إعداد: جمال الدين محمد حسن خليفه
باحث في العلاقات الدولية
استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن القمة الأمريكية- الإفريقية الثانية خلال الفترة من 13 وحتى 15 ديسمبر 2022، بمشاركة عدد 49 قائدًا من قادة الدول الإفريقية، إلى جانب السيد موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. وتجدر الإشارة إلى أن القمة الأخيرة قد جاءت بعد 8 سنوات من انعقاد القمة الأولى في 2014، وبعد إعلان الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة للشراكة مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء في أغسطس 2022، وهوما يعكس أن تعزيز التعاون مع دول القارة يحتل أولوية على أجندة الإدارة الأمريكية الحالية.
ولا شك أن عقد القمة يأتي في فترة حرجة يشهد العالم خلالها تحديات جمّة، من أبرزها أزمة فيروس كورونا والجهود المبذولة للتعافي منها، والتغيرات المناخية وسبل مواجهتها، هذا إلى جانب التداعيات الكارثية للحرب الروسية- الأوكرانية، وما أظهرته من تمتع قوى مناوئة للولايات المتحدة بنفوذ قوي داخل القارة الإفريقية، وفي مقدمتها روسيا، وهو ما تبين في تصويت الدول الإفريقية وانقسامها حول قرار الأمم المتحدة الخاص بإدانة ضم روسيا لأربعة أقاليم أوكرانية أكتوبر الماضي، إذ صوتت 26 دولة لصالح القرار، في حين امتنعت 19 دولة أخرى. وفي هذا الشأن، سيتم تسليط الضوء على دوافع عقد القمة وأهم مخرجاتها، بالإضافة إلى أبرز ملامح الوجود الروسي في إفريقيا، وذلك في محاولة للتعرف على مستقبل التنافس الأمريكي- الروسي هناك.
أولًا: دوافع عقد القمة وأهم ما تم التوصل إليه
أكدت واشنطن أن استضافة قادة الدول الإفريقية يأتي في إطار الحرص على دعم الأولويات المشتركة، وتعميق وتوسيع الشراكة بين الولايات المتحدة والقارة السمراء على المدى الطويل، فضلًا عن التعاون مع دول القارة لتطوير حلول مُبتكرة لمواجهة مختلف التحديات، والاستفادة من الإمكانات والقدرات الأمريكية في تمكين المؤسسات والمواطنين الأفارقة. وقد اتضح ما سبق فيما تم مناقشته خلال فعاليات القمة، إذ تم التطرق إلى عدد من القضايا والملفات المطروحة على الساحة العالمية، والتي تحتل أولوية على الأجندة الإفريقية، ومنها:
أزمة الغذاء:
أوضح الرئيس بايدن أن العالم يواجه أزمة غذاء طاحنة بفعل عوامل عدة، منها تغير المناخ، وCovid-19، والحرب غير المبررة التي شنتها روسيا على أوكرانيا، وهو ما أسفر عن ارتفاع عدد مَن يُعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي في إفريقيا من 120 مليون شخص خلال عام 2021، إلى 140 مليون شخص خلال عام 2022، مما دفع الولايات المتحدة -خلال هذا العام- إلى تخصيص ما يقرب من 11 مليار دولار كمساعدات إنسانية لتحقيق الأمن الغذائي. وفي ذات الشأن، أعلن الرئيس بايدن عن تقديم مساعدات إنسانية إضافية تُقدر بحوالي 2 مليار دولار؛ لضمان تعزيز مواجهة القارة لأزمة الغذاء والحيلولة دون تفاقمها، وإيمانًا بأن الأمن الغذائي يُعد مُتطلبًا ضروريًا لتحقيق السلام والازدهار، هذا بالتوازي مع استمرار دعم اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا الذي يعود بالنفع على العالم أجمع وليس إفريقيا وحدها.
النمو الاقتصادي:
تم التأكيد خلال القمة على الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها إفريقيا والتي بتوظيفها يُمكن تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي ومواجهة الفقر والتغلب على أزمات الجوع المزمنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمتلك القارة أراضٍ زراعية شاسعة ولكنها غير مستغلة، والتي إذا تم استخدامها وتوظيفها جيدًا فسيكون لذلك مردودًا إيجابيًا على الأمن الغذائي ليس في القارة وحدها، بل على مستوى العالم أجمع.
وعليه، أشار الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الاتحاد الإفريقي لدعم برنامج التنمية الزراعية الشامل في إفريقيا، والذي يضع رؤية للأمن الغذائي ومقاومة تغير المناخ في القارة. هذا بالإضافة إلى ضخ استثمارات في قطاعات التجارة والبنية التحتية للنقل بما يجعل انتقال المواد الغذائية من المزارعين إلى الأسواق ومن الأسواق إلى العائلات يتم بسهولة وفي وقت قصير.
الإدماج والمشاركة الدبلوماسية:
أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين كعضو دائم إيمانًا بحق القارة في أن تحظى بتمثيل أكبر في المؤسسات الدولية للتعبير عن مطالب شعوبها، خاصة وأنها ستكون موطنًا لحوالي 40% من سكان العالم بنهاية هذا القرن. وتأتي هذه الخطوة استكمالًا لما أشار إليه الرئيس بايدن -نهاية سبتمبر 2022- من تأييد الولايات المتحدة لزيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمجلس الأمن؛ ليتم تمثيل دول من إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
التكنولوجيا والابتكار:
استمرارًا للتعاون المشترك في مختلف المجالات، أعلن الرئيس جو بايدن عن إطلاق مبادرة جديدة للتحول الرقمي مع إفريقيا (DTA)، وذلك خلال منتدى الأعمال الأمريكي- الإفريقي الذي عُقد على هامش القمة. وتهدف المبادرة إلى تعزيز الرقمنة داخل القارة عن طريق استثمار أكثر من 350 مليون دولار، وتسهيل ما يزيد عن 450 مليون دولار كتمويل لإفريقيا بما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الإفريقي للتحول الرقمي واستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء.
وبالإضافة إلى ما سبق، أصدر الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا يوجه وزير الخارجية بإنشاء المجلس الاستشاري الرئاسي بشأن انخراط المغتربين الأفارقة في الولايات المتحدة، وهي خطوة تعكس اهتمام الإدارة الأمريكية بالحوار مع المغتربين الأفارقة، في إطار ما يقدمونه من مساهمات كبيرة تدعم نمو وازدهار الولايات المتحدة، كما يُنظر إليهم على أنهم جسر لتعزيز التواصل وتقوية العلاقات مع القارة السمراء.
ثانيا: النفوذ الروسي في إفريقيا
تشهد الساحة الإفريقية تنافسًا شرسًا بين عدد من الفواعل الدولية للتواجد والاحتفاظ بموطأ قدم هناك يضمن تحقيق المكاسب وتعظيم المصالح القومية، إلا أن التنافس والتناحر بين واشنطن وموسكو سيظل يحظى بأهمية بالغة نظرًا لتاريخ التنافس الطويل بينهما، وفي ظل اختلاف الرؤى بشأن هيكل النظام الدولي، وسعي واشنطن للحفاظ على دورها القيادي عالميًا، واستعداد موسكو إلى توظيف مختلف إمكاناتها لتعزيز نفوذها الجيوسياسي لتكون أحد أقطاب النظام الدولي المأمول. وفي هذا الصدد، نستعرض في السطور التالية أبرز ملامح النفوذ الروسي في إفريقيا.
على الرغم من محدودية المساعدات والاستثمارات الروسية في إفريقيا مُقارنة بالولايات المتحدة والصين، إذ تُعد تجارتها مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء ربع تجارة الولايات المتحدة وأقل من عُشر تجارة الصين مع ذات الدول، إلا أن هناك مجالات تتمتع فيها موسكو بتفوق نسبي على نظرائها، وعلى رأسها المجالات الأمنية والعسكرية. إذ تُعد روسيا أكبر مصدر للأسلحة للدول الإفريقية جنوب الصحراء -يليها الصين- حيث تستورد هذه الدول ثلث وارداتها من الأسلحة منها.
وفي سياق مُتصل، تنشط مجموعة فاجنر-وهي شركة روسية عسكرية خاصة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحكومة الروسية- في عدد من الدول الإفريقية مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي وليبيا، ويتم الدفع مقابل العمليات التي تنفذها إما نقدًا أو بمنحها امتيازات تعدين مربحة للمعادن الثمينة، مثل الذهب والماس. وبالرغم من إنكار الكرملين صلته بالمجموعة، إلا أن هناك عدد من المسئولين الغربيين يؤكد أنها أداة غير رسمية تستخدمها روسيا لتعزيز نفوذها.
واستمرارًا للحرص على تعزيز الوجود العسكري، تسعى روسيا إلى تفعيل اتفاق التعاون العسكري الذي وقعته مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير في 2017؛ لتأسيس قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر، لتكون القاعدة الأولى لها في إفريقيا. وببناء القاعدة، سيكون لموسكو موطأ قدم في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ذات الأهمية الجيوسياسية نظرًا لحجم تجارة الشحن الضخم بين أوروبا وآسيا الذي يمر من خلالها. وهو ما دفع سفير الولايات المتحدة في السودان “جون جودفري” إلى تحذير الخرطوم من تبعات هذه الخطوة، إذ قد تسفر عن عزل السودان عن المجتمع الدولي وتقويض مصالحها.
وختامًا، يمُكن القول إن الحرب الروسية- الأوكرانية أظهرت مدى النفوذ الذي تتمتع بها روسيا في إفريقيا على الرغم تركيزه بالأساس في المجال الأمني والعسكري، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية الحالية إلى تعزيز علاقاتها مع دول القارة، لذا أعلنت عن سعيها لاستثمار ما لا يقل عن 55 مليار دولار في إفريقيا على مدى السنوات الثلاث المُقبلة، وأطلقت استراتيجيتها الجديدة للشراكة مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وعقدت القمة الأمريكية- الإفريقية الثانية، والتي ألقت خلالها الضوء على تداعيات الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا على العالم بشكل عام، وإفريقيا تحديدًا سعيًا لكسب تأييد الدول فيما يتعلق بإدانة روسيا والضغط عليها لإنهاء الحرب.
ويؤكد ما سبق النهج الذي تتبعه الإدارة الحالية منذ توليها مقاليد السلطة، والخاص بإعادة التأكيد على الدور القيادي العالمي للولايات المتحدة من خلال طمأنة الحلفاء لاستعادة ثقتهم، وذلك بعد سنوات ساد فيها شعار “أمريكا أولًا”، وفي ظل منافسة شرسة مع الصين وروسيا في معظم المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم.
ومع ذلك فإن نجاح القمة في تحقيق أهدافها يتوقف بالأساس على تغيير نظرة الدول الإفريقية تجاه الولايات المتحدة من دولة تسعى إلى استغلال إمكانات وموارد القارة أو استخدامها كورقة للضغط على طرف ثالث، إلى شريك يهدف إلى توطيد العلاقات لتحقيق المصالح المشتركة.