إعداد: منير جمال يوسف
باحث في العلوم السياسية
يشهد العالم حاليًا العديد من التغيرات الدولية المتسارعة في العلاقات بين الدول سواء صراعية أو تعاونية، ولعل أبرز هذة المتغيرات البيان الثلاثي المشترك الذي أصدر 10 مارس 2023 في بكين بين إيران والسعودية والصين بعد اجتماع مشترك بين الاطراف الثلاثة من 6 وحتى 10 مارس، حيث أتفقت السعودية وإيران على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهم بعد انقطاع دام لمدة 6 سنوات، تحديدًا من يناير 2016 بعدما هاجم عدد من المحتجون الإيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران احتجاجًا على إعدام السعودية للمعارض الشيعي نمر النمر، لم تتوصل السعودية وإيران لهذا الإتفاق بين يوم وليلة، فقد عقدت الدولتين العديد من المباحثات والمفاوضات على مدار عامي 2021 و2022، برعاية الصين وفي ضيافة دولتين وهما سلطنة عمان والعراق بحسب البيان النهائي المعلن، واتفقت ايضًا الدولتين على إعادة فتح السفارات في مدة اقصاها شهرين.
يطرح هذا الأتفاق أو البيان المشترك العديد العديد من التساؤلات أبرزها ما الذي جعل إيران والسعودية يتوصلون إلى هذا الاتفاق وفي هذا التوقيت؟ وما دلالات وجود الصين طرف الوسيط بينهم؟ في الحقيقة تتميز الصين ببعض المقومات التي جعلتها وسيط مثالي بين الدولتين أولها هي ارتباط الصين بعلاقات تجارية واقتصادية مع الدولتين مهمة جدًا فالمملكة تعد شريك استراتيجي للصين في المنطقة في مجال الطاقة غير أن حجم التبادل التجاري بين الدولتين في 2021 بلغ 309 مليار دولار، وبالنسبة للعلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران ايضًا تمثل اهمية بالنسبة للطرفين لحصول الصين على الطاقة من إيران وفي المقابل وجود استثمارات صينية في إيران في مجالات الطاقة والبنية التحتية، والعامل الثاني المهم لدى الصين أنها بعيدة تمامًا عن الصراعات المباشرة حيث تحاول أن تحتفظ بعلاقات ايجابية مع كل الدول تقوم على التعاون الاقتصادي والتجاري والمنافع المتبادلة، ثالثًا الصين تملك ميزة تاريخية تميزها عن باقي الدول الغربية وهي أنها لم تكن مستعمر لأي دولة من الشرق الاوسط ولم تسعى طول تاريخها للتدخل في شؤن الدول الأخرى، وهذا العامل قد شجع فكرة وجود الصين كوسيط يملك ثقة لدى الاطراف المختلفة لحل بعض الخلافات نظرًا لعدم وجود خلافات تاريخية بين الصين وتلك الدول.
أولاً :- تاريخ العلاقات بين إيران والمملكة:-
أتسمت العلاقات بين الدولتين بالتذبذب الشديد وعدم الاستقرار على مدار التاريخ، حيث انقطعت أكثر من مرة كان ابرزها 1943 و1987 وأخيرًا 2016، وعلى الرغم من عودة العلاقات لكن كان يشوبها توتر شديد من الطرفين وعدم وجود ثقة متبادلة لعدة اسباب لعل ابرزها، التنافس على قيادة منطقة الشرق الاوسط فكلا الدولتين يرى أنه الاحق بالتأثير والنفوذ الاكبر، وكان الغرب دائمًا يسعى إلى تأجيج هذا الصراع والتنافس لأنه يضعف الطرفين، فكبر حجم الدولتين ووقوعهم في نطاق جغرافي واحد يذيد من التوتر والحساسية بينهم، ويعتبر اختلاف الاعراق من عوامل زيادة التوتر أيضًا حيث أن طوال التاريخ كانت هناك حروب بين العرب والفرس، أخيرًا قيام الدولتين على نظام ديني صارم مع اختلاف المذاهب حيث أن السعودية دولة سنية في المقابل إيران اكبر دولة شيعية، وبالتالي كل من الدولتين ينظر إلى نفسه بشئ من الفخر والاعتزاز بمذهبة خاصة بعد الثورة الإيرانية 1979.
كل هذة العوامل خلقت جو من التنافس والصراع بين الدولتين مع محاولة الغرب بشكل دائم خلق جو من التوتر بين الطرفين، حتى إن لم يكن مباشر لكنه امتد إلى ميادين وساحات أخرى، حيث أن إيران تعتمد بشكل كبير على عدة اذرع خارجية لها أبرزها حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق علاوة على دعم نظام بشار الاسد في سوريا والتي كانت المملكة تسعى لأسقاطة، فقد استخدمت إيران اذرعها لتؤرق المملكة وتحاصرها وتهدد أمنها بشكل قوي، ونجح الغرب لعدة سنوات في خطتة لزيادة التوتر وخلق جو من عدم الاستقرار إلى ان جائت الصين بعمل هذه الوساطة والخروج بالبيان الثلاثي الذي أعلن 10 مارس والذي اتفقت فيه الدولتين على إعادة العلاقات وهو ما سينعكس بالطبع على تهدئة الاوضاع في المنطقة كلها وحل كثير من القضايا الخلافية.
ثانيًا :- دلالات الوساطة الصينية في عودة العلاقات السعودية الإيرانية :-
- تصاعد النفوذ والتأثير الصيني :-
تضع الصين نفسها على الساحة الدولية بقوة في الفترة الأخيرة كفاعل دولي مؤثر من خلال أكثر من موقف، وهذا تغير جديد على سياسية الصين طوال السنوات السابقة، لأن الصين كانت تركز دائمًا على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، وتبتعد تمامًا عن التصريحات السياسية في القضايا الدولية الشائكة وذات الخلاف، فلا تستطيع أن تحدد سياسة الصين بالتحديد تجاه العديد من القضايا نظرًا لالتزامها بسياسة الصمت والتركيز في نفس الوقت على ذاتها وبناء دولة قوية اقتصاديًا، مما يمكنها من امتلاك النفوذ والتأثير الخارجي.
قد أهتمت الصين بعمل هذه الوساطة نظرًا لأنها تربطها علاقات مهمة بكلا الدولتين اقتصادية وتجارية، وعدم وجود علاقات مستقرة بين الدولتين قد يهدد مصالح الصين بشكل غير مباشر نظرًا لوجود حساسية بينهم، فقد ظهر ذلك عندما تحفظت إيران على القمة الصينية الخليجية التي عقدت في جدة ديسمبر الماضي، بسبب التقارب الصيني الخليجي، في المقابل تحفظت السعودية على التدريبات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران، فقد حاولت الصين التوصل لأتفاق بين الدولتين حتى لا تتعطل مصالحها بأي منهما وبالتالي تسطيع التحرك بحرية أكثر دون التسبب بإزعاج للطرف الاّخر.
من الحياد إلى التدخل الايجابي :-
خلال الفترة السابقة نجد أن الصين بدأت تنفتح بشكل اكبر على الاحداث الدولية، وبدأت تظهر نفسها على أنها دولة محبة للسلام تسعى إلى حل القضايا الخلافية الدولية عن طريق مبادرات سلام أو وساطة، فأعلنت عن مبادرة الامن العالمي في 21 مارس 2022، والتي تتكون من 6 بنود تهدف بشكل عام إلى القضاء على الاسباب الجوهرية للنزاعات الدولية، وكانت بنود المبادرة موجهه بشكل أكبر نحو الأزمة الروسية الاوكرانية، بإعتبارها أكبر تحدي يواجهه العالم حاليًا، والتدخل الايجابي الثاني هو الوساطة بين السعودية وإيران، وتعهد كلا الدولتين بعدوة العلاقات الدبلوماسية بينهم وإعادة فتح سفاراتهم خلال مدة اقصاها شهرين.
قوة الصين الاقتصادية كثاني أقوى اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الامريكية وارتباطها بعلاقات تجارية واقتصادية مع معظم دول العالم مكنها من أن يكون لها دول مؤثر عالمي يمتد في نطاق واسع، وقضايا مختلفة، فسياسة الصين السلمية والغير عدوانية والبعيدة عن الانخراط في الصراعات السياسية والتدخل في شئون الدول كل هذا ساعد الصين بشكل كبير على وجودها كطرف فاعل ومؤثر يحظى بالاتفاق والتوافق بين معظم الاطراف عكس الولايات المتحدة مثلاً والتي تعتبر طرف مؤثر وفاعل ولكن لا يحظى بنفس القدر من التوافق.
تتخذ الصين من دب الباندا المسالم الذي يأكل أوراق الشجر والغير عدواني اطلاقًا شعارًا رسميًا لها، حيث تتبع في سياستها الخارجية نفس هذه الصفات والتوجهات، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في محاولتها لحل الأزمة الاوكرانية الروسية عن طريق مبادرة السلم العالمي، وعودة العلاقات السعودية الايرانية عن طريق الوساطة، فالصين تتبع شعار ننمو معًا وهو متأصل بشكل كبير في السياسة الصينية التي تسعى في علاقاتها مع الدول الأخرى إلى الاستفادة والافادة في نفس الوقت، فهي تركز على مصالح الدول الاخرى بشكل كبير لأنها ترى أن تقدم ونمو الدول الأخرى سيعود بالتبعية عليها بشكل كبير، عكس سياسة الولايات المتحدة التي تركز على مصلحتها أكثر من مصالح الدول الأخرى، وهو ما يسبب استياء لمعظم الدول ويؤثر على ثقتهم في الولايات المتحدة بشكل كبير.
•تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية:-
الملاحظة الأولى هى غياب الولايات المتحدة تمامًا عن المشهد، فالولايات المتحدة كانت لعقود طويلة هي الفاعل الرئيسي الوحيد والمؤثر على الساحة الدولية، فخلال السنوات السابقة لم يحدث أي اتفاق أو وساطة إلا في وجود الولايات المتحدة بشكل مباشر أو على الأقل في وجود أحد شركائها، لكنها تقف حاليًا في موقف المتفرج عاجزة عن فعل أي شئ، بالتأكيد هي منزعجة من وجود الصين بهذا الشكل القوي والمؤثر واستطاعتها للوساطة بين السعودية وإيران، حيث أصبحت الصين تمثل تهديد سياسي وليس اقتصادي فقط بالنسبة للولايات المتحدة.
من الواضح أن الحرب الروسية الاوكرانية لها تأثير كبير على تراجع نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وذلك بسبب توجه اهتمامها بشكل أكبر نحو شركائها الاوروبيين والخطر الذي تمثلة روسيا على أمن واستقرار الاتحاد الاوروبي، وخوفها من خطورة توسع روسيا على حساب دول اخرى بعد اوكرانيا.
تراجع النفوذ الامريكي لم يظهر فقط في الوساطة الصينية الأخيرة بين السعودية وإيران ولكن بدأ يظهر من انسحاب قوات المارينز من العراق في عهد الرئيس الاسبق باراك أوباما، وانسحابهم من سوريا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والانسحاب من افغانستان وسقوط حكومتها التي كانت تدعمها في كابول وسيطرة طالبان على الدولة، علاوة على عدم قدرة الولايات المتحدة على الوصول لإتفاق خاص بالملف النووي الإيراني.
على الرغم أنه يظهر أن الولايات المتحدة كانت تنسحب بإرادتها من المنطقة إلا أن هذا لا ينفي وجود طرح تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة وضعف تأثيرها عن ما كانت علية في السابق، والوساطة الصينية الأخيرة أبرز ما يوضح عجز الولايات المتحدة عن التأثير في بعض الملفات، فكل هذة المؤشرات رغم اختلافها وتنوعها إلا أنها تصب في نتيجة واحدة واضحة لا يمكن انكارها.
ثالثًا: -انعكاسات الوساطة الصينية على الشرق الاوسط: –
بالتأكيد الوساطة الصينية بين إيران والسعودية سيكون لها إنعكاسات عميقة الاثر على الشرق الاوسط، بالطبع لن تظهر هذه النتائج بشكل فوري ولكن إذا نجحت واستمرت ولم تتعرض لأي انتكاسة في المستقبل القريب بالتأكيد أنها ستؤثر بشكل ايجابي على المنطقة ككل في مجال السلم والامن، فقد انتهزت الصين عدم قدرة الولايات المتحدة على التوصل لأتفاق نووي مع إيران وفشلها في ارثاء الأمن العام في المنطقة، وقامت بهذه الوساطة الدبلوماسية والتي ستؤثر بالتبعية على عدد من القضايا الهامة في المنطقة أبرزها:-
الأقلية الشيعية شرق السعودية: –
تواجه السعودية بعض التخوفات الأمنية الداخلية مرتبطة بوجود اقلية شيعية تقع شرق المملكة العربية على حدود البحرين، ولعل المظاهرات التي كانت تسعى لسقوط النظام في البحرين عام 2011 أعتبرتها السعودية تهديد أمنى مباشر لها، لدرجة أنها أرسلت عدد من الجنود لمساندة النظام واجهاض هذه الأحتجاجات، خوفًا من ان تنتقل عدوى الأحتجاجات إليها، ومن المتوقع أن يكون الاتفاق على عدم دعم إيران للأقلية الشيعية التي تتواجد شرق السعودية وفي البحرين، من أهم شروط الأتفاق التي تم التوصل إليها قبل قرار عودة العلاقات.
اليمن :-
بدأت الازمة اليمنية 2011 عندما خرجت مظاهرات تطالب برحيل على عبدلله صالح فيما كان يسمى بثورات الربيع العربي تأثرًا بما حدث في مصر وتونس وليبيا، ولكن حرب اليمن بدأت 2014 عندما انتهزت جماعة الحوثي ضعف الرئيس عبد ربة منصور هادي واستولت على محافظة صعدة الشمالية ثم العاصمة صنعاء، فاستيلاء جماعة الحوثي الشيعية المدعومة من إيران على العاصمة اليمينة بالطبع كان يشكل خطر وتهديد للأمن القومي السعودي، لذلك أعلنت السعودية حربها على اليمن ضد جماعات الحوثي الشيعية المدعومة من إيران، إعادة العلاقات السعودية الإيرانية بعد انقطاع دام 6 سنوات بالتأكيد سيكون له دور على إنهاء الحرب في اليمن والتوافق على حل سلمي يرضي الطرفين.
لبنان :-
حزب الله اللبناني من أقوى أذرع إيران في المنطقة العربية، هو جماعة مسلحة تشير التقديرات إلى أن قوته تتجاوز 30 ألف جندي، يرأسه حسن نصر الله الذي يعلن صراحة في خطاباته أن ولاءه لإيران على الرغم أنه لبناني الجنسية، وبالتالي إعادة فتح قنوات للتواصل بين الدول العربية عن طريق السعودية وبين إيران سيساهم بشكل كبير في السيطرة على دور حزب الله بعد أن كانت إيران تستخدمه كأداه تهدد بها استقرار المنطقة العربية.
العراق :-
من الدول المهمة في المنطقة نظرًا لموقعها الجغرافي فهي تشترك في حدودها مع كلتا الدولتين السعودية من الجنوب وإيران من الشرق، غير أن لها حدود سياسية مع 4 دول أخرى وهم سوريا والاردن والكويت وتركيا، فنظرًا لموقعها فهي تعتبر الدولة العربية الاولى في مواجهة إيران وقد تستخدمها إيران في كثير من الاحيان كقناة تواصل مهمة بينها وبين سوريا ولبنان على سبيل المثيل لدعم اذرعها في هذه الدول، وساعد على ذلك وجود تنوع كبير للاعراق داخل العراق ووجود عدد كبير من المسلمين الشيعة الذين يمثلون 70% تقريبًا من سكان العراق والذين يدينون بالولاء بشكل كبير لإيران خاصة ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية التي تعتبر أحد أهم أذرع إيران، فنجاح الوساطة الصينية سينعكس بالتأكيد على دعم السلام في ملف العراق نظرًا وهدوء الأوضاع بشكل افضل مما سبق.
سوريا :-
القضية السورية من أكثر القضايا تعقيدًا في المنطقة، استمرت الحرب هناك لعدة سنوات ومازالت الصراعات مستمرة حتى الآن نظرًا لتدخل أكثر من طرف في القضية وكل طرف ينظر إلى مصلحتة الخاصة، فأصبحت الاراضي السورية ساحة للمواجه بين الولايات المتحدة وروسيا على المستوى الواسع، وانتقل هذا الصراع إلى مستوى ادنى بين السعودية وإيران من جهة أخرى، لأن السعودية كانت ترى نظام بشار الأسد الشيعي هو ذراع مهم لأيران وبالتالي كانت تسعى لأسقاطة، في المقابل كانت تساندة إيران بشكل قوي للحفاظ على وجودة في السلطة، ولكن قد تخفف الوساطة الصينية وعودة العلاقات من حدة التنافس والصراع بين الدولتين في القضية السورية.
رابعًا :- السيناريوهات المتوقعة بعد الوساطة الصينية بين السعودية وإيران :-
قد ينتج عن هذا الاتفاق الثنائي بين السعودية وإيران برعاية الصين عدد من السيناريوهات التي يمكن توقع بعضها على المدى القريب، فبالتأكيد هذا الحدث سيترتب علية بعض النتائج التي ليست بالضرورة سترتبط بالدولتين فقط أو بمنطقة الشرق الاوسط حتى، لكن سيكون لها تأثير على نطاق عالمي أوسع وفي قضايا أخرى أشمل، فما هي السيناريوهات المتوقعة الحدوث في الفترة المقبلة بناء على الوساطة الصينية: –
أولاً: –
قد يعرقل هذا الأتفاق التطبيع التي كانت تسعى له الولايات المتحدة بين السعودية وإسرائيل، لأن الولايات المتحدة كانت تستخدم إيران كتهديد للأمن السعودي وبالتالي كانت تدفع السعودية في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحجة أن ذلك سيحميها من التخطير الإيراني، لكن بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية قد تشعر السعودية أنها ليست في حاجة ماسة إلى هذا التطبيع على الأقل في الوقت الحالي.
ثانيًا: –
مبادرة الحزام والطريق أو ما كان يسمى طريق الحرير، من أهم أولويات الصين اقتصاديًا وتجاريًا لأنه بإختصار يمثل شبكة طرق برية وممرات بحرية عملاقة تربط قارات العالم القديم، آسيا وافريقيا وأوروبا ببعضهم، لتسهيل عملية أنتقال البضائع والسلع والذي سيكون له بالطبع تأثير اقتصادي على معظم دول العالم والدول التي مخطط أن تمر بها شبكة الطرق، وبإعتبار أن إيران والسعودية كلاهما يقع ضمن شبكة الطرق التي تستهدفها الصين في المبادرة فكان من المتوقع وجود دافع قوي لدى الصين لحل هذة الخلافات حتى لا يتأثر مشروعها بأي شكل من الأشكال.
ثالثًا: –
من المتوقع أن يفتح هذا الأتفاق الباب أمام دول عربية أخرى لتعميق العلاقات مع إيران، بالتأكيد أن هذا الأتفاق قد رفع الحرج عن دول اخرى كانت تضع في اعتباراها في السابق عدم استفزاز السعودية أو إثارة حفيظتها، فما دفع السعودية أن تأتي من بعيد بعد كل هذه الخلافات وتعيد العلاقات مرة أخرى، قد يدفع دول أخرى ليس بينها نفس قدر الخلاف الذي كان موجود بين السعودية وإيران أن تتوصل إلى إتفاق هي الأخرى كما فعلت السعودية.
رابعًا :-
قد نشهد توسع لدور الصين في الشرق الأوسط، فبعد مبادرة السلم العالمي التي اعلنتها الصين بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية، وبعدها التوسط لرجوع العلاقات السعودية الإيرانية، قد نشهد توسط الصين في بعض القضايا الشائكة الأخرى أبرزها الخلاف بين مصر وتركيا، خاصة وأن الصين تملك علاقات سياسية واقتصادية قوية مع كلا الطرفين، وتحظى بثقة الدولتين.
خامسًا :-
نظرًا لتوسع نفوذ الصين في أفريقيا سياسيًا واقتصاديًا عن طريق توسع استثمارتها والمنح التي تعطيها للدول الافريقية، فلا يستبعد أن نجد أنفراجة في قضية سد النهضة والخلاف بين اثيوبيا ومصر عن طريق وساطة صينية، خاصة وأن الصين تملك علاقات جيده جدًا بالدولتين، وتسعى لأن يكون لها دور دولي لحل القضايا المختلفة بشكل سلمي عن طريق التفاهم والحوار.
الخاتمة: –
التحرك الصيني الأخير في الوساطة بين السعودية وإيران والأتفاق على عودة العلاقات بينهم، يعد من أهم وأبرز الأحداث على الساحة الدولية في الفترة الحالية نظرًا لتصدر الصين للمشهد وغياب الولايات المتحدة تمامًا وهو ما قد ينذر بتشكل نظام عالمي جديد يتكون من أكثر من قطب وليس قطب وحيد، وليس بالضرورة تواجد الولايات المتحدة فيه كقوى عظمى، فالصين تحاول وضع قدمًا لها كفاعل دولي مؤثر في القضايا الاقليمية والدولية، فهي الاقتصاد الثاني عالميًا ولكنها بدأت تسعى أن يكون لها نفوذ دبلوماسي وسياسي بجانب النفوذ الاقتصادي.
من المتوقع أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية سيكون له تأثير إيجابي على منطقة الشرق الأوسط، وعلى الدول المحيطة بهم بشكل خاص، حيث أن الدولتين كانوا يواجهون بعضهم ولكن بشكل غير مباشر في ساحات أخرى أبرزها اليمن وسوريا والعراق، والتوصل لأتفاق مبدئي بينهم قد يساهم في حل كثير من القضايا الأخرى.
من المحتمل ايضًا أن يفتح هذا الأتفاق الباب أمام عدد من الدول العربية ويشجعهم بشكل أكبر على التوصل لأتفاقات مماثلة مع إيران، أيضًا قد تتوسع الصين في دورها الدبلوماسي لإرساء السلام والأمن العالميين عن طريق الوساطة في بعض القضايا الخلافية الأخرى نظرًا لتمتعها ببعض السمات التي تميزها عن الغرب عامةً والولايات المتحدة خصوصًا أبرزها أنها ترتبط بعلاقات اقتصادية عميقة بمعظم دول العالم، وبما أن الاقتصاد أصبح يتربع حاليًا على رأس الاولويات لدى معظم إن لم يكن كل دول العالم، فبالتالي أصبحت الصين تمثل شريك استراتيجي لدى جميع الدول، أيضًا سياسة الصين السلمية وشعارها ننمو معًا وتاريخها الخالي من الأطماع والصراعات والاستعمار، كل ذلك جعل منها قوى مثالية تحظى بالتوافق والقبول من معظم دول العالم.