إعداد: اليان بطرس
مدير برنامج دراسات العلاقات الدولية
يعد ملف أيرلندا الشمالية من أهم الملفات التي يعول عليها في تحديد مستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تفاقمت التحديات أمام المملكة المتحدة ووقعت في مأزق مع أيرلندا الشمالية خاصة بعد الاضطرابات الشديدة داخل أيرلندا لعدد من الأسباب من بينها اللاجئين والهجرة والقطاع الصحي وعدد من الملفات التي وعد سوناك بحلها بزيادة فرص العمل وخفض الديون، وجاء هذا في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للمملكة المتحدة من أزمات داخلية وخارجية وتدهور اقتصادي أدى إلى انكماش شديد بخلاف تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة كورونا والتعامل معها، وبالتالي كان عليها احتواء الموقف وخلق حلول لازمات أيرلندا الشمالية التي تعد مقاطعة تابعة للمملكة المتحدة حتى الآن ولا تريد المملكة أن تخسرها أو تتخلى عنها وتسعى لتجنب احتدام الموقف بينهما.
خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي رسميًا يناير 2020 وعلى أساسه غادرت الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية الموحدة في يناير 2021 في نهاية الفترة الانتقالية للبريكست، وهذا الاتفاق نتج عنه بروتوكول خاص بأيرلندا الشمالية وهو ما يفرض مراقبة الشحن الوافد عبر أيرلندا الشمالية من بريطانيا، جاء هذا البروتوكول في محاولة للحفاظ على السلام الذي وقع عام 1998، ولكن هذا البروتوكول كان سبب لعدد من الخلافات والتوتر في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وفى هذا السياق جرت المفاوضات خلال السنوات القليلة الماضية لحل مشكلات هذا البروتوكول، ففي 2020 حاول بوريس جونسون التفاوض على البروتوكول الأصلي ولكن كان هناك اعتراض كبير على أرض الواقع لنصوص هذا البروتوكول وبمجيء سوناك ألغى مشروع القانون الذي دار الجدل حوله، وتم التفاوض من أجل اصدار اتفاقية تسمى بريكست الجديد لحل مسألة أيرلندا الشمالية مع المملكة المتحدة ويحسن من العلاقات بين المملكة والاتحاد الأوروبي بعد توترات السنوات الماضية.
لمحة تاريخية حول الصراع المحتدم في أيرلندا الشمالية وعلاقتها بالمملكة المتحدة
عندما حصلت أيرلندا على استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1922، ظلت ست مقاطعات من بينهم أيرلندا الشمالية جزءًا من المملكة المتحدة وعلى أثرها استمر العنف في أيرلندا الشمالية بين القوات الجمهورية التي أرادت أيرلندا موحدة والقوات الموالية التي أرادت البقاء في المملكة المتحدة.
عانت أيرلندا الشمالية من حقبة يكسوها العنف الطائفي، وقد أستمرت ثلاثون عامًا من القتل وأعمال الشغب والتفجيرات بدأت منذ نهاية الستينيات وحتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين، إذ بدأ الصراع بين أيرلندا الكاثوليكية وانجلترا البروتستانتية، حتى تفاقم الصراع فيما بينهم حتى وصل إلى تقسيم الجزيرة إلى الجمهورية الأيرلندية الكاثوليكية بعد محاولات الأغلبية الكاثوليكية للاستقلال والتخلص من السيطرة البريطانية حتى نجحوا في الاستقلال عن المملكة، ولكن بقت أيرلندا الشمالية ذات الانتماء الطائفي البروتستانتي تحت سيطرة التاج البريطاني ومنذ ذلك الحين وهى مقاطعة تابعة للمملكة المتحدة.
في عام 1968 ظهرت حركة الحقوق المدنية أطلقها مجموعة من الشباب القوميين الكاثوليكيين نتيجة التمييز الذي عانت منه الطائفة الكاثوليكية الام وبدأت المسيرات الاحتجاجية وتوالت المعارك واستمر العنف حتى انتهت هذه الحقبة الدموية رسميًا بتوقيع اتفاق الجمعة العظيمة سنة 1998 لينهى عقودا من العنف.
انضمت أيرلندا إلى المجموعة الأوروبية في عام 1973 واتحاد العملات في منطقة اليورو في عام 1999، ولكن خلال الفترة القليلة الماضية شهدت العاصمة بأيرلندا الشمالية اضطرابات عنيفة ومن هنا جاءت التخوفات بشأن المنطقة حيث أسترجع الجميع الصراعات التاريخية السابقة وحجم العنف الذي حدث بين البروتستانت والكاثوليك، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وفقدها العديد من المزايا التي كانت تنعكس بالتبعية على أيرلندا الشمالية ومن هنا ظهرت التخوفات بشأن أن يعاد صراع الماضي من جديد.
ما هو البروتوكول الخاص بأيرلندا
هو جزء من اتفاقية الانسحاب بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وهي معاهدة دولية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تحدد كيفية عمل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، حدد البروتوكول علاقة أيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بما يضمن عدم وجود فحوصات وتفتيش على البضائع التي تنتقل بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا وباقي دول الاتحاد الأوروبي.
وتمت الموافقة على البروتوكول كجزء لا يتجزأ من اتفاقية الانسحاب، ودخل حيز التنفيذ منذ 1 فبراير 2020 وله آثار قانونية بموجب القانون الدولي، والهدف من البروتوكول هو حماية اتفاقية الجمعة العظيمة (بلفاست) بجميع أبعادها، والحفاظ على السلام والاستقرار في أيرلندا الشمالية، وتجنب وضع حدود معرقلة في جزيرة أيرلندا، للحفاظ على سلامة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
في عام 2021 وبعد مواجهة الشركات والافراد صعوبات متعددة طلبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تغيير بعض بنود البروتوكول والتعامل بمرونة فيما يتعلق بعدد من المجالات من بينها تقليل عمليات الفحص والأوراق والإجراءات في نقل الماشية والحيوانات الاليفة وحصص الصلب الى جانب حل المشاكل المتعلقة بالأدوية وإمكانية توافرها.
وفى نفس العام طالبت المملكة بإزالة اختصاص محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بشأن البروتوكول واستجاب حينها الاتحاد الأوروبي لبعض النقاط ولكنة رفض إزالة دور محكمة العدل وهو ما اثار غضب المملكة المتحدة ودفعها للإعلان عن اصدار تشريعات تعلق أجزاء من البروتوكول وهوما اطلق علية فيما بعد مشروع قانون بروتوكول أيرلندا الشمالية، هذا الخلاف الدائر بين المملكة والاتحاد كان أحد التحديات أمام سوناك فمنذ تولية وهو يبحث لإيجاد حلول لازمة أيرلندا الشمالية حتى يتجنب تصعيد الخلافات كما تخلت حكومة سوناك عن مشروع قانون بروتوكول أيرلندا الشمالية، الذي قدمته سلف سوناك ليز تروس، والذي من شأنه أن يمنح الوزراء سلطة إلغاء أحكام البروتوكول من جانب واحد، في بادرة حسن نية تجاه الاتحاد الأوروبي.
حكومة سوناك تحاول السيطرة على الموقف
يعد هذا الاتفاق هو النجاح الأول والابرز لسوناك على المستوى الدبلوماسي بعد تولية المنصب منذ أكتوبر 2022 ومن هنا قد يواجه سوناك تحدى كبير في البرلمان من مؤيدي البريكست كما أن الحزب الاتحادي الديمقراطي بأيرلندا كان يرى أن البروتوكول تهديد لوحدة أيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة ويعتبرونه تهديد لاتفاقية بلفاست لعام 1998.
بعد تولى رئيس الوزراء ريشي سوناك منصبة حاول أن يهيئ الأمور لحل هذه الازمة حيث قام بعمل مباحثات مع رئيس المفوضية الأوروبية لعمل مفاوضات مكثفة في محاولة لاستعادة السيطرة البريطانية في أوروبا بعد المخاوف من تعرضها لعزلة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبالفعل قد نجح سوناك في نهاية فبراير الماضي بالتوصل لحلول مناسبة لهذا الوضع خاصة في قضية أيرلندا الشمالية وضرورة تحقيق الاستقرار هناك وتأكيد اتحادها مع المملكة.
وعلى هذا الأساس عقدت بريطانيا هذه الاتفاقية الأخيرة لتنشأ ممرًا جديدًا للتجارة وتلغى أي قيود على التجارة بين المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية وهو ما طال عدد من المجالات من بينها تداول الادوية وتوفير اللحوم المبردة.
تقوم حكومة المملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية باتخاذ مجموعة من الخطوات التي تتحول إلى صكوك ملزمة قانونيًا وتنفيذها بشكل سريع وعلى هذا الأساس ستعقد اللجنة المشتركة بالاتفاقية لتحديد هذه الصكوك.
السبب الأساسي في إلغاء مشروع القانون البرتوكول السابق هو عدم توافقه مع الاتفاقية الحالية وبالتالي أوقف سوناك هذا البروتوكول حتى يتثنى له المضي قدمًا في هذه الاتفاقية الجديدة وحتى تحقق نجاح بدون عواقب تلك البروتوكول في محاولة لتجنب إعادة إنشاء حدود جمركية صعبة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.
اتفاقية فبراير 2023
تهدف الاتفاقية إلى تسهيل تدفق البضائع بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا مع الحفاظ على الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في محاولة لتجنب إعادة إنشاء حدود جمركية معرقلة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا. واتفق الجانبان على التخلي عن البيروقراطية وتسهيل عملية التقليل من الضوابط الحدودية وتقليل عمليات التفتيش الجمركية التي يتطلبها البروتوكول من خلال تقسيم الممرات كالاتي:
ممر أحمر للبضائع التي يمكن إرسالها إلى الاتحاد الأوروبي خاضع للفحص، ممر أخضر للبضائع التي ستبقى في أيرلندا الشمالية غير خاضعة للفحص أو تقديم أوراق ستخضع السلع الغذائية الزراعية مثل اللحوم ومنتجات الألبان للضوابط والمراقبة أيضًا. سيتمكن تجار التجزئة للأغذية، بما في ذلك محلات السوبر ماركت وتجار الجملة ومتعهدو الطعام، من نقل الأغذية الزراعية عبر الممر الأخضر، حيث سيتم خفض عمليات الفحص البصري من 100٪ إلى 5٪، وسيتم إلغاء الفحوصات والاختبارات المادية سيتم إلغاء الحظر المفروض على بيع بعض اللحوم المبردة مثل النقانق من بريطانيا العظمى في أيرلندا الشمالية. سيكون هناك آلية مزدوجة لتنظيم الأغذية، بحيث يمكن بيع المنتجات الغذائية بالتجزئة المصنوعة وفقًا لمعايير المملكة المتحدة في أيرلندا الشمالية.
مزايا الاتفاق الجديد فبراير 2023:
- مع هذا الاتفاق ستمنح المملكة أيرلندا حق النقض ضد أي قوانين جديدة للاتحاد الأوروبي وتنطبق على أيرلندا الشمالية لن تشرف محكمة العدل الأوروبية على العملية، لكن سيظل للمحكمة القول الفصل فيما إذا كانت أيرلندا الشمالية تتبع قواعد معينة في الاتحاد الأوروبي
- – هذه الاتفاقية أيضا تعطى المملكة الحق في وضع قواعد ضريبة القيمة المضافة الخاصة بها وضريبة الكحوليات وبالتالي تحل الازمات المتعلقة بتوريد الادوية لأيرلندا الشمالية، مع التيسير بشأن ضريبة القيمة المضافة ورسوم الإنتاج، مصحوبة بضمانات تحمي الاتحاد الأوروبي من مخاطر الاحتيال في حركة البضائع. لن تضطر أيرلندا الشمالية أيضًا إلى اتباع بعض قواعد الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال بشأن ضريبة القيمة المضافة ورسوم الكحول. سيتم تطبيق معدلات صفرية لضريبة القيمة المضافة لتركيب المواد الموفرة للطاقة مثل المضخات الحرارية والألواح الشمسية في بريطانيا وفي أيرلندا الشمالية.
- فيما يتعلق بمجال الصحة والغذاء تعطى الاتفاقية الحق في مرونة وحرية حركة السلع وتلتزم بان تكون الأدوية المتواجدة داخل منافذ البيع المخصص لها في بريطانيا هي نفس الأدوية المتواجدة داخل منافذ البيع في أيرلندا الشمالية وهكذا تبعا بالنسبة لسوق الأغذية والسوبر ماركت حيث تداول السلع والمعلبات والاطعمة المجمدة بالإضافة إلى الأغذية الزراعية المخصصة للاستهلاك وفقًا لمعايير الصحة العامة التي تطبقها المملكة المتحدة.
- أما فيما يتعلق بالحيوانات الاليفة ينطبق عليها المرونة والتسهيل في إجراءات وثائق السفر الخاصة بهم وإعلان المالك بان هذا الحيوان الأليف لن يسافر إلى دول الاتحاد الأوروبي.
- فيما يتعلق بالجمارك تم إعفاء الطرود الخاصة بالمستهلك والتي تذهب إلى مستهلك آخر من متطلبات الجماك الرئيسية وهو ما يخلق حالة من التسهيلات فيما يتعلق بعمليات الشحن وجميع أنواع الطرود، لن يطلب الأفراد والشركات عبر الإنترنت الذين يرسلون طرودًا إلى أيرلندا الشمالية أوراقًا جمركية.
أهمية هذا الاتفاق بالنسبة لأيرلندا الشمالية
أصل الازمة كان في ان أيرلندا الشمالية تشترك مع جمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي يجمعهما حدود برية وأيرلندا الشمالية جزء من المملكة المتحدة فبعد خروج المملكة المتحدة أصبحت هناك ازمة في وضع أيرلندا الشمالية لاحتياجهم لطرق تسمح بتداول السلع بسهولة عن طريق الحدود البحرية.
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تعرضت أيرلندا الشمالية إلى الخطر من احتمالية إعادة فرض حدود في جزيرة أيرلندا وهو ما دفع الاتحاد الأوربي لاحتواء الموقف للحفاظ على السلام الذي كانت عضويتها في الاتحاد الأوروبي سبب فيه وبالتالي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد تعرضت أيرلندا للخطر وازدادت التخوفات من عودة الاضطرابات بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا والمملكة المتحدة.
وفى هذا السياق جاءت اتفاقية الانسحاب لتحافظ على وجود سوقًا مزدوجًا في أيرلندا الشمالية ووصولها الى الاتحاد الأوربي لكن الفحوصات الجمركية وعمليات التفتيش ازمة الموقف وخلقت حدودا بينها وبين المملكة لذلك جاء الاتفاق الأخير لإزالة هذه الحدود والمخاوف.
ردود الافعال
لاقت هذه الاتفاقية رضا كبير من قبل رئيسة أيرلندا اورسولا فون دير لاين حيث اكدت على ان هذه الاتفاقية تنم عن الإرادة السياسية الحقيقية وتحقيق مبدا إعطاء مصالح المواطنين وتسديد احتياجاتهم أولا وهو ما دعم اتفاقية بلفاست وهو ما يساعد في حماية السوق الموحد ويرسخ لمزيد من العمق في العلاقات بين جميع الأطراف والحلفاء المقربين.
حضور الملك تشارليز في التوقيع اثار بعض الأحاديث حول محاولة الزج بالملك في قضية سياسية قد يثار خلاف وانقسام حولها ولكن التوافق الذي حدث في هذا الاتفاق يعطى ثقة للحكومة بالتقدم في تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي مره ثانية.
رحبت غرفة التجارة البريطانية الأيرلندية بالاتفاق الذي أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء ريشي سوناك وترى الغرفة ان هذا الاتفاق بداية فصل جديد في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ويأملون ان يكون بداية جيدة للشركات التي تفكر في الاستثمار في أيرلندا الشمالية أو إنشاء مشاريع مشتركة بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى.
رحب الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتفاق، ووصفه بأنه “خطوة أساسية لضمان الحفاظ على السلام الذي تم تحقيقه بشق الأنفس والتقدم في اتفاقية بلفاست”، وأثنى على جهود الطرفين لإيجاد طريقة للمضي قدماً لحماية مكانة أيرلندا الشمالية في السوق الداخلية للمملكة المتحدة وكذلك السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لصالح جميع المجتمعات في أيرلندا الشمالية”.
كما وعد بدعم الولايات المتحدة للإمكانيات الاقتصادية في المنطقة بشكل كبير، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي للشئون الاقتصادية بقيادته لدعم الجهود الامريكية في هذا الشأن. ويعول على موافقة الولايات المتحدة في هذا الاتفاق لأنها هي بالأساس من رعت اتفاق السلام الذي أطلق عليه الجمعة العظيمة فيما قبل.
أسباب التوصل لهذا الاتفاق في الوقت الحالي
الضغوط السياسية والاقتصادية في المملكة المتحدة إضافة إلى الوضع المتدهور في أيرلندا الشمالية وإعطاء الولايات المتحدة الدعم لهذا الاتفاق، مكنت الأطراف من توقيع إطار عمل وندسور. بعد أن فشلت الحكومات السابقة في الوفاء بوعودها فيما يتعلق بالوضع الاقتصاد البريطاني بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي حيث حاولت أن تتوصل إلى اتفاقية تجارية عالمية.
كما أن انكماش الاقتصاد البريطاني منذ 2019 تسبب في اهتزاز الصورة البريطانية أمام الداخل خاصة وأن معظم استطلاعات الرأي داخليًا تدعم فكرة وجود ترابط وتوثيق للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي لتحسين عملية التجارة فيما بينهم أما فيما يتعلق بالخارج خاصة بين دول مجموعة السبع وضعف من قوتها،
ومن الواضح أن سوناك استوعب هذه التحديات ووضعها أولوية خلال فترة تولية منصبة وعمل منذ مجيئه لحل هذه الأزمة خاصة وأنه تولى بعد فترة شديدة الاضطراب من بوريس جونسون إلى ليز تراس ومجموعة من القرارات المؤثرة والحساسة ولهذا حرص على توطيد العلاقات مع بروكسل بشكل كبير.
الجانب الاخر هو أن الاتحاد الأوروبي يعي أهمية ايرلندا بالنسبة له وأيضًا السبب الاخر هو احتياج الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا ودعمها فيما يتعلق بالعقوبات على روسيا وتسهيل تسليم الأسلحة إلى كييف والمشاركة في هذا الشأن خاصة وان الولايات المتحدة أظهرت دعمها بشكل كبير لهذا التقارب لضمان مصالحها.
كما أن سبق وذكرت أن أيرلندا تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة وهو ما دفعها لرعاية اتفاق الجمعة العظيمة وكانت هي الضامنة لعدم عودة الاشتباكات المسلحة، ثم ترحيبها بهذا الاتفاق الحالي ومن المعروف أن الرئيس جو بايدن ذات أصول أيرلندية وبالتالي فهو حريص كل الحرص على الأوضاع في أيرلندا ودائمًا ما كان يؤكد على ضرورة حل الازمة وأن أي تخاذل في حلها سوف يكون له عواقب شديدة.
خلاصة القول
هناك احتمالية كبيره بقبول الصفقة من قبل برلمان المملكة المتحدة حيث أشارت أحزاب المعارضة إلى أنها ستدعمها، مع وجود معارضة طفيفة بين نواب حزب المحافظين.كما أن هذه الاتفاقية قامت بإزالة العديد من العقبات البيروقراطية فيما يتعلق بحركة السلع في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي خلقت مشاكل ملحة في أيرلندا الشمالية.
وبإنشاء ممر تفضيلي لأنواع معينة من السلع، على رأسها المواد الغذائية والأدوية، سيسمح بالمرور على طول القناة الأيرلندية دون الحاجة إلى الخضوع للضوابط اللازمة حاليًا سيسمح الاتفاق بـتدفق السلع داخل المملكة، مما يجعل هذا الاتفاق حل شامل ومتوازن من حيث مرونة حركة البضائع التي تدخل أيرلندا الشمالية مع الحفاظ على السوق الأوروبي وحمايته.
قدمت بروكسل تنازلات بشأن القواعد التجارية في أيرلندا الشمالية، تتمثل في ضرائب القيمة المضافة ورسوم الكحول. كما انه لن يكون لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي إشراف على بعض الامور بالرغم من أنها تظل الحكم النهائي لقواعد السوق الموحدة الحالية في أيرلندا الشمالية.
وفيما يتعلق بتأثير هذه الاتفاقية على العلاقات البريطانية والاتحاد الأوربييعد هذا الاتفاق نقطة تحول بين الطرفين بعد توتر العلاقات لسنوات ولكن استطاع سوناك أن يحلحل الازمة ويذيب الجليد بما يخلق تعاونا مستقبليا بصورة أفضل بما يخدم مصالح كافة الأطراف وبهذا الاتفاق ستنضم المملكة الى عدد من البرامج فيما يتعلق بالخدمات المالية وفيما يتعلق بالبحث العلمي وتذهب نحو المجالات السياسية والتعاون فيما يتعلق بالعقوبات على روسيا وهو ما سعى إليه الاتحاد الأوروبي لجذب شريك جديد تجاري وسياسي وعسكري وسط أجواء الحرب الأوكرانية وهو ما تدعمه واشنطن لتدعم جبهتها ضد روسيا بشكل أكثر عمقًا.