إعداد : اليان بطرس
مديرة برنامج دراسات العلاقات الدولية
“زمن الكراهية قد ولى “ أحد كلمات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، حيث استأنفت الحكومة الفنزويلية 26 نوفمبر 2022 مفاوضاتها مع المعارضة، بعد أن جاءت هذه المفاوضات وفقًا لمذكرة التفاهم الموقعة في 13 أغسطس 2021 في مكسيكو سيتي وبرعاية نرويجية، تضمنت هذه المفاوضات الاتفاقية الجزئية الثانية لحماية الشعب الفنزويلي والتي تطرقت إلى مختلف المجالات من صحة وتعليم وغذاء وكهرباء والاهتمام بحالات الطوارئ الطبيعية التي تحدث خاصة بعد الفيضانات التي تعرضت لها فنزويلا واثرت بشكل كبير على تلبية احتياجات الشعب الفنزويلي.
وتُعد هذه الاتفاقية خطوة نحو تعزيز آلية عملية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية واستعادة الموارد والممتلكات المشروعة للدولة والتي قُيدت نتيجة العقوبات الامريكية، وخلال هذه المفاوضات اتفق الطرفان على مواصلة العملية التفاوضية خلال شهر ديسمبر 2022 لمعالجة بعض الأمور السياسية التي تضمن استقرار الأوضاع في فنزويلا حتى انتخابات حرة نزيهة في عام 2024.
محتوى الاتفاقية الجزئية الثانية وانعكاساتها على الداخل
نصت الاتفاقية على انشاء مجلس وطني للرعاية الاجتماعية بما يشمل تنشيط النظام الوطني للصحة العامة وتحسين تقديم الخدمة والتوسع في برامج الغذاء لعالمية والكهرباء وكل ما يتعلق بالبنية التحتية، ويحتوي الاتفاق على ضرورة انشاء صندوق ائتماني يسمى صندوق الحماية الاجتماعية بالإضافة إلى مجموعة خاصة تقوم بتحديد وتقييم الاثار التي ترتبت على ما اتخذه النظام المالي العالمي من تدابير وعقوبات على موارد واصول فنزويلية.
تدفع هذه الاتفاقيات الحالة الاجتماعية للشعب الفنزويلي إلى الأفضل حيث عانى من ويلات العقوبات وافتقر إلى الحصول على أدنى حقوقه الاجتماعية المعيشية، وبالتالي الاهتمام بالصحة والتعليم والغذاء هي أولويات تلك الاتفاق وهي بالأساس أولويات المواطن الفنزويلي.
رد الفعل الأمريكي على استئناف المفاوضات
نتج عن هذه المفاوضات عدد من المكاسب حيث أعطت الولايات المتحدة الامريكية الضوء الأخضر بإصدار مكتب مراقبة الأصول بوزارة الخزانة الامريكية ترخيص يصرح لشركة شيفرون وهي ثاني أكبر شركة نفط في فنزويلا باستئناف عملية استخراج الموارد الطبيعية (النفط) في فنزويلا والشركات التابعة لها والتي تتضمن شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة والتي تسمى (PDVSA) بشرط ان لا تحصل على أرباح من أنشطة الشركة الأمريكية، وهي تعد أحد خطوات تخفيف جزئي للعقوبات الامريكية على فنزويلية. وتستهدف هذه الاتفاقية استرداد حوالي 3000 مليون دولار تم تجميدها في بنوك النظام الدولي نتيجة سلسلة العقوبات التي فرضتها عدة دول في محاولة للتضييق على النظام الفنزويلي الحالي.
وعلقت الولايات المتحدة على هذه الخطوة أنها تأتي في إطار دعم الخطوات الملموسة التي تقوم بها فنزويلا بما يدعم استعادة الديمقراطية وتمهيدًا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة يتم احترام حقوق وحريات الشعب الفنزويلي فيها.
أسباب تقدم المفاوضات في المكسيك
الجدير بالذكر ان هذه المفاوضات ليست الأولى من نوعها بل سبقها عدد من المفاوضات فشل وتعثر بعضها وتوصل البعض منها لحلول ولكن مسيرة المفاوضات الأخيرة اعطتنا مزيد من الأمل، حينما جرت المفاوضات 2021 أي منذ عام في مكسيسكو سيتي وهي ذات المفاوضات التي يتم استئنافها حاليًا. حيث كانت تبشر بالنجاح لعدد من الأسباب أهمها رغبة الولايات المتحدة في حلحلة الأمور بين الحكومة والمعارضة خاصة بعد تراجع علاقة الولايات المتحدة مع المعارضة، ثانيًا ان الرعاية النرويجية التي تتداخل في الحوار مدعومة من عدد من القوى الدولية من بينها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي إلى جانب تميز النرويج على مدار تاريخها في قدرتها على إنجاح المفاوضات، بالإضافة إلى دبلوماسية المكسيك وهي الدولة المستضيفة لتلك المفاوضات، ثالثًا القوى الإقليمية تدعم بشكل كبير إنجاح تلك المفاوضات واستقرار المنطقة بعد استحواز اليسار على أغلب المقاعد الرئاسية في المنطقة. ويزيد على ذلك الحالة الاقتصادية الداخلية لفنزويلا تدفع كافة الأطراف للبحث عن مزيد من الحلول واستغلال جميع الفرص المتاحة لإنقاذ الدولة من الانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه عدد من الازمات من بينها العقوبات الامريكية وأزمة كوفيد 19 وتفاقمت الأمور بقيام الحرب الروسية الأوكرانية التي جلبت مزيد من المشاكل الاقتصادية علاوة على ذلك الاثار المدمرة للتغيرات المناخية والتي تحتاج إلى مواجه قوية حتى تستطيع الدولة حماية مواطنيها من اثار الفيضانات والسيول وغيرها من الظواهر التي تحتد يوم تلوا الاخر وسط حالة من التردي في الأحوال المعيشية.
خلاصة القول
تواصل الحكومة الفنزويلية تحركاتها بشأن إيجاد حلول مع المعارضة بشكل اكثر جدية لإنقاذ الشعب الفنزويلي من الازمات التي يعاني منها، ووجدت الولايات المتحدة هذا التفاهم بين الحكومة والمعارضة أحد السبل التي تدعمها لتخفيف حدة العقوبات والسماح للشركات باستخراج النفط ليس رأفة بالأوضاع الفنزويلية بل لحاجة الولايات المتحدة وأوروبا للنفط الفنزويلي الذي يوازن غياب النفط الروسي من الأسواق بعد قيام الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يفسر إنجاح القوى الدولية لهذه المفاوضات برغم فشل المفاوضات السابقة، فالولايات المتحدة التي تسعى لخفيف العقوبات اليوم هي بالأساس من تسبب في انهيار البنية التحتية في فنزويلا ومازالت مستمرة في عقوباتها على فنزويلا وهذا التخفيف في العقوبات لا يعنى رفع يد الولايات المتحدة عن فنزويلية وإنما هي حالة من تحقيق المصالح المتبادلة فالحكومة الفنزويلية تحتاج لتخفيف العقوبات وحلحلة الأمور اقتصاديًا لكنها ترفض أيضًا التدخلات الامريكية في فنزويلا.