إعداد: اليان بطرس
مدير برنامج دراسات العلاقات الدولية
بالرغم من أن منطقة أمريكا اللاتينية تساهم بنسبة 8% فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية لكنها تواجه تحديات جمة في الوقت الراهن وتزداد حدتها في المستقبل لأنها واحدة من أكثر المناطق تأثراً بأزمة التغيرات المناخية، لكن لم تلتزم الدول المتقدمة بدفع 100 مليار دولار للدول النامية لمساعدتها للتكيف مع المناخ أو الحد من الانبعاثات ومن ثم لم تتحقق الأهداف التي تم الاتفاق عليها مسبقًا، وهو ما دفع الدول اللاتينية للتحرك بشكل أكثر فاعلية حتى يظهر التحرك بشكل مكثف وجماعي باسم 32 دولة في محيط أمريكا اللاتينية والكاريبي وبالتالي يكون الصوت أكثر وضوحًا وتأثيرًا خاصة بعد تعرض هذه المناطق لكوارث طبيعية متتالية ولكن لم يتم إلقاء الضوء عليها بالقدر الكافي، وفي هذا السياق تطرح الورقة أهم مجريات قمة المناخ cop 27 والتحركات اللاتينية للدفع بهذا الملف، بالإضافة إلى هم المشاركات والمبادرات التي حدثت من دول أمريكا اللاتينية أثناء القمة.
تحركات وخطط لاتينية
تعمل دول أمريكا اللاتينية على وضع خطط لخفض الانبعاثات والتكيف معها حتى عام 2030، ولكنها تحتاج ما بين 154 ملياراً و198 مليار دولار، وفقًا لتقرير أولي صادر عن اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، لمواجهة تلك التغيرات المناخية وآثارها. ويضيف التقرير أن المنطقة تتمتع حاليًا بإمكانية الوصول إلى 22 مليار دولار أمريكي لتمويل المناخ من أجل التخفيف والتكيف.
وفيما يتعلق بقمة المناخ كوب 27 تكاتفت مجموعة دول أمريكا اللاتينية محاولة التحدث بشكل موحد واتفق جميعهم على عدد من قضايا المناخ المختلفة، هذا التوجه دفع قمة المناخ 27 لتكون أكثر القمم تركيزًا على التمويل مقارنة بما سبق من قمم حيث اتخذت هذه القمة التمويل كأحد قراراتها وهو ما يحدث فارق كبير في محيط الدول اللاتينية لأن هذه المنطقة تعاني من ديون خارجية كبيرة تعيق تحركها في مكافحة التغير المناخي والتكيف معه أو التخفيف من حدته حيث تم التحدث حول عدد من المقترحات من بينها مقايضة تلك الديون بالعمل المناخي وهو ما تطمح إليه المنطقة لحل تلك الإشكالية.
وفي إطار الحديث عن التحركات على أرض الواقع تعد كولومبيا إحدى الدول التي حققت أكبر تقدم في أمريكا اللاتينية في تطوير الهيدروجين الأخضر، وهو وقود يتم توليده من الطاقة النظيفة والذي سيلعب دورًا مهمًا في التحول. وهو ما تم تسليط الضوء على إمكانات المنطقة في تطويره خلال COP27 في عدد من الأنشطة والفاعليات الجانبية التي تمت داخل القمة.
الحراك السياسي يدفع بمزيد من الاهتمام بالتغيرات المناخية
تتداخل التغيرات السياسية مع التغيرات المناخية بشكل كبير في أمريكا اللاتينية خاصة بعد تولي الرئيس جوستافو بيترو لكولومبيا والرئيس لولا دا سيلفا للبرازيل هذا التحول السياسي فتح الباب مجددا لمزيد من الالتزامات المناخية في منطقة الأمازون التي تعد رئة العالم، حيث كان لوزراء ورؤساء أمريكا اللاتينية جهود واضحة في دفع المفاوضات نحو إنشاء صندوق الخسائر والأضرار حيث تحتاج الدول النامية حوالي 5.8 تريليون دولار بحلول عام 2030 لتحقق أهداف المناخ.
وتأتي أهمية هذه التحولات السياسية وارتباطها بالحراك المناخي لعدد من الأسباب إذ تضم أمريكا اللاتينية رئتي العالم وهي غابات الأمازون لذا تكثفت الأضواء نحو المنطقة خلال قمة المناخ ليست فقط بنشاط الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي كان حضوره طاغيًا ومؤثرًا خلال القمة بل لأن المجتمع المدني اللاتيني كان يدعم لسنوات قضية التمويل والخسائر والأضرار.
الجدير بالذكر أنه عادة ما كان يتم التفاوض في قمم المناخ بين مجموعة Celac و Alba في إشارة إلى مجموعات اليمين واليسار، ولكن بعد تحول معظم الدول اللاتينية مؤخرا إلى اليسار في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين والمكسيك وتشيلي وبيرو والبرازيل أخرهما، في هذه الحالة أصبحت كولومبيا ذات التاريخ اليميني والرئيس اليساري وأكبر عضو داخل مجموعة ال Celac هي من عليه توحيد الأصوات والجهود داخل هذه الكتلة التي أصبحت تتوافق مع مجموعة Alba والتي تضم جارتها فنزويلا.
هذا التقارب السياسي الذي حدث مؤخرًا بين المنطقتين أدى إلى إلزامية كولومبيا بلعب دور الوسيط بين المجموعتين وحقق مزيد من التقارب في قضايا المناخ التي تدعم وحدة أمريكا اللاتينية وما دعمه بصورة أكبر هو تواجد لولا دا سيلفا على سدة الحكم في البرازيل على اعتبار أنها من أكبر دول المنطقة وهي من تضم الجزء الأكبر من غابات الأمازون واحدة من أكبر اقتصادات المنطقة؛ على أمل أن تكون منطقة أمريكا اللاتينية بصوت واحد متماسك ومترابط بشكل أكبر وهو ما حلمت به شعوب المنطقة يوما ما.
مفاوضات قمة المناخ
تفاوضت أمريكا اللاتينية والكاريبي في محادثات المناخ من خلال مجموعات مختلفة هذا العام، جمعت الدعوات إلى تمويل المناخ والمساعدة في التكيف ودعمها وجود رؤساء اليسار في قمة المناخ على سبيل المثال رؤساء البرازيل وكولومبيا وفنزويلا وبربادوس وسورينام، وظهر الاندماج اللاتيني خلال المؤتمر في تواجد مجموعات مشتركة تدفع التفاوض حيث أصدرت مجموعة دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي CELAC إعلان مشترك يدعوان البلدان المتقدمة بزيادة الدعم المالي ومقايضة الديون والسندات السيادية. حيث أشار الإعلان المشترك إلى ” أهمية تعزيز التنسيق في مختلف المنتديات المتعددة الأطراف، بهدف تعزيز التآزر والتعبير في مفاوضات المناخ”. ويقولون إن تعزيز مجموعة بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي يمكن أن يساعد في “تعزيز تحديد الأولويات” حيث تسلط الوثيقة الضوء أيضًا على “الحاجة إلى زيادة توفير الموارد العامة من قبل البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية”. كما يوجه دعوات لتشجيع تطوير أدوات تمويل المناخ المبتكرة، مثل السندات السيادية وصناديق الضمان ومقايضات الديون للعمل المناخي.
وتتعاون الدول اللاتينية لتبادل المعلومات المناخية من خلال عدد من الشبكات من بينها (Euroclima – NDC Partnership – Fundación AVINA – Helvetas Swiss Intercooperation) وأكدت الدول اللاتينية أنها تعطي أولوية للتكيف على التخفيف وتواجه المنطقة عدد من المشاكل التمويلية أهمها أن صندوق المناخ الأخضر لا يمول مشروعا أصغر من 10 ملايين دولار وهو ما يتعارض مع قدرات المجتمع المحلي في أمريكا اللاتينية ومن ثم لا تصل التمويلات الدولية للمشاريع المحلية القائمة على المناخ.
تصريحات داعمة نحو التقدم في ملف المناخ
تحدث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن الأزمات المناخية التي تتعرض لها فنزويلا من فيضانات وانهيارات أرضية نظرًا لتراكم الحرارة في البحر الكاريبي والذي ينتج مزيد من الأمطار الغزيرة خاصة في المناطق الساحلية، وتحدث عن الأزمة البيئية التي نمر بها ووصفها بأنها أكبر أزمة بيئية في التاريخ مشيرًا إلى العشوائية التي يتم استخدام الموارد الطبيعية بها وغياب العدالة حيث تستغل دول هذه الموارد بشكل كبير ودولاً أخرى بالكاد تحصل على الغذاء، كما انتقد “النموذج الرأسمالي المدمر” الذي يولد اختلالات بين الاقتصادات العالمية ودعا إلى تقديم مساعدات مالية للدول الأكثر تضررًا من تغيرات المناخ.
أما الرئيس جوستافو بيترو رئيس كولومبيا قال إنها ساعة الإنسانية وأضاف أن التخطيط العالمي يسمح بوجود اقتصاد عالمي خالي من الكربون وأكد أن هذا لم يتم إلا إذا دفعت الأمم المتحدة هذه الخطط للتنفيذ وجعلتها أولوية.
وأشار ممثل دولة تشيلي في قمة المناخ “نحن مقتنعون بأننا بحاجة إلى أن نكون أكثر طموحًا في أهدافنا وأننا بحاجة إلى العمل مع جميع الأطراف والدول والمجتمع المدني وأضاف “نحن واضحون أنه لا يوجد بلد قادر على حل مشكلة تغير المناخ بمفرده، وأن الاتفاقات بين الدول هي السبيل الوحيد لمواجهة والتعامل مع آثار هذه الأزمة، التي تضرب بالفعل أكثر البلدان ضعفًا ولا يوجد مخرج آخر”
واقترح الرئيسان مادورو وبيترو إعادة إطلاق منظمة معاهدة التعاون في الأمازون، وهي اتفاقية تم توقيعها في عام 1978 مع البرازيل وبوليفيا وغيانا وبيرو وسورينام وفنزويلا تعترف بالطبيعة العابرة للحدود للمنطقة الأحيائية.
وصرح المتحدثون باسم دولة تشيلي أن الدولة أغلقت بالفعل سبعة من مصانعها التي كانت تعمل بالفحم وسوف يتم إغلاق 12 مصنعاً آخر في طريقهم للإغلاق وأكدوا أن الحكومة ملتزمة بإزالة الكربون وأكدوا أن هناك أكثر من 30٪ من طاقة تشيلي تأتي من مصادر متجددة غير تقليدية.
كما تسعى البرازيل إلى أن تتم قمة المناخ 2025 في منطقة الأمازون نظرًا لأهميتها في خطوة لإعادة تواجد البرازيل على الساحة في قضايا البيئة بعد أن كانت في عزلة شديدة خلال الأربع سنوات الماضية بالرغم من أهمية وحجم البرازيل وهو ما انعكس في تمثيل البرازيل داخل قمة المناخ كوب 27 حيث انقسمت البرازيل في تمثيلها إلى ثلاثة أقسام نظرًا للإدارة البيئية السابقة لبولسونار حيث ركز لولا على تأمين التمويل الدولي للحفاظ على الأمازون.
مشاركات وتفاعلات داخل قمة المناخ Cop 27
شارك معظم دول أمريكا اللاتينية بفاعليات عن طريق أجنحتها المختلفة داخل المنطقة الزرقاء من بينها كولومبيا وفنزويلا والسلفادور وشيلي والدومنيكان والبرازيل الذي تواجدت بشكل كبير في جناح رسمي حكومي وجناح خاص بالمجتمع المدني وجناحًا خاص بحكام ولايات الأمازون.
1- شارك كل من اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (ECL AC)، ورئاسة لجنة البيئة في مجلس الشيوخ الاتحادي في البرازيل، ورئاسة لجنة البيئة والتنمية المستدامة التابعة لمجلس الشيوخ الوطني في الأرجنتين، بدعم من الاتحاد الأوروبي من خلال برنامج Euroclima + ، بتنفيذ فاعليات جانبية من بينها “برلمانات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي: حشد تمويل المناخ” ، والذي عقد في 10 نوفمبر في قمة المناخ ، هدف هذا النشاط إلى مناقشة معالجة التمويل في التشريعات المناخية للبلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والتعبير عن الصوت المشترك لبرلماني أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بشأن تمويل المناخ من خلال التوقيع على إعلان مشترك.
ونتج عنها مبادرة القادة البرلمانيين من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي المشاركين في المرصد البرلماني لتغير المناخ والانتقال العادل (OPCC)، حيث وقع خمسة عشر برلمانيًا من اثنتي عشرة دولة من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إعلانًا مشتركًا بمناسبة إنشاء OPCC منذ عام، لتشكيل أداة معلومات مشتركة حول حالة الإجراءات البرلمانية المتعلقة بالمبادرات البيئية والتشريعات البيئية في المنطقة.
وتأتي هذه الخطوة في إطار تعزيز التعاون بين البرلمانات لمراجعة التشريعات الخاصة بالانتقال العادل إلى اقتصادات منخفضة الكربون، واجتمع هؤلاء البرلمانيون مجددا في كوب 27 لمناقشة معالجة قضايا التمويل في التشريعات المناخية لبلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والتوقيع على إعلان مشترك جديد يعبر عن وجهات النظر والمخاوف والالتزامات المشتركة بينهما.
2- كما أصدرت مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (Celac)- التي تستثني البرازيل – بيانًا مشتركًا في Cop27 يدعو إلى “زيادة تعبئة الموارد المالية من البلدان المتقدمة” والسندات السيادية ومقايضات الديون حيث كانت أمريكا اللاتينية المنطقة الأكثر مديونية في العالم في عام 2021 ، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة .
3- أطلق COP27 التحالف الدولي لمقاومة الجفاف، وهو عبارة عن منصة تعاونية تهدف إلى تشجيع الالتزام السياسي للحد من تعرض البلدان والمجتمعات لآثار الجفاف من خلال دمج تدابير التأهب والتكيف. هذه المبادرة لديها القدرة على خلق توافق جديد في الآراء للتصدي للجفاف، وهو أحد الأحداث المناخية مع معظم الآثار السلبية على سكان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. لذلك، تلتزم CAF بهذا التحالف العالمي تعزيز العمل فيما يتعلق باستراتيجيات التخفيف من آثار الأحداث الطبيعية المتطرفة، والتي تولد خسائر تصل إلى 3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
خلاصة القول
حاولت دول أمريكا اللاتينية التكاتف خلال قمة المناخ للحصول على نتيجة أفضل وهو ما ظهر في دعمهم لإنشاء صندوق للخسائر والأضرار وهو ما خلص إليه المؤتمر في النهاية، أيضا زيارة بعض رؤساء أمريكا اللاتينية لمصر خلال فترة المؤتمر تعد هي الأولى من نوعها حيث كانت هذه هي المرة الأولى الذي يزور فيها رئيس فنزويلي إلى مصر وهو ما ترتب عليه التوافق والترتيب لمزيد من التعاون خاصة فيما يتعلق بالنفط الفنزويلي ووعد الرئيس بزيارة قريبة أخرى إلى مصر، بالإضافة إلى تخصيص الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا والرئيس الكولومبيى جوستافو بيترو عقب انتخاباتهم الرئاسية ووسط مجموعة من التحديات الداخلية خصص كل منهما وقتًا كافيًا للتواجد في مصر وحضور القمة وهذا يدل على سعي الأطراف إلى التعاون وإيجاد حلول وهو ما يشير إلى أهمية ودول مصر البارز على الساحة.
ومن خلال هذا الحضور الطاغي تظهر أهمية مصر كدولة محورية ومؤثرة بشكل كبير ويدل على نجاح هذه القمة أيضا، فقد خلقت القمة بعض المباحثات الجانبية بين دول كانت تعاني من بعض الخلافات على سبيل المثال لقاء الرئيس الفنزويلي مادورو مع الرئيس الفرنسي ماكرون ومع الرئيس الكولومبي أيضًا وتم الاتفاق على أن يكون هناك مؤتمر للمناخ ومنطقة الأمازون على أن يقام في فنزويلا العام المقبل.
هذا التفاهم يضيف على نجاحات القمة في خلق حوارات متفاعلة سواء بين الدول أو الشركات العملاقة أو الشركات الصغيرة، ولكن تعد هذه هي الخطوة الأولى للتحرك الاتيني الجماعي الذي يحتاج إلى مزيد من التوافق والتخطيط في مختلف القضايا المناخية وغيرها لتحقيق نتائج جيدة في هذا الإطار ولمواجهة التحديات المتغيرة الموجودة على الساحة