إعداد : عاطف دبل
باحث فى العلوم السياسية
بعد إعلان ضم مناطق جديدة للاتحاد الروسي، تدعو موسكو للمفاوضات بينما تواصل القوات الأوكرانية، مدعومة بمساعدات الغرب، زحفها لاستعادة أراضيها، وعلى جانب آخر تعاني الجماعة الدولية أزمات الطاقة والغذاء.
آخر ما صلت إليه “العملية العسكرية“
الجمعة 30 من سبتمبر الماضي، خرج الرئيس بوتين يعلن ضم أربع مناطق أوكرانية للاتحاد الروسي، وهو ما يشير إلى مضي الروس في تحقيق أهدافهم من “العملية العسكرية” بغض النظر عن نتائج المعارك الأخيرة، كانت موسكو ترعى استفتاء حول انضمام مناطق لوهانسك ودونيستك من شرق اوكرانيا بالإضافة إلى زاباروجيا وخيرسون في الجنوب، وجاءت الأصوات تدعم الانضمام للاتحاد الروسي برغم التنديد الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة واوكرانيا وعدم اعتراف بالاستفتاء من الأساس. سيناريو يعيد الأذهان للعام 2014 الذي تم فيه ضم شبه جزيرة القرم، كان حفل إعلان ضم المناطق الجديدة يحمل الكثير من الرسائل، والتي منها أن النصر كان حليف الروس بوجه عام وأن “العملية العسكرية” باتت تحمل شرعية بشكل ما، وكذلك من حق القوات الروسية التقدم للدفاع عن هذه المناطق الجديدة، وأن الاعتداء عليها هو اعتداء رسمي على روسيا، والذي لن يتطلب “عملية عسكرية” أخرى بل حرب تكون فيها كل الأدوات متاحة.
من يجلس أولا على طاولة المفاوضات؟
في خطاب الرئيس بوتين والذي وقع فيه على وثيقة ضم المناطق الأربعة، دعا كييف لوقف العمليات القتالية وبدء التفاوض، وكأنه يعلن أنه امتلك الأدوات اللازمة لعملية التفاوض ويعطي فرصة لنهاية “العملية العسكرية”، الأمر الذي يعني عملية تبادل للأدوار، فتصبح روسيا في موقف المدافع عن أراضيها أمام الاعتداءات والراغبة كذلك في الحل السلمي عبر التفاوض، ويضع حكومة كييف وداعميها في موقف المعتدين أرباب الحروب. الضغوط تلاحق العالم من أجل إنهاء هذه الحرب، أزمة الطاقة الأوروبية وأزمة الغذاء واللتان تمثلان السبب الرئيسي في التضخم العالمي، والذي يهدد استقرار الدول وبخاصة ذوات الاقتصادات الناشئة، فيجعل حكومات هذه الدول في مهب احتجاجات واسعة تضيف أسباب أخرى للتضخم، بما يزيد مطالب الجماعة الدولية لإنهاء الحرب والوصول لمرحلة المفاوضات.
موقف الولايات المتحدة
تستمر واشنطن في التنديد في غير موضع بالاعتداء الروسي على اوكرانيا وتستمر كذلك في الدعم العسكري لكييف، فترسل حزمة المساعدات العسكرية تلو الأخرى، وهو ما يشير لرغبة الولايات المتحدة في أن يطول أمد الحرب لأطول فترة ممكنة وذلك لانهاك القوة العسكرية والاقتصادية لروسيا والتي تعتبر القوة العسكرية الثانية في العالم والوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي والمهددة للنفوذ الأمريكي. لكن عند أي حد ستظل موسكو تقبل هذه الاستفزازات؟، فإذا وجد الروس أنفسهم في موضع هزيمة، ستكون كل الخيارات مفتوحة بما في ذلك الخيار النووي، وهو ما حذر منه بوتين واستخدمه أكثر من مرة للتهديد.
الموقف الأوروبي
اتخذت القوى الأوروبية مع الولايات المتحدة موقف الدفاع عن اوكرانيا من اليوم الأول، وكذلك اجتمعوا على فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، والموقف الحالي يجعل هذه القوى بين شقي الرحى، فإما يظل الأوروبيين على موقفهم الداعم لكييف وذلك لتخوفهم أن تتسع الطموحات الروسية وينتقل سيناريو أوكرانيا لدول أخرى لكن هذا الطريق يجلب عواقب جمة، حيث أن أزمات الطاقة والغذاء قد تفجر سخط الشعوب في أي لحظة وتطيح بالحكومات وتعصف بالاستقرار، أما الطريق الآخر فهو الجلوس على طاولة المفاوضات والتخلي عن اوكرانيا، وهو الأمر الذي قد يحدث تضارب داخل كياني حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن النقطة التي وصلت لها القوات الروسية لن تتراجع عنها إلا بحروب تكون أسلحة الدمار الشامل حاضرة فيها، كما أن إطالة أمد الحرب وإن كان لحساب مصلحة إحدى الدول، فإنه بمثابة الكارثة على العالم أجمع، لذلك على الأوروبيين تحكيم طاولة المفاوضات والعودة للحلول السلمية في أسرع وقت، مهما كان ذلك مكلفا، وعلى حكومات الدول وبخاصة النامية منها صياغة خطابات سياسية أكثر دقة لإثراء وعي الشعوب بالكوارث التي كان سببها الرئيس هذه الحرب، وذلك حتى لا ينقلب بهم الحال لفوضى تفاقم الأزمات.