إعداد: اليان بطرس
باحثة فى العلاقات الدولية
دخلت المملكة المتحدة في حالة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية خلال الفترة الأخيرة ومنذ تولي ليز تراس رئاسة مجلس الوزراء وهو ما أتضح في سياستها الاقتصادية خلال فترة توليها المنصب لفترة قصيرة حوالى 7 أسابيع، نظرًا لسياستها في خفض الضرائب وغيرها من الإجراءات الاقتصادية وهو ما اغرق الاقتصاد البريطاني وادخلها في دوامة كبيره أودت بانخفاض سعر الجنية الإسترليني، هذا الانحدار في الأوضاع دفع حزب المحافظين لرفض ليز تراس وسياستها الاقتصادية حتى انتهى الامر باستقالتها وتولي ريشي سوناك رئاسة الوزراء مدفوعًا من حزب المحافظين متأملين فيه أن يضع سياسته الإصلاحية لينقذ الاقتصاد البريطاني، من هو ريشي سوناك وما يخبئه تاريخه؟ وما هي أبرز المحطات في حياته العملية؟ وكيف ستكون سياسته الإصلاحية؟ وهل سيدعم أوكرانيا بالمزيد؟
كل هذه التساؤلات نحاول الإجابة عليها في هذا التقرير الصادر عن أحد وحدات مركز جسور للدراسات الاستراتيجية.
أصول رشي سوناك:
ريشي سوناك هو أول رئيس وزراء للمملكة المتحدة من أصل هندي وشديد الثراء وهو رئيس الوزراء رقم 57 للملكة المتحدة حيث تم تولية المنصب في 25 أكتوبر 2022 وهو اصغر شخص تولى هذا المنصب منذ قرنين من الزمان، ولد سوناك عام 1980 منطقة ساوث هامبتون بالمملكة المتحدة وهو الابن الأكبر لوالديه من بين ثلاثة أطفال ويعمل والديه في إطار الخدمات الصحية حيث تعمل والدته كصيدلانية ووالده طبيب وولد كل منهما في تنزانيا وكينيا، أصوله هندية لأن أجداده من منطقة بنجاب شرق باكستان وشمال غرب الهند بعد أن أنتقل الجد إلى شرق افريقيا بحثًا عن أوضاع معيشية أفضل لكن بسبب أصولهم الهندية ووسط الاضطرابات في هذه المنطقة ضد الهنود حينها دفعهم هذا للانتقال إلى المملكة المتحدة للعيش هناك.
التاريخ العلمي والمهني لريشي سوناك وأهم المحطات في حياته:
منذ طفولته كان ناشط بشكل كبير حيث تولى الصحيفة المدرسية أثناء الدراسة في أحد أقدم المدارس الداخلية في إنجلترا وهو ما ساهم في تشكيل شخصيته وافكاره ووضعه في حالة من المسؤولية والقيادة، وتخرج سوناك من جامعة أوكسفورد في عام 2001 دارسا للفلسفة والسياسة والاقتصاد وهذا الدمج المعرفي يفسر كيف أصبح سوناك رئيس وزراء وهو في سن الشباب، التحق بجامعة ستانفورد ليحصل على ماجيستير في إدارة الاعمال وعمل بعدها كمحلل في أحد بنوك الاستثمار العملاقة.
ونظرًا لتفوقه في هذا المجال تلقى عدد من عروض العمل وهو في سن الثانية في جامعة أكسفورد حيث عمل في شركات مصرفية استثمارية كبيرة حتى عام 2004 ، ومع الوقت تحول اهتمام سوناك إلى السياسة من بعد عام 2006 ، حيث تولى في هذا العام إدارة صندوق استثمار وتزوج عام 2009 ولدية ابنتان، ولكن تدور كثير من علامات الاستفهام حول ثراء زوجته الشديد والتي لا تقع ثروتها تحت الطائلة الضريبية لان القانون في المملكة يفرض ضرائب فقط على الأموال المكتسبة داخل الدولة وهي بالأساس هندية وبالتالي موطنها الأصلي هو الهند وهي ابنه ملياردير وصاحب أكبر شركات تكنولوجيا في الهند وتقدر ثروة سوناك وزوجته بنحو 730 مليون جنية إسترليني وهو ما يمثل ضعف ثروة الملك تشارلز الثالث.
في عام 2010 حينما بدأ بالعمل في حزب المحافظين وعمل في مؤسسة بحثية حتى وصل الى منصب رئيسا لوحدة الأقليات العرقية وفى عام 2014 أصدر المركز كتابا كتبة سوناك مع أحد الباحثين بعنوان ” صورة بريطانيا الحديثة” ومنذ عام 2015 وحتى عام 2017 كان عضوًا في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية وسكرتيرًا برلمانيًا خاصًا في وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية. كتب تقريرًا لاحد مراكز الدراسات السياسية يدعم فيه إنشاء موانئ مجانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفى تقريرا اخر يدعو إلى إنشاء سوق سندات التجزئة للشركات الصغيرة والمتوسطة وجاءت هذه التقارير خلال عام 2016.
تم اختيار سوناك عام 2014 كمرشح عن حزب المحافظين قبيل الانتخابات العامة، وتطورت حياته السياسية بجانب جونسون بعد دعمه له بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد ان كتب عديد الأوراق في مفاوضات تدعم تيريزا ماي عين بعدها في 2018 وزيرا للإسكان، شغل منصب وكيل الوزارة البرلماني من يناير 2018 إلى يوليو 2019. وجاءه دورة بعدها في دعم جونسون حتى أصبح جونسون رئيس وزراء في 2019 وبناء على مجهوداته تم ترقيته حينها ليتقلد منصب وزير الخزانة ثم وزيرا للمالية ومستشارا في عام 2020.
عرف سوناك بارتباطه بحزمة اقتصادية كانت تحاول أن تنقذ الاقتصاد البريطاني وهو في منصب وزير المالية السابق خلال أزمة كورنا ووضع حينها برنامج يتجنب من خلاله زيادة اعداد البطالة ويدعم بشكل أكبر الموظفين والشركات وذاع صيته في هذه الفترة بشكل كبير، وبالرغم من هذا تعرض سوناك لهجوم شديد لأنه لم يقدم دعما معيشيا كافيا للأسرة البريطانية، وسبق وان تعرض للغرامة مع بوريس جونسون نتيجة انتهاكه لقواعد إغلاق كورونا.
بحصول سوناك المركز الأول خلال خمسة أعوام داخل البرلمان ساعدة هذا في التأهل لهذا المنصب إلى ان وصل امام ليز تراس وحصل على 43% من الأصوات ويبدوا أنه إعتاد أن يربح بمنصب الدرجة الأولى حتى حققه الآن، كخطوة طبيعية لشخص يتصدر الساحة وتلتفت إليه الاعين داخل الحزب والبرلمان، وبالرغم من خسارته أمام ليز تراس لكنه كان شديد الرغبة في تولى هذا المنصب وهو ما حدث بالفعل حيث ندد بسياستها الاقتصادية حتى اقتنع الحزب بضرورة وجوده هو في هذا المنصب فبعد استقالة ليز سترس أصبح الموقع متاح ليملئ فراغه سوناك .
قضايا في موضع اهتمام ريشي سوناك:
أهم قضاياه الذي وعد بحلها هي الهجرة غير الشرعية بالرغم من انه من أصول مهاجره بالبحث في ملف ريشي نجد أنه كان يصوت على معظم القوانين التي تدعم تقليص أعداد المهاجرين وهو شديد الحدة مع المهاجرين القادمين إلى بريطانيا حيث خصص جزء كبير من التمويل أثناء إدارته لوزارة الخزانة لدعم كل إجراءات منع وصول المهاجرين ويرجع هذا التوجه لحرصه على كسب الأصوات المحافظة واليمينية بشكل أكبر.
الأزمات الداخلية التي تواجه سوناك : عدد من الأزمات التي تواجه سوناك داخليًا من بينها أزمة فواتير الطاقة التي أصبحت عبء على كاهل الأسرة في بريطانيا ومع نقص إمدادات الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية تزداد حدة المشارك في هذا الشتاء على بريطانيا بشكل كبير، النقطة الثانية هي أزمة المعيشة بعد ارتفاع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه والمتوقع أن ترتفع بشكل أكبر.
قد يضطر سوناك لعمل إجراءات خفض الدين العام وبالتالي سيتأثر المواطن بشكل كبير وتزداد حدة الفقر، بالإضافة لعدد من الإجراءات المالية التي قد تزيد من الخناق على المواطن نتيجة ارتفاع حجم التضخم والركود بشكل أكثر تأثيرًا، وعلى عاتقه تحسين صورة بريطانيا أمام المستثمرين مره اخري في محاولة لإنقاذ الوضع الاقتصادي، أيضًا هناك تحدي أمام سوناك ليثبت أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان الخيار الأنسب.
يتعين على سوناك حل الأزمات الداخلية والانشقاقات داخل حزب المحافظين الذي ينتمي إليه بشكل سريع حتى لا تنهار الأسس والقواعد التي يقود بها الحزب، سبق وأن حذر سوناك من خطة ليز تراس التي كانت ستجر الدولة إلى منحدر اقتصادي كبير وهو ما أدى إلى التعجيل باستقالتها ولهذا السبب ستكون السياسة الاقتصادية هي أبرز وأهم أولويات سوناك الفترة القادمة.
خاتمه:
فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية تعهد سوناك بدعمة للعقوبات الاقتصادية على روسيا ولكنة في ذات الوقت رفض التدخل العسكري، وسياسته الاقتصادية الإصلاحية تشير إلى أن هناك مجموعة من الإجراءات القاسية التي سوف يتخذها سوناك من أجل الخروج من تلك الأزمة وبالتالي من الغير متوقع أن يصرف سوناك كثير من الأموال في دعم أوكرانيا ودولته تمر بحالة من الاضطرابات التي تعيق من تقدمها واستمرارها، إذا نعم هناك دعم لأوكرانيا لكنه دعم محدود.
كون أن سوناك من أصول هندية وغير بريطانية يدفعه هذا لإثبات الولاء والوطنية للدولة التي وجد وترعرع فيها وبالتالي ستكون قرارات سوناك تجاه الهجرة والمهاجرين شديدة الحده حتى لا يتهم بالتعاطف نظرًا لانتمائه لأصوله الهندية أو لان عائلته بالأساس من المهاجرين ولكن هذا الملف الآن ليس هو الأولوية، فالوضع الاقتصادي يفرض على الجميع أن تكون سياسة الإصلاح الاقتصادي هي الأولوية.
المأزق الثاني بالنسبة لسوناك هو كونه من أغنياء المملكة المتحدة فكيف سيخرج أمام المواطنين ويدعوهم للتقشف والالتزام بالإجراءات الإصلاحية وهو شخص مرفه ومبالغ حتى في العلامات التجارية التي توضع على ملابسة، كما سبق الإشارة إلى حجم ثروته وثروة زوجته.