تقديم
إن الإهتمام بدراسة مختلف جوانب نظام الإدارة المحلية بشقيه التنفيذي والمنتخب يعد أحد المحاور الرئيسية لوحدة دراسات السياسات العامة بمركز جسور للدراسات الاستراتيجية. فإهتمامنا نابع من قناعة رئيسية هي أن الوصول إلي نظام إدارة محلية يعزز من التوجهات اللامركزية ويضمن متابعة قوية من الحكومة المركزية مع وجود مجالس محلية منتخبة تراقب وتسائل وتضمن جودة المشروعات العامة، والأهم هو وجود مساحة كبيرة للمشاركة الشعبية في عملية صناعة وإتخاذ القرار عبر المشاركة في الانتخابات المحلية ذات الصلاحيات التي نص عليها الدستور المصري.
وهذا هو الدافع الأساسي من وراء الاهتمام بدراسة الإدارة المحلية بمختلف أبعادها ومجالاتها وتحدياتها. ونأمل من خلال هذه السلسة من الدراسات وأوراق السياسات أن نقدم لدوائر صناعة القرار المصري إنتاج معرفي وفكري يساهم في الوصول إلي الشكل الأمثل من نظام الإدارة المحلية بسمات ديمقراطية وصلاحيات قانونية تساهم في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق أهداف الدولة المصرية في وجود مجتمع يتمتع بحياة كريمة في ظل سيادة القانون وإحتراما لحقوق الانسان كما أقرتها الإستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان الصادرة في سبتمبر 2021.
تعتبر الإدارة المحلية الحلقة الوسيطة التي تربط بين الحكومة المركزية والمواطن، فهي تساهم من خلال المهام التي تقوم بها والصلاحيات المخولة لها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، وتكمن أهمية الإدارة المحلية في تحقيق التنمية المستدامة من خلال توسيع فرص المشاركة في وضع الخطط والكشف عن متطلبات المجتمع المحلي وممارسة الحكم الرشيد، إضافة إلى إدارة الموارد المحلية وترشيدها في ظل ممارسة نشاط اقتصادي محلي يوظف الموارد المتاحة، ويوفر المتطلبات الضرورية لأفراد المجتمع دون الجور علي مقدراته.
ظهرت الإدارة المحلية كنظام في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كنتيجة طبيعية للتوسع الكمي في وظائف الدولة الحديثة وواجباتها، وعلى الرغم من وجود دول وأنظمة تأخذ بهذا الشكل من أشكال الحكم منذ قرون فلم يتم التأصيل لمصطلح «الإدارة المحلية» بشكل قانوني إلا في القرن التاسع عشر. وقد كانت إنجلترا أول من طبق نظام الإدارة المحلية في أوروبا على إثر صدور قانون الإصلاح الإداري في عام 1832، فيما كانت مصر أول الدول العربية تطبيقًا لهذا النظام.
وترى الأمم المتحدة أن الإدارة المحلية نظامٌ من نظم الإدارة العامة، وهي وسيلة إدارية لمعاونة الحكومة المركزية على أداء رسالتها بصورة أكثر فاعلية وكفاءة،
وهي بذلك تحث على نقل بعض الاختصاصات والصلاحيات من الحكومة المركزية إلى المحليات لمواجهة مسؤولياتها في إطار توزيع الأدوار الوظيفية وتقسيم العمل بين المستويين المركزي والمحلي.
والإدارة المحلية تقوم على مجموعة من الأُسس أهمها:
1. تمتعها بالشخصية الإعتبارية: وهو الأساس الذي يحدد استقلال الإدارة المحلية عن الحكومة المركزية، ويجعلها معترفًا بها، ويعطيها الحق في ممارسة أنواع التصرفات القانونية بالتعامل كافة، وفي اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وأن يكون لها ذمة مالية، وأن تكون مستقلة عن منشئيها والمنتسبين إليها، وشخصية معنوية تقاضي الغير أمام القانون.
2. تتجسد في مجالس محلية منْتَخَبة: وهو اختيار هيئات محلية عن طريق الانتخاب وفق معايير محددة تمثلهم أمام وحدات الحكومة المركزية.
3. إدارات محلية خاضعة للحكومة المركزية: إشراف الحكومة المركزية ومراقبتها لعمل الإدارة المحلية حتى تضمن سير العمل وفق الأهداف العامة والسياسات التي تلبي احتياجات السكان المحلية، وفق نصوص قانونية تحدد المهام.
وللإدارة المحلية في أي دولة عدة أهداف تسعى الي تحقيقها:
• أهداف سياسية: تتمثل الأهداف السياسية للإدارة المحلية في اختيار ممثلي السكان المحليين، عن طريق الانتخابات لتمثيلهم وتعزيز الديمقراطية والمشاركة لتسيير شؤونهم واتخاذ قرارتهم، مما يكسبهم خبرة سياسية في إدارة الشأن العام وتحقيق التكامل القومي والوحدة الوطنية واحتكار جهات سياسية معينة للعمل السياسي.
• أهداف إدارية: وتتمثل الأهداف الإدارة في القضاء على بيروقراطية الإدارات المركزية الحكومية وتحقيق الكفاءة الإدارية، وخلق جو من التنافس بين مختلف الجماعات المحلية واستفادتها من تجارب بعضها البعض.
• أهداف اجتماعية: تتمثل في ربط الحكومة المركزية بقاعدتها الشعبية، وتساهم في ترسيخ الثقة بالمواطن واحترام رغباته في المشاركة بإدارة الشأن العام، وهو ما ينعكس إيجابًا عليهم، وينمي الإحساس بالانتماء للوطن لدى المواطنين.
ومما سبق ولأهمية قضايا الإدارة المحلية أطلق مركز جسور برنامجا لدراسات الإدارة المحلية سيشتمل علي دراسات وأوراق سياسات تناقش المجالات التالية ويمكن أن يتوسع ليشمل عدد أخر من المجالات وفق رؤية وحدة دراسات السياسات العامة لتطور البرنامج ومساهمات الخبراء والباحثين فيه:
• نظام الإدارة المحلية التنفيذية من حيث الهيكل والصلاحيات وإشكاليات التداخل مع باقي الوزارات
• المجالس المحلية الشعبية المنتخبة
• الإطار التشريعي لنظام الادارة المحلية تحدياته وطموحاته
• اللامركزية بين واقعية التنفيذ في مصر وحدودها وتحدياتها
• المحافظ المعين أم المنتخب ونطاق المسائلة من قبل المجالس المحلية الشعبية المنتخبة
• التجارب الإقليمية في نظام اللامركزية
• التجارب الدولية في نظام اللامركزية
بهذا التقديم يبدأ مركز جسور للدراسات الاستراتيجية تنظيم مجموعة من جلسات الحوار المنتظمة التي تتناول قضايا تمس الشأن العام الداخلي والخارجي، وسوف نبدأ اولي جلسات الحوار بمناقشة ورقة سياسات «الإدارة المحلية في مصر: مدخل لإستشراف نظام الإدارة المحلية في ظل تحديات الوضع الراهن ومتغيرات المستقبل» أعدها الاستاذ / عبد الناصر قنديل خبير النظم البرلمانية ودراسات المجتمع المدني ونائب رئيس مركز جسور والمشرف علي وحدة دراسات السياسات العامة. وورقة السياسات مدخل لدراسة موضوعية حول نظام الإدارة المحلية يمكن البناء عليها وفق الأطروحات التي عرضنا لها لبنية البرنامج البحثي الذي نستهدف تحقيقه خلال العام الحالي 2022 ومعادوة طرحة في فاعليات سوف يقوم بتنظيمها مركز جسور لمناقشتها مع مختلف دوائر صناعة القرار.
هاني ابراهيم
رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية
عضو المجلس القومي لحقوق الانسان
سبتمبر 2022