إعداد: رامز الشيشي
كاتب وباحث سياسي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وُجِهَتْ السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي للسعي إلى التعزيز من مصالحه في النظام الدولي ثنائي القطبية إلى أن انتهت تلك السياسة بالفشل نتيجة التهاون في المصالح الوطنية السوفيتية وذلك نتاج اتحاد عوامل عديدة، أبرزها ضعف الاقتصاد السوفيتي، ووصول قادة غير قادرين على تلبية متطلبات ذلك الوضع القيادي… وهكذا، فإن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي المُنهار حاولت الاستفادة من أي فرصة من أجل تعزيز مكانتها من جديد في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام ١٩٩١. فقد مثلت ثورات الربيع العربي أو ما يُطلق عليها “بالياسمين” فرصة لروسيا من أجل تعزيز تواجدها كقوة عظمى، وظهر ذلك في تدخلها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وخاصةً سوريا. ونتيجة لهذا، كان التدخل الروسي في سوريا عام ٢٠١٥ خطوةً غير مسبوقة في تعزيز دورها على الصعيد الدولي والإقليمي من خلال تصوير نفسها كوسيط. “فلقد تمسكت روسيا بالاضطرابات في الشرق الأوسط، وسلطت الضوء على ما تعتقد أنه إخفاقات في السياسة الغربية وعدم موثوقية لكثير من دول الشرق الأوسط، لتقديم نفسها كبديل موثوق به لقادة الشرق الأوسط”.
وفي هذا السياق، لابد من التساؤل حول أبعاد الدور الروسي في سوريا أعقاب ثورات الربيع العربي الذي ازداد أهميةً بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢؟
بداية، وحتى يُمكن فهم الدور الروسي في روسيا يجب أولًا فهم نظرية الدور في العلاقات الدولية، وكذا نظرية تحول القوة لأورجانسكي؛ للوقوف على أبعاد ذلك الموضوع.
إن كلمة الدور نفسها تعود في علم الاجتماع الغربي مُنطلقة من أسس اجتماعية سيكولوجية خالصة، وذلك حتى يُمكن فهم وتحليل موقع الفرد وتأثيره في السياسة الداخلية والعالمية. فالدول تعتمد بشكل كبير على سياسات وسلوكيات صناع ومُتخذي القرار السياسي. ولذلك، تتعدد التعريفات المقدمة لذلك المصطلح، حيث عرف ستيفن والكر “الدور” Role“بأنها تصورات واضعي السياسات الخارجية Policymakers لمناصب دولهم في النظام الدولي.”
وفيما يتعلق بنظرية تحول القوة الذي تم تعريفها من قِبَلْ الأكاديمي الإيطالي أبرامو أورجانسكي، حيث وصف النظام الدولي بأنه قائم على التسلسل الهرمي. ورأى أنه نتيجة تلك الطبيعة الهرمية للنظام الدولي، فإنه سيكون هنالك قوة مهيمنة تتحكم في مُجريات وسياسات هذ النظام. وأكد على أهمية رضا باقي الدول في النظام الدولي عن القوة المهيمنة كأداة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الوضع الراهن للنظام الدولي. كما أكد أيضًا على العلاقة بين التسلسل الهرمي والوضع الراهن والسلطة في النظام الدولي، فالقوى العظمي تسعى بلا كلل لتحل محل القوي المهيمنة في النظام الدولي لا سيما إذا كانت غير راضية عن الوضع الراهن. وبالتالي، يجب أن يكون لدي تلك القوى العظمي المؤهلات التي تتضمن لها ذلك كالقوة الاقتصادية والعسكرية التي تساعدها على تحدي القوة المهيمنة وتغيير ميزان القوى لصالحها. وبالتطبيق على الحالة الروسية، نجد أن كلًا من نظرية الدور، تحول القوة مُلائمتان تمامًا لتحليل الحالة الروسية، خصوصًا وأن المؤهلات التي تتمتع بها روسيا تم توظيفها بشكلٍ مرنٍ لا لبس فيه منذ تدخلها العسكري في سوريا عام ٢٠١٥ وحتى الآن في التعزيز من نفوذها، وتقويض النفوذ الأميركي في المنطقة لاسيما في ظل تصاعُد حِدة الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة.
١.الشرق الأوسط فرص وتحديات
لعبَ الشرق الأوسط دورًا هامًا في السياسة الخارجية الروسية منذ الحرب العالمية الثانية. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تراجعت أهمية الشرق الأوسط كأولوية للسياسة الخارجية الروسية بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لروسيا سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. وعندما وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة في ٧ مايو عام 2000، كان هدفه الرئيسي هو إعادة روسيا كقوة عظمى في المجال الدولي “فلقد تصرف الاتحاد الروسي في عدة سيناريوهات، ومنذ عام 2000، مع فلاديمير بوتين، كان هدفه الرئيسي هو تعزيز مكانة دولته كقوة عظمى، من أجل العودة إلى الحِقبة السوفيتية المجيدة. فتعظيم السلطة والسعي لتحقيق الأمن الداخلي أمران أساسيان لأن هناك نظامًا دوليًا في حالة فوضى دائمة”.
ومن أجل تحقيق تلك السياسة الخارجية، عمل بوتين منذ وصوله للسلطة في مايو ٢٠٠٠ على التركيز على أهمية تحقيق التنمية الوطنية لضمان تحقيق سياسة خارجية طويلة الأجل “السياسة الخارجية في الفضاء الخارجي هي في النهاية امتداد وانعكاس للسياسة الداخلية حيث إن كليهما موجه بشكل أساسي للحفاظ على الاستقرار السياسي لروسيا”. وكان من أبرز نتائج تلك السياسة، هو السعي لتكريس النفوذ الروسي على دول أوروبا الشرقية سواء عن طريق سياسة الترغيب أو الترهيب (الحرب الروسية الجورجية) أو كلاهما معًا. وبالتوازي مع ذلك، يمكن تفسير العزوف الروسي مطلع القرن الحادي والعشرين عن الشرق الأوسط. فلقد وجهت روسيا تركيزها نحو أوروبا الشرقية لأنها شملت الدول التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي كقوة دفع تُمكن روسيا من تحدى ومواجهة الولايات المتحدة أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي وتحقيق نفوذها عن طريق التدخل عسكريًا في الدولة السورية 30 سبتمبر ٢٠١٥.
٢.أبعاد الدور الروسي في سوريا
شكلت الضربات الجوية الروسية في سوريا في عام 2015 نقطة تحول في سياستها الخارجية، وبالاستفادة الكاملة من الفراغ الذي أحدثته سياسة الرئيس أوباما في التدخل لإسقاط نظام الأسد بعد الحرب الأهلية السورية. ولهذا، تدخلت روسيا للقيادة مما يشير إلى التزام موسكو الجديد بالمشاركة وتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعمها لنظام الأسد الموالي لها. ولتحديد الدور الروسي في سوريا سيتم التركيز على أربعة أبعاد هي: الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وفيما يتعلق بالبُعد الأمني، هدفت روسيا إلى الحد من التهديدات الأمنية التي تقوض استقرارها خاصة بعد الانتفاضة العربية التي أدت إلى عدم استقرار النظام الدولي. وبالتالي، فإنه يمكن أن يؤثر على الاستقرار الروسي لاسيما وأن تلك الانتفاضات كانت تهدف إلى التحول الديمُقراطي الذي نشدته الولايات المتحدة الأمريكية في الثورات الملونة؛ الأمر الذي كان من شأنه توفير فرصة وبيئة ملائمة لتصدير تلك الثورات للداخل الروسي وتهديد الأمني القومي. فهناك شعور روسي تقليدي وغريزي بانعدام الأمن؛ حيث ينظر الرئيس الروسي بوتين إلى بقية العالم على أنه عدائي وهذا يوفر ذريعة “للديكتاتورية” التي بدونها لا يستطيع إحكام قبضته على الداخل الروسي.
ويتمثل البُعد الاقتصادي ممثلة في تأمين موارد الطاقة الروسية التي تحصل عليها من سوريا والتي تزيد من النفوذ الروسي عمومًا في النظام الدولي.
ويشمل البُعد السياسي مخاوف روسيا من سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الهادفة إلى تحجيم الصعود الروسي، وكذا السعي من جانب آخر إلى سد حالة الفراغ الذي تركته واشنطن في المنطقة بشكل نسبي بعد ثورات الربيع العربي. وعلاوةً على ذلك، فإن أهمية سوريا بالنسبة لروسيا ممثلة في البُعد العسكري لأن روسيا لديها استثمارات ضخمة تُقدر ب ٥٠٠ مليون دولار (القاعدة البحرية الروسية) في ميناء طرطوس. وتساعد هذه القاعدة روسيا على فرض نفوذها في المنطقة سواء عسكريًا أو لمكافحة الإرهاب في المنطقة. وبناءً على ذلك، فإن سوريا مهمة للمصالح الجيوسياسية لروسيا. فقد قدمت سوريا من قبل الدعم السياسي لروسيا في الحرب في جورجيا والشيشان، وحديثًا الدعم السوري للموقف الروسي بصدد المناطق الانفصالية في “إقليم دونباس”.
٣.ابتزاز جيوسياسي
تعمل روسيا بلا كلل على استخدام النظام السوري كأداة طيعة لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة. وبالتالي، فإن انهيار نظام الأسد سيؤدي إلى خسائر كبيرة لروسيا اقتصاديًا وجيوسياسيًا، بل أكثر من ذلك فإنه مع تزايد حِدة وتداعيات الأزمة الأوكرانية فمن المتوقع أنْ يُشجع ذلك روسيا على ابتزاز الغرب جيوسياسيًا والسعي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والتحول إلى القوة الإقليمية المُهيمنة في المنطقة، وهي الأهداف التي تتقاسمها مع إيران لاسيما في ظل فشل مفاوضات فيينا، وفشل الغرب عامةً في الوصول إلى تسوية مع الجانب الإيراني.
وختامًا لذلك، قد يبدو من الأهمية بمكان طرح تساؤلًا حول مدى فاعلية القمة العربية المرتقبة في الجزائر؟ فسوريا وقضايا المنطقة العربية قاطبة من المحيط إلى الخليج تتحول من سئ إلى أسوأ، ولم يكن من الممكن أن يكون ذلك الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي سواء في (فلسطين، لبنان، ليبيا، اليمن، سوريا، العراق) أكثر دلالةً عن الحالة العربية بشكل عامٍ، وتجسيدًا واقعيًا للتساؤل عن واقع العرب في وجود ما يُدعى بالنظام الدولي.