إعداد: اليان بطرس
باحثة فى العلاقات الدولية
“القانون الأساسي للمناطق الاقتصادية الخاصة”
فنزويلا تزدهر من جديد؛ خطوات ثابتة تخطوها الحكومة الفنزويلية من أجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا، يبدو وأن الحكومة الفنزويلية تعي جيدًا أهمية التنوع فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية خاصة بعد الحصار الأمريكي الذي أنهك البنية التحتية والاقتصادية للدولة نظرًا لاعتمادها فيما سبق على مصادر الطاقة والنفط فقط وهو ما وضعها في حالة اقتصادية صعبة، ولكن منذ سنوات أعدت فنزويلا خطتها للخروج من الأزمات المتتالية التي تعرضت لها، ومنذ عام 2021 عملت فنزويلا على أن ترسخ السلام والاستقرار وبدأت الدولة في طرح مزيد من الحلول الاقتصادية التي ظهرت في طرحها عدد من القوانين الجديدة التي تسرع من عملية الانتعاش الاقتصادي وتجذب مزيد من المستثمرين وتأمن لهم أجواء عمل مناسبة وتوفر كافة الضمانات لهم.
بدأت فنزويلا بإصدار قانون مكافحة الحصار، ثم شرعت بإصدار قانون جديد إلى جانب هذا القانون يتيح فرص استثمارية هائلة في مناطق حرة وهو ما سوف يحفز الاستثمارات الأجنبية للدخول في السوق الفنزويلي خاصة وأن الدولة اختارت هذه المناطق الخمس بعناية وليس من قبيل الصدفة، بل حرصت على أن تكون هي من أفضل وأغنى المناطق الفنزويلية سواء سياحيًا أو اقتصاديًا إلى جانب غناءها بالنفط والألماس والذهب وغيرها من الثروات التي تملكها فنزويلا، في كل مرة نتحدث عن فنزويلا داخل الأوساط السياسية والاقتصادية نشير إلى ضرورة استغلال فنزويلا لمواردها الضخمة بخلاف النفط للارتقاء بالمواطن الفنزويلي وظروفه الاجتماعية خاصة وأنها دولة تستحق أن تكون في المقدمة ولديها ما يميزها وما يدفعها للأمام، لذا سوف نتحدث اليوم عن القانون الجديد الذي أصدرته الدولة لمزيد من الفرص الاستثمارية سواء للاستثمار المحلى أو الاجنبي.
القانون الأساسي للمناطق الاقتصادية الخاصة
تؤسس فنزويلا هذا القانون الذي نُشر في 20 يوليو في الجريدة الرسمية رقم 6710 وتم المصادقة علية من قبل الجمعية الوطنية في 30 يونيو 2022، بعنوان القانون الأساسي للمناطق الاقتصادية الخاصة (LOZEE)، وتم تحديد خمس مناطق اقتصادية استثمارية بالغة الأهمية وهم:
1) منطقة باراغوانا الاقتصادية الخاصة، بولاية فالكون.
2) منطقة كابيلو الاقتصادية الخاصة، في مورون، ولاية كارابوبو.
3) المنطقة الاقتصادية الخاصة لا جويرا، بولاية لا جويرا.
4) المنطقة الاقتصادية الخاصة مارجريتا، في ولاية إسبارتا الجديدة.
5) المنطقة الاقتصادية الخاصة بجزيرة لا تورتوجا.
الاهداف
يأتي هذا القانون لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية حتى لا تعتمد فنزويلا في هذه المناطق على النفط فحسب بل حتى تتسع الاستثمارات إلى عدد من المجالات من بينها المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والتكنولوجية لضمان استدامة تلك الفرص.
أما عن الغرض من هذا القانون هو إنشاء وتنظيم وإدارة وتشغيل المناطق الاقتصادية الخاصة ويتم إنشاء هيئة رقابة وطنية لهذه المناطق الاقتصادية الخاصة تقوم بالأشراف والتفتيش على هذه المناطق، في محاولة لتطبيق هذا القانون بما يتناسب مع هدف الدولة فيما يتعلق بتنشيط الاقتصاد الفنزويلي وإعادة بناء بعض القطاعات وهو ما يخلق حالة من الرواج في فرص العمل لدى المواطن الفنزويلي وما يعود بالنفع على القطاعي المحلى والاجنبي.
يهدف هذا القانون إلى تنشيط الاقتصاد الوطني والاجنبي وتعزيز إحلال الواردات ونقل التكنولوجيا والمساهمة في الابتكارات التي تخدم سلاسل الإنتاج وتصل إلى الأسواق الدولية وتغيير وجهة الاقتصاد الفنزويلي من اقتصاد ريعي نفطي إلى اقتصاد إنتاجيي يعمل في مختلف المجالات عن طريق تنويع وتطوير الصادرات باستخدام المزايا النسبية والتنافسية وخلف فرص جديدة ومصادر عمل أكثر استدامة فيما يتعلق بالإنتاج عن طريق عدد من النقاط أهمها: تطوير نموذج إنتاج وطني جديد، تعزيز النشاط الاقتصادي للمنتج الوطني والأجنبي في الأراضي الوطنية وتعزيز التنمية الصناعية للأمة إلى جانب المساهمة في تنويع اقتصاد الدولة.
المميزات
يوفر هذا القانون مجموعة من المميزات التفاوضية فيما يتعلق بالضريبة الجمركية والإطار القانوني لها وذلك عن طريق إمكانية استرداد الضريبة التي تحددها السلطة التنفيذية الوطنية على النحو الذي تحدده التشريعات الخاصة بالمسائل الجمركية “لن ينطبق هذا الاسترداد على السلع الاستهلاكية النهائية، أو تلك التي تحل محل الإنتاج الوطني أو تلك التي تؤثر على أهداف استراتيجية إحلال الواردات” وهي ملاحظة غاية في الأهمية فالهدف الأساسي هو تحفيز الإنتاج وتنشيط الاقتصاد وليس إحلال سلع اجنبية محل السلع الوطنية المحلية.
وبالحديث عن أنظمة الصرف سوف تمنح هذه المناطق الاقتصادية بتحويل العملات البنكية والمشفرة بشكل مجاني وسيتم العمل على تعزيز العملة المحلية واستخدام البوليفار مقابل الدولار حتى لا يتم دولاره الاقتصاد الفنزويلي، ويسمح القانون بإمكانية البيع الإلزامي للعملات الأجنبية للمستثمرين المعتمدين. وفى هذا الشأن سينظم النشاط الاقتصادي الذي يتم في المناطق الاقتصادية الخاصة، دون المساس بضمان الوحدة النقدية لجمهورية فنزويلا البوليفارية بسعر الصرف الحر، وكذلك خطط التمويل التي تقدمها المؤسسات المصرفية المتخصصة للتنمية، والاقتصاد الحقيقي والمنتج، وفقًا للوائح الصادرة عن البنك المركزي الفنزويلي ووزارة السلطة الشعبية المختصة بشؤون الاقتصاد والتمويل والتجارة الخارجية.
حرص القانون على تقديم حوافز اقتصادية وضريبية لضمات التسلسل الإنتاجي والضمان القانوني لتحقيق أهداف القانون من تنظيم وتشغيل وإدارة المناطق الاقتصادية الخاصة في فنزويلا والتي تحدد جغرافيا وفق النظام الاجتماعي والاقتصادي الغير تقليدي وفقًا لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
وبالتالي، فإن الكيانات القانونية والسلع والخدمات والأنشطة التي تشكل المناطق الاقتصادية الخاصة، تتولى تنظيمًا خاصًا للضمانات والحوافز والحماية الاقتصادية والمالية والضريبية والقانونية والتجارية، فضلاً عن واجب الالتزام والامتثال للمبادئ التوجيهية والتخطيط والسياسات والقواعد والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وقرار إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة، بما في ذلك تلك المتعلقة بمسائل السيادة والاستقلال وتقرير المصير والأمن والدفاع والتنمية الشاملة للأمة، وتصدر عن السلطة التنفيذية الوطنية.
الآليات
يتم بموجب مرسوم خاص إنشاء أو الغاء مناطق اقتصادية ويرجع هذا إلى رئيس الجمهورية فهو المختص بهذا الاجراء ولكن بناء على تقرير تقدمة وزارة الشؤون المالية والاقتصادية والتخطيط، وتأذن الجمعية الوطنية بالإنشاء ولكن بعد تحقيق الشروط الآتية:
-ضرورة تحديد الإمكانات الجغرافية لمنطقة التطوير لاستخدام أو إنشاء وصلات تسهل الوصول إلى الأسواق الوطنية والدولية.
-وفقًا لأهمية الموارد الطبيعية التي تتركز حول المنطقة الجغرافية
-مراعاة الظروف الجغرافية والاقتصادية التي تساعد على تكامل عمليات الإنتاج داخليًا ومع بقية العالم
-ضرورة توافر الهياكل الصناعية والإنتاجية التي تسهل بناء سلاسل الإنتاج.
-وجود البنية التحتية الاقتصادية والخدمات من أجل التنمية.
بمجرد أن يتم الانشاء يوافق الرئيس على خطة التنمية المقدمة التي تبرر هذا الانشاء وطبيعة النشاط والقطاعات المتاحة على ان تشمل هذه القطاعات الخدمات المالية والغير مالية وإنتاج الأغذية الزراعية الأولية والاساسية. كما يجوز للرئيس انشاء مناطق خاصة بالسيارات بحسب المساحات الجغرافية المتاحة.
وتنطبق الاحكام العامة لهذا القانون على الكيانات القانونية العامة والخاصة وأجهزة الدولة وتكون وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ستكون مسؤولة عن وضع الحدود القصوى لإجمالي جميع الحوافز الممنوحة، بناءً على المبلغ المحصل لضريبة الدخل في السنة المالية السابقة ذات الصلة.
ويتحدث الفصل الثالث من القانون عن الإدارة والرقابة والإشراف على هيئة الرقابة، التي سيرأسها مجلس إدارة، يتألف من المشرف وستة أعضاء رئيسيين، مع مناوبيهم، من أجل إنشاء وقمع بعض الأنشطة الاقتصادية. كما سيكون مسؤولاً عن تنفيذ اللوائح والإشراف على الشركات الوطنية أو الأجنبية، العامة، الخاصة، المختلطة أو المجتمعية التي تنفذ.
الأنشطة والقطاعات المتاحة داخل هذه المناطق الاقتصادية:
الصناعة: وتشمل قطاعات إنتاج السلع، والتصنيع، والأعمال التجارية الزراعية الاستراتيجية، والتصدير وإعادة التصدير، والملاحة الجوية، والطاقة في جميع فئاتها.
التكنولوجية: وتشمل تركيب المجمعات التكنولوجية لتطوير وإنتاج أنظمة وأجزاء ومكونات وقطع للاتصالات السلكية واللاسلكية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتطبيقات وأنظمة الكمبيوتر، وإعادة تدوير النفايات الصلبة والتكنولوجية، وأنشطة البحث والتطوير العلمي في مجال الفضاء الخارجي، وتطوير العلوم والتكنولوجيا العسكرية.
الخدمات المالية: وتشمل تركيب الخدمات المصرفية والمالية في ظل نظام الضرائب التفضيلية.
الخدمات غير المالية: وتشمل تركيب وإنتاج القطاعات اللوجستية لتوفير وتصدير الخدمات السياحية والفندقية والترويجية والترفيهية.
إنتاج الأغذية الزراعية الأولية: ويشمل أنشطة الإنتاج الأولية في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية لأغراض التصدير وتحقيق السيادة الغذائية للبلد.
وبناءًا على إمكانيات المناطق الاقتصادية الخاصة، يمكن تركيب نظام من ممرات البنية التحتية للنقل متعدد الوسائط: برية، مائية، نهرية، بحيرة أو جوية وسكك حديدية، مع منطقة تحميل وتفريغ تفضيلية للبضائع.
وفى النهاية تعهدت الدولة بتسهيل الإجراءات للمستثمرين تيسيرًا عليهم ولضمان سرعة تدفق الاستثمارات داخل الاقتصاد الفنزويلي، حتى يشعر المواطن في فنزويلا أن هناك تقدم ملموس وحتى يعي المستثمر أن هناك جدية من قبل الدولة في تأمين تلك الاستثمارات وأن المستقبل آتي إلى فنزويلا، وأن إمكانياتها تعطيها الأفضلية في تحقيق تقدم واعد، ولكن لابد وأن يكون هناك معاهدات دولية تحمي المستثمرين الأجانب في حال ظهر نزاعات لتفادي تضييق الولايات المتحدة على تلك المناطق واستثماراتها وهو ما سيخلق حالة من الأمان بالنسبة للمستثمرين ويجذب لها المزيد من النشاط والرواج الاقتصادي، وهو ما سوف نتطرق له في سلسة التقارير الذي يعمل مركز جسور على إعدادها لدراسة كيفية التعاون بين مصر وفنزويلا فيما يتعلق بتبادل الخبرات الاستثمارية والمناطق الاقتصادية الحرة وضرورة الاتجاه نحو هذه المنطقة والعمل على توفير كافة الإمكانيات التي تخدم التعاون بين البلدين وتعزز من اقتصادات الدولتين في مواجهة الظروف الاقتصادية الذي يعاني منها العالم.