها، وكانت الأيدلوجية السائدة في تلك الفترة هي أيدلوجية التنمية وتزعم هذا الفكر “نكروما”، وتبناه الكثير من القادة ورؤساء الدول، وكانت الفلسفة السائدة هى التنمية بشقيها الإقتصادي والإجتماعي لبناء دول اقتصادية قوية، واصبح الشغل الشاغل للقادة الأفارقة هو تحقيق قيمة شخصية من خلال انجازات تحقق نمو سريع، فما كان لديهم سوى الإندماج في برامج التخطيط المركزي نحو الإشتراكية لتعزيز نموذج التنمية، واصبح العبء كله على الحكومة المركزية، مما أدى لمزيد من الفوضى الإدارية والمشاكل البيروقراطية.
وجاءت اصلاحات الإدارة والتي في حقيقة الأمر كانت ليس إلا مزيد من أدوات السيطرة، وصممت بهدف الحفاظ على القانون والنظام، ومن أجل تنفيذ خطط التنمية المحددة بشكل مركزي في الأساس، وجاءت المشاركة من خلال مجالس استشارية ليس لها أي سلطات حقيقية. عانت بلدان العالم في فترة الثمانينيات من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، واصبحت برامج التكيف الهيكلي (SAP) هى السبيل الوحيد الذي قدمتة المؤسسات المالية الدولية للتغلب على آثار الأزمة، وبطبيعة الحال كانت إصلاحات الإدارة العامة على رأس الإصلاحات بهدف تخفيض نفقات الحكومات المركزية، فسعت الكثير من الدول لإحالة المسؤليات للشركات الخاصة كرد فعل لإنخفاض الموارد، وبذلك أنتقلت المسؤليات لجماعات المجتمع والمنظمات الدينية والخيرية، وبالتالي وجد الجهاز الإداري للدول بشكل نظرى فقط ولكن واقعياً تواجده تواجد ضعيف بسبب درجة الإستقلالية الضعيفة الممنوحة له من أجل إصرار الحكومات المركزية على إحكام سيطرتها تحت مبرر الحفاظ على الإستقلال. بعد ذلك شهدت أجهزة الإدارة العامة مشاكل متعدده منها إنعدام الكفاءات الجديدة وغرقت في مشاكل الإدارة والسياسية وأنشغلت بهم عن مسؤلياتها في تقديم الخدمات.
حتى عام 1990م وهو عام تصاعد الضغوط الدولية من أجل إرساء نظام ديمقراطي على أغلب الدول الأفريقية بما فيهم رواندا، فعندما ذهب الرئيس “هابيرمانا” لحضور القمة الفرنسية–الأفريقية، ذكر أن النظام فى دولتة قائم على الحزب الواحد لكن الأمور تسير بشكل ديمقراطي، إلا أن الرئيس الفرنسي “فرانسوا” في ذلك الوقت أكد على ضرورة تبني التعددية السياسية مع وضع حد لنظام الحزب الواحد. وتعتبر الفترة مابين 1991 وحتى عام 1993 هي فترة “فوضى الحرية السياسية” في رواندا، وبعد أن تأزم الوضع في رواندا تم التوصل لإتفاق سلام عام 1993، اُطلق عليه اتفاق “أروشا للسلام” ولكن الأغلبية الحاكمة رفضت ذلك الإتفاق لأنه قام بمنح مزايا عديدة للجبهة الوطنية رغم أن الجبهة تمثل الأقلية، ولهذا كان المناخ السياسي والعسكري والإجتماعي الرواندي متأزم.
ثم حدثت الإبادة الجماعية وتميزت الفترة بعدها بسوء الإدارة والهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن الرواندين حْرموا من المشاركة في القرارات التي تؤثر على مصيرهم، مما أدى إلى عدم كفاءة كبيرة في تقديم الخدمات العامة، وخلفت الفترة التى تلك الإبادة الجماعية وراءها مشاكل في الإدارة العامة في رواندا أهمها على سبيل المثال وليس الحصر، الميول الديموغرافية الغير متجانسة، وقضايا المصالحة وإعادة الثقة*، وقضايا ملكية الأراضي، قانون العقوبات، الفساد، الفقر المدقع.
ثم عقبت الإنتخابات الشعبية التي أجريت بعد الإبادة الجماعية عملية اللامركزية، والتي بدأت مع اعتماد الحكومة الوطنية لسياسة اللامركزية في مايو 2001 وهدفت إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهم تعزيز الحكم الرشيد، والحد من الفقر، و تقديم الخدمات بكفاءة وفعالية ومسؤولية، بالإضافة لذلك تمت صياغة السياسة لضمان التمكين السياسي والإقتصادي والإجتماعي والإداري والفني للسكان المحليين لمكافحة الفقر من خلال المشاركة في تخطيط وإدارة عملية التنمية.
ثالثًا: سياسات إصلاح وتطوير الإدارة العامة في رواندا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين حتى الوقت الراهن
بدأت محاولات الإصلاح الإداري** في رواندا منذ عام 2001م، أي منذ صياغة سياسة اللامركزية لإدارة البلاد، والتي تضمنت أهداف استراتيجية إصلاحية منها: 1) تعزيز التنمية المؤسسية وبناء القدرات.؛ 2) تطوير نظام الإدارة المالية وإخضاعه للمساءلة.؛ 3) تعزيز التخطيط التشاركي.؛ 4) ضمان جودة تقديم الخدمات في مختلف القطاعات.؛ 5) إنشاء أنظمة مراقبة وتقييم للمشاريع. ؛ 6) تعزيز قدرة القطاعات على معالجة قضايا اجتماعية وصحية وبيئية. كما ظهرت إصلاحات أخرى في خطة رواندا التنموية سواء في استراتيجيتها للتنمية الإقتصادية وللحد من الفقر***، أو في رؤية رواندا 2020****، وذلك لأن ارتباط نجاح تنفيذ أية خطة تنموية يقاس بالتقدم التي تحرزه الدولة في إصلاح جهازها الإداري الذي سيتولى تنفيذ تلك الخطة، ولهذا كانت عمليات الإصلاح الإداري ضمن قائمة أوليات خطة رواندا التنموية.
كان الهدف الرئيسي لإصلاح الإدارة العامة في رواندا هو:
-إعادة هيكلة الكيانات الإدارية وفقاً للإصلاحات الإقليمية.
-الإدارة المتكاملة لتنمية الموارد البشرية وإعادة هيكلة نظام الأجور، من خلال برنامج مستدام لبناء القدرات في كافة القطاعات (الصحة/التعليم/ ..الخ)، بالإضافة لنظام كـفء للتعيـين علـى أساس الكفاءة.
-جعل القطاع العام أكثر استجابة لإحتياجات المواطنين من خلال تطوير نظام تقديم الخدمات العامة وتقييم عملية الأداء.
واوضحت استراتيجية رواندا للتنمية الإقتصادية وللحد من الفقر مداخل استراتيجية لتحقيق الإصلاح الإداري خطواتها كالآتي:
–النمو المستدام للوظائف والصادرات: ولهذا فتعطي الإستراتيجية أولوية قصوى لتسريع النمو لخلق فرص العمل وتوليد الصادرات من خلال برنامج استثمار عام طموح وعالي الجودة يهدف إلى تقليل التكاليف التشغيلية للأعمال، ولأن ثلثي المواطنيين الروانديين تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين عامًا فتم التركيز بشكل خاص على خلق فرص عمل للشباب، وبدأت مشاورات مكثفة على مدى 18 شهرًا مع أصحاب المصلحة على مستوى الحكومة المركزية والمحلية، وتم وضع هيكل وطني للإشراف على عملية الإعداد، وقادت العملية اللجنة التوجيهية الوطنية المؤلفة من الوزراء والمحافظين، و قدمت إرشادات مثل كيفية تحديد الأولويات بين القطاعات.
-التحول الاقتصادي من أجل إعادة الهيكلة الاقتصادية المتسارعة والنمو سعياً لأن تصبح رواندا بلد ذات الدخل المتوسط: فالتحول الإقتصادي هو عملية النمو الإقتصادي المرتفع المستدام التي تتغير خلالها أساسيات الإقتصاد وتتحول من قاعدة زراعية تقليدية ومنخفضة الإنتاجية وقوة عاملة ريفية إلى اقتصاد حضري صناعي أكثر تنوعًا وعالي الإنتاجية. وهى عملية تمتد لعقود، فمثلًا امتدت لجيل أو جيلين في حالة اقتصادات شرق آسيا سريعة النمو، فيتطلب نمو بلد ما ذات الدخل المنخفض إلى اقتصاد حديث عالي الدخل الكثير من التغييرات في البنية التحتية والصناعات والتقنيات والمؤسسات.
-التنمية الريفية لتلبية احتياجات الغالبية العظمى من السكان وضمان الحد من الفقر بشكل مستدام: أجرت حكومة رواندا إصلاحات عظيمة في القطاع الزراعي الذي يعد الدعامة الأساسية للإقتصاد. فعلى سبيل المثال، السياسة الزراعية الوطنية نحو ضمان الأمن الغذائي والتي تركز على البرامج والأنشطة التي تحول القطاع الزراعي من الكفاف إلى الإنتاج التجاري من خلال تكثيف الإنتاج، وميكنة المزارع، وتطوير مرافق المعالجة الزراعية، وتعزيز التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية. كما وتمنح وزارة الزراعة والثروة الحيوانية الرواندية إئتمانات لتوسيع المناطق التي تتلقى الري، وزيادة الجهود للحفاظ على التربة لتحقيق مكاسب في الإنتاجية الزراعية عن طريق استخدام أفضل أنواع الأسمدة والبذور، وتحسين البنية التحتية والنقل لسلع السوق كأسباب لزيادة إنتاج محاصيل مثل الذرة والقمح وفول الصويا
-الإنتاجية وعمالة الشباب لضمان دعم النمو والتنمية الريفية: من خلال المهارات المناسبة والعمالة المنتجة خاصًة من الشباب، وتعتبر التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في صميم التنمية في رواندا، فيلعب قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورًا رئيسيًا شاملاً في دعم الأعمال والمهارات وتقديم الخدمات العامة، بجانب تطوير قدرات الشباب الخاصه بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ضروريًا لتحقيق هدف رؤية 2020 المتمثل في تحويل رواندا إلى اقتصاد قائم على المعرفة. وبالنسبة للقطاع الخاص، فقد ثبُت أن الهواتف المحمولة تزيد من كفاءة السوق من خلال توفير وصول سريع وسهل إلى أسعار السوق في مواقع مختلفة بحيث يمكن للمنتجين ضمان حصولهم على أفضل سعر لمنتجهم دون السفر لمسافات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لجميع الشركات الإستفادة من الاتصالات وتحويلات الأموال عبر الأجهزة المحمولة منخفضة التكلفة.
يمكن للتكنولوجيا مثل برامج النقود الإلكترونية وبرامج المحاسبة والمدفوعات الإلكترونية أن تزيد من كفاءة الأعمال، كما أن النقود المحوله عبر الهاتف المحمول تسهل الوصول إلى الخدمات المالية. أخيرًا، أثبتت صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات النامية أنها مصدر للوظائف الجيدة التي تخدم الأعمال والمستهلكين بشكل مباشر في المبيعات وإصلاح الأجهزة وتطوير البرمجيات خاصًة في قطاع التصنيع الذي لديه القدرة على زيادة الكفاءة والإنتاجية.
-الحوكمة المسؤولة لدعم تحسين تقديم الخدمات ومشاركة المواطنين في عملية التنمية: عن طريق تمكين المواطنين ومشاركتهم في صنع القرار، وضمان تقديم خدمات فعالة، وضمان قيام المواطنين والمجتمعات وأصحاب المصلحة (منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة) برصد وتتبع الإجراءات الحكومية والتشكيك في تأثيرها على التنمية. وبجانب الرصد والتقييم التشاركي على مستوى المجتمع، يستلزم تمكين المواطنين ومشاركتهم في صنع القرار على مستوى القاعدة مشاركة أكثر تواترًا وتفاعلية بين القيادة على المستوى المحلي والمواطنين على جميع المستويات بدعم من اللاعبين الرئيسيين (المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية وشركاء التنمية والمجتمعات)، وهذا يتطلب تطوير الآليات المناسبة لتمكين المواطنيين والسماح لهم بتحديد وتقييم وتأكيد أولوياتهم في تخطيط التنمية المحلية ومحاسبة قادتهم.
كما يعد ضمان تقديم الخدمات بشكل فعال أمرًا بالغ الأهمية أيضًا بالنسبة لرواندا وجزءًا من المساءلة العامة التي يتم تقديمها للمواطنين. وشوهد تقدم فيما يتعلق بإصلاحات الإدارة المالية العامة فتم إصدار قانون الميزانية الأساسي في سبتمبر 2006 ولكنه في حاجة لبناء القدرات لضمان تنفيذ القانون بشكل فعال، ولهذا في أوائل عام 2007 حكومة رواندا بمساعدة شركة المراجعة والتدقيق الدولية “برايس ووترهاوس كوبرز” أصدرت أول مجموعة من الحسابات الموحدة لرواندا بما يتماشى مع المتطلبات الدستورية، و تم إعتماد نظام خطة التدفق النقدي ربع السنوي في يناير 2006 وهذا يحدد حد الإنفاق في ميزانية الوكالات، بجانب إنشاء حساب خزانة واحد، وتخضع جميع الوكالات الحكومية لنظام الحسابات المصرفية ذات الرصيد الصفري، فتم إغلاق جميع الحسابات الحكومية الخاملة في كل من البنوك المركزية والتجارية من أجل بناء القدرات للمحاسبة العامة والتدقيق الداخلي، وبدأ التدريب في عام 2006 وأجريت مجموعة أولى من الاختبارات المهنية مع 218 مرشحًا في المرحلة الأولى من برنامج المحاسبين القانونيين المعتمدين.
رابعًا: أبرز التحديات والعقبات التي واجهت سياسات إصلاح وتطوير الإدارة العامة في رواندا
واجهت رواندا عدد من التحديات في خطوات إصلاح نظام الإدارة العامة فيها كان من بينها:
-الفقر المدقع حيث نسبة الفقر كانت تصل إلى أن حوالي 60% من المواطنين تحت خط الفقر.
-بناء القدرات للوعي بشأن عملية الإصلاح وعدم مقاومتها.
-تقديم الخدمات في أطر زمنية معقولة وبأعلى مستوى من الجودة.
-الميول الديموغرافية بسبب التعددية العرقية، وقضايا الوحدة والمصالحة وإعادة بناء الثقة.
وتجدر هنا الإشارة لإستراتيجية التنمية الريفية المتبعة في رواندا والتي كانت تهدف إالى تقليل مستوى الفقر من 44.9٪ إلى أقل من 30٪ بحلول عام 2018، وكان ذلك من خلال التركيز على زيادة الإنتاجية الزراعية التي يشترك فيها الغالبية العظمى من السكان، وتضمن الحد المستدام من عدم الفقر، كما عملت على تطوير الروابط المعززة لبرامج الحماية الإجتماعية مع إهتمام خاص لزيادة الناتج النهائي، وإتبعت الإستراتيجية لـ4 أهداف رئيسة جاءت كالآتي:
-يعد الفقر في رواندا مشكلة ريفية فبينما يعيش 83% من السكان في الريف، هناك حوالي 92% منهم من الفقراء، ولهذا حرصت الإدارة الرواندية في استراتيجية رواندا للحد من الفقر لعمل خطة لتنمية الريف الرواندي لتلبية احتياجات الغالبية العظمى من السكان وضمان مكافحة الفقر وتحسين سبل العيش الريفية، ولزيادة الإنتاجية وتشغيل الشباب لضمان دعم النمو والتنمية الريفية بالمهارات المناسبة والعمالة المنتجة وشملت:
أولًا: تفعيل نهج متكامل لإستخدام الأراضي والمستوطنات البشرية لتعزيز كلًا من التخصيص العام لإستخدام الأراضي لأغراض التنمية والعملية اللامركزية لتخصيص الأراضي وإدارتها. ومن الإعتبارات الرئيسية لهذا الهدف هو ضمان إعادة النظر في المستوطنات الريفية لضمان وصول أكبر إلى الفرص الإقتصادية والخدمات الأساسية.
ثانيًا: زيادة الإنتاجية الزراعية من خلال الإستفادة من الميزة النسبية للقطاع، ولذلك ينصب التركيز على الري والخدمات الإستشارية القريبة للمحاصيل والماشية وربط المزارعين بالأعمال الزراعية.
ثالثًا: التركيز على مكافحة الفقر المدقع من خلال مراقبة الإنتاج بواسطة قاعدة بيانات عبر برامج الحماية الإجتماعية، ودعم المنتجات والخدمات المالية ومحو الأمية للفقراء، وتحسين تغطية واستهداف برامج الحماية الإجتماعية الأساسية مثل برنامج الـ (VUP) وهو برنامج يهدف إلى ربط المواطنين الفقراء بالنشاط الإقتصادي بعد تحسين مهاراتهم أولًا.
رابعًا: ربط المجتمعات الريفية بالفرص الإقتصادية من خلال تحسين البنية التحتية، وهى تشمل برنامج الطرق الفرعية، وتوسيع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المناطق الريفية بهدف ربط المجتمعات بالأسواق، والتغطية الكاملة لجودة المياه والصرف الصحي.
-تعاني رواندا من إنخفاض جودة وعدد الموظفين المهرة لدفع تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكذلك لتحقيق أهداف رؤية 2020 لتطوير المهارات المطلوبة لمجتمع قائم على المعرفة، ولأن تنمية المهارات هي أولوية وطنية فتعاونت رواندا مع مجموعة شرق إفريقيا (EAC) بشأن البنية التحتية الإقليمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمتطلبات التنظيمية لتحسين الشبكات في رواندا وتقليل تكاليف الإتصال من خلال برنامج البنية التحتية للإتصال الإقليمي (RCIP)، وتنسيق القوانين الإلكترونية من خلال الإطار القانوني لمجموعة شرق إفريقيا بشأن قوانين الإنترنت.
-تحدي في مسألة تقديم الخدمات في أطر زمنية معقولة وبأعلى مستوى من الجودة، وتغلبت على ذلك من خلال منتدى تطوير العمل المشترك وهو معني بضمان التنمية الإجتماعية والإقتصادية المستدامة وتحسين تقديم الخدمات من خلال المشاركة النشطة والحوار والمساءلة عن طريق تبادل المعلومات والتنسيق الفعال لتدخلات أصحاب المصلحة في الكيانات اللامركزية.
تم تاسيسه استناداً على القيم التقليدية للتضامن والدعم المتبادل نحو جدول أعمال مشترك لضمان الرفاهية الإجتماعية للمواطنين، والممارسات التقليدية التي يمكن من خلالها المساعدة في أي نشاط أو واجب ملح لم يكن من الممكن التعامل معه دون مساعدة المجتمع، وتم تأسيسه من خلال التعليمات الوزارية رقم 04/07 الصادرة في 15/07/2007، و تم وضعه لتسهيل وتشجيع المشاركة الكاملة للمواطنين في الإدارة وتحسين عمليات تقديم الخدمات مع ممثلين من القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وقد اثبت المنتدى أنه بمثابة منظمة تعليمية يتعلم فيها الشركاء من خلال الإجتماعات الإستراتيجية، والزيارات الميدانية وعمليات الرصد والتقيم، كما يتوافر فيه مبدأ المساءلة بالتخطيط لتحقيق الأهداف المشتركة بشكل جماعي. وفي هذا الصدد، يتم إستخدام نهج متكامل يلتزم بموجبه مختلف الشركاء بخطة التنمية والإستراتيجية وخطط العمل التي تم وضعها بشكل مشترك. ويقدم الشركاء أنفسهم لمراجعة الأداء بناء على ما تقدم. كما أن الإجتماعات والزيارات تتجاوز الأيام لعرض المنتجات والخدمات و يوفر التواصل بين شركاء المنتدى و المواطنيين فرصة لمعرفة الإحتياجات وتصحيح الأخطاء. وعلى الساحة التجارية، يشهد القطاع الخاص إرتفاع الأرباح وزيادة سهولة ممارسة الأعمال التجارية، والتي هي بعض السمات المهيمنة لبيئة الأعمال الناجحة. وبالتالي، توجد حيوية اجتماعية وعملية منتشرة حيث نجد الناس متلهفين دوماً للحديث عن ما يجري بشكل جيد مع أعمالهم.
-وللتغلب على تحدي الميول الديموغرافية و قضايا الوحدة والمصالحة وإعادة بناء الثقة كانت الأومينغاندا، وهى ممارسة ترجع للتقاليد الرواندية القديمة، كان أفراد المجتمع يدعون أسرهم والأصدقاء والجيران لمساعدتهم على إكمال مهمة صعبة في أنشطة من ذلك الحين. على سبيل المثال، الزراعة لأولئك الذين كانوا غير قادرين على القيام بذلك بسبب إما الإعاقة الجسدية أو الشيخوخة، وبناء المنازل للفقراء وتوفير وسائل النقل إلى المرافق الطبية لأولئك الذين كانوا في حاجة لمساعده.
وبموجب القانون يشارك فيها الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-65 سنة وتكون بشكل إلزامي، وما دون أو أكثر من ذلك تكون إختيارية، كمبادرة من السكان الأصليين كانت الأومينغاندا وما زالت تعتبر أمراً حاسماً بالنسبة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية. وهى تمثل فكرة المساعدات المتبادلة، والمسؤولية الإجتماعية المتبادلة، والإلتزام الإجتماعي، والمساعدة الذاتية، والإستراتيجيات التقليدية للتنمية، كما أنها تساهم في حماية البيئة من خلال مكافحة قطع الأشجار كما تشجع من زراعاتها، وأيضاً تطوير وبناء وصيانة البنية التحتية المختلفة مثل الطرق ومنازل الأشخاص الضعفاء والمكاتب العامة والمراكز الصحية والمدارس.
كما أنها تساهم في الوحدة والمصالحة من خلال التحكيم في الصراعات بين المواطنين، و عززت الأومينغاندا أيضاً من التماسك بين الأشخاص من ذوي الخلفيات المختلفة، هذا وبالإضافة إلى أنها توفر للمجتمع فرصة للتعبير عن احتياجاتهم والتعبير عن آرائهم حول مختلف القضايا، فيما يلي أمثلة على ذلك:
تطوير البنية التحتيه: ساهمت في تقديم الدعم لتنفيذ العديد من المشروعات، كتوصيل إمدادات المياه، وبناء فصول دراسية جديدة، وبناء النصب التذكارية الخاصة بذكرى الإبادة الجماعية، وصيانة الطرق ومكافحة تآكل التربة وغرس الأشجار وإصلاح المكاتب الإدارية وغيرها.
أسبوع الجيش: ساهمت الأومينغاندا في إقامة علاقة جيده بين الجيش والمواطنين، فكانت واحده من الإبتكارات التي اُدخلت في ممارسات الأومينغاندا هى مشاركة وزارة الدفاع في العمل المجتمعي، وسمي بـ”أسبوع الجيش” وتم فيه علاج عيون مايقرب من 2266 شخص، وأسنان حوالي 13 ألف شخص، وبناء 1098 منزل لمن ليس لهم مأوي.
حماية البيئة: إلى حد كبير ترتبط معظم ممارسات الأومينغاندا بحماية البيئة، فالناس يشاركون في تنظيف الشوارع، وقطع وتقليم وزرع الأشجار على جانبي الطرق، وحماية ضفاف النهر، ويعلن دائماً الرئيس الرواندى “بول كاغامي” أن الأومينغاندا تساهم في تعزيز عملية الإنسجام بين السكان مره أخرى، مع تقديم فرصة لإعاده التكاتف والتضامن الإجتماعى بين الرواندين مرة ثانية.
خامسًا: سياسات مكافحة الفساد في جهاز الإدارة العامة الرواندي، وأبرز التحديات التي واجهته
إن إساءة إستخدام الوظيفة العامة بغرض تحقيق مكسب خاص يقلل من ثقة الشعوب في حكوماتها ومؤسساتها، وإضعاف فعالية السياسات العامة والإنتقاص من عدالتها، فالفساد يُحْدِث تآكلا في قدرة الحكومة على مساعدة الإقتصاد للنمو بصورة تعود بالنفع على كل المواطنين. وتتطلب مكافحة الفساد إرادة سياسية لخلق مؤسسات مالية قوية تشجع النزاهة والمساءلة في كل أجزاء القطاع العام. وعليه إرتكزت استراتيجية رواندا لمكافحة الفساد على شقين:
-مكافحة ومنع الفساد: تعتبر المرحلة الأولي من الإستراتيجية والتي بدأت في أوائل العقدالأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت تسمى بـ”إصلاحات السوق” عن طريق تحرير التجارة، وأنظمة التبادل وضبط الأسعار، بجانب معالجة نقاط الضعف في مؤسسات الدولة، مرورًا بتفعيل مشاركة المجتمع المدني، وتشجيع إسهاماته في مكافحة الفساد، ونجحت بالفعل من تقليل حجم الفساد.
-فرض العقوبات: اعتمد على التغيير في الأعراف والقواعد والمعايير والتوقعات الإجتماعية، وتشجيع المواطنيين على الإبلاغ عن ممارسات الفساد من خلال حملات إعلانية عامة في كل المواقع والمنصات الإلكترونية والقنوات والإذاعات والصحف لتوعية المواطنيين بحقوقهم، والتأكيد على مدى أهمية الإبلاغ عن الفساد والمشتبه فيهم، وترسيخ فكرة أن المواطن الرواندي هو خط الدفاع الأول ضد الأفراد والمؤسسات الفاسدة، بالإضافة لتفعيل عمليات التحقيق والمحاكمة، مع إجراء بعض الإصلاحات لزيادة عملية المساءلة ورفع مستوى الشفافية على جميع المستويات الإدارية.
وكانت آليات التنفيذ كالآتي:
المجلس الوطني للمناقصات: وهو هيئة قانونية منوطة بعدد من المهام الخاصة بإصلاحات السوق منها إنشاء آليات داخلية، وتطبيق سياسات وإتخاذ إجراءات تكفل الإنصاف والشفافية في المناقصات التي تقوم بها الهيئات العامة الرواندية مع القطاع الخاص، بجانب إدارة عملية المشتريات الخاصة بالمشاريع الضخمة والمعقدة من خلال موظفيين من ذوي الخبرة بإستراتيجية محددة في عملية متكاملة تشمل إدارة عملية الشراء، وتحليل الأسواق، والوصول لأكبر قدر من التجار مما يكفل المنافسة الفعالة، وأخيرًا تقييم المخاطر والتوصيه بسبل إدارتها.
مكتب أمين المظالم “محقق الشكاوي”: وهو المسؤول عن الإشراف على الأعمال العامة، لذلك يجوز له التدخل في شؤون الإدارة المحلية لمتابعة أي أنشطة تتعلق بسوء الإدارة أو إساءة استخدام المنصب ويتخذ أو يوصي بإتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الإدارة أو أي من مسؤوليها، ومثال على ذلك ما حدث عام 2010 حيث تدخل مكتب أمين المظالم في شؤون مقاطعة رواماجانا لمعالجة قضايا سوء الإدارة أو إساءة إستخدام المنصب فقد أجبر مكتب مقاطعة رواماجانا على إعادة موظفي المنطقة الذين تم فصلهم عن العمل.
مكتب المراجع العام: وهو يتابع أي أنشطة تتعلق بأي مخالفات مالية في المقاطعات، كما يقدم تقارير للبرلمان لإتخاذ إجراء بشأنها. ووفقًا للقانون رقم 08/2006 المؤرخ 24/02/2006 الذي ينظم أداء المقاطعة في المادة 49، يجوز حل مجلس المقاطعة بأمر من رئيس الجمهورية بعد فحصه وموافقة مجلس الوزراء إذا طلب ذلك ثلث أعضاء المجلس المحلي وأتضح أنه في المصلحة العامة للمواطنين، أو في حالة أنه كانت هناك اضطرابات خطيرة في المقاطعة بسبب أعضاء مجلس المقاطعة، أو إتضح أن مجلس المقاطعة لم يعد قادرًا على أداء مهمته.
لجان الرقابة البرلمانية: وهى لجان تقوم بوضع قواعد واضحة بشأن إجراءات تصحيحية خاصة بالوزارات والهيئات والوحدات الإدارية الرواندية، بجانب المتابعة لضمان الإلتزام بتنفيذ تلك الإجراءات، كما ويحق لها فرض غرامات إدارية وفردية على المؤسسات والأفراد في حالة التقصير أو عدم الإستجابة.
قائمة الإشهار والتشهير –Naming and Shaming : وهى قائمة باسماء الأفراد المدانين بالتورط في الفساد أو من تم إعتقالهم من المسؤليين بتهم الفساد، وتشمل أيضًا اسماء موظفي الخدمة المدنية المتورطين في سوء الإدارة أو الإختلاس بجانب ما ترسله لهم هيئة المشتريات العامة من اسماء الشركات المدرجة في القائمة السوداء بسبب فسادها، وبموجب القانون ينشرها مكتب أمين المظالم كل ثلاثة أشهر على المنصة الإلكترونية وفي الصحف الرواندية ووسائل الاعلام الرواندية وتشمل (اسم الشخص المدان + المهنة + منطقة الإقامة + الجريمة أو الفعل الفاسد له + اسم المحكمة التي حكمت عليه + العقوبة الموقعة عليه)، والفساد يشمل الإختلاس، الرشاوي، تقديم الهدايا لمقدمي الخدمات العامة، المحسوبية، ..إلخ. ومثال على ذلك من بين 109 شخص تم إدانتهم في أغسطس 2018 ويناير 2019 حكم على سائق يحصل على فائدة غير قانونية تقدر بحوالي 2 دولار أمريكي بالسجن سنتين ونصف مع دفع غرامة تقدر بـ 10 دولار أمريكي، وهناك مزارع يدفع رشوة حكم علية بالسجن 4 سنوات مع غرامة قدرها 53 دولار أمريكي.
عقود الأداء: وهو نظام للرقابة والمتابعة يقوم برصد أداء الحكومات المحلية تجاه مسؤلياتهم، ويتم تقييم هذه العقود سنوياً، بالإستناد إلى الخبرة من مكتب الرئيس ومكتب رئيس الوزراء والرابطة الرواندية لسلطات الحكم الرواندي (الرالجا) جنبًا إلى جنب مع وزارة التخطيط الإقتصادي، وتمشل أنظمة الرقابة والمتابعة الإشراف على ميزانيات المناطق وتنفيذ البرامج الوطنية، بما في ذلك الدعم الفني والإرشاد إذا كان التنفيذ متاخراً عن الجدول الزمني. التدقيق على أداء الحكومات المحلية لضمان الإستخدام الأمثل للموارد العامة، وتقوم أيضًا بدور إشرافي نيابة عن المجلس التشريعي، وبسببها إنخفضت مؤشرات سرقة ونهب الأموال العامة، واصبحت بمثابة حافز للمديريين في الجهاز الإداري في جميع قطاعات رواندا لمكافحة الفساد.
ولقد واجهت سياسات مكافحة الفساد في رواندا بعض التحديات منها على سبيل المثال وليس الحصر:
-لايزال هناك خوف من قبل المواطن الرواندي تجاه عملية الإبلاغ عن الفساد وممارساته، وذلك ظنًا منهم أن هذه البلاغات لاتؤخذ بشكل جدي، أو للخوف من فكرة تجريم الذات، بجانب إنعدام الثقة في فاعلية المؤسسات المعنية بذلك ولهذا لابد من وجود مجتمع مدني ضاغط قادر على تضخيم أصوات المواطنيين ليكون بمثابة وسيط موثوق فيه بين المواطن ومؤسسات الدولة لضمان محاسبة المسؤليين وإدانة المتابعة الغير صحيحة لقضايا الفساد.
-قلة الإستثمار في رفع مستويات المنصات الإلكترونية المعنية بالشفافية والفحص الخارجي المستقل و التي تسمح للمواطنين بمراقبة الشق المادي والمالي للمشروعات الإستثمارية، فتلك المنصات تحتاج لمزيد من الإستثمارات والإهتمام حتى تواكب التحديات الجديدة للتطور السريع لتكنولوجيا المعلومات وفرص الإختراق.
-مازال هناك نقص في برامج بناء القدرات التي بطبيعتها تقلل من فرص الفساد لأنها تضمن تعينات قائمة على الجدارة والكفاءة في التعيين، وتحديد الأجور.
-رغم أن القطاع الخاص يساهم في ممارسات مكافحة الفساد، إلا أن وجوده يحتاج لتعزيز بشكل نشط فهو مقيد بشكل أو بأخر، فالدولة مازالت هى المهيمن الأكبر وبالتالي فإن دورة المحدود في ممارسة الضغوط لتعزيز أجندة مكافحة الفساد ولتعزيز عمليات الضبط والتوازن في المجال الإقتصادي.
وبالطبع إن كبح الفساد ومكافحة ممارساته تتطلب مثابرة على عدة أصعدة، ويتطلب المزيد من التعاون بين المؤسسات والقطاعات والهيئات، لكنه يحقق مكسب وفير في نهاية المطاف، كما أنه يبدأ دائمًا من الإرادة السياسية ومواصلة تقوية المؤسسات لتعزيز النزاهة والمساءلة.
سادسًا: رؤية تقييمية لتجربة إصلاح الإدارة العامة في رواندا، وأهم الدروس المستفادة منها
نظرًا لعدة أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية فإن برنامج الإصـلاح الإداري في رواندا لم يحقق كل النتائج المرجوه، وظل الجهاز الإداري في رواندا يعاني مـن بعض المظاهر السلبية التي تعوق عمليات الإصلاح الإداري أهمها ما يلي:
1–ما زال هناك ضعف في أجور وحوافز العاملين بالقطاع العام.
2- معظم عمليات الإصلاح الإداري لم تكن شاملة، حيث بقـي الكثيـر مـن المقاطعات والمناطق والقرى تعاني من عدم الكفاءة الإدارية.
3 -التحديات التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة وتوقعات المـواطنين المتزايدة أصبحت تشكل عبئًا جديدًا على كاهل الجهاز الإداري في رواندا.
ومن الممكن تقييم تجربة رواندا في مجال الإصلاح الإداري في النقاط التالية:
أولًا: هدف الإصلاح الإداري في رواندا إلى تحـسين مستوى أداء الجهاز الإداري ورفع إنتاجيتـه، وزيـادة كفـاءة العاملين فيه، وترشيد الإنفاق الحكومي، و تبسيط الإجراءات الإداريـة، و مواكبـة الإدارة العامة لمستجدات التحديث من أجل تحقيق غايات الكفاية الإدارية، ومكافحة الفساد.
ثانيًا: يتوقف نجاح الإصلاح الإداري في رواندا على عدد من العوامل أهمها بناء دولـة القانون والمؤسسات، التي يسودها تطبيق القانون بمنأى عـن المحسوبية والرشوة وباقي مظاهر الفساد، مع الإهتمام بالعنصر البشري، وتكليف الأشخاص من ذوي الكفاءة والنزاهة المطلوبة، مع وضع برامج تدريبية لرفع كفاءة العاملين في الجهاز الإداري مـن الناحيـة المهنية والسلوكية.
ثالثًا: أهم معوقات تجربة الإصلاح الإداري في رواندا تتلخص في عملية إدارة التوقعات، وبناء القدرات للوعي بشأن عملية الاصلاح وعدم مقاومته، خاصًة في ظل مجتمع مثل المجتمع الرواندي الذي عانى ومازال يعاني من الآثار السلبية للإبادة الجماعية التي خلفت وراءها ميول ديموغرافية مختلفة وقضايا تحتاج للمصالحة وإعادة بناء الثقة، بجانب الإلتزام بتقديم الخدمات في أطر زمنية معقولة وبأعلى مستوى من الجودة في ظل عدد منخفض من الكفاءات المدربة لتحقيق هذا الهدف.