د.محمد بوبوش
أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي العام
جامعة محمد الأول-وجدة
يواجه الغرب منذ دخول روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 معضلة تتمثل في كيفية توحيد المواقف بشأن الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا في دفاعها البطولي عن النفس بدون تجاوز “الخطوط الحمراء” بالنسبة لبوتين وبالتالي الانخراط في مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.
وبدون شك، فإن كييف في حاجة إلى ما يسمى بـ ” دبابات المعارك الرئيسية” مثل إم1 أبرامز الأمريكية. وليوبارد 2 الألمانية، التي يتوقف عليها تغيير موازين القوى كما يقول الرئيس الأوكراني، فتلك هي الوحوش الثقيلة التي تنفث النيران والتي يمكنها اختراق الخطوط الروسية واستعادة الأراضي الأوكرانية التى وقعت تحت سيطرة موسكو.
في هذا الموقف، بدا الغرب منقسما حول الموضوع، ولم يتوصل الحلفاء الغربيون الداعمون عسكريا لأوكرانيا خلال اجتماعهم الجمعة 20 يناير 2023 بقاعدة رامشتاين الأمريكية في ألمانيا، إلى توافق على تسليم كييف دبابات ثقيلة، لعدم موافقة برلين. وشارك في هذا الاجتماع ممثلون عن خمسين بلدا بهدف تنسيق المساعدة العسكرية للأوكرانيين في مواجهة موسكو. في المقابل، في غضون ذلك، أصر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على موقف بلاده التي تواصل “القتال للحصول على دبابات حديثة”، لكنه أشاد بالاجتماع الذي “سيعزز مقاومتنا”، وأشار لدعم بالمئات من عربات القتال وإلى “نتائج ذات أهمية فيما يتصل بالصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي”.
التنسيق مع الغرب …شرط الموافقة الألمانية
تعرضت ألمانيا لضغوط متزايدة من جانب عدد كبير من جيرانها الأوروبيين بهدف دفعها إلى الموافقة على تسليم دبابات ليوبارد، ودبابات ليوبارد الألمانية هي من الدبابات الثقيلة الحديثة ذات التصميم الغربي التي تطلبها كييف من حلفائها، ويقول الخبراء إنها ستكون حاسمة في المعارك المقبلة في شرق أوكرانيا.
وليست هذه المرة الأولى التي تعرض فيها المستشار الألماني، أولاف شولتز، لانتقادات من جهات داخلية وخارجية ولا سيما من جانب كييف، فبالمثل أيضا، تعرض للانتقاد في أبريل 2022 لتحفظه على امداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة ومتطورة كدبابات ليوبارد الألمانية الصنع، وتركيزه فقط على الدعم المالي والإنساني عوضا عن ذلك لدعمها في مواجهة الهجوم الروسي.
ومن المعلوم أن الاستياء الأوكراني السابق من الموقف الألماني كان قد وصل لحد اعلان الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، ضيفا غير مرغوب به في أوكرانيا، حيث خلال زيارته للعاصمة البولندية، وارسو، في 12 أبريل 2022، حيث صرح شتاينماير أن الرئيس البولندي، أندريه دودا، اقترح عليه أن يتوجه كلاهما بصحبة رؤساء دول البلطيق: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا لكييف من أجل وضع وإرسال إشارة قوية للتضامن الأوروبي المشترك مع أوكرانيا.
لكن الغربيين كانوا يخشون احتمال أن تستعمل كييف أسلحتهم في ضرب عمق الأراضي الروسية والقواعد الجوية والبحرية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. ووجه الكرملين تحذيرا واضحا الخميس 19 يناير 2023 مفاده أن تسليم أسلحة بعيدة المدى لكييف “سيعني أن النزاع سيبلغ مستوى جديدا” وذلك ليس “شيئا جيدا للأمن الأوروبي”.
وتجدر الإشارة هنا، أن الغرب نصح أوكرانيا بالتركيز على الجنوب الأوكراني والتخلي عن الشرق الأوكراني الذي لم تحقق فيه كييف تقدما ملحوظا، فالجنوب له أولوية خصوصا شبه جزيرة القرم.
من المهم الإشارة إلى وقوف ألمانيا مثل هذا الموقف المتواضع، فالأكيد أن هناك أسباب سياسية واقتصادية داخلية لذلك. اليوم في ضوء الصراع تنتشر أزمة اقتصادية عالمية نظامية ويشعر الألمان أكثر من الآخرين بأن الراكب المجاني Free Rider هنا هي الولايات المتحدة وشركاتها ومجمعها الصناعي العسكري. لأنها تقوم بإزالة تصنيع أوروبا ابتداء من ألمانيا، وتحويل الاقتصاد الأوروبي في حقيقة الأمر إلى شبه مستعمرة”.
ذاكرة ألمانيا لم تتخلص بعد من أشباح الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية تخيف ألمانيا، ويعتقد أن المستشار أولاف شولتز حذر بخصوص اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى التصعيد في أوكرانيا وتحويل أوربا إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت.
المستشار الألماني شولتس أوضح دائما بأن تسليم أسلحة ثقيلة ممكن فقط بالتنسيق مع الحلفاء. ولن يكون هناك نهج ألماني فردي. وبالإضافة إلى مقاومة الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب شولتس) ربما كانت لديه اعتبارات بمنع حدوث انقسام في الناتو أيضا. ومن خلال ذلك كان يريد منع جعل دولة بمفردها عرضة للهجوم من قبل روسيا، بسبب توفير إمدادات الأسلحة”.
ويتخذ المستشار الألماني أولاف شولتز موقف الحذر من انزلاق ألمانيا إلى نزاعات عسكرية، ويخشى خطوة قد تكون كفيلة بتصعيد روسي.
وفي يوم الأحد 22 يناير 2023، التقى المستشار الألماني رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، بمناسبة مرور 60 سنة (22 يناير 1963) على توقيع اتفاق التعاون الألماني-الفرنسي في قصر الإليزيه للتأكيد على تحالف دشنه البَلدان بعد الحرب العالمية الثانية.
وتعهّدت فرنسا خلال هذا الاجتماع بالفعل بإرسال دبابات خفيفة إلى أوكرانيا، واقترح ماكرون إمكانية تزويد أوكرانيا بدبابات لوكلير الثقيلة فرنسية الصنع.

إذن، أنهت ألمانيا أياماً من الجدل والتردد وأعلنت أخيراً موافقتها على إرسال دبابات «ليوبارد» ألمانية الصنع إلى أوكرانيا، في خطوة لاقت ترحيباً واسعاً من الدول الغربية الحليفة، ومن الداخل الألماني، ومن كييف التي وصفت الخطوة بأنها «تحالف الدبابات الكبير»، على أمل أن تقوم الدول التي بحوزة جيوشها هذا النوع من الدبابات الثقيلة بتزويدها بها في المستقبل القريب.

الموافقة الأمريكية …توحيد الموقف العبر أطلسي
تذرعت الولايات المتحدة الأمريكية في امتناعها عن تقديم دبابات آبرامز القتالية لأوكرانيا بأسباب لوجستية، مفادها أن آبرامز تستهلك كمية كبيرة من الوقود، كما لا توجد قطع غيار لها في أوروبا. في حين أن ليوبارد دبابة أوروبية (مصنعة) للحرب في أوروبا. وبذلك فإن الكرة عادت إلى ملعب شولتس.
موقف واشنطن السابق بشأن تسليم أوكرانيا دبابات ليوبارد الألمانية والإحجام عن تسليمها دبابات آبرامز الأمريكية، يجد تبريره في حاجة كييف إلى 300 دبابة على الأقل لتستطيع إحداث تأثير في ساحة المعركة، حيث تعاني الدبابات الأوكرانية التي تعود إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن من العديد من الأعطال والمشاكل بسبب قلة الصيانة والإهمال قبل الحرب. والدبابة التي تمثل عماد سلاح المدرعات في أوكرانيا حالياً هي تي 64 السوفييتية التي دخلت الخدمة قبل نحو نصف قرن تقريباً.
فالأولوية إذن يجب أن تكون لتجهيز عدد كبير وبسرعة من الدبابات. قوات البحرية الأمريكية استبعدت كتائب الدبابات في إطار تغيير استراتيجي، ودبابات أبرامز هذه يمكن استخدامها بشكل مفيد في أوكرانيا”.
إن تحفظ واشنطن السابق وعدم تقديمها دبابات قتالية وصواريخ بعيدة المدى نسبيا لأوكرانيا، يرجع إلى خشية البيت الأبيض من التصعيد في الحرب إذا خسر بوتين المزيد من الأرض. الروسي قادر على كل شيء، لكن ليس هناك سبب معقول أو استراتيجي لتقديم السلاح لأوكرانيا فقط بما يكفيها للقتال لعدة أشهر دون فرصة لتحقيق النصر.
وكالة بلومبرغ الأمريكية كشفت، الأربعاء 24 يناير 2023 أن واشنطن أكدت أنها سترسل منها 31 دبّابة إلى كييف مقابل 400 مليون دولار.
هذا “التغيير المشهود” في موقف الولايات المتحدة جرى عقب مكالمة أُجريت في 17 يناير 2023، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز، وافق خلالها بايدن على النظر في إمداد أوكرانيا بدبابات أبرامز، ضد قرار وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
ورحّب المشرعون الأميركيون من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بهذا التحول في موقف إدارة بايدن، بعد «المواجهة» بين الولايات المتحدة وألمانيا، حول من سيتخذ الخطوة الأولى. وضغط الكثير من قادة الكونغرس على بايدن، للإعلان عن هذه الخطوة، حيث انضم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال والسيناتور الديمقراطي شيلدون وايتهاوس.
أم1 أبرامز (بالإنجليزية: M1 Abrams) هي دبابة قتال رئيسية أمريكية من الجيل الثالث دخلت الخدمة في الجيش الأمريكي عام 1980 لاستبدالها بدبابات إم-60 باتون. تزن دبابة إم1 أبرامز نحو 63 طنا وهو مسلحة بمدفع من عيار 120 ملم ورشاشين عيار 7.62مم وزودت الأبرامز بمحرك توربيني بقوة 1,500 حصان. أطلق على الدبابة اسم ابرامز نسبة إلى الجنرال كريتون أبرامز، رئيس الأركان وقائد الجيش الأمريكي في فيتنام من 1968 إلى 1972.
صممت دبابة أبرامز لحرب المدرعات الحديثة، ومن المميزات الجديره لهذه الدبابة هو درعها الثقيل واستخدامها لمحرك لتوربين الغازي والاعتماد على الدرع المركب المتطور، وخزانة ذخيرة منفصلة في غرفة الإطلاق لسلامة أمن الطاقم. تعتبر دبابة أم 1 أبرامز من أثقل الدبابات القتالية الأساسية في الخدمة حاليا.
– آخر إصدار من الدبابة هو M1A2 Abrams، وهي واحدة من أكثر دبابات القتال الرئيسية تقدمًا في العالم، وهي الإصدار الثالث بعد دبابات M1 وM1a1
– الدبابة مسلحة بمدفع Smorts Smooth 120 مم XM256، يمكنه إصابة الأهداف بدقة على بعد أكثر من 3 آلاف متر
– تحتوي الدبابة على مدفع رشاش 7.62 M240 ومدفع رشاش ثقيل من عيار 50 M2 Browing
– تعمل بمحرك توربينات غاز ينتج 1500 حصان
– تصل سرعتها إلى 42 ميلًا في الساعة
– تتميز بقدرتها على المناورة، كما يمكنها إطلاق مجموعة متنوعة من الطلقات المختلفة، ضد المركبات المدرعة والأفراد.
في أوائل عام 2021، حصلت شركة “جنرال دايناميكس لاند سيستمز ” على عقد بقيمة 25 مليون دولار لإضافة برامج تدريب جديدة ولزيادة قدرات الأمن السيبراني للجيل القادم من M1 Abrams.
بالإضافة إلى ذلك، فازت شركة “ليوناردو دي آر إس” Leonardo DRS بعقدين في يونيو/حزيران 2020، بقيمة 310 مليون دولار، لتزويد الدبابة بنظام MFoCS الحديث ومجموعة من أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيّات، بينما حصلت شركة GDLS في عام 2017، على عقد لتصميم SEPv4؛ الجيل التالي من دبابة Abrams.
ووفقًا للجيش الأمريكي، ستتضمن النّسخة المُطوّرة SEPv4 ما يلي:
– تحسين المهداف الأساسي Gunner’s Primary Sight (GPS).
– تطوير جهاز تحديد المدى بالليزر (LRF) Laser Range Finder ودمج كاميرا ملونة.
– تحسين دقة إطلاق النار.

تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا…التوازن العسكري المطلوب
- من الناحية التكتيكية، تعاني الدبابات الأوكرانية التي تعود إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن من العديد من الأعطال والمشاكل بسبب قلة الصيانة والإهمال قبل الحرب. والدبابة التي تمثل عماد سلاح المدرعات في أوكرانيا حالياً هي تي 64 السوفييتية التي دخلت الخدمة قبل نحو نصف قرن تقريباً.
وستمنح المركبات المدرعة القوات الأوكرانية قدراً أكبر من خفة الحركة والقدرة على دعم وحماية قوات المشاة أثناء نقلها إلى ساحة المعركة، لاسيما مع مواصلة روسيا شن هجمات بطائرات بدون طيار على المشاة الأوكرانية، بالإضافة إلى قدرتها على توجيه ضربات للدبابات الروسية حيث إنها مزودة بنظام صواريخ مضادة للدبابات.
ويرى العديد من الخبراء أن ليوبارد 2 تضاهي الدبابة الأمريكية ابرامز أم 1 من حيث الأداء ودقة الإصابة والسرعة والإمكانيات وربما الفارق الوحيد بينهما أن الأمريكية مزودة بمحرك نفاث يعمل على الكيروسين مثل الطائرات وتستهلك كميات كبيرة من الوقود وهو ما يجعل مدى عملها اقل بكثير من مدى عمل ليوبارد رغم ان قوة محركي الدباباتين هو 1500 حصان.
- فاعلية الأسلحة المشتركة: إن “معركة الأسلحة المشتركة” بمكن تشبيهها بالحمض النووي العسكري الاستراتيجي لحلف الناتو متوارث من حقبة الحرب الباردة. وتعود فكرة استراتيجية الأسلحة المشتركة إلى “كارل فون كلاوزفيتز(1780-1831)،Carl Philipp Gottlieb von Clausewitz الجنرال والمؤرخ الحربي (من بروسيا). في أوائل القرن التاسع عشر وما زالت تُدرس في الأكاديميات العسكرية الغربية حتى اليوم.
الواضح أن روسيا أظهرت في أوكرانيا عجزها عن القتال بالأسلحة المشتركة، لكن الاتصال والتنسيق على وجه الخصوص سيئان في الجيش الروسي، لأن روسيا ورثت “الهيكل العظمي، الهيكل التنظيمي الصدئ للجيش السوفيتي”، واستفاد الجيش الأوكراني في المقابل، وهو منبثق أيضًا من الاتحاد السوفيتي، من برامج التدريب الأمريكية والكندية، خاصة للقادة الأوكرانيين الشباب، منذ “دخول الكرملين عام 2014”. بالإضافة إلى ذلك، “مئات الآلاف من الأوكرانيين لديهم خبرة في الخطوط الأمامية منذ عام 2014”.
قبل أيام قليلة، مارس الرئيس البولندي أندريه دودا، أثناء زيارته مدينة لفيف في غرب أوكرانيا، ضغوطًا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، وأعلن أنه يريد تزويد أوكرانيا بـ “دفعة من دبابات ليوبارد2” مع دول غربية أخرى، إذا ما وافق حزب المستشار الألماني في برلين على التخلي عن رفضه تسليمها لأوكرانيا.
دبابات ليوبارد 2 هي من صنع ألماني، لذلك فهي تحتاج إلى موافقة مسبقة من مجلس الأمن الفيدرالي التابع للحكومة في برلين، برئاسة المستشار أولاف شولتس، على تصدير أسلحة كهذه إلى منطقة حرب أو منح الإذن للدول التي ترغب في تقديمها لأوكرانيا.
بالرغم من صعوبة تحديد العواقب الاستراتيجية التي سيتسبب فيها دخول المركبات الغربية الحديثة ساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا في الوقت الحالي، فمن المحتمل أن تساهم مركبات برادلي الأمريكية بجانب المركبات الألمانية والفرنسية في تعزيز قدرات القوات الأوكرانية ومنحها فعالية أكبر في “عمليات الأسلحة المشتركة”، حيث يمكن إشراكها إلى جانب الدبابات والمشاة. كما أن القدرات العالية للمركبات على المناورة إلى جانب سرعتها الكبيرة نسبياً ستسمح لأوكرانيا بتحقيق نجاحات في الاشتباكات الصغيرة.
رغبة كييف في التحول من الدفاع إلى الهجوم
لا تتوفر أوكرانيا على دبابات قتالية حديثة في معاركها مع القوات الروسية حيث تحتاج إلى نحو 300 دبابة وكذلك من 600 إلى 700 مركبات مدرعة و500 مدفع هاوتزر لتمكنها من صد الهجمات الروسية، والأهم من ذلك لتمنح أوكرانيا القدرة على شن هجوم مضاد جديد على القوات الروسية، بالإضافة إلى حاجة كييف للحصول على أنظمة دفاع جوي إضافية لمواجهة القصف الروسي الذي ارتفعت وتيرته في الشهور الأخيرة على المدن والبنية التحتية الحيوية الأوكرانية.
ويشدد مسؤولون أمريكيون كبار على أهمية توفير معدات روسية الصنع لأوكرانيا، نظرًا لكونها مألوفةً لدى قوات كييف. بالمقابل، يحذرون من صعوبة تدريب تلك القوات على استخدام الأنظمة الغربية الجديدة في الوقت اللازم، نظرًا لاحتمال تصعيد الهجمات الروسية خلال الشهور القليلة القادمة.
وفي سياق هذه الصعوبات، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة لحلف الناتو مارك ميلي، يوم الجمعة 20 يناير 2023، بأن تحقيق نجاعة المساعدات العسكرية الغربية “سيكون عبئًا ثقيلًا للغاية”، كون “الأوكران لديهم عناصر يجب تدريبهم، وبالنظر إلى الطقس والتضاريس، وما إلى ذلك، يمكنك أن ترى أن لدينا فترة زمنية قصيرة نسبيًا لإنجاز المهمة”. قبل أن يتابع حديثه: “أعتقد أنه يمكن القيام بذلك، لكنني أعتقد أنه سيكون تحديًا”.
اجتماع “رامشتين” …نحو تحالف الدبابات
انتهى اللقاء في قاعدة “رامشتين” الجوية باتفاقية بتزويد أوكرانيا بالمزيد من العربات المصفحة وأنظمة الدفاع الجوي والذخيرة، لكن ينظر إلى دبابات ليوبارد 2 على أنها كفيلة بالتأثير على التوازن العسكري، لأنها سهلة الصيانة ومصممة للتنافس مع دبابات تي 90 الروسية المستخدمة في حرب أوكرانيا.
وقد سبق لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميلي، أن أوصيا بعدم إرسال دبابات أبرامز لأوكرانيا، وبررا ذلك بأن التدريب عليها سيستغرق الكثير من الوقت، إلى جانب أن صيانتها صعبة، كما قالا إنها ليست مناسبة للقتال في أوكرانيا حاليًا.
وقد ذكرت مجلة شبيغل، الثلاثاء 24 يناير 2023، أن المستشار الألماني أولاف شولتز قرر إرسال دبابات “ليوبارد 2” إلى أوكرانيا والسماح لدول أخرى مثل بولندا بالقيام بذلك، بينما قد تقدم الولايات المتحدة دبابات أبرامز.
ووفق المجلة فإن القرار يتعلق بمجموعة واحدة على الأقل من دبابات ليوبارد2 من طراز إيه6 سيتم توفيرها من مخزون الجيش الألماني في بوندسفير.
حلفاء آخرين، في الدول الإسكندنافية على سبيل المثال، يعتزمون الانضمام إلى ألمانيا في تزويد كييف بدبابات ليوبارد.
يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تصريح للمتحدث باسم شركة راينميتال الدفاعية الألمانية لمجموعة (آر.إن.دي) الإعلامية قوله إن الشركة قد تسلِّم 139 دبابة ليوبارد القتالية إلى أوكرانيا إذا لزم الأمر.
وأوضح المستشار الألماني أولاف شولتس، الأربعاء، 25 يناير 2023 أن بلاده ستدعم أوكرانيا، لكنها في الوقت نفسه تريد تجنب حرب محتمَلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك خلال جلسة أسئلة وأجوبة في البرلمان الألماني حول قضية توريد أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا.
كما دافع شولتس عن قرار حكومته إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا، إلا أنه أكد أيضاً أن “برلين لا تريد مزيداً من التصعيد مع روسيا”، لافتاً إلى أن جميع الإجراءات والقرارات، التي تساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، اتُّخذت باتفاق تعاون وثيق مع حلفائنا”.
أما روسيا، فلم تَجد في القرار الألماني إلّا خطوة إضافية على طريق تصعيد الصراع الدائر في أوكرانيا.
كما تعهدت دول أخرى بتزويد أوكرانيا بدبابات، ومن تلك الدول المملكة المتحدة التي تعهدت بإرسال عدد 14 دبابة Challenger 2 إلى أوكرانيا. ورغم أن دبابات Challenger 2 قد تكون فعالة في ساحة المعركة لكنها قد تمثل عبئاً لوجستيا على أوكرانيا بسبب قلة عددها واستخدامها لذخائر خاصة بها لا تتطابق مع مواصفات ذخائر حلف الناتو أو ذخائر الدبابات الروسية التي تملكها أوكرانيا.
وتستعد 9 دول لإرسال دبابات إلى أوكرانيا، وسترسل بولندا ما يصل إلى 14 دبابة من طراز “ليوبارد 2″، بعد موافقة برلين، كما تدرس الحكومة النرويجية إرسال دبابات “ليوبارد 2″، أيضا إلى أوكرانيا.
فنلندا كذلك أعلنت أنها سترسل دبابات “ليوبارد 2″، ولكن بشكل محدود، لأنها لم تنضم بعد إلى حلف شمال الأطلسي، كما أعلنت هولندا أنها مستعدة لتوريد دبابات قتالية إلى أوكرانيا.
الحكومة الإسبانية، كذلك، قالت إنها لا تمانع من إرسال دبابات “ليوبارد 2″، كما تدرس الحكومة الفرنسية، إرسال دبابات لوكلير، لكنها قالت إن الصيانة الكبيرة للدبابة تعني أنها ليست مثالية.

لماذا تتحفظ واشنطن بخصوص إمداد كييف بطائرات F 16؟
تستعد أوكرانيا لاستلام ما بين 120 و140 دبابة كدفعة أولى من شحنات واردة من تحالف يضم 12 دولة، فيما يعمل المسؤولون في كييف خلف الكواليس للحصول على موافقة مزيد من الدول على تزويد بلادهم بدبابات.
وتضع كييف الآن الطائرات المقاتلة الغربية “نصب أعينها”، وسط ردود فعل إيجابية
ويضغط مجموعة من المسؤولين العسكريين سرا على وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون“، للموافقة على إرسال مقاتلات طراز “F 16” إلى أوكرانيا، لمساعدتها في الدفاع عن نفسها من هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.
أوكرانيا أدرجت المقاتلة الأميركية “F 16” على قائمة الأسلحة التي ترغب في الحصول عليها منذ بداية الروسي في فبراير 2022. لكن واشنطن وكييف اعتبرتا أن المدفعية، والمدرعات، ومنظومات الدفاع الجوي الأرضية متطلبات أكثر إلحاحاً، مع سعي أوكرانيا إلى حماية البنية التحتية المدنية، واستعادة أراضٍ احتلتها القوات الروسية.
وترغب أوكرانيا في الحصول على مقاتلات حديثة مثل المقاتلات الأميركية “F 15″، أو “F 16″، أو نظيراتها الأوروبية مثل “تورنيدو” الألمانية، أو “جريبن” السويدية، لتحديث أسطولها من الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
وعلى الرغم من تقادم المقاتلات الأوكرانية، إلا أن الدفاعات الجوية في كييف نجحت في منع روسيا من السيطرة على أجوائها منذ بداية الحرب في 24 فبراير 2022، لم يكن لأي طرف تفوق جوي في الأشهر الأخيرة، ولكن المسؤولين يشعرون الآن بالقلق من نفاد الصواريخ اللازمة لحماية الأجواء.
وترى مسؤولون في البنتاجون، أن المقاتلات الحديثة ربما تمثل أحد الحلول لهذه المشكلة، إذ تحمل مقاتلات “F 16” صواريخ جو -جو قادرة على إسقاط الصواريخ والطائرات المُسيرة، وهي أيضاً قادرة على التحرك في جميع أنحاء المنطقة بسرعة لحماية أهداف مختلفة، على عكس أنظمة “باتريوت”، وأنظمة الصواريخ أرض -جو التي يرسلها الغرب حالياً إلى أوكرانيا.
وردا على سؤال لصحافيين في البيت الأبيض يوم الاثنين 30 يناير 2023 عما إذا كان يؤيد إرسال هذه المقاتلات إلى كييف كما طلب منه ذلك عدد من القادة الأوكرانيين أجاب بايدن “كلا”.
الولايات المتحدة متحفظة على هذه الخطوة، لأسباب تتعلق بقلقها من تصعيد الحرب وتوريط الناتو بها، والشكوك في أن حصول أوكرانيا على طائرات غربية سيكون صعباً من الناحية الفنية والتدريب، وقليل الجدوى في مواجهة التفوق الجوي الروسي الكبير. ما قد يدفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى استخدام أسلحة نووية.
يشبه ذلك سيناريو الدبابات، بدأ الغرب منذ فترة، في حديث غير رسمي عن تزويد أوكرانيا بالدبابات، ثم الإعلان الرسمي عن تقديم آليات برادلي المدرعة القتالية التي توصف بالدبابة الصغيرة.
من جانبه، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب محادثات أجراها في لاهاي مع رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، أنّ تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة لتعزيز قدرتها على التصدّي للهجوم الروسي “ليس أمراً مستبعداً”، محذّراً في الوقت نفسه من خطر تصعيد الحرب.
لكنّ الرئيس الفرنسي شدّد على أنه قبل اتخاذ أي قرار في هذا الشأن يجب النظر في عدة معايير وهي التالية:
- طلب أوكرانيا رسمياً لهذا النوع من الأسلحة
- التأكد من أن توجهاً فرنسياً من هذا النوع لن ينتج عنه تصعيد أو مواجهة شاملة بين الناتو وروسيا.
- التأكد من أن هذه الأسلحة لن تستخدم لاستهداف الأراضي الروسية بل فقط لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها
- التأكد من أن تزويد كييف بها لا يضعف قدرات الجيش الفرنسي
الموقف ذاته في بولندا؛ إذ لم يستبعد رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي؛ إمكانية توريد طائرات F-16 إلى أوكرانيا، بالتنسيق الكامل مع دول الناتو.
الموقف الروسي…إصرار على تحقيق النصر
بينما تحتدم المعارك في الجانب الأوكراني الشرقي على الحدود مع روسيا وفي باخموت بالخصوص، أعلن عدد من حلفاء كييف الغربيين اعتزامهم –بشكل بدا معه خلاف بينهم-تزويدها بمركبات قتالية جديدة ودبابات، في المقابل أعلنت موسكو أن هذه الأسلحة لن تغير شيئا على الأرض، بل ستصبح هدفا مشروعا للقوات الروسية.
الرئيس الروسي السابق وحليف بوتين المقرب، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، دميتري ميدفيديف، يحذر من “تحالف عسكري جديد” مناهض للولايات المتحدة، رداً على قيادة الأخيرة لجبهة غربية مناهضة لموسكو بسبب الحرب الأوكرانية. في الواقع تصريحات ميدفيديف، تُعد الأكثر تصعيدا تجاه واشنطن منذ بدء الحرب الروسية في فبراير 2022، كما إنها أصبحت أكثر عداءً ضد الغرب بشكل علني.
أن روسيا “قد تنضم إلى دول أخرى تعارض الهيمنة الأمريكية وتشكل تحالفًا عسكريًّا يهدف إلى إضعاف هيمنتها في السياسة العالمية.
وحسب ميدفيديف فإن إطالة أمد الحرب قد تأتي بنتائج عكسية؛ ما يؤدي إلى تشكيل التحالف العسكري دون تقديم تفاصيل حول الدول التي يمكن أن تنضم إليه، وما هي أهدافه. وأوضحت أن هناك العديد من الدول التي تحالفت مع روسيا وسط حرب أوكرانيا التي يُنظر إليها أيضًا على أنها من أعداء للولايات المتحدة، بما في ذلك الصين.
المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن “الدبّابات الأميركية والألمانية ستحترق مثل غيرها”، معتبراً أن «فكرة إمداد أوكرانيا بدبّابات أبرامز الأميركية فاشلة لأسباب تكنولوجية”. ونبّه بيسكوف إلى أن “الشعب الأوروبي هو مَن سيتحمّل عبء توريد الدبّابات لأوكرانيا، بينما سيجني الأميركيون أرباحاً جيّدة”.
وكانت وزارة الدفاع الروسية حذرت، من أن البلدان التي تفتح قواعدها الجوية لأوكرانيا، ناهيك عن إرسال طائرات مقاتلة، لشن هجمات على روسيا قد تعتبر طرفا في الصراع.
وعلى رغم التحذيرات الروسية من خطورة الخطوتَين الأميركية والألمانية، إلّا أن الخبراء العسكريين الروس يؤكدون أنه لن يكون لهما أيّ تأثير جدّي على سيْر المعارك في أوكرانيا.
وقد نقلت وكالة الإعلام الروسية عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف قوله اليوم الاثنين (30 يناير/ك انون الثاني 2023)، إنه ليس من المنطقي أن تجري روسيا محادثات مع أوكرانيا أو الدول الغربية التي “تحركها كالدُمى” بعد أن قررت الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بدبابات.
يتزامن ذلك مع دعوة وجهها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ لكوريا الجنوبية وذلك من أجل “تكثيف” مساعدتها العسكرية لأوكرانيا، مقترحا عليها مراجعة سياستها المتمثلة في عدم تسليح الدول المتحاربة.
وتعدّ كوريا الجنوبية مُصدِّرا مهما للأسلحة على الصعيد العالمي ووقعت في الآونة الأخيرة عقودا لبيع مئات الدبابات إلى دول أوروبية بما في ذلك بولندا. لكن قوانينها تمنعها من بيع أسلحة لدول في حالة حرب، وهو ما يجعل من الصعب تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا التي زودتها سيول معدات غير مميتة ومساعدات إنسانية.
يتعين على الأوكرانيين عدم استخدام الأسلحة الغربية لشن هجوم مضاد على الأراضي الروسية، وأنه ربما يتعين عليهم كبح أنفسهم عن مهاجمة الأراضي الروسية تماما. وإذا كان للكرملين خط أحمر، سواء بوجود أو عدم وجود بوتين، مثل هذا التغلغل سيكون تجاوزا لذلك الخط كما تنص العقيدة النووية الروسية.
بالنتيجة، يجب على الغرب مساعدة أوكرانيا على الفوز بسرعة بمزيد من الأسلحة وإلغاء القيود الأميركية على الطريقة التي تشن بها أوكرانيا الحرب، لأن هذا المأزق الطويل والقبيح في أوكرانيا سيجعل روسيا في وضع يتيح لها تهديد جيرانها لسنوات قادمة، وذلك سيكون أكثر تكلفة للولايات المتحدة وأوروبا، وعندئذ ستتحول الإشادة بمساعدة أوكرانيا إلى انتقادات قاسية ومستحقة إذا استمرت الحرب وفازت روسيا في حرب الاستنزاف الدموية هذه.