د. غادة كمال
أستاذ العلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة صوت أفريقيا
مقدمة
تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة القمة العربية – الصينية الأولى في التاريخ، وتمثل القمة المرتقبة محطة بارزة في مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين. وتأتي القمة في ضوء الأزمات السياسية والاقتصادية الدولية المتوالية، بدءاً من تداعيات جائحة كورونا، وصولاً للأزمة الروسية الأوكرانية التي نتج عنها أزمة اقتصادية واسعة النطاق، وأزمة طاقة عالمية. ومن المتوقع مشاركة كل الدول العربية، لمناقشة تعزيز العلاقات العربية الصينية وفتح آفاق جديدة للتعاون، وتعتبر مصر من أبرز هذه الدول، حيث تتمتع الصين ومصر بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية.
ومن هذا المنطلق يسعى هذا التقرير إلي تحليل دلالات توقيت القمة العربية المرتقبة والفرص المتوقعة، كما يسلط الضوء على مستقبل العلاقات العربية الصينية في ظل التحديات الراهنة.
دلالات التوقيت
تعتبر القمة العربية الصينية واحدة من ثلاث قمم صينية ستعقد في السعودية، الأولى مع البلد المضيف والثانية خليجية والثالثة على المستوى العربي، وتشير التحركات الدبلوماسية تلك إلى زيادة اهتمام الصين بالشرق الأوسط، والاهتمام العربي – الخليجي بالعلاقات مع بكين.
وتهدف القمة إلى تتويج النجاح المتزايد في التعاون الذي يزداد قوة ورسوخاً وتنوعاً بين الجانبين، والتي ستساهم في تطوير العلاقات بين العرب والصين، ولا سيما استكمال المباحثات في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة وزيادة واردات النفط إلى الصين. كما تشكل القمة نقلة نوعية للعلاقات العربية الصينية والشراكات الاستراتيجية بين الطرفين.
وعلى الأرجح ستناقش هذه القمة المسائل المرتبطة بالطاقة والاقتصاد، وأيضًا فكرة استبدال التبادل التجاري بالعملات المحلية، ومن المؤكد أن تفضي أشغال هذه القمة إلى مخرجات ومشاريع عملّية، تساهم في تطوير التعاون العربي- الصيني في مختلف القطاعات. واعتقد أن كافة الدول العربية سوف تعمل على الإسهام في نجاح القمة العربية- الصينية، للاستفادة من تمويل الصين للمشاريع التنموية، وزيادة الاستثمارات الصينية في إطار مبادرة ” الحزام والطريق”، بما يدعم التعاون العربي الصيني وتوسيع آفاقه في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وفي السياق ذاته؛ تأتي القمة العربية – الصينية في وقت وصلت فيه العلاقات السعودية الأميركية إلى أدنى مستوياتها، ولا سيما بعد إعلان (أوبك +) عن تقليص مليوني برميل يومياً من إنتاجها النفطي. رغم أن إدارة الرئيس الأميركي “جو بايدن” سعت إلى أن يؤجل التكتل هذا القرار لمدة شهر بعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة. الأمر، الذي دعا الرئيس جو بايدن إلى “إعادة تقييم” علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية، وسط دعوات إلى تقليص صفقات الأسلحة مع الرياض. وقد عكس هذا القرار بشكل واضح تفاوتاً كبيراً في المصالح والتوجهات بين واشنطن والدول الأساسية في المنظمة وأبرزها السعودية والخليج العربي وإيران وروسيا وفنزويلا والجزائر.
وفي المقابل نجد أن السعودية، بعد اعتلاء بايدن سدة الرئاسة وابتعاده عن الشرق الأوسط، أخذت تنوع علاقاتها مع دول أخرى ومنها الصين. وبدأت وسائل الاعلام تتحدث عن أن الصين تريد أن تحل محل الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، وبخاصة في السعودية والإمارات.
بيد أن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة الأميركية لأسباب عدة أبرزها؛ أن الصين لن توفر الحماية والأمن للسعودية على حساب دول أخرى في المنطقة. فالصين تربطها علاقات وثيقة بجميع دول المنطقة ومع إيران. وتنادي الصين دائماً بحل الخلافات بين دول المنطقة عبر الحوار، وهي عملت عدة مرات على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وأعلنت استعدادها للعب دور الوسيط بين طهران والرياض لحل الخلاف بينهما. لذلك فإن الصين لن توفر حماية لأي دولة على حساب دولة أخرى، بل ستعمل على تأمين الاستقرار والأمن في المنطقة عبر الحوار. ومن جهة أخرى، إن غالبية المعدات العسكرية السعودية هي أسلحة أميركية. ولذا، فإن عملية إصلاحها أو تجديدها تحتاج إلى الخبرات الأميركية. كما أن الولايات المتحدة متقدمة في التكنولوجيا العسكرية على الصين، والرياض تحتاج إلى التكنولوجيا العسكرية المتطورة.
وعلى هذا الأساس، ستبقى السعودية ترتبط اقتصادياً بالصين وأمنياً وعسكرياً بالولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت العلاقات بين الرياض وواشنطن تشهد حالياً فتوراً كبيراً، هذا بالطبع إذا لم تتراجع واشنطن في ميدان التكنولوجيا العسكرية وتبرز الصين وروسيا في هذا المجال، عندها ستعيد الرياض نظرتها إلى تعاونها العسكري مع واشنطن.
هذا، وتدرك القيادة السعودية أن بكين لن تكون بديلاً عن واشنطن. والتقارب مع بكين ورقة ضغط على الرئيس الأميركي “جو بايدن” للقبول بشروط الرياض أو أن الصين حاضرة. فمثلاً لم تنجح المفاوضات بين واشنطن والرياض للتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، فلجأت المملكة العربية السعودية إلى الصين للتعاون معها في هذا المجال. وليس مستبعداً أن يكون نشر الأخبار حول زيارة الرئيس “شي جين بينغ” إلى السعودية والتي ذكرتها سابقاً وسائل إعلام غربية الغرض منها الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للمزيد من المباحثات حول أمور لم يتم التطرق إليها في المفاوضات النووية وترى السعودية أنها مهمة لحماية أمنها، أو أنها تطور علاقاتها مع الصين على مختلف الأصعدة حتى العسكرية.
ومهما يكن من أمر، فلا يخفى مدى أهمية الصين بالنسبة للسعودية، ومدى أهمية الأخيرة بالنسبة للصين التي تعدُّ أكبر مستهلك للطاقة وأكبر مستورد لها. ومن المتوقع أن تتعزز العلاقات بين البلدين بشكل خاص وبين الصين والدول العربية بشكل عام بعد انعقاد القمة العربية الصينية والقمم الأخرى التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي.
مسار متعدد الأقطاب
نعتقد أن التقارب العربي/ الخليجي- الصيني، ينذر بسقط النظام الدولي على واقع الحرب الأكروانية، سقط تفوق الغرب تحت ضربات التضخم والركود والعقوبات الغربية على روسيا، ومع كل نهاية بداية جديدة، سقط نظام وحان الآن وقت تشكل نظام عالمي جديد، وما نراه اليوم من زيارات وعلاقات جديدة تتشكل وترتيبات دولية في الشرق والغرب هي الأساس لما ينتج عن الخمس السنوات القادمة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، (الصين، روسيا، الهند، والعرب) والجميع يعلم أن العلاقات التاريخية بين أمريكا والسعودية منذ الأربعنيات، كانت ركن أساسي ومهم في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، وحليف استراتيجي، ولكن أيضًا لا يخفي على أحد أن هذه العلاقات لم تعد كما كانت لعدة أسباب، أهمها: استخدام أمريكا لإيران والمليشات التابعة لها في اليمن لضرب الأراضي الحجازية ومكة المكرمة، لابتزاز المملكة وقيادتها، مرة لزيادة إنتاج البترول، ومرة لإجبارها على شراء أسلحة أمريكية، ومرة أخري لضخ استثمارات إلى الولايات المتحدة، لذلك قررت السعودية اتخاذ خطوة تاريخية تتمثل في استقبال الرئيس الصيني بعد أقل من شهرين على زيادة الرئيس الأمركي “جو بايدن” وبمراسم استقبال أكبر بكثير من زيارة بايدن التي جاءت بالفشل، ونري أن القيادة في المملكة تدرك جيدًا أن المقارنة هي عنوان اللعبة.
ويُتوقَّع أيضًا أن مساعي الصين لاستبدال التبادل التجاري بين الدول بالعملات المحلية “اليوان الصيني”، والسماح بدفع مدفوعات النفط باليوان، قد يمهد الطريق أمام إنشاء نظام مواز للمدفوعات الدولية سيحتل فيه اليوان الصيني أهمية وقوة على غرار الدولار الأمريكي. كذلك، سوف يصب ذلك في صالح محاولة روسيا تجاوز العقوبات التي فرضتها الدول الغربية عقب غزوها لأوكرانيا حيث يمكن لموسكو استخدام اليوان أيضا، وهو ما يهدد مكانة العملة الأمريكية على الساحة الدولية، ويمثل زلزال حقيقي في حرب العملات المثارة حالياً (تفكيك البترو دولار)، وهذا المسار يؤسس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
الفرص الواعدة
يُتوقَّع أن يصدر عن القمة المرتقبة عدة قرارات هامة، أولاً؛ أن يتفق الأطراف على استبدال التبادل التجاري وتحديدًا النفط بالعملات المحلية، فالسعودية قد توافق على استخدام اليوان الصيني والريال السعودي بدلًا من الدولار. ثانيًا؛ توقيع اتفاق التجارة الحرة بين الجانبين أو ثنائية. ثالثًا؛ نقل تكنولوجيا تصنيع الصواريخ وبناء مصانع صواريخ على الأراضي السعودية. رابعًا؛ زيادة التعاون الاقتصادي مع الصين واشراكها في المشاريع التنموية في السعودية ومصر والإمارات والعراق وغيرهم. خامسًا؛ امكانية استبدال الشركات الأمريكية بالشركات الصينية في مشاريع الكبري بدول المنطقة مثل السعودية.
وهناك العديد من الفرص الواعدة والاستثمارات المشتركة التي يمكن توظيفها بين الجانبين، خاصة في مجال التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والصناعات كثيفة العمالة، كما يوجد عدد كبير من الدول العربية البارزة مثل مصر والسعودية والإمارات التي لديها رؤى تنموية طموحة وفرص استثمارية مهمة مثل المشروعات القومية العملاقة ولعل أبرزها: محور التنمية في قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة بمصر. مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية. المشروعات التنموية الطموحة في الإمارات، وكلها تمثل بيئة جاذبة وواعدة للاستثمارات الصينية الضخمة.
مصر والقمة العربية- الصينية
يُتوقَّع أن يلتقي الرئيسان المصري والصيني على هامش القمة، لمناقشة أوجه التعاون والتنسيق بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون التنموي المشترك والتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن تعزيز التواصل والتشاور السياسي بين الدولتين حول الموضوعات الإقليمية والدولية. لذا؛ اعتقد أن القمة العربية- الصينية تعتبر فرصة لمصر لفتح آفاق جديدة للتعاون مع الصين في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية والتكنولوجية، وزيادة الاستثمارات الصينية في مصر. في ظل أزمتي الغذاء والطاقة التي يشهدها العالم، بالإضافة إلى الأزمات الناتجة عن تغير المناخ. ويمكن تعظيم التعاون بين البلدين في ثلاثة مجالات أساسية، هي مجال المناطق الاقتصادية الحرة، ومجال تعميق الصناعة المحلية، ومجال التعاون الثقافي وحوار الحضارات والتعلم المشترك.
خاتمة
تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوة عظمى، وتتوقع أن تبقى البلاد وجهة رئيسة لصادراتها من الطاقة خلال العقدين المقبلين؛ ومن ثم سيكون من المنطقي للعرب تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة. من ناحية أخرى، من المرجح أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين.
مع ذلك، من المستبعد أن تسعى الدول العربية، لا سيما دول الخليج الآن، أو في المستقبل المنظور، إلى استخدام الصين كبديل عسكري للولايات المتحدة، هذا بالطبع في حال قبول الصين أداء هذا الدور أصلًا. يظل الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة هدفًا رئيسًا للسياسة الخارجية لأغلب دول المنطقة. لكن البلدان العربية/ الخليجية لها مصلحة كذلك في تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة؛ ومن ثم تعمل دول مثل السعودية، ومصر، والإمارات، على مسارات متوازية: تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية، وتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع لاعبين خارجيين رئيسيين، خاصةً الصين.
وعلى هذا الأساس، من المرجح على المدى الطويل أن تتطلع الدول العربية، لا سيما الخليجية، بجدية نحو ترتيبات أمنية سياسية متعددة إذا كانت واشنطن ستضع بعض المسافة بينها وبين الشرق الأوسط، أو إذا اتسع الصدع بين الدول العربية/ الخليجية والولايات المتحدة، وهو تطور قد يدفع بعض الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع الصين، أو استضافة منشآت عسكرية صينية، بما في ذلك القواعد البحرية.