مقدمة:
يعتبر إقليم الساحل والصحراء الأفريقية من المناطق التي شهدت منذ نهاية الحرب الباردة صعود عدد من التهديدات الجديدة التي من شأنها الإضرار بمصالح الأفراد والجماعات والحكومات، وتأتي هذه التحديات الجديدة على المنطقة في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم. هذه الحالة غير المسبوقة من التطورات الأمنية، حيث إن ما تعانيه دول منطقة الساحل الإفريقي يعكس صور ومستويات التهديدات الأمنية المتعددة والمتشابكة الممتدة من مستوى الفرد إلى الجماعة صعودًا نحو الدولة كأداة؛ لذلك( كانت محصلة تلك التهديدات الأمنية تهديدًا أمنيا متعدد المستويات.
كما يعد من بين أكثر المناطق في العالم التي تشهد حالة غير مسبوقة من التطورات والتهديدات والمخاطر الأمنية، نتيجة لمجموعة من العوامل يمكن حصرها في خمسة أبعاد وهي؛ البعد الأول: الفشل البنيوي والوظيفي للدولة في المنطقة، البعد الثاني هشاشة الامن وعدم الاستقرار السياسي البعد الثالث النزاعات الاثنية البعد الرابع ظاهرة الارهاب، البعد الخامس: الجريمة المنظمة.
- التهديدات الامنية لإقليم الساحل الأفريقي
اولًا: ازمة بناء الدولة في اقليم الساحل الافريقي:
تعكس إشكالية أزمة بناء الدولة الوطنية إحدى المعضلات الأمنية الخطيرة التي تعانيها دول منطقة الساحل الأفريقي، وذلك على خلفية الرواسب التاريخية التي أنتجتها مشكلة الحدود الجغرافية المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية، التي لم يراع فيها التنوع الاثني والقبلي وخصوصية المجتمعات المكونة لإقليم الساحل، مما ادى الى جعل العملية السياسية في جميع بلدان الاقليم تتميز باختلالات هيكلية عميقة، ناتجة من طبيعة الأنظمة السياسية المغلقة وضعف المشاركة السياسية، وانعدام وتقييد حرية التعبير والإعلام، وهو إحدى السمات الأصيلة للواقع في دول الساحل الأفريقي، بالإضافة الى استمرار تأثير المؤسسة العسكرية كعامل حاسم في إدارة عملية الانتقال السياسي، كما اوضحت عدة انتخابات قد تم اجراؤها في كل من النيجر ومالي وحتى موريتانيا، هذا بالرغم من تبني هذه الدول الديمقراطية.
تتجسد فكرة الدولة في حد ذاتها في كل من شخص الرئيس القائد والزعيم والحزب الواحد، وكذا في القبيلة والعرش والمنطقة والجهة والعرق، وعليه عرفت الدولة الأفريقية بصفة عامة وفي إقليم الساحل الأفريقي بصفة خاصة بالأنظمة ” العسكرية – المدنية ” وهي الأمور التي جعلت الدولة في الساحل الافريقي تفشل في بناء كيانات حديثة تضمن الوحدة الترابية لأقاليمها، كما أثبتت أن كثيراً من المناطق تعيش فترة ما قبل الدولة أو شبه الدولة، بالتالي إن العجز الوظيفي للدولة في الساحل هو أحد المسببات الرئيسة للمشاكل الممتدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
إنّ ضعف نموذج بناء الدولة في أفريقيا عموماً وفي دول الساحل الأفريقي خصوصاً شجع بالضرورة على صعود لاعبين من غير الدول، تحركوا لسد الفراغ الأمني والاقتصادي والاجتماعي التي تركته دول الساحل الضعيفة، وخصوصاً في المناطق الحدودية التي تم اختراقها بشكل كبير من قبل الجماعات الإرهابية مثل “جماعة بوكو حرام” التي انطلقت من نيجيريا واستطاعت أن تخترق الدول المجاورة لها مثل الكاميرون، وتشاد، إضافة إلى التهديدات النابعة من موجات الهجرة غير الشرعية، والتجارة غير الرسمية العابرة للحدود الوطنية، وبالتالي تداخلت هذه التهديدات والمخاطر لتشكل ظاهرة وسمة لمنطقة الساحل الأفريقي.
جدول رقم (1) يوضح التمييز بين الدولة القوية نسبيًا، والدولة في أزمة، والدولة المنهارة
الدولة القوية | الدولة في ازمة | الدولة المنهارة |
– قادرة على ادارة الصراع وفرض الأمن. – قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسي – تستطيع السيطرة على جزء كبير من إقليمها ولفترة زمنية دائمة. | – غير قادرة على ادارة الصراع وفرض الأمن. – غير قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسية. – غير مسيطرة على اجزاء متعددة من أقاليمها ولفترة قصيرة من الزمن. | – غير قادرة على ادارة الصراع وفرض الأمن. – غير قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسية. – عاجزة عن السيطرة على جزء كبير من إقليمها ولفترة زمنية طويلة. |
المصدر : http://www.compasss.org/wpseries/Clement2005.pdf
يتبين أن المفاهيم الثلاثة تختزل في عمومها بعدم قدرة الدولة في الوفاء بالتزاماتها في توفير المهام الاساسية لغالبية شعبها، لكن الفرق بينهما في الترتيب الزمني، إذ الدولة الضعيفة في حال تنامي التدهور والضعف يمكن أن يحولها بمرور الزمن إلى دولة فاشلة، ويمكن ان تتجه الدولة الفاشلة الى الانهيار، ولكن يبقى الفرق بين الدولة الفاشلة والدولة المنهارة، هو أن الأولى تعني وجود سلطة سياسية لكنها تعاني من أزمات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، أما الثانية فتعني انهيار السلطة السياسية.
لقد فشلت الحكومات التي تولت قيادة الدول الحديثة النشأة بعد التقسيم الاستعماري لأفريقيا في تحقيق سلطتها على أراضيها وخلق توليفة اجتماعية مبنية على أساس المساواة في الحقوق والواجبات وتوفير ضمانات المساواة للجميع، بالإضافة الى عدم استطاعتها توفير الأمن والتعليم والصحة والفرص الاقتصادية، هذا الفشل هو نتيجة لمجموعة من العوامل من أهمها نظام القبائل والعشائر الذي لا يزال يهيمن على السياسة المحلية حيث لا وجود لانتماء وطني لدى سكان الساحل فالانتماء والولاء هو للقبيلة والعرق والأثنية وهو ما يكرسه السياسيون بمحاباة إثنياتهم وقبائلهم وكذلك التقسيم الاستعماري للحدود الذي لم يراع الحدود البينية الأنثروبولوجيا للمجتمعات المحلية، فجعل المجموعات العرقية منفصلة ومفككة مما أدى إلى توتر دائم في الإقليم وأضعف من سيادة الدول في الساحل الإفريقي، كما أدى غياب وضعف فلسفة المواطنة في هذه الدول مع انتشار الفساد السياسي وضعف الأداء المؤسساتي لاستحالة بناء آليات الوقاية أو حل النزاعات الداخلية.
تتسم دول القارة الأفريقية بأنّ نظم الحكم في غالبيتها عبارة عن أنظمة يصعب فهمها، حيث يصعب أحياناً التمييز بين نظم الحكم العسكرية والمدنية، فهناك نحو 29 دولة إفريقية شهدت بين عامي 1984 – 2004، إقصاء للعديد من الرؤساء عبر الانقلابات العسكرية، وبالتالي فإنه في الوقت الذي نجحت فيه بعض الدول الأفريقية في إدماج الجماعات والقبائل المتنوعة داخل الدولة، فشل البعض الآخر خاصة في تحقيق التنمية الاقتصادية المحدودة، فإضافة إلى هذه القدرة المحدودة، شهدت دول القارة الأفريقية صراعاً على السلطة، وتقاسماً للثروة بين فئات معينة دون غيرها من الجماعات الأخرى، خاصة تلك التي لم تبد تأييداً للنظام الحاكم وسعت إلى معارضته، وحتى الدخول معه في صراع مسلح.
بالإضافة إلى ما يعرف بانعكاسات محفزة على النزاعات ومساعدة على استمرار حالات الانقسام وعدم الاستقرار وإفراز بيئة خالية من الأمن تغيب فيها سلطة الدولة وتظهر فيها فواعل جديدة على غرار الأعمال الإرهابية ونشاطات الإجرام المنظم والاتجار بالأسلحة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ازمة بناء الدولة الافريقية.
ثانيًا: هشاشة الأمن وعدم الاستقرار السياسي:
تواجه منطقه الساحل العديد من التحديات الأمنية والسياسية لفترات طويلة، فالحكم الهش وأثاره السلبية علي مختلف مؤسسات دول المنطقة ، بما في ذلك العجز عن السيطرة علي حدودها ، قد قللت كثيرا من قدره بلدان المنطقة علي توفير الاحتياجات الرئيسية ، وتعزيز السياسات السياسية وحماية حقوق الإنسان، عجز البلدان عن تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والحصول علي المياه ، بالإضافة إلى تفشي وانتشار الفساد، قد اوجد اتساعا كبيرا في الفجوة في العلاقات بين حكومات المنطقة ومجتمعاتها، بالإضافة إلى ذلك، فان استمرار القلاقل الأمنية والسياسية، مثل الصراعات العرقية والعمليات الانتخابية العنيفة والواضح في التغييرات غير الدستورية المتكررة للحكومات، هي نتائج مباشره للبرلمانات الضعيفة ، وعدم وجود مؤسسات الحوار السياسي والنظم القضائية الهشة، كما ان الحركات الاستعمارية والاستعمارية الجديدة التي ما زالت تعاني منها جميع البلدان هي أسباب معينه وراء ضعف الحكم وعدم الاستقرار السياسي.
كما ان الحالة الراهنة لبلدان الإقليم عرضه بشكل متزايد لانعدام الأمن الذي تسببه الصراعات العرقية العنيفة وأنشطه الجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة، بالإضافة الى شعور جميع دول الساحل بالقلق إزاء الروابط الواضحة بين الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة وكذلك المنظمات الإجرامية الضالعة في الاتجار بالبشر والمخدرات، ومن ثم ، فان جميع بلدان إقليم الساحل مهدده بأنشطة الجماعات الإرهابية، مثل حركه الوحدة والجهاد في غرب افريقيا، وجماعه بوكو حرام، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فضلا عن المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية الأخرى، فقد ارتكبوا اعمالا إرهابيه وهددوا الأمن الإقليمي ، وزادوا أيضا من توسيع نطاق الأسلحة فوق إقليم الساحل وانخرطوا في الاتجار بالمخدرات والبشر وغير ذلك من الأنشطة غير المشروعة.
ثالثًا: الصراعات الأثنية (مسألة الطوارق) في إقليم الساحل الأفريقي:
يتميز إقليم الساحل الأفريقي بالعديد من الخصائص الرئيسة والتي تتمثل في التنوع العرقي والاثني، حيث تنقسم الأجناس العرقية في إقليم الساحل الأفريقي إلى قسمين رئيسين ذو البشرة السوداء “الجنس الأسود”، والذي يتمركز في الجزء الجنوبي، ذو البشرة الفاتحة “الجنس الابيض”، الذي يتمركز في الجزء الشمالي للساحل، لكن ضمن هذين القسمين الرئيسين تتفرع مجموعات أثنية أخرى، الأمر الذي جعل هذا الإقليم يعرف نزاعات أثنية وعرقية عديدة في صورة أزمة تشاد والسودان وأبرزها على الخصوص قضية الطوارق، وما تطرحه من تحديات سياسية ومجتمعية وأمنية على حد سواء، وخصوصاً أنّ هذه الأقلية قد عانت من التهميش والإقصاء في الدول التي تقوم باحتضانها واحتوائها، فأثارت أزمة الطوارق تحدياً أمنياً كبيراً من حيث الإطار المحدد لها ومن حيث الأطراف التي تسهم من قريب أو من بعيد في تداعياتها المستمرة، حيث تعَدُّ أقلية الطوارق في النيجر ومالي من بين العوامل التي تحدّد استقرار الدولتين بخاصة
وفي هذا السياق تعاني أقلية الطوارق صعوبة كبيرة في الاندماج المجتمعي وهي تحرَم التوزيع العادل للثروة والاستفادة منها، وتفتقر إلى أدنى شروط البنى التحتية التعليمية والصحية، بما يحفظ عيشتهم وكرامتهم، وهذا ما يجعل مسألة الطوارق تشكل رهاناً أمنياً بمنطقة الساحل الأفريقي، وبخاصة إذا تم ربطها بمختلف الظواهر العابرة للحدود، كالجريمة المنظمة والإرهاب الدولي، التي أصبحت تجد في هذه المنطقة مناخاً ملائماً لممارستها نتيجة هشاسة الدولة وعدم استقرارها، بالإضافة الى عدم قدرتها على توفير أدوات الضبط، كمراقبة حدودها نظراً لشساعة أراضيه.
رابعًا: ظاهرة الإرهاب:
على الرغم من عوامل الضعف التي تتسم بها دول الساحل الإفريقي “جنوب الصحراء”، والتي جعلت غالبيتها تصنف ضمن الدول الفاشلة؛ جاءت التأثيرات الأمنية التي عكستها تطورات دول الشمال الإفريقي خلال العقدين الأخيرين لتضاعف حجم التهديدات الأمنية والإنسانية التي تعيشها هذه الدول، بالتالي فإنّ هذه التهديدات دفعت الإقليم ليصبح جزءًا من “قوس الأزمات” الذي كان يمتد في السابق من أفغانستان مرورًا بإيران والجزيرة العربية حتى القرن الإفريقي، فقد تحول الساحل الأفريقي إلى فناء خلفي للجماعات الإرهابية سواء في الشمال الإفريقي (الدول المجاورة، او الدول المضيفة للوجود، خاصة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تعود أصوله إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والذي انتشر في الصحراء والساحل منذ عام 2003، وبدأ في استهداف دول المنطقة؛ حيث كان لموريتانيا والنيجر النصيب الأكبر من هجمات التنظيم، إضافة إلى الدور المتزايد لجماعة بوكو حرام في تهديد دول المنطقة مثل نيجيريا، والكاميرون.
كما يفتقر هذا الإقليم للمشاريع التنموية، إضافة إلى أنه يعيش في ظل فراغ أمني، حيث لا يوجد في تلك الأقاليم، ما يستدعي حضور أي حكومة مستغلا افتقار هذه المنطقة، بالإضافة الى عدم قدرة الحكومات على مراقبة وضبط أ راضيها نظرًا لاتساع مساحتها وضعف جيوشها وقوات الأمن لديها، حيث أغلب الدول لا تمتلك جيوش قوية ومنظمة ومجهزة فعلى سبيل المثال دولة مالي لديها جيش تعداده حوالي 8200 ألف فرد ومساحتها تزيد عن 1 مليون 240 ألف كلم مربع أي أقل من جندي واحد لكل 151 كلم مربع.
كما عرف معظم دول الإقليم صراعات مسلحة، أفضت في الغالب إلى حروب أهلية ذات طابع عرقي، أطولها أمدًا حرب الشمال والجنوب في تشاد؛ التي زادت على ربع قرن، وما زالت تداعياتها قائمة تنذر بانفجار قنابل موقوتة عند تضافر عوامل الاحتقان والانفلات الأمني التي تكثر في دول الإقليم, أما أخطر تلك الحروب فهي الحرب في شمال مالي؛ حيث استغلت في أواسط عام 2012 تنظيمات متطرفة (جماعة أنصار الدين الإسلامية، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) الصراع المسلح الدائر منذ 50 سنة بين الحكومة المركزية بباماكو وبين قبائل الطوارق والقبائل العربية الأزوادية (الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد) في شمال مالي؛ الذي يعاني من التهميش، ويفتقر إلى أي شكل من أشكال التنمية الحقيقية, لتبسط هذه التنظيمات سيطرتها في مدة وجيزة على شمال مالي (ثلثي مساحة الدولة) والوسط، وتتجه جنوبًا؛ مما جعل الحكومة المالية تستغيث بالمجتمع الدولي، ولاسيما فرنسا؛ التي قادت الحرب في شمال مالي؛ فيما بات يعرف بعملية سرفال؛ التي أعادت سيطرة الجيش والدولة المالية على كامل أراضيها، ودخولها في اتفاق طويل الامد مع المتمردين الطوارق والأزواديين في الشمال كان تحت رعاية كلا من الجزائر وبوركينا فاسو.
( أ) محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء:
لقد بدأ الاهتمام السياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية بإفريقيا يزداد منذ انتهاء الحرب الباردة والإعلان عن ميلاد نظام عالمي جديد، فقد كانت للولايات المتحدة مبادرات وعمليات تدريب لقوات دول إفريقيا وتزويدها بالمعدات لكنها كانت لا تنطلق بهدف محاربة الإرهاب، وإنما ترتبط في معظمها بعمليات حفظ السلام والوقاية من النزاعات ومحاربة التمرد الداخلي وحماية منابع النفط.
ونتيجة لتدمير السفارتين الأمريكيتين بكل من تنزانيا وكينيا عام 1998 وسعت الولايات المتحدة من تعاونها لمحاربة الإرهاب مع كل من تنزانيا وكينيا وأثيوبيا وأوغندا، وهو التعاون الذي اتسع ليشمل معظم الدول الإفريقية بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أقيمت عدة شراكات مع دول إفريقيا لتعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب، بيد ان هذا الاهتمام الأمريكي قد تركز بداية في شرق إفريقيا وخاصة منطقة القرن الإفريقي فإن وجود نشاط الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية في منطقة الصحراء الكبرى والتي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقيامها بعمليات إرهابية وعدم اقتصار نشاطها على الجزائر.
حيث يمتد إلى كل من موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر بل واحتمال ربطها لعلاقات مع جماعات متطرفة أصولية أو ذات نزعات انفصالية في كل المنطقة، جعل من منطقة الساحل الرقم الثاني في الحرب على الإرهاب فيما يتعلق بإفريقيا، حيث كثفت الولايات المتحدة دعمها وتعاونها مع دول الساحل ودول المغرب العربي لاحتواء الجماعات المتطرفة وحرمانها من تكوين قواعد للتنظيم والتدريب والتجنيد.
وتعتبر “مبادرة عبر الساحلPAN SAHEL ” لعام 2003 أول مبادرة أمريكية في المنطقة وخصص لها 6.2 مليون دولار، وهدفها المعلن هو تدريب قوات البلدان المشاركة فيها (موريتانيا، تشاد، مالي، النيجر) ومساعدتها على حماية ترابها الإقليمي من هجمات وتسلل الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، لكن اتساع خريطة هذه الصحراء توضح أن هذا الهدف يصعب تحقيقه بأضعاف هذه القوات المدربة، لهذا قامت الولايات المتحدة بالتوسع منها في مبادرتها الجديدة “مكافحة الإرهاب عبر الصحراء “Trans-Saharian Counter Terrorism Initiative”، التي أصبحت تضم المغرب وتونس والجزائر والسنغال ونيجيريا كملاحظين، إضافة إلى الدول الأربعة المنخرطة في مبادرة عبر الساحل، وقد تم الرفع من ميزانية المبادرة الجديدة لما بين 120 و 132مليون دولار لعام 2005 وما بين 350 و 400 مليون دولار لتغطي السنوات الخمس لما بعد عام 2005 ، وهو ما يعني إمكانية تدريب عدد أكبر من القوات وتوفير وسائل ومعدات المراقبة والحراسة.
وتتميز هذه المبادرة الجديدة بوضعها لاستراتيجية متعددة الأبعاد وبأوجه متعددة تهدف للانتصار على الجماعات الإرهابية وذلك من خلال تقوية القدرات الإقليمية على محاربة الإرهاب والرفع من التعاون بين القوات الأمريكية وقوات هذه الدول، كما تهدف كذلك إلى دعم التنمية الاقتصادية والتعليم والمؤسسات الحرة والديمقراطية.
وقد قامت الولايات المتحدة بمناورات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة ابتداء من 6يونيو 2005 وعلى مدار ثلاثة أسابيع، حيث كان الهدف متمثل في التدريب على مكافحة الإرهاب، وأطلق على هذه العملية اسم فلينتلوك 2005 شملت خمس دول عربية وأفريقية هي مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا والجزائر، وتزامن مع مناورات أخرى شملت أربع دول هي السنغال والمغرب وتونس ونيجيريا.
وقد شاركت الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة في مارس 2004 في عملية عسكرية قامت بها أربع دول من الساحل (مالي، النيجر، تشاد، الجزائر) ضد الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ورغم أهمية هذه العمليات إلا أنها تعتبر عاملا مساعدًا على زيادة عدد المجندين والمتطوعين في صفوف الحركات الارهابية بدعوى محاربة الصليبين الذين يعيدون غزو شمال إفريقيا وبلدان الساحل المسلمة، وهو ما يوجب على دول المنطقة توحيد جهودها في حربها على الإرهاب بعيدًا عن التدخل المباشر للدول الغربية، وذلك حتى تستطيع القضاء على هذه الجماعات الإرهابية، حيث يجب أن يتم ذلك في إطار مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد تأخذ في الاعتبار جميع أسباب الظاهرة ومسبباتها.
(ب) تنظيم الدولة الإسلامية :
لقد أصبح الوضع الجهادي أكثر تعقيدًا مع ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام وطموح قيادته في مد مشروعها بحيث يتجاوز حدود المشرق العربي إلى المغرب العربي مستغلا وجود اماكن يمكن توظيفها في التحرك نحو الساحة المغاربية لتوافر إمكانية التفاعل أيديولوجيا وعملياتيا ولوجستيا وتنظيميا، أي الأرضية الإيديولوجية في بلدان المغرب العربي، حيث تتواجد جماعات متطرفة قريبة من أيديولوجية داعش كما تعتبر دول المغرب العربي من أهم الدول المصدرة للمقاتلين منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وبعد احتلال أمريكا للعراق، وهو الوضع الذي استغله داعش، في استقطاب جهاديين من دول المغرب العربي للقتال في سوريا والعراق في صفوفه منذ عام 2011، وتقدر الأمم المتحدة أعدادهم بحوالي 300 مقاتل تونسي و 1200 مغربي و 170 جزائري.
وفي هذا السياق فقد أقام الإرهابيون والكيانات الإرهابية شبكات دولية تمتد عبر عدة دول يتم نقل من خلالها المقاتلون الإرهابيون والموارد اللازمة لدعمهم ذهابا وايابا، مما أسس لعلاقة متعددة الجوانب علاقة إيديولوجية وعلاقة رفاق سلاح وعلاقات عامة وشخصية وأهداف وطموحات مشتركة انعكس آثارها في نقل الخبرة التي طبقت في سوريا والعراق إلى تونس وليبيا والجزائر نتيجة لعودة المقاتلين إلى بلادهم، والدليل على ذلك المعارك التي فتحوها، ففي بنغازي ودرنا وفي تونس وفي الجزائر وفي مالي وفي مصر البعدان الإيديولوجي والعملياتي هما مكونان هامان يعول عليهما تنظيم داعش في إدارة معركته في الساحة المغاربية.
كما تنبني استراتيجية التنظيم على السعي إلى توفير التمويل والمقاتلين بشكل فعال، إضافة إلى خلق حالة من التعبئة في أوساط الجهاديين في المنطقة من أجل مناصرة التنظيم وتقديم الدعم المعنوي له في مواجهة التحالف الدولي الذي بدأ يتشكل لوقف تقدمه، وهو ما سوف يستفيد منه التنظيم على المدى القصير، أما على المدى البعيد، فإن التنظيم، من خلال هذا التأييد، سيحظى بنفوذ واسع في المنطقة، يمكن أن يستخدمه في المستقبل، في حالة دخوله في صراع مع العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة، وهو ما سوف يحوله إلى خطر عابر للحدود، بالتالي فإن هذا الوضع ساهم في تشكل نوع من “الحزام الجهادي” في المنطقة، بشكل يمكن أن يهدد كل الأنظمة السياسية إذا ما استمر تمدد “داعش” داخل المنطقة بهذه الصورة الحالية، لاسيما أنه سيشجع التنظيمات الجهادية الموالية له، على تكثيف هجماتها ضد الدول التي تقيم فيها، من أجل إسقاط الأنظمة ما سيدعم من احتمالات اندلاع موجة جديدة من العنف، خاصة أن غالبية تلك التنظيمات سوف تسعى إلى الالتزام بتوجهاته العنيفة باعتباره التنظيم الأكثر قدرة على تنفيذ أهدافه، لاسيما بعد إعلانه قيام “الخلافة الإسلامية”.
خامسًا: الجريمة المنظمة
أصبحت الجريمة المنظمة التي تقودها شبكات التهريب مصدر خطر حقيقي على دول المنطقة، خاصة وأنّ هذه الشبكات أصبحت تمتاز ببنية مؤسسية كبيرة ذات ارتباط بأطراف خارجية فاعلة، إضافة إلى ذلك فإنّ تنامي الجريمة المنظمة يشكل مصدراً من مصادر عدم الاستقرار خاصة على المناطق الحدودية بين دول المنطقة، ويلعب التمويل الخارجي دورا كبيرا في إشعال الحروب حيث يبحث المتمردون عن الأسلحة والأموال والتدريبات لتحقيق مطالبهم، كما أنّ السكان في هذه المناطق أصبحوا یبحثون عن السلاح ليس للتمرد، وإنما للدفاع عن النفس من قطاع الطرق وعصابات الجريمة المنتشرة بكثرة.
كما أصبح إقليم الساحل الأفريقي مركزاً متزايد الأهمية لشبكات تهريب المخدرات من طريق ربط العلاقة بين الموردين من أمريكا اللاتينية (الكوكايين) والمغرب (الحشيش) مع الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط، حيث يُعتبر المغرب أكبر منتج في العالم للحشيش ( ٢١ بالمئة من الإنتاج العالمي)، فضلاً عن عمليات الاختطاف للحصول على فدية، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ فالمكاسب المالية الناتجة من هذا النشاط تستخدم على نطاق واسع لتمويل العمليات الإرهابية، كما أن استراتيجية التجزئة الجديدة للمناطق المستهدفة المختارة من قبل التنظيم بالمنطقة يجعل المغتربين والمدنيين يتعرضون وبسهولة لمثل هذه العمليات.
تعتبر أفريقيا عموما وإقليم الساحل على وجه الخصوص منبعًا لانتشار الأسلحة منذ عدة عقود بفعل الصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة، حيث أدى انتشار السلاح الليبي بعد انهيار نظام القذافي إلى تغذية مناطق الصراع وتأزيم مناطق التوتر في المنطقة حيث بدأ هذا الانتشار عن طريق التجار ثم ما لبث أن تشكلت شبكات معقدة لتهريبه، منها ما ترعاه عشائر ومنها ما يتبع لتنظيمات وجماعات مسلحة، تنشط هذه الشبكات والجماعات على حدود ليبيا البرية التي تزيد على أربعة آلاف كلم. وضمن أفراد هذه الشبكات رجال من الصحراء ماهرون في مسالك الصحاري وعلى دراية بتضاريسها، وهو ما سهل توصيل الأسلحة الليبية لنقاط توتر عديدة في مالي ونيجيريا والسودان وإفريقيا الوسطى وتونس والجزائر.
وتزداد خطورة هذا التهريب في الوقت الذي تتلاشى فيه سلطة الحكومة المركزية في ليبيا، بل وتجد ليبيا نفسها في تنافسات سياسية وعسكرية وأمنية تمنعها من السيطرة على حدودها وعلى نشاط شبكات التهريب، وقد وصل السلاح الليبي المهرب إلى 14 دولة حسب بعض التقارير التي تؤكد أيضا على أن هذا السلاح المهرب يقدر بملايين القطع، فيما يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدد قطع السلاح في أفريقيا ب 100 مليون قطعة ويبقى انتشار السلاح الليبي في إفريقيا تحديا أمنيا خطيرًا يجعل إفريقيا جنوب الصحراء تحت شبح التهديد لفترة زمنية مقبلة، تعكس الديناميات الحالية للإتجار بالأسلحة إلى ليبيا بعض الشبكات والتحالفات التي نشأت أثناء الثورة، حيث تعمل بعض البلدان الخليجية والأفريقية من أجل دعم أطراف فاعلة مسلحة بعينها، وتسعى شبكات السمسرة التي أنشئت أثناء الثورة وبعدها بنشاط إلى الحصول على صفقات أسلحة.
وتواجه عدة بلدان في إقليم الساحل، عمليات تمرد عنيفة انطلاقًا من ليبيا، ويشكِّل شمال مالي وشمال النيجر ودارفور، مراكز رئيسية للمخاوف الأمنية في المنطقة بسبب تنقل الأسلحة غير المشروع الذي بات يشكِّل أكبر تحد لسلطات المنطقة، كما تمثل عمليات الاختطاف، وغيرها من الأنشطة العنيفة التي تمارسها جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تهديدات وتحديات هائلة للأمن القومي لعدة بلدان في المنطقة وخاصة مالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا، وتسهم عائدات هذه الأنشطة في تعزيز القدرة الاقتصادية للمشترين الراغبين، من جماعات انفصالية وحركات متطرفة كما أنّ السكان في هذه المناطق أصبحوا يبحثون عن السلاح ليس للتمرد، وإنما للدفاع عن النفس من قطاع الطرق وعصابات الجريمة المنتشرة بكثرة.
اما فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية فيتم تعريفها بأنها الدخول غير الشرعي لأجانب من دولهم الأصلية برًا وبحرًا وجوًا إلى دولة أخرى، بما فيها مناطق العبور، وحددت المادة 2 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 143 الهجرة غير المنظمة بأنها وجود المهاجر في طريق رحلته أو وصوله أو مدة إقامته وعمله في وضع يتنافى والقوانين والاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف أو الثنائية الأطراف أو التشريعات الوطنية، وطبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية فإن الهجرة غَير الشرعية، تعني عبور الحدود( دون تقيد بالشروط اللازمة للدخول المشروط إلى الدول المستقبلة).
أما منظمة الهجرة الدولية فأشارت إلى المهاجر غير الشرعي بأنه المهاجر الذي لا تتوافر لديه الوثائق اللازمة والمنصوص عليها بموجب لوائح الهجرة من أجل الدخول والإقامة أو العمل في بلد ما، ويشمل هذا: الأفراد الذين ليس لديهم وثائق قانونية للدخول إلى الدولة (دولة الاستقبال ولكن استطاعوا الدخول سرًا حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية يكون هذا الدخول عبر إحدى الطرق التالية: برًا، بحرًا، وجوا).
وبالتالي ففي العقدين الأخيرين تعقدت مشكلة الهجرة السرية أكثر فأكثر، حيث إنّ أعداداً غير محدودة من المهاجرين السريين الأفارقة اتبعوا المغاربة الذين يعبرون المتوسط للوصول للضفة الجنوبية للقارة الأوروبية، عبر قوارب الصيادين، وقد شجع هذا الطريق العديد من الأمواج البشرية للقدوم نحو شواطئ الجزائر وتونس والمغرب رغم صعوبة الوضع ومخاطر الطريق الطويلة فمثلا المهاجر السنغالي يقطع 3000 كلم ليصل إلى الشمال الجزائري أو المغربي أو وصولا إلى السواحل الليبية، الذي يبقى الممر المفضل بفعل الانتعاش الاقتصادي الذي تعرفه مدنه.
وفي هذا السياق نجد أن اقليم الساحل الافريقي يعاني من مجموعة من التهديدات السالف ذكرها، لكن الاكثر خطورة يتمثل في عامل الارهاب لأنه ينتج عنه مزيد من الضعف وعدم لسيطرة على الوضع الداخلي للدولة وسيطرة الجمعات الجهادية وانتشار الاسلحة.
- سبل مواجهة التهديدات في اقليم الساحل الافريقي:
استراتيجية الاتحاد الاوروبي للأمن والتنمية:
يعتبر كلا من الامن والتنمية عنصران متلازمان، اي خلل في احدهما ينعكس سلبا على الاخر، واي استقرار او تطور فيهما ينعكس ايجابا عليهما، حيث لا تنمية بلا امن ولا امن بلا تنمية، فالأمن هو المحرك الحقيقي للتنمية والداعم لها والمؤكد على استقرارها وازدهارها، بالتالي تحرص دول العالم على الاهتمام بالأمن واعتباره من اهم الواجبات الرسمية التي تقوم عليه الدول وتسخر له كل الامكانات المادية والبشرية وتعمل لمصلحة تطويره مختلف العقول الواعية المدركة لأهميته فضعف التنمية وانخفاض او انعدام الظروف المعيشية للفرد تؤدي الى ضعف الامن وهذا يهدد بانتشار مختلف الجرائم التي تبدأ بسيطة لسد الاحتياجات الضرورية ثم تتطور بعد ذلك مع الوقت.
حيث يتحول الامر الى جرائم تقف خلفها مؤسسات اجرامية يصعب التعامل معها كما هو الحال في منطقة الساحل الافريقي، كما ان ضعف الامن واختلاله يؤدي الى الاعتداء على الاموال والانفس وبهذا تبدأ الاموال في الهجرة خارج مناطق الاختلال الامني ولهذا يعد الامن الوطني هو المطلب رقم واحد لجميع حكومات العالم وشعوبها فبتحقيقه يتحقق الازدهار والرقي والتقدم للأمم، بالتالي فان تحقيق التنمية والامن ينطلقان من ركيزتين رئيسيتين هما: العمل من الداخل اي استقرار التنمية والامن الداخلي ويكون ذلك بالاهتمام بالأمن الوطني او ما يسمي بالاستقرار الداخلي من اي تغيرات او تقلبات، العمل من الخارج عبر الاهتمام بالأمن الخارجي وكل ما يرتبط بالعلاقات الدولية والمعاملات الخارجية.
وعليه لطالما تبنى الاتحاد الأوربي مقاربة استراتيجية يحكمها “مبدا المزيد من اجل المزيد”، المزيد من الإصلاحات او بالأحرى التنازلات يفضي إلى الحظوة بالمزيد من المساعدات، التي يؤمها مشروع “استراتيجية من اجل الساحل” الذي يركز على معادلة الأمن والتنمية في المنطقة كمدخل للإصلاح واستتباب الأمن والسلام في أقاليم تشهد تفككا اجتماعيا وانجراحية سياسية واقتصادية بالغة.
تبلورت هذه الاستراتيجية في 22 سبتمبر 2011 عن (SEAE) جهاز المصالح الأوربية من اجل العمل الخارجي يهدف إلى توحيد السلوك الخارجي الأوربي وجعله منسجما وفعالا حسب ما عبرت عنه الممثلة السامية للشؤون الخارجية وسياسة الأمن كاثرين اشتون (Catherine Ashton) فحوى هذه الاستراتيجية يقوم على الربط بين الأمن والتنمية في حل مشكلات المنطقة، كما اتجهت بالدرجة الأولى نحو ثلاث دول بعينها هي : النيجر ، ومالي، وموريتانيا حيث اطلقت عليهم بدول قلب الساحل.
وبالتالي: تنصرف استراتيجية من اجل الساحل في التركيز على اربعة محاور اساسية هي:
المحور الأول: ترقية التنمية، الحكم الراشد وحل النزاعات الداخلية، حيث الهدف حل المشكلات السوسيو اقتصادية من خلال تحسين ظروف معيشة السكان في الساحل ومنحهم فرصا اقتصادية تضمن تحجيم التيارات المتطرفة والإجرام الذي يستثمر في تلك المتغيرات في تعزيز الكيانات المؤسساتية، وبلورة الحوار الوطني لامتصاص التوترات الاجتماعية، والسياسية، والاثنية.
المحور الثاني: ترقية التعاون الإقليمي من خلال دمج دول المنطقة في حوار إقليمي فعال يتيح لها إدارة التهديدات والتحديات التي تواجهها.
المحور الثالث: تقوية القدرات الأمنية الوطنية وتعزيز دولة القانون، حيث اتضح ان سبب عدم الاستقرار في المنطقة مرده إلى غياب التنمية وهشاشة رقابة الأجهزة الحكومية، فانصرفت الاستراتيجية نحو دعم الأجهزة الأمنية وتقوية القدرات المؤسساتية المؤهلة لمواجهة الإرهاب والجريمة عبر الوطنية[xli].
المحور الرابع: تحسين الوضع الاقتصادي ومنع التطرف، والعنف، والراديكالية، حيث يعيش الشريط الساحلي على وقع المشكلات اقتصادية التي عززت التهميش، وأزمة الاندماج الوطني، والتوازن المجتمعي، ومن شأن العمل على هذا المحور محاربة الفقر وعوامل العنف والتطرف.
خلاصة القول انطلاقًا من كون إقليم الساحل يشكل عمقًا استراتيجيا ومجالا حيويا للأمن القومي للدول فإن هذه الأزمات الأمنية المهددة للإقليم تلقي بظلالها على المشهد الأمني بالمنطقة، مما يلزم بإعادة النظر في مبادئ ومفاهيم الرؤية الأمنية الجماعية، والعقيدة الأمنية المشتركة، والتعاون والاعتماد المتبادل أمنيا مع جميع المتدخلين والفاعلين محليا وإقليميا ودوليا. والتعاطي معها سواء على مستوى الدبلوماسية الثنائية أو المتعددة الأطراف إقليميًا أو دوليا.
حيث يمكن أن تلعب دول الساحل الافريقي مع المغرب العربي دورًا فاعلا في الدفاع عن مصالح إفريقيا في مواجهة التنافس الدولي على ثرواتها من أجل تعزيز وتقوية التنمية والاقتصاد، بدلا عن التركيز على المقاربة الأمنية التي ثبت فشلها في مختلف المبادرات التي عرفتها المنطقة مما يحتم على المغرب تعزيز دوره في مختلف الآليات الإقليمية والدولية التي تستهدف المنطقة بما يخدم المصالح المشتركة التي تجمعه بشعوب ودول المنطقة.
تطور الاستراتيجية الأوروبية تجاه إقليم الساحل
بالرغم من كافة الجهود المبذولة من قبل الاتحاد الاوروبي لمواجهة التهديدات الامنية في منطقة الساحل الافريقي، الا أن الاستراتيجية المتبعة من قبله بشأن الأمن والتنمية في الساحل لعام 2011، قد تعرضت للعديد من لانتقادات الشديدة، ذلك بسبب عدم المشاركة الفعالة من قبل المجتمع المدني في تطوير تحسين خطة الاتحاد الأوروبي للمنطقة، بالإضافة الى منح الأولوية للأهداف الأمنية الأوروبية قصيرة المدى من اجل السيطرة على مستويات الهجرة والإرهاب من إفريقيا للانتقال إلى أوروبا، وليس إعادة بناء الدولة في هذه المنطقة، ومن ثم قد أتت الاستراتيجية المتكاملة للاتحاد الأوروبي في الساحل الإفريقي التي صدرت 2021 لترتكز على البعد السياسي للأزمات من أجل ضمان معالجة عميقة لكافة المشكلات على مستوى جذري، تتلخص في المحاور التالية:
الحوكمة: تتصدر الحوكمة قائمة الاهداف الاستراتيجية الأوروبية الجديدة في منطقة الساحل الإفريقي، نظراً لتدهور الوضع الأمني والزيادة الكبيرة في أعداد الضحايا المدنيين، فضلاً عن اتساع دائرة العنف بكافة أشكاله، بالإضافة الى تفاقم مؤشرات تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المنطقة، بالتالي أصبح هناك حاجة ملحة لمعالجة أزمات المنطقة المضطربة على مستوى واسع النطاق بما يساعد على تحسين عملية صنع السياسات ذاتها.
اللا مركزية والمجتمع المدني: أشارت الاستراتيجية الأوروبية الجديدة إلى ضرورة التركيز على المجتمع المدني والسلطات المحلية، ذلك عن طريق المساءلة بين قادة منطقة الساحل والمانحين الأوروبيين، بالإضافة أن تكون تلك المساءلة أيضاً بين القادة ومواطنيهم، ذلك تى يتم تتبع إنفاق الأموال الأوروبية، بالتالي مكافحة قضايا سوء الإدارة التي تنمي الصراعات وتخلق بيئة من عدم الاستقرار.
محاربة الإفلات من العقاب: أكدت الاستراتيجية الأوروبية أيضاً على أهمية توطيد نظام قضائي يمتع بمصداقية، وذلك من خلال محاربة الإفلات من العقاب، من أجل تعزيز الثقة بين الحكومة وسكان المناطق التي تتأثر بالإرهاب لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار.
الالتزام بمعايير حقوق الإنسان: تأتي حماية المدنيين كشرط أساسي لأي تدخل أمني ضمن أولوية الاستراتيجية الأوروبية الجديدة، من خلال التركيز على إعادة الانتشار الأمني السريع من قبل القوات المسلحة غير المدربة في مناطق نائية وغير آمنة، بالإضافة الى إرسال الجنود لمحاربة الجماعات الارهابية دون المعدات اللازمة.
وختاما،
خاتمة وتوصيات:
بالرغم من التطور الذي شهده الإقليم عبر الامتداد التاريخي، الا أنه تعرض للعديد من التهديدات نتيجة انعكاسات الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي، وتوافر الإمكانات الاقتصادية، إضافة إلى تأثيرات النزاعات الأثنية وهشاشة الأنظمة السياسية، وكذا الشبكة العنكبوتية للتحديات الأمنية، هذه الأخيرة التي فرضت التأسيس لمرحلة جديدة من العمل الجهوي المشترك وفق مقاربة براغماتية قائمة على مواجهة التهديدات الأمنية والانتقال بمستوى التحليل من المستوى الكلي إلى المستوى الجزئي (من مبدأ عالمية الحلول لعالمية التهديدات، إلى مبدأ أفرقة الحلول للتهديدات الأفريقية وبخاصة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء. وبالرغم من كل هذه الجهود من قبل الاتحاد الاوروبي، الا أنه لم يتحقق لدول منطقة الساحل الافريقي لا استقرار ولا تنمية، كما لم تأمن حكوماتها نفسها، بالإضافة الى أنه لم يتم القضاء على الإرهاب، بل إنه تزايد بدرجة خطيرة.
- وبالتالي فإن الرؤية المستقبلية لإيجاد حل للأزمة في إقليم الساحل تتمثل في ما يلي:
- الإقرار بأن التهديدات وان اختلفت حدتها من دولة لأخرى هي تهديدات مشتركة وأن الحل ينبغي أن يكون إقليم يا وبعيدًا عن التدخل العسكري الأجنبي الذي يذكي الصراعات والنزاعات المحلية ويكون مبررًا لانعاش نشاط الجماعات المتطرفة وأن يقتصر هذا الدور الأجنبي على الدعم المادي واللوجستي.
- تبني سياسة تجمع بين الاستباقية – الوقاية – والحماية ضد الكوارث المحتملة من فشل الدول والحروب الداخلية، ”الإرهاب“ وذلك عن طريق تمكين دول المنطقة من تحقيق شروط التنمية ومن الاستفادة من ثرواتها وتحقيق عدالة توزيعية تشمل جميع المناطق والفئات.
- بناء دولة وطنية قائمة على فيدراليات تعترف بالخصوصيات الأثنية والعرقية واللغوية.
وفي هذا السياق وفي ظل الإشكاليات الداخلية أو الإقليمية والدولية في إقليم الساحل الأفريقي، لن يتحقق الاستقرار بها على المدى الطويل إلا في الدول التي تمتلك فهماً حقيقياً للتحديات الأمنية والتنموية الداخلية، لذا، فإنه من الأفضل أن يقوم الفاعلون المحليون في دول الساحل بتصميم استراتيجيتهم التي تعالج أسباب عدم الاستقرار، وتحديد أولوياتهم وخاصة الدول التي تعاني من تهديد لأمنها الوطني وبخاصة الجزائر وليبيا، ومن ثم يستطيع الشركاء الإقليميون والدوليون دعم هذه الأولويات من خلال التنسيق المشترك.