إعداد : اليان بطرس
مدير برنامج دراسات العلاقات الدولية
جاءت لامبرخت من نائبة لوزير المالية شولتز حينها إلى وزيرة للعدل في عام 2019 ثم وزيرة للأسرة والمرأة في حكومة المستشارة أنجيلا ميركل حتى وصلت وزيرة دفاع في حكومة شولتز الحالية منذ 13 شهرًا إلى أن انتهت رحلتها بالاستقالة حيث قدمت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت صباح يوم الاثنين 16 يناير 2023 استقالتها التي تأتي في توقيت غاية الحساسية بالنسبة لألمانيا وحكومة شولتز، ولكنه كان القرار الأنسب بالنسبة لألمانيا لعدد من الأسباب التي تتعلق بشخصية وزيرة الدفاع وأسباب قد تتعلق بالوضع الدفاعي والعسكري وسياستها بالنسبة لألمانيا التي أنهكت ذخيرتها بدون الدخول في حرب مباشرة.
تشويه للسمعة
يبدو أنه لم يكن هناك توافق داخلي حول شخصية وزيرة الدفاع في الفترة الأخيرة حيث تعرضت صورة وزيرة الدفاع الألمانية للتشويه ومحاولة لإظهار ضعف شخصيتها وفشل سياستها وهو ما يضر بالمنصب ذاته خاصة بالنسبة لدولة بحجم ألمانيا، وهو ما ينعكس ايضًا على سياسة ألمانيا الخارجية تجاه الحرب الأوكرانية وحجم دعمها فهل تستكمل ألمانيا دعمها لأوكرانيا وترسل دباباتها أو سوف يكون هناك سياسة جديدة نحو أوكرانيا بقدوم وزير جديدًا للدفاع.
بالرغم من محاولة أولاف شولتز رئيس الوزراء الألماني لزيادة الانفاق العسكري واتخاذ بعض الخطوات للتحسين بإنشاء صندوقًا استثماريًا بقيمة 100 مليار يورو للقوات المسلحة الألمانية إلا أن وزيرة الدفاع لم تتعامل مع هذه الإجراءات على النحو المطلوب حيث شهدت السياسة العسكرية الألمانية حالة من البطء والضعف في فترة توليها الوزارة.
صدر من وزيرة الدفاع عدد من المواقف التي أوخذت عليها من بينها فيديو حول الحرب الأوكرانية بخلفية احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة في وسط برلين وتحدثت فيه بشكل دفع العديد لانتقادها سواء من داخل حزبها أو من خارجه فقد آثار الفيديو حالة من الغضب حتى من المقربين لها حيث قالت “إن الحرب في أوكرانيا أدت إلى الكثير من التجارب الخاصة وفرصة “لقاءات عديدة مع أشخاص رائعين ومثيرين للاهتمام”.
ليس هذا فحسب بل تعرضت الوزيرة لهجوم حاد بعدما أنفقت نحو 109 ألف يورو على مشتريات وعمليات تجهيز وتجديد مكاتب مسؤولين وقياديين في الوزارة بقيمة مبالغ فيها، حيث بلغت قيمة السجادة الأرضية وحدها لمكتب وكيلتها مارغريته زودهوف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي نحو 25 ألف يورو في ذات الوقت الذي تم إعلان ارتفاع مستوى التضخم فيه خلال شهر سبتمبر الماضي.
الخطأ الأكبر في اختيارات شولتز
بالرغم من إشادة شولتز لها في أواخر العام الماضي إلا أن الاحداث المتتالية لها وضعتها في موضع حرج يستلزم الاستقالة، لها بعض التصريحات التي أساءت من سمعتها داخل الحكومة من بينها عدم معرفتها بالرتب العسكرية المختلفة مما أعطى إيحاء بأنها أتت للحكومة لإحداث توازن ومساوة بين الجنسين وليس من منطلق الكفاءة وهو موقف من الصعب اتخاذه في وزرارة حساسة وذات أهمية مثل وزارة الدفاع وتواترت الاخبار حول عدم رغبتها بالفعل لتولي هذه الوزارة ورغبتها في تولى وزارة الخارجية وليس الدفاع وهو ما يؤكد عدم صحة اختيار شولتز لها في هذا المنصب.
وعندما سُئلت عن دعمها لأوكرانيا صرحت بأنها على استعداد لإرسال عدد 5000 خوذة لأوكرانيا وهو ما آثار غضب أوكرانيا واعتبروا هذا التصريح سخرية أو إهانة لهم حتى أن استطلاعات الرأي الداخلية أيدت عزل لامبرخت من منصبها بنسبة 77% وفقًا لأحدث استطلاع تم.
الدعم الألماني لأوكرانيا
خلال الأشهر الأخيرة دعمت ألمانيا أوكرانيا بعدد من مدافع الهاوتزر وجيبارد المضادة للطائرات ذاتية الدفع، ثم وافقت ألمانيا على تقديم 40 ناقلة أفراد مدرعة من طراز ماردر وبطاريات باتريوت للدفاع الجوي إلى كييف والآن تزداد الضغوط على شولتز لتسليم دبابات ليوبارد 2 إلى أوكرانيا.
هذا الدعم يأتي في الوقت الذي فشلت فيه وزيرة الدفاع في شراء ذخيرة جديدة تكفي القوات المسلحة الألمانية وهو السبب الأساسي وراء الانتقادات الحادة لها والضغط لتقديم استقالتها حيث تعاني ألمانيا من نقص وضعف حاد في الذخيرة وفى ذات الوقت تتعرض لضغوط غربية لدعم أوكرانيا بالمزيد في الوقت الذي تقدم فيه ألمانيا الذخيرة للبنادق الآلية والمدافع المضادة للطائرات وقاذفات الصواريخ المتعددة لأوكرانيا وقواتها المسلحة في أشد الحاجة إلى الذخيرة.
ومن الواضح أنه لم يكن هناك توافق بين وزراء هذه الحكومة وبين وزيرة الدفاع فقد تم رفض طلبها بمزيد من الأموال لدعم وزراتها وشراء ذخيرة حيث كان رد وزارة المالية أن على لامبرخت أن تقوم بعملها أولا ثم تطلب المساعدة المالية وهذا ينم عن حالة عدم الرضا داخل الحكومة من أداء لامبرخت، لم ينتقدها فقط وزير المالية بل واجهت لامبرخت نقد حاد من حزب الخضر أيضًا.
حرب أوكرانيا تستنزف الذخيرة وبطء في واردات بعض المواد من الصين لألمانيا وهو ما يزيد من الازمة وفقا لما سبق وحذر بيه مصنعي الذخيرة الالمان من تأخر تلك الواردات التي قد تضر بشكل كبير عملية تأمين الذخيرة الألمانية حيث يعتمد منتجي الذخيرة الأوروبيين والألمانيين على المواد الصينية في الإنتاج، لذا تحاول ألمانيا تقليل اعتمادها على الصين في هذا الإطار لتخطي الازمة.
ألمانيا والناتو
وجود ألمانيا في حلف الناتو يلزمها بالاحتفاظ بأسلحة تكفي لمدة 30 يوم في المعركة وهو ما يجعل ألمانيا في حالة ضعف لتلبية هذه المتطلبات في وضعها الحالي، وفى هذا السياق أرسلت الدول الأوروبية كافة مخزونها من الأسلحة السوفيتية القديمة إلى كييف وحان الوقت لاستلام أسلحة من الولايات المتحدة لاستكمال دعمهم إلى أوكرانيا نظرًا لضعف الترسانة الخاصة لحلف الناتو نظرًا لضعف الأنظمة الدفاعية الأوربية من تجديد نفسها في ظل حرب ممتدة لا يعرف أحد نهايتها.
بدائل مطروحة
ظهر على الساحة الألمانية عدد من الأسماء لبدائل شغل منصب وزير الدفاع محل لامبرخت وتداول أسماء مختلفة من بينها إيفا هوغل، المفوض البرلماني للقوات المسلحة، وسيمتجي مولر بالإضافة إلى لارس كلينجبيل ، زعيم حزب لامبرخت، ومن المرجع أن تأتي إيفا هوغل لهذا المنصب أكثر من البدائل الأخرى المطروحة حتى الآن.
خلاصة القول
تمر ألمانيا بحالة من التوتر الداخلي وسط ضغوط غربية شديده لدعم أوكرانيا ووسط حالة من التخبط الاقتصادي وأزمة عالمية شلت حركة الدول إلى حد كبير، وبعد حصول شولتز على رئاسة الوزراء ووسط عدد من التحديات اعاق ملف وزيرة الدفاع والانتقادات حولها خطط الحكومة لتأمين أنظمتها العسكرية ومخازن ذخيرتها الهش، وهو ما وضع ألمانيا في وضع حرج بين تلبية احتياجاتها وبين دعمها إلى كييف وما زاد من تعقيد الموقف عدم اتخاذ الوزيرة السابقة لامبرخت تحركات مباشرة لتأمين الذخيرة الألمانية وتجديدها وسط حالة الاستنزاف التي تسببت فيها الحرب الأوكرانية وضرورة تلبية ألمانيا احتياجات الناتو، وفى هذا السياق يعول على من يأتي في هذا المنصب حل الأزمة الحالية فكيف لدولة من الدول الكبرى أن تعاني من ضعف الذخيرة بدون أن تدخل إلى حرب مباشرة على جبهتها، هذا الوضع شديد الخطورة وهو السبب الرئيسي وراء استقالة وزيرة الدفاع وليست الاخطاء الشخصية التي وقعت فيها .